بنو إسرائيل في القرآن الكريم

منذ 2024-09-26

يَنبغي لنا أن نقف على حقيقة أو مَضمونٍ مِن مَضامين هذا الصِّراع بين الحقِّ والباطل، ونقف مع آيات القرآن الكريم، والتي تَلفِت النَّظَر إلى العديد مِن الآيات التي تتحدَّث عن اليهود أو "بني إسرائيل"

بنو إسرائيل في القرآن الكريم

يَنبغي لنا أن نقف على حقيقة أو مَضمونٍ مِن مَضامين هذا الصِّراع بين الحقِّ والباطل، ونقف مع آيات القرآن الكريم، والتي تَلفِت النَّظَر إلى العديد مِن الآيات التي تتحدَّث عن اليهود أو "بني إسرائيل"، فالقرآن الكريم تناول "بني إسرائيل" في آيات كثيرة، حتى قيل: إن أحدًا لم يُذكَر في كتاب الله لا مِن الأنبياء ولا مِن المُرسَلين ولا من الملائكة المقرَّبين، كما ذُكر موسى - عليه السلام - في كتاب الله، فقد ذُكر نحو مائة وثلاثين مرةً، كما أن قصة بني إسرائيل تكرَّرت في القرآن الكريم كما لم تتكرَّر قصة أخرى عن الأمم الأولى، عن الأقوام الذين تلقَّوا الوحْي واستمَعوا إليه، إما استماع طاعة أو استِماع مَعصِيَة، لا بدَّ أن يكون لهذا التَّكرارِ سببٌ، ولا بدَّ أن يكون لهذا التناوُل المُستمِر مِن حِكمَة قصَد إليها الشارعُ الحكيم.

 

مَن هو إسرائيل؟ ومَن هم بنو إسرائيل؟ ولماذا خاطَبهم الله بهذا الاسم؟

يقول ابن كثير في تفسيره: إن إسرائيل هو نبي الله يعقوب، ويُناديهم الله بأبيهم كأنه يقول لهم: يا بني العبد الصالح المُطيع لله، كونوا مثل أبيكم في متابعة الحق، كما تقول: يا بن الكريم، افعل كذا، يا بن الشُّجاع، بارِز الأبطال، يا بنَ العالِم، اطلب العِلم ونحو ذلك، ومِن ذلك أيضًا قوله تعالى: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} [الإسراء: 3]، فإسرائيل هو يعقوب، والدليل على ذلك ما رواه ابن عباس قال: حضرتْ عِصابة مِن اليهود نبيَّ الله -صلى الله عليه وسلم- فقال لهم: «هل تعلمون أنَّ "إسرائيل" يعقوب»؟، قالوا: اللهم نعم، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «اللهم اشهد» ، وقال ابن عباس: إن إسرائيل كقولك: "عبدالله"[1].

 

ما هي العبرة مِن تكرار هذه القصة في القرآن؟

يجيب عن ذلك السؤالِ الشيخُ محمد الغزالي - رحمه الله - فيقول: لا بدَّ أن يكون لهذا التَّكرار سبب، ولا بدَّ أن يكون لهذا التناول المُستمِر مِن حِكمة قصَد إليها هذا الشارع الكريم، ولقد اجتهَدْنا في معرفة الحِكمَة وتَلمُّسِها مِن مظانها الكثيرة، فوجدنا أن القرآن تحدَّث عن بني إسرائيل في مراحلِ تاريخِهم؛ فمرة يَتناولهم بالمدح وإعلاء الشأن والتنويه بالمكانة، ففي سورة الدخان يقول ربُّ العِزَّة: {وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ * مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ * وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} [الدخان: 30 - 32]، فقد كانوا ذات يومٍ الشَّعبَ المُختار، وأن اختيارَهم لم يكن عن مُجازَفة أو عن إيثار فيه محاباة، بل اخترناهم على عِلم، وفي سورة الجاثية يقول - سبحانه وتعالى -: {وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ * وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [الجاثية: 16، 17].

 

وفي آيات أخرى يذمُّهم المولى - تبارك وتعالى - فقال - جلَّ شأنه -: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}  [الأعراف: 167].

 

ومِن الغباء أن يحسب أهل جيلٍ أن الفلك سُمِّر، وأن مَن ارتفع اليوم ستبقى رفعته له غدًا، ومِن الغباء أن يظن الناس أن كتاب التاريخ صَفحة واحدة تبقى ماثلة أمام الأعين، إن التاريخ صَفحات مُتتابِعة، يُطوى منها اليوم ما يُطوى، ويُنشر منها غدًا ما يُنشَر! هنا ما بدٌّ من أن نفهَم العِبرة، العبرة أن الله - جل شأنه - يختبر بالرفعة والوضاعة، يَختبِر بالزلزلة والتَّمكين، يَختبر بالخَوف والأمن، يَختبِر بالثروة يُعطيها وبالفقر يُرسله، يَختبِر بالضَّحِك والبكاء؛ قال تعالى: {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا} [النجم: 42 - 44]، يَختبر بالأمرَين، وعندما يَختبر هو عالم بخلقه، ولكنَّ القاضي لا يَحكم بعِلمه؛ إنما يَحكم بين العباد بما يَظهر مِن أمرِهم؛ حتى تَنقطِع الأعذار، وتخرس الألسنة التي مرنَت على الجدل؛ فإن ناسًا سوف يُبعثون يوم القيامة وهم مُشركون ويقولون لله: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: 23]، فما بدٌّ مِن إقامة الدليل على الناس مِن عملهم هم، يُعطي المال ويقول لصاحبِه: أعطيتُك المال، لا لأنكَ عَبقري؛ لأن عباقرةً يمكن أن يموتوا جوعًا! ولكني أعطيتك المال؛ "أختبرك"! نجد اقتصاديًّا كبيرًا مثل قارون يُقال له: إن الله موَّلك ومنَحك، اعرف حقَّ الله فيما آتاك، اتَّق الله فيما بسط عليك مِن رزق، اطلب الآخرة بما أوتيت في الدنيا، لا تنسَ الله، يَضيق الرجل بالله وذِكر الله ورقابة الله وتقوى الله، ويقول لهم: ما هذا بعطاء الله، هذه عبقريتي أنا! {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} [القصص: 78]، هذا المال لم يأتِني مِنحَة مِن السماء، ذكائي وعبقريَّتي وتَجربتي وخبرتي بشؤون الأسواق والمال هي التي جعلتني ذلك، فكان هذا الشعور بدايةَ الدمار الذي طواه؛ {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ} [القصص: 81]، هذا اختبار سقَط فيه رجلٌ مِن بني إسرائيل.

 

اختبار آخَر لرجل مِن بني إسرائيل، هو "سليمان"، اختبار بالسلطة؛ فإن سليمان وهو في فلسطين طلَب أن يُجاء له بعرش بلقيس، وجيء له بعرش بلقيس، ونظَر الرجل العظيم فوجد أن سلطانه واسع، وأنه أوتي بَسطةً في القوة غير عادية، فهل اغترَّ؟ لا، تواضَعَ لله، وقال: {هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} [النمل: 40]، الحقيقة أنه بالنسبة للأفراد والجماعات، كلُّنا يُختبَر.

 

ثم يقول شيخنا - رحمه الله -: هل قصَّ الله علينا قصة بني إسرائيل تسليةً للمسلمين؟ لا، بل توعيةً للمسلمين؛ كأنه - سبحانه وتعالى - يقول للمسلمين: هذا تاريخ مَن سبَق، يُقرأ عليكم وحيًا مَعصومًا، وتَتْلونه في الصَّلوات وفي مجالِس الرحمة قُرآنًا يُذكِّر الناسين، ويوقظ الغافِلين؛ لكي يتعلموا، فهل تعلَّمتِ الأمة الإسلامية مِن تاريخ بني إسرائيل أن تَستبقي أسباب المدح، وأن تَستبعِد وسائل القدْح؟"[2].

 

ويقول صاحب الظِّلال: وقصَّة بني إسرائيل هي أكثر القصَص ورودًا في القرآن الكريم، والعناية بعرض مواقِفها وعِبرتها عنايةٌ ظاهِرةٌ توحي بحِكمة الله في علاج أمرِ هذه الأمة الإسلامية وتربيتها وإعدادها للخلافة الكبرى، والقرآن لا يَعرض هنا قصَّة بني إسرائيل، إنما يُشير إلى صور منها ومَشاهِد باختصار أو بتطويل مناسِب، وقد وردت القصة في السور المكيَّة بغرض تثبيت القِلَّة المؤمِنة في مكة؛ بعرض تجارِب الدعوة وموكب الإيمان الواصل منذ أول الخليقة، وتوجيه الجماعة المسلمة بما يُناسِب ظروفها في مكة، وأما ذكرها في القرآن المدني بغرض كشْف حقيقة نوايا اليهود ووسائلهم وتحذير الجماعة المسلمة منها، وتحذيرهم كذلك مِن الوقوع في مثل ما وقعت فيه قبلها يهود، وبسبب اختلاف الهدف بين القرآن المكِّي والمدَني اختلفَت طريقة العرض، وإن كانت الحقائق التي عُرضت هنا وهناك عن انحِراف بني إسرائيل ومَعصيتِهم واحدة، ومِن مُراجَعة المواضِع التي وردَت فيها قصة بني إسرائيل هنا وهناك، يتبيَّن أنها متَّفقة مع السياق التي عُرضت فيه، مُتمِّمةً لأهدافه وتوجيهاته[3].

 

أما عن نظرة القرآن لليهود، فيمكن تَلخيصُها في النقاط التالية:

أولاً: اليهود وبنو إسرائيل صِنفان؛ صنف مؤمنون صالحون، وصنف ظالمون عُصاة فاسقون: وقد مدَح القرآن مؤمنيهم، كما ذم فاسقيهم، ولا يَتعامل القرآن مع بني إسرائيل أو اليهود باعتبارهم جنسًا أو قومًا يُقبَل بأكملِه أو يُرفَض بأكملِه؛ وإنما باعتبارهم أفرادًا يَنتمون إما إلى مُعسكَر الإيمان أو معسكر الكفر؛ قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إسرائيل * وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 23، 24]، وقال تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} [النساء: 160 - 162].

 

ثانيًا: إن الظاهرة الغالبة على بني إسرائيل السابقين كانت الكفْر والعِصيان: قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ} [المائدة: 66]، وقال تعالى: {وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} [آل عمران: 110]، وقال تعالى: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ} [آل عمران: 113]، وقال تعالى: {بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 88].

 

ثالثًا: ذمَّ الله - سبحانه وتعالى - عددًا مِن سلوكيات وأخلاق تلك الفئة الغالبة مِن اليهود، وكشَف العديد من صفاتها؛ حتى يَنتبه المؤمنون في التعامُل معها:

1 - شدة العداوة للمؤمنين وبغضهم:

قال تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}  [المائدة: 82]، وقال تعالى: {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [آل عمران: 118، 119]، وقال تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 120].

 

2 - قتْل الأنبياء والرسل:

قال تعالى: {لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ} [المائدة: 70]، وقال تعالى: {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} [البقرة: 87].

 

3 - تحريف التوراة وتزييف كلام الله والافتراء عليه:

قال تعالى: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 75]، وقال تعالى: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [النساء: 46]، وقال تعالى: ﴿ {وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 75]، وقال تعالى: {الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} [آل عمران: 181]، وقال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا} [المائدة: 64].

 

4 - اتخاذ الآلهة والوقوع في الشرك:

فقد عبدوا العجل، فقال تعالى: {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ} [البقرة: 51]، وقال تعالى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} [الأعراف: 138]، وقال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة: 18]، وقال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة: 30].

 

5 - نشْر الفِتنة والفَساد:

قال تعالى: {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [المائدة: 64].

 

6 - الغيرة والحسد وعدم حبِّ الخَير للمؤمنين:

قال تعالى: {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا} [آل عمران: 120]، وقال تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} [البقرة: 109].

 

7 - نقْض المواثيق والعهود:

قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُون} [البقرة: 83]، وقال تعالى: {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 100]، وقال - سبحانه وتعالى -: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً} [المائدة: 13].

 

8 - الاستِهزاء بالدِّين وشَعائره:

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ} [المائدة: 57].

 

9 - أكْل الرِّبا والمال الحرام:

قال تعالى: {وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [المائدة: 62]، وقال تعالى: {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ} [النساء: 161].

 

10 - قَسوَة القلب:

قال تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً} [المائدة: 13]، وقال تعالى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} [البقرة: 74].

 

11 - الجبن وحبُّ الدُّنيا:

قال تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ} [البقرة: 96]، وقال تعالى: {قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا} [المائدة: 22]، وقال تعالى: {قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: 24]، وقال تعالى: {لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ} [الحشر: 14].

 

12 - وحدتهم ظاهِرية وحقيقتُهم اختلاف:

قال تعالى: {بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} [الحشر: 14].

 

13 - الذلة والمسكنة:

قال تعالى: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاؤُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} [البقرة: 61]، وقال تعالى: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاؤُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ} [آل عمران: 112].

 

رابعًا: نبَّه الله - سبحانه وتعالى - إلى أن الصراع مع اليهود صراع مُستمِر، وأن عداوتهم دائمة:

قال تعالى: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة: 217]، وقال تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [المائدة: 82].

 

خامسًا: أشار الله - سبحانه وتعالى - إلى مرحلتَين مِن عُلوِّ بني إسرائيل في الأرض - كما في فواتح سورة الإسراء - يُرافِقهما فساد كبير:

قال تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا} [الإسراء: 4].

 

سادسًا: ذكَر الله - سبحانه وتعالى - أن ضرَرًا وأذًى سيُصيب المؤمنين بسبب كَيد هؤلاء اليهود وعُلوِّهم، ولكنه ضرر عارِض سيَنتهي بالتزام المؤمنين بدِينهم وتَحقيق وعْد الله - سبحانه وتعالى - بالنصر:

قال تعالى: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ} [آل عمران: 111]، وخاطَب - سبحانه وتعالى - بني إسرائيل مُخبرًا لهم عما يَفعله المؤمنون بهم: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا} [الإسراء: 7].

 

وهناك رأيان لهما وجاهَتُهما في فهْم العُلوِّ اليهودي الحالي إن كان هو العلو الأول أو الثاني، فيرى كثيرون أن العلوَّ الحالي هو العلوُّ الثاني، لكن يَختلفون في العلو الأول، فيرى بعضهم أنه كان في أثناء دولة بني إسرائيل في فلسطين، التي قضَى عليها الآشوريُّون والبابليون، (قُضي على مملكة إسرائيل سنة 722ق م على يد الملك الآشوريِّ سرجون الثاني، وقُضي على مملكة يهودا سنة 586ق م على يد الملك البابليِّ بختنصّر)، ويرى البعض الآخَر أن العلوَّ اليهودي الأول كان في عصر النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما قضى عليهم في المدينة وخيبر، وهناك مَن يرى أن العلوَّ اليهودي الحالي هو العلو الأول مُدلِّلين أن علو بني إسرائيل أيام داود وسليمان - عليهما السلام - لم يكن فسادًا ولا إفسادًا، وبعد ذلك كان شأن اليهود ضعيفًا غير مؤثِّر بين الحضارات والأمم، سواء عندما استمرَّت مملكتُهم أو حُكمهم الذاتي في فلسطين، أو حتى في العهد النبوي؛ إذ كان شأنهم ضئيلاً مُقارَنة بفارس والروم، وإن تحقَّق فيه فساد إلا أنه لم يَشمل الأرض، أما الآن فيرَون أن فَسادهم وإفسادهم يَشمل الأرض كلَّها مِن خلال قوتهم ونُفوذهم الدولي، وتأثيرهم في مراكز القَرار في أقوى دول العالم[4].

 


[1] - مختصر تفسير ابن كثير، ش/ محمد علي الصابوني.

[2] - خطب الشيخ محمد الغزالي، دار الاعتصام.

[3] - "في ظلال القرآن"؛ أ/ سيد قطب.

[4] - "فلسطين"؛ د. محسن محمد صالح.

  • 2
  • 1
  • 556

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً