ميليشيات الردة في خدمة الصليب وكان من غير المستغرب انخراط ميليشيات الردة الشيشانية في القتال إلى ...

ميليشيات الردة في خدمة الصليب

وكان من غير المستغرب انخراط ميليشيات الردة الشيشانية في القتال إلى جانب روسيا الصليبية ووصف البلاعمة لهم بـ "المجاهدين!"، ومثاله انخراط ميليشيات الكفر من دول أوروبا الصليبية للقتال إلى جانب أوكرانيا، بل إن هذا الاصطفاف خلف ما يسمونه "المحور" الأمريكي والروسي" سيزداد حدة وتصاعدا في السنوات القادمة، وستكشف هذه الحرب والحروب التي تليها أنه في كل بلد "قاديروف" مرتد يقاتل على منهاج بوتين تماما كما كشفت حروب خلت أن في كل بلد "كرزايًا" مرتدًا يقاتل على منهاج بوش!


افتتاحية صحيفة النبأ "حروب صليبية – صليبية"
العدد 328
...المزيد

نصرة المسلمين لبعضهم وإن نصرة المسلمين في السودان واجب كل مسلم قادر تماما كما هو الحال في ...

نصرة المسلمين لبعضهم

وإن نصرة المسلمين في السودان واجب كل مسلم قادر تماما كما هو الحال في العراق والشام واليمن وفلسطين وغيرها، ولا يكون ذلك إلا بالجهاد والقتال أو ما يعين عليه من الإنفاق والتحريض، قال الله تعالى: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا}، فمن عجز عن الجهاد بكل صوره والإنفاق بكل سبله، فلا أقل من الدعاء لهم.

ولئن كان الطواغيت يتحالفون فيما بينهم من أجل مصالحهم ومخططاتهم؛ فمن باب أولى أن يتحالف المسلمون فيما بينهم نصرة لإخوانهم في هذه القضية المنسية، فالأصل أنها قضية تعني المسلمين جميعا، فالمسلمون في السودان جزء من أمة الإسلام وأحد أعضاء الجسد الواحد، والأصل ألا تفرقهم حدود قومية ولا قوانين كفرية، وإن هذه الأحداث تؤكد مجددا أن هذه الحدود ومفرزاتها هي أكبر عائق لنصرة المسلمين بعضهم بعضا، وهو ما أدركه المجاهدون مبكرا، ولذلك سعوا منذ اليوم الأول لهدمها وكسرها لتعود بلاد المسلمين واحدة كما كانت.

المصدر: صحيفة النبأ – العدد 479
السنة السادسة عشرة - الخميس 23 رجب 1446 هـ

المقال الافتتاحي:
السودان المنسي!
...المزيد

أهلُ النار خمسَة ◾️ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَأَهْلُ النَّارِ خَمْسَةٌ: الضَّعِيفُ ...

أهلُ النار خمسَة



◾️ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَأَهْلُ النَّارِ خَمْسَةٌ: الضَّعِيفُ الَّذِي لَا زَبْرَ لَهُ؛ الَّذِينَ هُمْ فِيكُمْ تَبَعًا لَا يَبْتَغُونَ أَهْلًا وَلَا مَالًا، وَالْخَائِنُ الَّذِي لَا يَخْفَى لَهُ طَمَعٌ وَإِنْ دَقَّ إِلَّا خَانَهُ، وَرَجُلٌ لَا يُصْبِحُ وَلَا يُمْسِي إِلَّا وَهُوَ يُخَادِعُكَ عَنْ أَهْلِكَ وَمَالِكَ، وَذَكَرَ الْبُخْلَ أَوِ الْكَذِبَ، وَالشِّنْظِيرُ الْفَحَّاشُ) [مسلم]



▪️ 1 (الضعيف الذي لا زَبْرَ له؛ الذين هم فيكم تبعا..)

أي لا عقل له يقوده للهدى، فهم كما بيّن القرطبي: "ضعفاء العقول، لا يسعون في تحصيل مصلحة دنيوية ولا فضيلة دينية، يهملون أنفسهم إهمال الأنعام، لا يبالون بما يثبون عليه من الحلال والحرام". فغاية أمرهم اتباع شهواتهم.


▪️ 2 (والخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دقّ إلا خانه)

أي لا تظهر له فرصة للخيانة ولو صغُرت إلا أتاها، كما قال القاضي عياض: "أي لا يخفى عليه شيء مما يمكن أن يطمع فيه (وإن دقّ) بحيث لا يكاد يُدرك؛ إلا سعى في التفحص عنه والتطلع عليه حتى يجده فيخونه".


▪️ 3 (ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك..)

هو المخادع الذي صار الخداع صفة ملازمة له لا تنفك عنه، فيقضي ليله ونهاره وهو يتربص بالمسلمين يراوغهم ويخادعهم في أهليهم وأموالهم بالحرام، فلا يأمنه المسلم على عرضه ولا ماله.


▪️ 4 (وذكَر البخل أو الكذب)

أي والبخل والكذب صفتان ذميمتان من صفات أهل النار، وهما يتقاطعان في دناءة الطبع ووضاعة النفس، والحرص على الدنيا، ولذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يستعيذ بالله من البخل، ويحذر أمته من الكذب.


▪️ 5 (وَالشِّنْظِيرُ الفحّاش)

هو الفاحش البذيء كما قال النووي: "الشِّنْظِيرُ: السيئ الخلق، والفحّاش المبالغ في الفحش". فلا صبر للمسلم الحيي على سماع كلامه ولا رؤية فعاله ولا حتى مجالسته، لأنه متفحش في كل أحواله، وهو مما شاع في زماننا.


• المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 493
السنة السادسة عشرة - الخميس 3 ذو القعدة 1446 هـ
إنفوغرافيك العدد
...المزيد

اعرف قدرك يامعادي الأمم فيا أيها العزيز الأبي في زمن الملاحم، امض ولا تلتفت وراءك فأنت ما ...

اعرف قدرك يامعادي الأمم


فيا أيها العزيز الأبي في زمن الملاحم، امض ولا تلتفت وراءك فأنت ما خُلقت من أجل عرض فانٍ، بل خُلقت لتعبد الله وحده وتفوز بالجنان والروض الحسان، فحقق معنى العبودية لله بتحكيم شرعه والكفر بأنظمة طواغيت العالم وأديانهم وحشودهم، واصدع بكل عزة وافتخار بدين الله الذي كتب الله له الهيمنة على كل الأديان، فأنت من أجل ذلك هدفهم الوحيد وغايتهم الأولى.

فهل عرفت قدرك عند أعدائك؟ هل علمت مقدار تقصيرك في أداء واجبك حين تضيع وقتك والكفار يستثمرون أوقاتهم لحربك؟ هل علمت مقدار تقصيرك في حق نفسك حين تهمل سلاح التزود بالتقوى وأمم الكفر تطور أسلحتها كل يوم لتنال منك؟


مقتبس من افتتاحية صحيفة النبأ العدد 85
...المزيد

ابتسامة شهيد نشاهد في حياة الحرب من المواقف الجميلة ما لا يمكن أن نراه في حياة أخرى، وجهُ الأخ ...

ابتسامة شهيد


نشاهد في حياة الحرب من المواقف الجميلة ما لا يمكن أن نراه في حياة أخرى، وجهُ الأخ العائد من العملية الانغماسية، وابتسامتُه المتعَبة من تحت التراب الذي يغطي وجهه، وابتسامة شهيد -فيما نحسب- ينظر إلى السماء، ومشهد رتل العدو حين يأتي من بعيد فرِحاً مختالاً، نحو عبوتك المنتظِرة في الطريق، وطيران المسيرات في السماء بعد الانفجار، وصوت الانفجار الذي يأتي متأخراً دائماً عن الحدث الجميل، هذا الصوت الذي يأتي دائماً قوياً، لا يعرف الخجل.
ومن أجمل المواقف كذلك، أن ترقب العدو يفتِّش عنك في كل مكان كالمجنون، وأنت مختبئ مرابط تنتظر من العدو غِرّةً لتنقَضَّ عليه، وهو يبحث في كل مكان ولا يصل إلى شيء.
ومن أشد المواقف صعوبةً على جيش العدو هو ألا يعرف أين يجب أن يضرب، وأين يقبع المجاهد الذي يقاتله.
وللوصول إلى هذه الحالة فلا بد من تطوير تفكيرنا بحيث نتخلص من كل فكرة ثبت فشلها، ولا بد أن نتمسك فقط بالأفكار والتجارب الناجحة في القتال.

مقتبس من مقال: كيف تقاتل تحت أعين الطائرات الصليبية.
مقال النبأ العدد 97
...المزيد

قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: "وللصلاة تأثير عجيب في دفع شرور الدنيا، ولا سيما إذا أعطيت حقها ...

قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-:
"وللصلاة تأثير عجيب في دفع شرور الدنيا، ولا سيما إذا أعطيت حقها من التكميل ظاهرا وباطنا، فما استدفعت شرور الدنيا والآخرة، ولا استجلبت مصالحهما بمثل الصلاة، وسر ذلك أن الصلاة صلة بالله عزّ وجل، وعلَى قدر صلة العبد بربه عزّ وجل تفتح عليه من الخيرات أبوابها، وتقطع عنه من الشرور أسبابها، وتفيض عليه مواد التوفيق من ربه عزّ وجل، والعافية والصحة، والغنيمة والغنى، والراحة والنعيم، والأفراح والمسرات كلها محضرة لديه، ومسارعة إليه". [زاد المعاد]


إذا أعطيت حقها / ظاهرا _ باطنا

العافية والصحة، الخيرات، التوفيق، الأفراح، الراحة والنعيم، الغنيمة والغنى
...المزيد

أصـــل الـــداء يا أبناء الحرمين، يا أهل التوحيد، يا أهل الولاء والبراء، إنما عندكم رأس الأفعى ...

أصـــل الـــداء

يا أبناء الحرمين، يا أهل التوحيد، يا أهل الولاء والبراء، إنما عندكم رأس الأفعى ومعقل الداء ألا فلتسلوا سيوفكم ولتكسروا أغمادكم ألا فلتطلقوا الدنيا فلا أمن لآل سلول وجنودهم ولا راحة بعد اليوم ولا مكان للمشركين في جزيرة محمد - صلى الله عليه وسلم - سلوا سيوفكم وعليكم بالرافضة حيثما وجدتموهم وبآل سلول وجنودهم وبالصليبيين وقواعدهم مزقوهم إربا وتخطفوهم زرافات ووحدانا نغصوا عليهم عيشهم وأشغلوهم عنا بأنفسهم، واصبروا ولا تتعجلوا.


- مقتبس من كلمة صوتية لأمير المؤمنين الشيخ أبي بكر البغدادي (تقبله الله تعالى)
...المزيد

قصة شهيد - عبد الملك الداغستاني أسلم ثم سمع النداء فلبى (عبد الملك الداغستاني) التحق بجند ...

قصة شهيد - عبد الملك الداغستاني


أسلم ثم سمع النداء فلبى
(عبد الملك الداغستاني) التحق بجند الخلافة في مصر فقاتل معهم وقتل

كثيرونَ همُ الذين كانت أعمارُهم في ساحات الجهادِ قصيرة، ولكنهم تركوا خلفهم أثرا كبيرا لا زال إخوانهم من بعدهم يعيشون على طيب شذاهم، يتنفسون عبيرهم الفوّاح، ويستأنسون به في دربهم المُعبّد بالمصاعب والدماء.

من بين هؤلاء.. الأخ (عبد الملك الداغستانى) أبو محمد -تقبله الله- من أرض داغستان الجريحة، منّ اللهُ تعالى عليه بنعمة الإسلام من بين عائلة ملحدة، وذلك قبل خمس سنوات من الآن، فيسّر اللهُ له سُبلَ الهداية إلى معتقد أهل السنة والجماعة (الفرقة الناجية)، فحسُن إسلامُه وعرِف فلزِم.


• سمع النداء فلبى

سمع كغيره من المسلمين بإقامة الخلافة الإسلامية واشتعال جذوة الجهاد فيها، فمكث سنوات عدة يبحث عن طريق للهجرة إلى ولاية من ولاياتها، حتى أكرمه الله تعالى بالنفير والالتحاق بإحدى سرايا المجاهدين التابعة لجند الخلافة بمصر.
ورغم حداثة إسلامه، لم يجلس أبو محمد يتابع أخبار المجاهدين عن بعد، عبر وسائل الإعلام المتنوعة والمحطات الفضائية، وهو قاعد في بيته متفرجا عليهم! بل جدّ وأخلص في البحث عن طريق يوصله إلى أرض الجهاد حتى أكرمه الله بذلك، فظفر أبو محمد بما كان يُحدّثُ به نفسه قبل "الهجرة والجهاد"، فصدق عليه قول القائل.


أجل تلك أحلامه الغاليات
تعهدها في ظلال السيوف
وميراثه أبدا شاهد
على صدقه في عراك الحتوف


وبعد جهد وتدبير وتوكل على الله ولطف منه وصل أخيرا إلى ثغر من ثغور الإسلام يرابط فيه ويقاتل أعداء الإسلام، وكم كانت فرحتُه كبيرة يوم أن استلم عدة القتال لأول مرة، بعد انتهاء فترة التدريب والمعسكر، فكان -تقبّله الله- يهتمّ بعتاده وسلاحه أشد الاهتمام، وما ذلك إلا لتعلق قلبه الشديد بالقتال والجهاد، فعتاده بالنسبة إليه هو أقرب الطرق وأقصرها إلى جنات النعيم (بإذن الله).

عُرف أبو محمد بعلو الهمة والنشاط، مجتهدٌ دؤوبٌ يتربص بالمرتدين وقطعانهم، ويتحين الفرصَ لاستهدافهم في كل مكان، ينطبق عليه حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من خير مَعاش الناس لهم رجلٌ ممسكٌ عنانَ فرسِه في سبيل الله يطيرُ على متنه، كلَّما سمع هَيْعَةً أو فَزَعَةً طار عليه يبتغي القتلَ والموتَ مظانَّه....) "صحيح مسلم"، فخرج ذات مرة مع إخوانه في إحدى العمليات الأمنية ضد المرتدين، فكان مثالا للشجاعة والإقدام، غير هيّاب يطارد الموت في كل محفل.


• رحماء بينهم

كان أبو محمد -تقبله الله- يهتمّ كثيرا لحال إخوانه في القوقاز حريصا عليهم، وكان كثيرا ما يُلحُّ على أميره بأن يعلمه الفنون العسكرية وصناعة المتفجرات، لكي يعود إلى القوقاز ويقاتل الكفرة والمرتدين هناك.

وذات يوم شعر أبو محمد أنه أثقلَ على أميره، فذهب إليه -وكان ذلك قبل مقتله بيوم واحد- فخلا بأميره واعتذر منه وصارحه قائلا: (أخي أنا أعلم أني أثقلت عليك في طلب العودة للقتال في القوقاز، وأنا الآن أقول لك لن أرجع إلى القوقاز حتى نفتح مصر كاملة إن شاء الله).

• مقتله أثناء صلاته

وفى ظهر اليوم التالي، جلس أخونا -تقبله الله- مع أميره وإخوانه يتذاكرون ويتحدثون حول مراتب الدين من إسلام وإيمان، ثم سأله الأخ (أبو محمد) كيف أصبحُ مؤمنا حقا؟ فأخذ الأخ الأمير يذكر له صفات الإيمان وخصاله، ويوصيه بتقوى الله تعالى في كل حركاته وسكناته، ليكون مستعدا للقاء الله في أي لحظة.

فجلس (أبو محمد) ما بين الظهر إلى العصر يستغفر ويسبّح ويذكر الله تعالى، وكأنه يستعد للقائه -سبحانه-، وبقي على حاله هذه حتى دخل وقت العصر، فقام أبو محمد وأذّن لصلاة العصر، وما هي إلا دقائق حتى قدمت قوة عسكرية لجيش الردة فدارت اشتباكات لساعات عدة بين المجاهدين والمرتدين، فما كان من المرتدين كعادتهم إلا أن استغاثوا بالطائرات لتخلّصهم من حصار المجاهدين لهم.

ومع قدوم الطائرات الحربية اضطر الإخوة ومعهم أبو محمد إلى الانحياز والانسحاب من المكان إلى حيث أراد الله لهم، حيث كان الأخ أبو محمد على موعد مع الشهادة هناك.

وأثناء سيرهم، سأل الأميرُ أبا محمد وقال له: (هل أنت جاهز الآن للشهادة)؟،فابتسم أبو محمد وقال: (نعم أخي منذ أن وعظتني وقت الظهر وأنا في توبة واستغفار وذكر لله تعالى)، ثم توقفوا لكي يصلّوا المغرب والعشاء، والطائرات فوقهم لم تفارق الأجواء، فبدأوا صلاتهم، وفجأة باغتهم صاروخ من طائرة وهم في صلاتهم، ليُقتل أبو محمد -تقبله الله- مع بعض إخوانه، ليكون آخر أعمالهم من الدنيا الصلاة لله تعالى، فرحم الله أبا (محمد الداغستانى)، ونعم الخاتمة التي نالها بالصدق والهمة، ليُقْتلَ مهاجرا مجاهدا مصليا، فلله دره وعلى الله أجره.

وإن في قصة أبي محمد -تقبله الله- عبرة لكثير ممن شغلوا أنفسهم بالعلم عن العمل! وأسَرُوا أنفسَهم في بطون الكتب ولم يتنسموا عبير الجهاد لحظة! فما عرف أبو محمد من دينه غير ما صحَ به توحيدُه وعبادته، فلزِم ما عرف وعمل بما علم، فجمع الله له بين الهجرة والجهاد والقتل في سبيل الله، -نحسبه والله حسيبه- إنها بركة الهجرة والاجتماع والاتباع.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 169
الخميس 9 جمادى الآخرة 1440 هـ
...المزيد

الداء والدواء ألّف ابن القيم الجوزية (رحمه الله) كتابه الذي أسماه الداء والدواء، وهو ذلك الكتاب ...

الداء والدواء

ألّف ابن القيم الجوزية (رحمه الله) كتابه الذي أسماه الداء والدواء، وهو ذلك الكتاب النفيس الذي يعالج فيه مسألة في غايه الأهمية ألا وهي الذنوب والمعاصي وكيفية التخلص منها ومن آثارها السلبية، والحقيقة أن الذنوب هي الداء العضال والمرض الفتّاك الذي يجب على كل مسلم بشكل عام وعلى كل مجاهد على وجه الخصوص أن يبحث بكل جد عن علاجه ودوائه، ولو كانت الذنوب تفتك بالأجساد لكان خطرها يسير فالأجساد مصيرها إلى الفناء والزوال ولكن الذنوب تفتك بدين المرء وإيمانه فتحيل صلاحه إلى فساد ورشاده إلى غي، وإن مرضًا هكذا شأنه لحريٌ بأن يُتوقّى بكل أسباب الوقاية، وأن يبتعِد منه المجاهد ابتعاد الصحيح من أصحاب الأمراض المعدية القاتلة.

وقد أُثر عن العلماء العديد من الأقوال في آثار الذنوب والمعاصي منها:

ما قاله حبر الأمة وترجمان القرآن ابن عباس رضي الله عنهما: "إن للسيئة لظلمة في القلب، وسوادًا في الوجه، وضيقًا في الرزق، ووهناً في البدن، وبُغضًا في قلوب الخلق"

نعم ظلمة يحسها المرء في قلبه، ينتج عنها شعوره بوحشة غريبة لا يحسّها إلا المذنب العاصي وهي وحشة بينه وبين خالقه وباريه جل جلاله.

وأرواحهم في وحشة من جسومهم وأجسادهم قبل القبور قبور وظلمة القلب تعني عماه عن الحق، فلا يرى الحق من الباطل ولا يُميز بين الصالح والعاطل فيورث هذا ولا شك الانحراف عن الجادة وصراط الله المستقيم.

وسواد في القلب: يراه كل صاحب بصيرة ومن له نصيب من إيمان، فتعلو تلك الظلمة على قلبه فتستحيل سحابة من السواد الحالك بادية بجلاء في قسمات وجهه.

تورث تلك الظلمة وذلك السواد بغضًا في قلوب الناس فينفر منه العباد وتبغضه النفوس، مصداقًا لحديث النبي صلى الله عليه وسلم (...ثم تكتب له البغضاء في الأرض) [صحيح مسلم].

وضيقًا في الرزق: وهذا الضيق لا يعني قلة المدخول من المال، فإننا نرى كثيرًا من أصحاب الذنوب والمعاصي يملكون الأموال الطائلة، ولكنها - أي الذنوب والمعاصي - تمحق البركة وإذا ذهبت البركة من المال لم تنفع كثرة الأموال.

ولو أن مصائب الذنوب تقف عند هذا الحد لهان الأمر ولكن آثارها لا تزال يتبع بعضها بعضًا كعقوبات لا مفرّ للعاصي منها ولا تزال تنزل عليه تقدير من العذاب سبحانه

رأيت الذنوب تميت القلوب
وقد يورث الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب
وخير لنفسك عصيانها

الوهن في البدن: فصاحب المعصية يعاقب بضعف في بدنه وخورٍ في عزيمته فلا يكاد يقدِر على نشاط أو عمل ينفعه ويعود عليه بالخير، فتراه كسلان خبيث النفس واهِن القوى، بعكس صاحب الطاعة فإن الله يرزقه نشاطًا في بدنه وبركة في وقته فتراه ينجز الأعمال الكثيرة في وقت قصير، ولا يستطيع العاصي أن يحاربه في نشاطه وقوةِ بدنة.

فهذا شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله كان يكتب في اليوم ما يكتبه الناسخون في أسبوع وما ذاك إلا لكثرة محافظته على الطاعات ومسابقته إلى الخيرات رحمه الله.

هذا وتتسع دائرة شؤم المعصية اتساعًا مُخيفًا لدرجة أنّ تأثيرَها ينال الوسط الذي يعيش فيه العاصي فتؤثر المعصيةُ على ما حول العاصي من رفقائه وأهله بل وحتى تؤثّر على الأرض التي يسكنها والهواء الذي يتنفسه والماء الذي يشربه، ويصل الأثر إلى كلِّ حيٍ يشاركُ العاصي الأرض التي يسكنها، وما أقوله ليس من قبيل المبالغة أو القول بدون دليل بل الأدلة شاهدة على ذلك ناطقة به.

قال سبحانه وتعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ...} [الروم:41]، وقال سبحانه: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا...} [الأعراف:56]
فثبت من هذا بجلاء أنّ الذنوبَ سببٌ لحصول الكوارث والآفات وفساد الأرض؛ لأنّ شؤمها وتأثيرها لا يقتصر على العاصي وحده بل يتعدى إلى ما سواه من البشر الذين حولَه بل حتى الحيوان والجمادات.

وكما جاء في الأثر أن موسى عليه السلام استسقى ربَّه فأوحى الله إليه "كيف أسقيكم وفيكم من يبارزني بالذنوب والمعاصي منذ أربعين سنه؟" فكانت معصية العاصي سبب في منع القطرِ من السماء على قوم موسى جميعًا صالحُهم وطالحُهم، وفي هذا الأثر عظة وعبرة كافية شافية.

وفي الحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم : (خمس خصال يا معشر المهاجرين أن تنزل بكم أعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن فشت في أسلافهم، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المئونة، وجور السلطان عليهم، وما منعوا زكاة أموالهم إلا منعوا المطر، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله، وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم يحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخذوا فيما أنزل الله إلا جعل بأسهم بينهم) [البيهقي].

هذا وإن سهام الذنوب والمعاصي لا تزال تلاحق صاحبها حتى يتدارك نفسه ويرحمها وذلك بأن يتوب إلى الله عز وجل توبة نصوحا.

ومن هذه العقوبات أيضًا:

العقوبات البرزخية: وهي التي تكون في القبر، ونعوذ بالله من عذاب القبر ونعوذ به من موجبات سخطه وأليم عقابه، وقد جاء في الأحاديث ذكر عقوبات لبعض المعاصي في القبر منها:

1- النائم عن الصلاة المكتوبة والمعرض عن كتاب الله: فيعاقب بأن يضرب على رأسه بحجر كبير حتى يتناثر ويستمر هذا العذاب إلى يوم القيامة.
2- الذي يكذب الكذبة فتبلغ الآفاق: وعقوبته تمثل بأن يقطع بكلوب من حديدٍ عينه إلى قفاه وأنفه إلى قفاه.

3- الرابي: يسبح في بركة من دم وكلما أراد الخروج يُلقم بحجر إلى يوم القيامة.

4- الزناة: يُحبسون داخل تنور أعلاه ضيق وأسفله واسع وتوقد لهم النار من تحتهم إلى يوم القيامة.
وهذه العقوبات مذكورة بهذا المعنى في صحيح البخاري.

فهل نقدر أو نطيق ونحن الضعفاء أن نتحمل هذا العذاب الأليم والنكال البالغ من الجبّار جل في علاه فإذا كنّا لا نقدر فلنبادر إلى التّوبة والرجوع إلى الله سبحانه، فإنها أعظم دواء لما نعانيه من ذنوب ومعاصي وكيف لا نتوب والله سبحانه ينادينا بذلك النداء الرحيم قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[الزمر:53]، كيف لا نتوب والنبي صلى الله عليه وسلم يخبرنا بأن الله يفرح بتوبة العبد إذا تاب قال صلى الله عليه وسلم: (لله أشد فرحا بتوبة أحدكم، من أحدكم بضالته، إذا وجدها)[صحيح مسلم]

إن الله يحب التوابين: أي الذين يكررون التّوبة ولا يتوقفون عن التّوبة إلى الله؛ لأن التّوبة مقام من مقامات العبودية لله لا ينبغي أن ينتقل المسلم عنه، وهي أول الطريق وأوسطه وآخره.

واعلم أنك لا توفق للتوبة إلا إذا أسأت الظنّ بنفسك وأحسنت الظنّ بخالقك، أمّا من أحسن ظنّه بنفسه فإنه لا يوفق للتوبة.

واعلم أن الله إذا وفّقك للتوبة فقد وفّقك لخيرٍ عظيم وفضلٍ كريم وأي خير أفضل من أن يفتح الله لك فُيوضَ رحمته وبابَ مغفرته ويرزقك حبّه ويسبل عليك جلباب ستره.

والتوبة تكون بالقلب وباللسان وبالعمل، فأما كونها بالقلب فبالندم الشديد على ما فرط الإنسان في جنب ربه سبحانه.

قال تعالى: {لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:110]، قال بعض المفسرين إلا أن تقطّع قلوبَهم أي التّوبة، أمّا العمل الثاني من أعمال القلب في التوبة فهو بالعزم الجادّ على عدم العودة إلى الذّنب.

الركن الثاني للتوبة يكون باللسان، وذلك بدوام الاستغفار والدعاء وسؤال الرحمة وأن يتقبل الله منه التوبة.

الركن الثالث يكون بالعمل، وذلك بالإقلاع وكف الجوارح عن الذّنب إن كان من ذنوب الجوارح، وبكثرة الأعمال الصالحة الماحية لما مضى من السيئات، قال الفضيل بن عياض رحمه الله: "اتق الله فيما بقي من عمرك يغفر لك الله ما مضى وما بقى ولا آخذك الله بما بقي وما مضى".

ولينتبه التّائب إلى عدم اليأس والقنوط إن تكرر منه الذنب، وقد جاء في أحاديثَ كثيرة خبر من يعود للذنب الفينة بعد الفينة وبيّن النبي صلى الله عليه وسلم كما عند البخاري ومسلم أن الله لا يمل حتى تملّوا، ومعناه لا تملوا من التّوبة مهما تكرر الذنب فإن الله لا يملّ من التّوبة عليكم إذا تبتم وأنبتم إلى ربكم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 160
الخميس 6 ربيع الثاني 1440 هـ
...المزيد

مقال - الابتلاء باب للاصطفاء إنّ من سنن الله سبحانه أن يبتلي المؤمنين، ويزيد في ابتلائهم بحسب ...

مقال - الابتلاء باب للاصطفاء

إنّ من سنن الله سبحانه أن يبتلي المؤمنين، ويزيد في ابتلائهم بحسب ارتفاع مراتبهم، وذلك لينقّيهم وليؤدبهم فيكونوا بذلك أقوى إيماناً وأزكى نفساً وأصلب عوداً، ثم يكونوا أهلاً لاصطفاء الله لهم، فتسهل عندهم حينها حمل الأمانات الثقال، فيصبحوا قادرين على مواجهة المهام الجسام، فقد قرن سبحانه منحة الاصطفاء مع سنة الابتلاء، وجعل لعباده الصابرين على ابتلائه لهم، عوامل مثبتة ومسارات يسيرون عليها ووعوداً وعدهم بها، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى الابتلاء في آيات كثيرة حيث قال:
[الملك:2] {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}.

وفي الحديث: عن مصعب بن سعد، عن أبيه، قال: قلت: يا رسول الله، أي الناس أشد بلاء؟ قال: (الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، فيبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلبا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة) [سنن الترمذي].

وممّا لا شك فيه أنّ الكل منا يعرف ما جرى لجماعة المسلمين يوم حوصروا في شِعب أبي طالب وما مسّهم من جوع وألم وحيرة، فكان حال المسلمين يصعب وصفه، إذ نحلت الأجساد وذبلت الأكباد وقرقرت البطون وظمِئت الأجواف، أطفال يصرخون وشيوخ يئنون ومرضى يتألمون ورجال ونساء حائرون، فقد كانت هذه أول تجربة شاملة لجماعة المسلمين عامة ولرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة، حيث دامت مدة الحصار ثلاث سنين، فأخذ الجوع مأخذاً من المسلمين لحدٍ لا يكاد يصدّق، ولعل موقفاً من مواقف أحد الصحابة الذين حوصروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يصور لنا ولو شيئاً من تلك الأيام، فهذا سعد بن أبي وقاص يقول: خرجت في ليلة لأقضي حاجتي فسمعت قرقعة تحت البول فحفرت فاذا هي قطعة يابسة من جلد بعير، فأخذتها فغسلتها ثم رضضتها وسففتها بالماء فتقويت بها ثلاث ليال، وهذه القصة كفيلة أن تعزينا فيما يجري من شدائد وابتلاءات وتكون من عوامل القوة للمسلم إذا ما أراد أن يثبت وينظر للابتلاء من منظور التأديب له والترويض لنفسه، وتستمر مسيرة الابتلاء، وهذه وقفة أخرى مع يوم من أيام الله ألا وهو يوم الأحزاب، ذلك اليوم الذي جعله الله مثلاً لشدة الابتلاء، إذ وصف سبحانه حال المؤمنين في قوله:
{هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} [الأحزاب:11]، وقد تختلف الابتلاءات في هذا الموقف على أوجه كثيرة، منها ضعف القوة والحصار والجوع وخيانة الحلفاء، زيادة على ذلك انحسار الرقعة الجغرافية لتواجد المسلمين، وهنا بلغ ابتلاء المسلمين الذروة، فقد أدركت الطائفة المؤمنة أنها قد وصلت إلى مفترق مهم يميزهم عمّن ادعى الإيمان، ففي الوقت الذي نعق به المنافقون وبدءُوا يخذلون وينشرون أراجيفهم في صفوف المسلمين، وما أشبه اليوم بالأمس! ولكن ما كان من المؤمنين إلا أن قالوا كما في قوله تعالى:
{وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا}[الأحزاب:22].


• محنة ومنحة

وهنا تبدأ منحة الاصطفاء، ويكرّم الله عباده بجنود لم يكونوا بالحسبان، فكانت العناية الربانية واضحة، إذ لم يكن للسيف أي صوت في حسم المعركة، فكان جندي الريح يصول ويجول، يقتلع الخيام ويكفئ القدور ويشرد جموع الكافرين، لتنقلب الكفة لصالح المؤمنين، وكيف لا! وقد ذكر الله تعالى أيضاً الاصطفاء الذي يكون بعد انقضاء الابتلاء ويكون نتيجة الصبر على هذا الابتلاء في آيات عديدة فقال تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا...} [فاطر:32].


• إنما النصر من عند الله

فمن أشدّ صور الابتلاء هو الاستضعاف من قبل العدو، فمن الممكن أن يكون عدوك يمتلك من الإمكانيات والعوامل التي تجعل قتاله أو الوقوف بوجهه أشبه بالمستحيل، وهذا تقريبا حال المؤمنين في كل زمان، وقد بين الله تعالى لنا ما جرى للذين آمنو به وصدّقوا رسله من الاستضعاف على مرّ العصور فقال تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}[القصص:4] وهنا نرى أنّ استضعاف فرعون لتلك الطائفة كان وجهاً من أوجه الابتلاء، فما كان لتلك الطائفة أي إمكانية للوقوف في وجه فرعون، وهنا قطعت أسباب الأرض وأصبحت تلك الطائفة مجردة من جميع الإمكانيات، وهنا أيضاً يأتي دور الاصطفاء والنجاة بعد الصبر والتنقية، فيقول الله تعالى: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ} [القصص:6،5]

وهنا تتجسد المنّة والاصطفاء بالإمامة والوراثة والتمكين مع هلكة عدوهم واندحاره، وللإمام ابن القيم قول في هذا الصدد عندما سئل ما الحكمة من ابتلاء الأنبياء؟ فقال: فإنه سبحانه كما يحمي الأنبياء ويصونهم ويحفظهم ويتولاهم فيبتليهم بما شاء من أذى الكفار لهم ليستوجبوا كمال كرامته وليتسلى بهم من بعدهم من أممهم وخلفائهم إذا أوذوا من الناس فرأوا ما جرى على الرسل والأنبياء فصبروا ورضوا وتأسوا بهم، ولتمتلئ صاع الكفار فيستوجبون ما أعد الله لهم من النكال العاجل والعقوبة الآجلة فيمحقهم بسبب بغيهم وعداوتهم ويعجل في تطهير الأرض منهم. وقال أيضاً "فإذا تأملت حكمته سبحانه فيما ابتلى به عباده وصفوته فيما ساقهم به إلى أجلّ الغايات وأكمل النهايات التي لم يكونوا يعبروا إليها إلا على جسر الابتلاء والامتحان، وكان ذلك الابتلاء والامتحان عين الكرامة في حقهم، فصورته صورة ابتلاء وامتحان وباطنه فيه الرحمة والمنّة، فكم لله من نعمة جسيمة ومنّة عظيمة تجنى من قطوف الابتلاء"، انتهى كلامه "رحمه الله".

وبعد هذا كله يجب على المسلم الموحد الذي رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً أن لا يساورنّه الشك في أن ما يجري اليوم لمن سار على النهج النبوي من حصار وانحسار وعجز العدة وقلّة المؤن، إنما هو امتحان من الله سبحانه، وإنما هي أيام من أيام الله، وينبغي على كل مؤمن أن يري الله تعالى منه ما يحب من صبر واحتساب وإيمان وتسليم، ويترفع وينأى بنفسه عن الأراجيف والتحدث بكل ما تسمعه أذنه، وأن يسلي نفسه بقول الله تعالى: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا}[الطور:48] واعلم أنّ وعد الله حق وأنّ دابر الكفار مقطوع بإذن الله وأنّ الله ناصر دينه بنا أو بغيرنا، وليكن شكرنا لله على أن اصطفانا قبل أن يبتلينا سبحانه، فقد فضّلنا على كثير من خلقه بأن جعلنا مسلمين، وانتقانا من بين أهل التوحيد فجنّدنا للدفاع عن دينه، ومنّ علينا أن ثبّتنا بعد كل هذه المصاعب والشدائد، والتي كانت كفيلة بانتكاس الكثير، فما بقي إلا أن ننتظر موعود الله ونسير على خطى من سبقنا من سلفنا الصالح، ولا ننسى أنّ أعمالنا بين القبول والرد، ولا يسعنا إلا أن نصدق مع الله ونسأله أن يتقبّل منا صالحها ويتجاوز عن سيئها، فحينئذٍ نكون جديرين باصطفاء الله سبحانه لنا. فالحمد لله الذي ابتلى وامتحن، والحمد لله الذي اصطفى ومكّن، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 160
الخميس 6 ربيع الثاني 1440 هـ
...المزيد

الثبات على العهد ذكر الله جل وعلا في كتابه العزيز صوراً وقصصا شتى عن أحوال الثابتين من الأنبياء ...

الثبات على العهد

ذكر الله جل وعلا في كتابه العزيز صوراً وقصصا شتى عن أحوال الثابتين من الأنبياء والمرسلين وغيرهم ممن ثبت على أمر الله، وقد كان في ذلك عظة وعبرة للمؤمنين وتثبيت لهم {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [هود: 120]، وقد جاءت قصص الأنبياء في كتاب الله متنوعة من حيث صفة الابتلاء والمحن التي حلت بهم.

فكان من حكمة الله ذكر كل تلك القصص لتكون منارةً للسائرين على دربهم، وذكرى تحيى بها قلوبهم فيعلموا أن كل بلاء قد يمر بهم سبقهم فيه سلف صالح، فحري بالمؤمن اليوم أن يستحضر تلك المواقف ويأخذ منها العبر، فإن كان حشد الكفار وتجمعهم يزعزع من عزمه، فليتذكر ما كان من أمر نوحٍ عليه السلام وأمامه أهل الأرض أجمع إلا عدد قليل ممن آمن معه، وإن كان ما حل به مرض أو فقد ولد أو مال ونحوه فليتذكر إن شاء حال نبي الله أيوب عليه السلام، وليس من أمر فيه بلاء إلا ومر به أحد الأنبياء والصالحين من قبل، وكذا كان حال نبينا صلى الله عليه وسلم فقد حوصر وأوذي وجاع وجرح ومرض وحاربه أهل الكتاب من اليهود بسيل من الشبهات فثبت عليه الصلاة والسلام على أمر الله حتى بلغ الرسالة وأدى الأمانة.

فلم يكن ثبات الأنبياء وأتباعهم يوما محصورا في ميادين المعارك أو الصبر على الأذى، بل قد عرضت لهم بعض المحن على هيئة شبهات فكانت لهم امتحانا واختبارا، فقد ثبت الصديق رضي الله عنه على إيمانه في حادثة الإسراء والمعراج حين تزعزع إيمان بعض المسلمين، وكذلك الأمر عندما حوّل الله سبحانه قبلة المسلمين من المسجد الأقصى للمسجد الحرام، فكان ذلك من البلاء والامتحان ليعلم الله الثابتين : {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ} [البقرة: 143].

وإن حرب الشبهات لها تأثير أشد بأضعاف من حرب السلاح، إذ لا يمكن لمتردد مشكّك أن يثبت أمام أي محنة مهما صغرت، فكيف بالقتل والقتال والجوع والحصار، ولهذا حرص عليها أعداء الله وبذلوا كثيرا من الجهود للبحث عن وسائل تمكنهم من النفاذ إلى صفوف المجاهدين لمحاولة زعزعتهم ونشر تلك الشبه حتى تكون واقعا يخاف المسلم من مخالفته ويتقهقر تحت ضغطه.

قال الشيخ أبو مصعب الزرقاوي تقبله الله: "وهكذا يضغط الواقع على الكثيرين ممن يسعون للقيام بأمر الله، حيث يشعر هؤلاء أن كل من حولهم يخالفهم فيما هم عليه، بل وينابذهم على ذلك بكل ما يستطيع، فهم يسيرون في طريق موحشة، لا معين فيها ولا أنيس، والجميع حولهم يدعوهم ليسالموا أو يداهنوا أو يقفوا موقفاً وسطاً ويلتقوا مع الجاهلية في منتصف الطريق، بدعاوى وشعارات معلومة مشهورة".

وقد وفق الله قادة المجاهدين أن فطنوا لهذا الأمر وعلموا أنّ وضوح الهدف والغاية أهم معين للمسلم على الصبر، فأعلنوا دولة الإسلام التي كان من أهدافها إيضاح تلك الغاية ورفع الطموح لدى المجاهد، والثبات على هذه الغاية مطلب منفرد لا يقل أهمية عن غيره، فكم شكّك المرجفون بدولة الإسلام واتهموا بُناتها بالتعجل ثم حاولوا الضغط عليهم للتراجع عن ذلك فأجابهم الشيخ أبو عمر البغدادي تقبله الله فقال: "أمَّتي الغالية؛ كما أنَّنا لم نكذب على الله عندما أعلنَّا دولة الإسلام، لا نكذب على الله عندما نقول أنَّها باقية، باقية؛ رغم كل التعتيم والتضليل والطعن والتشويه".

فكان ثبات ذلك الجيل أمام تلك الحرب الشرسة وتمسكهم بغايتهم ومشروعهم بكامل تفاصيله، هو ما أوصل دولة الإسلام إلى ما صارت إليه بعد توفيق الله الذي رزقهم ذلك الثبات وهداهم إليه، ولم تقم الخلافة إلا بعون الله وتثبيته لأوليائه ممن لم يعطوا الدنية في دينهم، الذين أحسنوا الظنّ بربهم فثبتوا واستلموا الراية ثم سلموها لمن بعدهم جيلا بعد جيل، فبذلوا أنفسهم رخيصة في سبيل الله، لم ينثنوا أو يركنوا مع كل ما حل بهم من شدّة وبلاء وفتن وشبهات وحرب شديدة على كل الأصعدة ومن القريب قبل البعيد، فنحسبهم ممن قال الله فيهم: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 23].



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 160
الخميس 6 ربيع الثاني 1440 هـ
...المزيد

الدولة الإسلامية - قصيد شهيد فضّلوا اللحاق بأرض التوحيد على البقاء في أرض يحكمها الطواغيت ولم ...

الدولة الإسلامية - قصيد شهيد

فضّلوا اللحاق بأرض التوحيد على البقاء في أرض يحكمها الطواغيت ولم يعبؤوا بجاه أو منصب أو مال

• قصة نفير الضباط التائبين الثلاثة من مصر إلى سيناء

سلكوا سبيل الرشاد ضاربين بعرض الحائط سبل الضلال، مضوا غير آبهين بما سعى له دعاة الباطل من تزيين الكفر والردة التي وقع بها طواغيت مصر.

بحث الضباط التائبون من الجيش المصري المرتد عن طريق الحق فوفقهم الله عز وجل لخوض غمار المفاصلة مع المرتدين وإظهار البراءة منهم والولاء للمؤمنين.

فهجروا الجاهلية التي كانوا يسلكونها وهاجروا والتحقوا بإخوانهم ممن يذود ويدافع عن الإسلام، منتقلين من الظلمات إلى النور.

في مكان متواضع مفرغ من كل شواغل الدنيا وعلى ضوء خافت في فيافي سيناء كان الموعد مع رجال يتفجر الطُهر من جنباتهم ونور التوبة في وجوههم وأثر النعيم والترف بادِ عليهم، يعلو محيّاهم حياء الرجال ووقارهم، وأما سعادتهم بالهجرة والنفير فهو أكثر ما يمكنك أن تلاحظه من تعبيراتهم وقسماتهم.

إنهم الإخوة أبو عمر (حنفي جمال محمود سلمان)
والأخ أبو بكر (محمد جمال عبد الحميد (تقبله الله) والأخ أبو علي (خيرت سامي عبد المجيد السبكي) تقبلهم الله،

ما إن رأوا إخوانهم حتى سارعوا إلى مصافحتهم وعناقهم عناق من يعرفهم لسنوات طوال، وبدأوا يسردون قصة هدايتهم ونجاتهم من دركات الشرك، وإليكم جانبا منها وما عاينه إخوانهم معهم على ثرى سيناء.


• حياتهم قبل الهجرة

كانوا يعيشون في مدن مصر حياة الترف، يسكنون الشقق الفاخرة ويركبون المراكب الفارهة ويتبوؤن الرتب والمناصب المرموقة في النظام المرتد، حيث تخرجوا من كلية الشرطة المرتدة عام 1433، وكنتيجة لتفوقهم البدني والأكاديمي تم إلحاقهم للعمل كضباط في "إدارة العمليات الخاصة"، ينحدرون من أسر ثرية وطبقات عالية، الأخ (أبو علي) والده عميد بنظام الردة، و(أبو عمر) كان مدربا في معهد العمليات الخاصة ومرافقا لأحد أئمة الكفر، لما تميز به من تفوق بدني وأداء قوي.

باختصار لم يكن ينقصهم شيء من متاع الغرور فلقد جمعوا بين المنصب والجاه والمال، تلك الحياة التي يتمناها كل عبيد الدنيا! كان تحت أيديهم ما تشتهيه الأنفس الدنيئة من ملذات وشهوات. لكن فطرَهم السليمة وحبهم لدينهم أخرج حب الدنيا من قلوبهم فطلقوها ثلاثا! وقرروا طوعا واختيارا الهجرة إلى إخوانهم في دولة الإسلام بسيناء، طمعا فيما عند الله تعالى، فما عنده خير وأبقى، فآثروا الحياة الآخرة على الحياة الدنيا والباقية على الفانية، تركوا النعيم المنقطع واختاروا النعيم المقيم.


• دورهم في اعتصام رابعة

كعادة أبواق الضلال والتي تسعى لتشويه حال أهل التوحيد، غاضين الطرف عن أرتالهم العسكرية والتي كان على رأسهم طاغوتهم المرتد (محمد مرسي) حينما شنوا حملة على سيناء لا تختلف كثيراً عما يقوم بها زبانية طاغوت مصر الآن، فادعوا أن الإخوة كانوا من ضمن المتواجدين مع القوات الأمنية فيما عرف (باعتصام رابعة) إلا أن الحقيقة أقوى من أن يغطيها هؤلاء وأبواقهم فلم يكن إلا الأخ أبو عمر "تقبله الله" وبعكس ما ادعوه فقد قام بتهريب وإنقاذ الكثير من المتظاهرين ظنّاً منه أنه سبيل الحق، فتبين وعلم بعد توبته ردة الإخوان المجرمين،ودينهم السلمي الباطل.
نقطة تحول

اعتاد الضباط الأربعة أثناء فترة التزامهم الأولى على حضور دروس بعض من انخدعوا بهم من دعاة الضلال ممن مكنهم الطاغوت من المنابر والشاشات، حيث لم يكن منهج الحق والتوحيد واضحا بالنسبة إليهم في تلك المرحلة.

وشاء الله تعالى أن تأخذ حياتهم مساراً آخرا بعد أن تم ايقافهم في أحد الأيام عند حاجز أمني للمرور أثناء ذهابهم مع أحد أصدقائهم الملتحين لحضور درس في أحد المساجد،وكان الطريق مغلقا نظرا لمرور موكب المرتد "عدلي منصور" وعند محاولتهم المرور حصلت مشادة كلامية بينهم وبين عقيد مرور نصراني كان في النقطة، وبمجرد أن رآهم برفقة صديقهم الملتحي قام بإبلاغ أمن الدولة ووزارة الداخلية، وهو دأب الطواغيت وأنصارهم في كل مكان، وعلى الفور تم اقتيادهم للتحقيق في قسم "الشرابية" ثم في قسم "إدارة العمليات الخاصة" حيث قام بالتحقيق معهم كل من: عقيد أمن العمليات الخاصة، عميد الشؤون الإدارية للعمليات الخاصة، قائد قطاع الأمن المركزي، مدير إدارة العمليات الخاصة اللواء المرتد "مدحت المنشاوي".

وكانت من ضمن الأسئلة التي وجِّهَت إليهم:عن صلاتهم وهل يلتزمون بها في الجماعة بالمسجد وخاصة الفجر، وتهدف هذه الأسئلة إلى تصنيفهم! فمجرد المحافظة على الصلوات بالنسبة لطواغيت مصر تعني دق نواقيس الخطر! وهو ما عبر عنه صراحة المرتد "مدحت المنشاوي"أثناء التحقيق معهم بقوله: "أنه يفضّل أن يضبط ضباطه متلبسين بالفاحشة على أن يحضروا دروس العلم في المساجد"!وكانت هذه نقطة التحول بالنسبة لهم، فرغم عملهم في نظام الردة إلا أن فطرهم السليمة لم تستوعب ما تفوه به هذا المرتد والذي يعبر صراحة عن واقع وحقيقة جميع أنظمة الردة في كل مكان وزمان.

• بداية الملاحقة الأمنية

بعد أسبوعين من هذه الواقعة تم نقلهم جميعا من أماكن عملهم وإلحاقهم بالأمن العام بدلا من الأمن المركزي، وتفريقهم عن بعضهم في أماكن متباعدة؛ حيث تم نقل الأخ أبو عمر إلى الأمن العام بأسوان، والأخ أبو بكر إلى الأمن العام بسوهاج، والأخ أبو علي إلى الأمن العام بالوادي الجديد، في محاولة من الطواغيت لتفريقهم وإبعادهم عن بعضهم.


• طلب العلم بحثا عن المنهج الصحيح

شكل التضييق الذي تعرض له الضباط نتيجة اكتشاف الطواغيت لمجرد حضورهم لمجلس علم عند شيخ قاعد ضال! نقطة تحول في إدراكهم لحجم العداوة والبغضاء التي يكنها النظام المصري المرتد لكل ما يمتّ للإسلام بصلة! فراحوا يتحرون الحق ويطلبون العلم بحثا عن المنهج الصحيح حتى قيّض الله لهم بعض الموحدين الذين دعوهم لعقيدة التوحيد ووجوب الجهاد وردة النظام الحاكم، ترتب على ذلك تفكيرهم بشكل جدي في ترك العمل والبراءة من الشرك طاعة لله وخوفا من عقابه، ورغبة في التوبة مما اقترفوه وسعياً للجهاد والنفير إلى أرض الإسلام والهجرة.


• محاولات الهجرة والنفير

وقياما بواجب الأمة المضيع -الهجرة والجهاد- حاول الإخوة ابتداء النفير إلى إحدى ولايات الدولة الإسلامية في الشام متشوقين للّحاق بإخوانهم فيها حيث كانوا يتابعون أخبارهم وما يصدر عنهم، عبر السفر لها عام 1436 لكن لم يكتب لهذه المحاولة النجاح لحكمة شاءها الله تعالى.


• الهجرة إلى ولاية سيناء

بحلول عام1437 كان التضييق الأمني قد بلغ ذروته، وأصبح الأسر خطرا محدقا بهم، مما حدا بهم إلى التفكير في أحد أمرين؛ الأول هو القيام بتنفيذ عملية انغماسيّة في مبنى أمن الدولة بالحي السادس بالقاهرة، والثاني هو الهجرة فورا لأرض سيناء دون تنسيق مع أحد فرارا بدينهم من فرعون وجنده! وهو ما هداهم الله إليه، فخرجوا وقد وكلوا أمرهم إلى الله تعالى وألسنتهم تلهج بالدعاء أن يُبلغهم أرض الهجرة وطريق النجاة.

وضجت مصر وأروقة الأجهزة الأمنية بقصتهم وكعادتهم أوعزوا لأبواقهم بشن حملة إعلامية عليهم ملئها الكذب واختلاق القصص الواهية التي صاغوها من نسج الخيال.


• لحظة دخولهم سيناء

وعن قصة نفيرهم أخبرونا أنهم لما قرروا الهجرة لإخوانهم لم يكن يحجبهم عن ذلك إلا ما كان يبثه في نفوسهم شياطين الإنس من "وسائل الاعلام ودعاة الضلال" أن الدولة الإسلامية تقتل العساكر حتى لو أتوها تائبين! وبعد تردد عزموا أمرهم أخيرا يبغون النجاة بدينهم في أرض يقام فيها شرعه.

وعند وصولهم إلى أرض سيناء نزلوا من السيارة التي كانوا يستقلّونها وعادت أدراجها والترقب والرهبة تسيطر على قلوبهم من المشهد، وفجأة سرعان ما تقدم إليهم أحد الإخوة مقبلا عليهم بوجه بشوش مُرحّبا بهم، فزال عنهم كل ما لاقوه في سبيل الوصول لديار الإسلام، نسوا كل ما مر بهم من صعاب وتحديات قبل ذلك، خرّوا لله سجدا، شكراً لله عز وجل أن يسر لهم مبتغاهم وفرحة بالوصول والنجاة من براثن الشرك والغواية.

وظلت هذه اللحظات الجميلة عالقة في أذهانهم وقلوبهم يحبونها ويذكرونها، بل حتى الأخ الذي كان في استقبالهم -تقبله الله-كانوا عندما يرونه يعانقوه وينفجرون بالبكاء، لأنه يذكرهم بأول يوم لهم في أرض الجهاد.

أي حب هذا الذي ملأ هذه القلوب للجهاد؟ إنه الحب الذي يوصل إلى صلاح الدين والدنيا ولا صلاح لها إلا بالتوحيد والجهاد.

وقد ذكر الإخوة بأنفسهم حفاوة اللقاء الأول وحسن الكرم والاستقبال الذي لاقوه من إخوانهم المجاهدين وهو الحال مع كل من أتى إلى ديار الإسلام في ولاية سيناء وغيرها من ولايات الخلافة.


• التدرج بالعمل داخل الولاية

نظرا لمّا تمتع به الإخوة من مهارات وخبرات قتالية وعسكرية أوكلت إليهم مهام عدة (فمن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه)، وأي أمر أفضل من أن يكون المرء جنديا في صفوف المجاهدين ينصر دينه وتوحيده؟

حيث عمل الإخوة جميعهم في المفارز الأمنية المكلفة بضبط وملاحقة الجواسيس وأبدوا يقظة ومهارة عالية في ذلك، وعمل الأخ أبو عمر (تقبله الله) كأحد كوادر "إدارة التخطيط العسكري" وغرف العمليات، فشارك في غرفة عمليات غزوتي "القصر والكتيبة"، والإغارة على كميني (العُجرة وكرم القواديس)، كما كان مدرباً في إعداد القادة العسكريين، بينما عمل الأخ أبو علي (تقبله الله) في قطاع التدريب العسكري، وشارك في غزوة القصر، كما تولّى القيادة الميدانية للإغارة على كمين العُجرة.

• تواضع جم

اتصف الإخوة بصفات طيبة كثيرة كان أبرزها التواضع الجم وخفض الجناح لإخوانهم المؤمنين يلحظ ذلك كل من عرفهم، فيروي من عاشرهم في المعسكرات أنهم كانوا كما قال الله تعالى: (أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين)، أهل بذل وعطاء وتضحية ووفاء بذلوا أرواحهم رخيصة في سبيل التوحيد، وديارهم التي تركوها حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله.

كما كانوا شعلة من النشاط والهمة العالية يحرّضون إخوانهم ويرفعون هممهم ويسبقونهم إلى أي أمر يطلبونه منهم، ومن ذلك موقف حدث قبل الانطلاق لغزوة القواديس في إحدى معسكرات الولاية، حيث قام الأخ (أبو علي) يحرض الإخوة قبل الغزوة وقال لهم: "قوموا وتعانقوا"، وبدأ هو وأبو عمر بالعناق وفجأة انفجروا بالبكاء حتى ضجّ المعسكرُ كله باكيا!
وفي أبواب الطاعات كانوا أحرص ما يكونوا على الصيام والقيام وسائر النوافل، فلم تشغلهم تكاليف الجهاد وأعباء المهام الموكلة إليهم عن عبادات التضرع والمناجاة وتزكية الأنفس، وقد ذكر الأخ أبو عثمان (حفظه الله) أن الأخ أبا علي (تقبله الله) كان قد كتب في مذكرة صغيرة خاصة به جميع العيوب التي ابتلي بها ليتعاهد نفسه بالتربية والتزكية منشغلا بعيوبه عن عيوب غيره، وأخبر –أبو عثمان- أنه قبل أن يقتل بفترة وجيزة كان قد تخلص منها كلها بفضل الله تعالى، ولا عجب فإن ميادين الجهاد أفضل الميادين لتزكية الأنفس وتربيتها وتنقيتها من الأمراض والآفات.


• مثل يحتذى في الأخوّة الصادقة

لقد ضرب هؤلاء الإخوة أروع الأمثلة في الأخوّة الإيمانية الصادقة، لقد كانوا نموذجا يُحتذى في الاجتماع على طاعة الله تعالى، والتواصي بالحق والصبر، والتعاون على البر والتقوى لم تكن صداقتهم سبيلا إلى اللهو ومضيعة الوقت، لقد كانت أخوّتهم إحدى أسباب انتقالهم من الظلمات إلى النور فكانوا عونا لبعضهم على طريق الحق يشد بعضهم أزر بعض وظلوا هكذا حتى آخر لحظة في هذه الحياة.

فحري بشباب الأمة اليوم أن يقتدوا بهذه النماذج ويسيروا على خطاها، فسيرة هؤلاء الإخوة تقبلهم الله مدرسة كاملة من التوبة والهداية إلى الولاء والبراء مرورا بالهجرة والجهاد والأخوّة الصادقة والصبر والثبات، وانتهاء بالقتل في سبيل الله، هذا هو سبيل الرشاد الذي ندعو شباب الجيل إليه بدلا من سبل الضلالة والهوى.


• إصاباتهم ثم مقتلهم "تقبلهم الله"

في أواخر عام 1437 أدى قصف يهودي غادر إلى إصابة كل من أبي عمر وأبي عليّ بإصابات متفاوتة، ومقتل أبي بكر تقبله الله، فلم يفت ذلك في عضدهم ولم ينل من عزيمتهم فلا الجراح ولا فقد الخلاّن يوقف المجاهد عن جهاده، فواصلوا جهادهم بين تحريض وتدريب وصبر وجلاد، حتى جاء القدر الذي لا مفر منه وحانت لحظة اللّحاق بمن سبقهم على ذات الدرب فقد أدى قصف بالطائرات المسيرة إلى مقتل أبي عمر وأبي علي وذلك خلال العام الحالي 1440 ، ليرتحل ثلاثة من الإخوة -تقبلهم الله-بعد أن حققوا التوحيد في حياتهم قولا وعملا وجاهدوا وبذلوا أموالهم وأنفسهم رخيصة في سبيل الله حتى أتاهم اليقين من ربهم، فنسأله تعالى أن يتقبلهم وأن يجمعنا بهم في مستقر رحمته على سرر متقابلين.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 159
الخميس 28 ربيع الأول 1440 هـ
...المزيد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً