#خواطر_رمضانية_6 هنيئا لهم على معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم . إن محبة محمد- صلى الله عليه ...

#خواطر_رمضانية_6
هنيئا لهم على معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم .

إن محبة محمد- صلى الله عليه وسلم- فرض لازم على كل مسلم حباً صادقاً مخلصاً؛ لأن الله -تبارك وتعالى- قال:{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} فكفى بهذا حضاً وتنبيهاً ودلالة على إلزام محبته ووجوب فرضها وعظم خطرها، واستحقاقه لها-صلى الله عليه وسلم , فعن أنس -رضي الله عنه-قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين )) ، فالرسول- صلى الله عليه وسلم- يستحق المحبة العظيمة بعد محبة الله -عزوجل-كيف لا وهو من أرانا الله به طريق الخير من طريق الشر، كيف لا وهو من عرفنا بالله –عزوجل-، كيف لا وهو من بسببه اهتدينا إلى الإسلام، أفيكون أحد أعظم محبة بعد الله منه؟!!.

فمحبة النبي صلى الله عليه وسلم ليست مجرد كلمات يرددها الشعراء، أو خطب يتلوها على المنابر الخطباء، ولكن محبته نفحة ربانية وعقيدة إيمانية، يتنافس فيها المتنافسون وإليها يشخص العاملون، فلا يكفي فيها الادعاء باللسان فحسب، بل لا بد أن تكون محبته عليه الصلاة والسلام حياة تعاش، ومنهجاً يتبع، وصدق الله إذ يقول: (‏قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏)آل عمران/31 .

جاء عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- فقال: "لأنت أحبَّ إلي من كل شيء إلا من نفسي التي بين جنبي" فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- : (( لن يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه )). فقال عمر: " والذي أنزل عليك الكتاب لأنت أحب إلي من نفس التي بين جنبي". فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم-: (( الآن يا عمر )), فحب النبي - صلى الله عليه وسلم- يجب أن يكون أعظم حب بعد حب الله تبارك وتعالى، أعظم من حب الولد والوالد، وأعظم من حب الوالدة والإخوة، ومن حب المال والدنيا، وأعظم من حب الزوجة بل أعظم من حب النفس، فإذا لم يكن هذا هو واقع محبة النبي في قلب المسلم فإنه لا يذوق حلاوة سنته، قال سهل: "من لم ير ولاية الرسول- صلى الله عليه وسلم- في جميع الأحوال ويرى نفسه في ملكه - صلى الله عليه وسلم- لا يذوق حلاوة سنته، لأن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: (( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه )).

وإنّ الصحابةُ -رضي الله عنهم- نالوا الفضلَ لصُحبتهم وإخلاصِهم وسَبقهم في الاستِجابة لله ولرسولِه، فزادَت رِفعتُهم عند الله؛ أُمِرُوا باستِقبال الكعبة فحوَّلُوا وِجهتَهم من بيت المقدِس إليها حينما سمِعوا بتغييرها وهم في الصلاة، ولم يُؤخِرُوا الامتِثالَ إلى الصلاة التي تَليهَا.

ولذا ترجم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم محبته ترجمة عملية، فقد بذلوا أرواحهم ودماءهم وأموالهم رخيصة في سبيل الله وطاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا له: "يا رسول الله، هذه أموالنا بين يديك، خذ منها ما شئت ودع منها ما شئت، وما أخذته منها كان أحب إلينا مما تركته، وهذه أرواحنا بين يديك، لو استعرضت بنا البحر لخضناه معك ما تخلف منا أحد، إنا والله لَصبرٌ في الحرب صِدق عند اللقاء؛ فامض بنا يا رسول الله حيث أمرك الله" (السيرة النبوية، ابن هشام ج1/ 320).

بأبي وأمي أنت يا خير الورى *** وصلاة ربي والسلام معطرا
يا خاتم الرسل الكرام محمد *** بالوحي والقرآن كنت مطهرا
لك يا رسول الله صدق محبة *** وبفيضها شهد اللسان وعبرا
لك يا رسول الله صدق محبة *** فاقت محبة من على وجه الثرى
لك يا رسول الله صدق محبة *** لا تنتهي أبدا ولن تتغيرا .

نماذج من حب الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم .

وهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة، فيقول له:(لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحباً). فلما أذن الله عز وجل لنبيه بالهجرة قدم على أبي بكر يخبره بالأمر فقال له أبو بكر: "الصحبة يا رسول الله". فقال له: (الصحبة). تقول السيدة عائشة: "فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحداً يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ"
(السيرة النبوية، ابن هشام ج1/ 245 ) .

وفي الطريق كان الصديق رضي الله عنه يسير أمام النبي صلى الله عليه وسلم ساعة، ثم من خلفه، ثم عن يمينه، ثم عن شماله، فيسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن سبب ذلك، فيقول: "يا رسول الله، أذكر الطلب فأمشي خلفك، وأذكر الرصد فأمشي أمامك". فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (لو كان شيء أأحببت أن تقتل دوني)؟ فقال: "إي والذي بعثك بالحق".

ويقول سيدنا أبو بكر: كنا في الهجرة وأنا عطشان جدا ، فجئت بمذقة لبن فناولتها للرسول صلى الله عليه وسلم، وقلت له :اشرب يا رسول الله، يقول أبو بكر: فشرب النبي صلى الله عليه وسلم حتى ارتويت !!

ويوم فتح مكة أسلم أبو قحافة [ أبو سيدنا أبي بكر ]، وكان إسلامه متأخرا جدا وكان قد عمي، فأخذه سيدنا أبو بكر وذهب به إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليعلن إسلامه ويبايع النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم , يا أبا بكر هلا تركت الشيخ في بيته، فذهبنا نحن إليه ' فقال أبو بكر: لأنت أحق أن يؤتى إليك يا رسول الله .. وأسلم أبو قحافة.. فبكى سيدنا أبو بكر الصديق، فقالوا له : هذا يوم فرحة، فأبوك أسلم ونجا من النار فما الذي يبكيك؟تخيّل .. ماذا قال أبو بكر..؟قال: لأني كنت أحب أن الذي بايع النبي الآن ليس أبي ولكن أبو طالب، لأن ذلك كان سيسعد النبي أكثر ..

وهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه يُسأل: كيف كان حبكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: "كان والله أحب إلينا من أموالنا وأولادنا وأبنائنا وأمهاتنا ومن الماء البارد على الظمأ" (روضة المحبين ونزهة المشتاقين ج1/ 418). وصدق والله رضي الله عنه وأبر، فقد ترجم ذلك عملياً حينما نام في فراش النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة مع علمه بأن فتية قريش الذين قدموا لقتل النبي صلى الله عليه وسلم ربما يصلوا إليه في أي لحظة، ومع ذلك فإنه قدم نفسه فداء لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

وذاك سواد بن غزيّة يوم غزوة أحد واقف في وسط الجيش فقال النبي صلى الله عليه وسلم للجيش :' استووا.. استقيموا '. فينظر النبي فيرى سوادا لم ينضبط فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ' استو يا سواد' فقال سواد: نعم يا رسول الله ووقف ولكنه لم ينضبط، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم بسواكه ونغز سوادا في بطنه قال: ' استو يا سواد '، فقال سواد: أوجعتني يا رسول الله، وقد بعثك الله بالحق فأقدني !فكشف النبي عن بطنه الشريفة وقال:' اقتص يا سواد'. فانكب سواد على بطن النبي يقبلها .يقول: هذا ما أردت وقال: يا رسول الله أظن أن هذا اليوم يوم شهادة فأحببت أن يكون آخر العهد بك أن تمس جلدي جلدك .

وحتى الصبيان أحبوا رسول الله.. روى البخاري ومسلم من حديث عبدالرحمن بن عوف قال: بينما أنا واقف في الصف يوم بدر إذ التفتُّ عن يميني وعن شمالي، فرأيت غلامين من الأنصار، فغمزني أحدهما سراً من صاحبه وقال لي: يا عم، هل تعرف أبا جهل؟ فقال له عبد الرحمن: نعم، وماذا تصنع بـأبي جهل يا ابن أخي؟! فقال له: لقد سمعت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد عاهدت الله إن رأيته أن أقتله أو أموت دونه، يقول عبدالرحمن بن عوف: فتعجبت لذلك! يقول: فغمزني الغلام الآخر وقال لي سراً من صاحبه: ياعم، هل تعرف أبا جهل؟ فقلت: نعم يا ابن أخي، وماذا تصنع بـأبي جهل؟! فقال: لقد سمعت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد عاهدت الله جل وعلا إن رأيته أن أقتله أو أموت دونه. يقول: فتعجبت! والله ما يسرني أني بين رجلين مكانهما، يقول: فنظرت في القوم فرأيت أبا جهل يجول في الناس، فقلت لهما: انظرا هل تريان هذا؟ قالا: نعم. قال: هذا صاحبكما الذي تسألان عنه. يقول: فانقضا عليه مثل الصقرين فقتلاه! وجرى كل منهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يا رسول الله قتلته، والآخر يقول: بل أنا الذي قتلت أبا جهل. فقال النبي لهما: (هل مسحتما سيفيكما؟) قالا: لا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أعطني سيفك). وقال للآخر: (أعطني سيفك). ونظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى السيفين فوجد دم أبي جهل على السيفين، فالتفت إليهما وقال: (كلاكما قتله)!

وأخيرا لا تكن أقل من الجذع....
كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب في مسجده قبل أن يقام المنبر بجوار جذع الشجرة حتى يراه الصحابة.. فيقف النبي صلى الله عليه وسلم يمسك الجذع، فلما بنوا له المنبر ترك الجذع وذهب إلى المنبر 'فسمعنا للجذع أنينا لفراق النبي صلى الله عليه وسلم، فوجدنا النبي صلى الله عليه وسلم ينزل عن المنبر ويعود للجذع ويمسح عليه ويقول له النبي صلى الله عليه وسلم :' ألا ترضى أن تدفن هاهنا وتكون معي في الجنة؟ فسكن الجذع .
نسأل الله عز وجل أن نكون مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يوم القيامة؛ لأنا نُشهد الله ورسوله والدنيا بأسرها بأنا نحب الله ونحب رسول الله صلى الله عليه وسلم،

وليكن حالنا كما قال الشاعر:
حبي نبي الـهدى ديني وإيمانـي***يسري مع الدم يحيي نبض شرياني
يسمو بنفسي على الدنيا وزخرفها ***وهو السلام على روحي ووجدانـي
وتخشع النفس في محراب سيرته***فأذرفُ الدمعَ من شوق وتـحنـان
هذي الجوارح بالتسبيح لاهجةً***تسبِّح الله في سـري وإعـلانـي
وبالصلاة على المختار من مضر***ما دام للوُرق سجع فوق أغصـان
هو المقدم في نفسي على نفسي*** وأهل بيتـي وأحبابـي وخلانـي .

كتبه الشيخ شرماركي محمد عيسى ( بخاري) .
هـــــــــرجيـــــــــــــسيـــــــــــــــــــا 6/رمضان/1440هـــــــ .
أبـــــو الاثيـــــــــــــــــــــــر الصـــــــــــــــــــــومـــــــالي .
...المزيد

خواطر_رمضانية_5 منابرنا تشتكي . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ إتفق الفقهاء من ...

خواطر_رمضانية_5
منابرنا تشتكي .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إتفق الفقهاء من المذاهب الأربعة على أن الخطبة شرط لصحة صلاة الجمعة ، فهي من ذكر الله الذي أمر الله تعالى بالسعي إليه في قوله سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ) سورة الجمعة (9) وقد واظب النبي صلى الله عليه وسلم عليها مواظبة تامة ، بل جاء عن بعض الصحابة أن الخطبة هي بدل الركعتين من صلاة الظهر ، كل ذلك يدل على اشتراط الخطبة لصحة صلاة الجمعة وأهميتها فلابد أن تكون الخطبة ما تحصل منه الفائدة وأما ما يصنعه الجهلة عندنا من إقتصار الخطبتين بخمسة دقائق أو أقل فلا تصح أصلا إذ لا توفي غرض الخطبة يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " ولا يكفي في الخطبة ذم الدنيا وذكر الموت ، بل لا بد من مسمى الخطبة عرفا ، ولا تحصل باختصار يفوت به المقصود " انتهى .
فمنابرنا تشتكي من غالب الخطباء فيها فترى في حالنا اليوم خطيب يخطب في صلاة الجمعة في مسجد لا يتجاوز أفراد المصلين فيه ثلاثون فردا فيقرأ عليهم ما يقارب عشرين صفحة من أوراق صورها من كتاب أو سحبها من النت ، أقرب ما تكون إلى مقامات الحريري من السجع والتكلف والتعسف والتمطيط مع الشهيق والزفير وإخراج الحرف من الجوف وآخر الحلق , فتأتي خطبته باردة مثلجة سخيفة سامجة طويلة هزيلة ، ميتة ، لأنها بلا روح ولا تأثير ، وبعد الخطبة يحول التلاوة في المسجد إلى نواح طفل صغير ، ويصرخ في الميكرفون صراخا لو سمعته الحامل لأسقطت جنينها ولأوضعت حملها ، ويجعل التلاوة مثل مقامات المصريين ، حتى ينام الناس وهم وقوف .
ومنهم من يقص على الحاضرين أساطير الأوليين وقصص السالفين ويخرج الخطبة من معناها الأصلي والروحي فيغلب عليه روح الدعابة والضحك كأنه ممثل لفيلم كوميدي ويرتل السماجة والسخافة على الحاضرين ويظنّ نفسه أحد الخطباء البارعين وإذا قيل له إتق الله واشفق علينا أخذته العزة بالإثم ورد عليهم جوابا يفهم منه أن من لم يعجبه أن يصلي معه فليصل في مسجد آخر!
ومنهم من يخطب في قرية صغيرة أو حي فيورد مفاسد العوملة ويصرخ بمقاطعته للتطبيع مع إسرائيل ويفصل القول بالقضايا السياسية العالمية ويهجم على دول وتيارات ويصرخ في وجه من قال له ما هكذا تورد الإبل يا خطيبنا !!
ومنهم من يبدأ بخطبته التطبيل والتبريك للأمراء والسلاطبن ويسرد محاسنهم من يوم ولدته أمه إلى لحظته ذاك ويشبههم بالصحابة والتابعين وينتهي بالدعاء لهم ويوصي الناس بمحبتهم والسمع والطاعة لهم ويلعن في المنبر خصمهم ويشبههم بخصوم الصحابة رضوان الله عليهم علّه أن ينال منهم فضلا أو يكون له عندهم مرتبة أيبتغون عندهم العزة فإنّ العزة لله جميعا وهذا من البدع والحوادث بعد الرسول صلى الله عليه وسلم يقول الإمام النووي رحمه الله ( يكره في الخطبة أمور ابتدعها الجهله منها المجازفة في أوصاف السلاطين في الدعاء لهم . وأما أصل الدعاء للسلطان ، فقد ذكر صاحب (المهذب ) وغيره : أنه مكروه . والاختيار : أنه لا بأس به إذا لم يكن فيه مجازفة في وصفه ، ولا نحو ذلك ، فإنه يستحب الدعاء بصلاح ولاة الأمر ) .
ومنهم من غلب عليه اليأس والقنوط ويورد مآسي الأمة الإسلامية وويلات الشعوب من الظلمة ويختم بخطبته الصلاة والسلام على الرسول صلى الله عليه وسلم بدون بشارة للأمة ويثبط الناس ويجعلهم رعاعا وغثاء كغثاء السيل نسأل الله العافية .
وما أحسنه من خطيب ذاك الذي فهم واقع المخطوبين ووعى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عليه الصلاة والسلام: «يا أيها الناس إن منكم منفرين فأيكم أم الناس فليتجوز، فإن من ورائه الكبير والصغير وذا الحاجة» (متفق عليه)، وغضب صلى الله عليه وسلم على معاذ بن جبل، لما طول بالناس في الصلاة، وقال: «أفتان أنت يا معاذ؟» ثلاثا، (أخرجه الشيخان).
كتبه الشيخ :
شـــــرماركي محمد عيـــــــــــــــسى (بخاري )
هرجيـــــــــــــسيــــــــــا 5/ رمضان /1440 هـــــ
أبــــــــو الأثيـــــــــــــــــــر الصــــــــــــــــومالي .
...المزيد

#خواطر_رمضانية_4) صقر قريش ...... ودرس في بناء ...

#خواطر_رمضانية_4)
صقر قريش ...... ودرس في بناء الدولة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المكان هو مكة المكرمة، الزمان موسم حج 147 هـ، يدلف الخادم إلى مجلس الخليفة أبي جعفر المنصور، في حالة لم يُشاهَد على مثلها من قبل من الاضطراب، واصفرار الوجه، وكأنه فُجِعَ بألف مصيبة في نفس اللحظة. يحاول الرجل إخبار سيده بما حدث؛ فيتلعثم؛ فيشتاط أبو جعفر غضبًا. هنا لا يجد الرجل ردًا أبلغ من أن يفتح الصندوق الذي بحوزته، ويضعه في نطاق رؤية الخليفة العباسي، والذي أصابه وابل من مزيج من الذهول والامتعاض مما رأى، وحُقَّ له ذلك وأكثر.

كان الصندوق العجيب يحتوي رأسًا بشريُا بدت عليه علامات التحلل، وكان أشد ما أفزع أبا جعفر أنه رغم ذلك استطاع أن يعرف صاحب هذه الرأس جيدًا: فقد كان هو نفسه – أبو جعفر – السبب في ذلك المصير الذي انتهى إليه صاحب هذه الرأس. العلاء بن مغيث القحطاني، الذي أرسله المنصور إلى أقصى غرب العالم الإسلامي، وراء البحر، ومنحه راية العباسيين ، وكتاب الخليفة العباسي يمنحه ولاية الأندلس، يكاد ينفرد بسلطانها، وتوزيع ثرواتها، مقابل إخضاعها ولو اسمًا لسلطة العباسيين.

كان هذا المشهد السابق – طبقًا لأشهر رواية تاريخية – هو السبب في ظهور اللقب الشهير «صقر قريش»، والذي وُصِفَ به رجل استثنائي. وأقوى من اللقب أنه انتزعه في شهادة تاريخية من ألد خصومه الذي ذُبِحَ أهل بيته بسلطانه، وأن ذلك كان في سياق انتصار ساحق أمعن فيه في الأخذ بثأره .
______________________________________________________________________________

#صقر_قريش_وبناء_الدولة.
بعد سقوط دولة أجداده وفراره من الموت المحتم عليه وإختبائه عند خواله البربر دخل إلى الأندلس ففرضَ نفسه رجل دولة منذ اليوم الأول لدخوله عاصمة الأندلس ، فكبح رجاله خاصة اليمنية الموتورين ، عن أية أعمال انتقامية تجاه ممتلكات المنهزمين وحُرَمِهِم ؛ مما أعلى أسهمه كثيرًا لدى عامة أهل قرطبة، وجعل منه أميرًا للجميع ، لكن كان لهذا الموقف ثمنه من ولاء هؤلاء الموتورين الذين حرمهم من لحظة انتقامية عاتية ، لكن لم يكن ما سبق هو خاتمة رحلته أبدًا ، بل كان أول فصولها فحان وقت بناء دولة في الأندلس المشهورة بالثورات والفتن ولم تكن هذه أبدًا بالمهمة السهلة. كانت الجزيرة تموج بالكثير من الثارات، والزعامات المحلية، والصدامات العرقية والقبلية بين العرب والبربر وسكان الجزيرة، وفوق كل ما سبق، واستغلالًا لانكفاء المسلمين جنوبًا في حروبهم الأهلية، تتمدد شمالًا الدويلات الإسبانية المسيحية، والتي كانت تتربص بالفاتحين الدوائر، وتتصيَّد الفرص للانقضاض جنوبًا، وتحلم بيوم تلقيهم فيه في البحر من حيث أتوا مع طارق قبل نصف قرن .

ومن المعروف عند المتأخرين لم يتورع عبد الرحمن عن استخدام كل ما ينبغي استخدامه لتوحيد الأندلس تحت طاعته، فقمع الثوراث والفتن المتلاحقة بالسيف وبالتدبير، وكان يحاول في البداية عدم الإسراف في السطوة على مخالفيه، لكن تغيرت ردة فعله تدريجيًا مع تفاقم الثورات والاضطرابات، والتي قدَّرها جُلُّ المؤرخين بأكثر من 25 ثورةً وتمردًا خلال سنوات حكمه للأندلس، والتي ستصل إلى 34 عامًا (138هـ – 172هـ).

وتنوَّعت دوافعها ، بين المطامع السياسية المعتادة لزعامات محلية منافسة لحكم عبد الرحمن المركزي، وثورات ذات دوافع قبلية عربية كثورات المضرية، ثم اليمنية ، وثورات للبربر…إلخ، لكن عمومًا لم تكن تلك الثورات ذات مطالب شعبية عامة؛ فقد كان عامة سكان الأندلس، حتى غير المسلمين منهم، راضين عن حكم عبد الرحمن؛ لأنهم وجدوا فيه الأمل الوحيد في توحيد الجزيرة، وبث الاستقرار طويل الأمد في ربوعها، وعزَّز من سيادة هذا الرأي ما أظهره عبد الرحمن ورجاله من جهد في إدارة الدولة، والتوسع في العمران، والحفاظ على علاقة متزنة مع كافة الأحزاب الأندلسية .

ولكن الصدمة أن بني العباس أرسلوا إلى الاندلس .
في بداية الأمر لم يكن يعلم الكثيرون أن الاتفاق بين الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور، والعلاء بن مغيث، كان ينص على شبه استقلال العلاء بحكم الأندلس وخراجها، مقابل الدعوة الاسمية لبني العباس فيها! أي أن الأمر كان أقرب إلى عملية انتقامية ضد أحد فلول أعدائهم الأمويين .

استمرَّ الحصار في قرمونة أسابيع. مع مرور الوقت، كان موقع العلاء بن مغيث يهتز؛ فهو وجنوده عاجزون عن اقتحام القلعة الحصينة، وفي المقابل يخشون من رفع الحصار والتوغل في الأندلس، حتى لا ينقض عليهم عبد الرحمن من الخلف. أعلم العيونُ عبد الرحمنَ بشيوع التململ والاضطراب في معسكر العلاء؛ فبادر بقرار جريء لاستغلال اللحظة الراهنة، فخطب في جنوده خطبة حماسية، وأعلن أنه سيخرج لحرب قوات الحصار بنفسه، ورفع سيفه وألقى الغمد في النار دلالة على عدم التراجع، وطلب ألا يخرج معه أحد مجبرًا. فانضم إليه حوالي 700 من أشد جنوده إخلاصًا وولاءً، وفعلوا مثل أميرهم، وخرجوا من أبواب القلعة يقصدون عساكر العلاء.

نزل الهجوم كالصاعقة على العلاء وجنوده، رغم الفارق العددي الكبير لصالحهم؛ إذ توقعوا أن يظل عبد الرحمن متحصنًا في قلعته، متجنبًا المواجهة المباشرة. انهار جيش العلاء، وسقط قائده والكثير من معاونيه صرعى، وأمر عبد الرحمن بقتل من وقع من جنود العلاء في الأسر.
أمر عبد الرحمن بحشو رأس العلاء بالملح لحفظها وإرسالها في صندوق إلى الشرق، إلى أبي جعفر المنصور، وبالفعل تمكَّن بعض ثقاته من إلقائها قرب خيمة أبي جعفر في مكة المكرمة أثناء الحج. ما إن رأى أبو جعفر الرأس حتى صاح في مزيج من الغضب والفزع: «ما في هذا الشيطان مطمح، فالحمد لله الذي جعل بيننا وبينه البحر!».

استمرّ عبد الرحمن في إدارة الدولة بنفس الحزم، وواصل قمع الثورات والتمردات بلا هوادة ؛ حتى وصل به هذا إلى قتل بعض أهل بيته ممن حاولوا التمرد على حكمه , كذلك استحدث عبد الرحمن سياسة جديدة ليجعل لدولته جنودها المخلصين المتحررين من الولاءات العرقية والقبلية والمناطقية ، فأكثر من جلب العبيد الصغار من أسواق الرقيق في كافة أرجاء أوروبا ؛ ليتم تأسيسهم منذ نعومة أظفارهم على الإسلام ، والولاء للدولة وأميرها ، فنشأ مع مرور الوقت طبقة الصقالبة التي كانت تشكل العمود الفقري للحكومة الأموية في الأندلس ، فمنها الحرس الخاص للأمير ، ومنها الدائرة المقربة من الخدم والحشم التي تدير القصور الأميرية ، وتسهر على شئونها.

توفؤ عبد الرحمن عام 172هـ، مُخلِّفًا دولة مركزية قوية بالأندلس، تخضع رغبًا ورهبًا ليد قرطبة الحازمة، وخلفه على العرش ابنه هشام بن عبد الرحمن، والذي سار على منوال أبيه في خطا البناء والعمران ، ومواجهة الثورات والتمردات ، واستمر نسل عبد الرحمن الداخل في حكم الأندلس قرنين ونصف من الزمان غلب عليها قوة الدولة ، والتوسع في العمران ، وتحجيم مد الدويلات المسيحية الشمالية بالحملات العسكرية المتتابعة .

يقول المؤرخون إنّ خطوات عبدالرحمن إبن معاوية إبن هشام إبن عبدالملك المعروف بالداخل الملقب بصقر قريش كانت خطواتا ذات تركيز عالي وطموحه في تأسيس الدولة كان عاليا ولم يدخر جهدا يبذله أحد إلا وحاول عليه ولم تمر عليه فرصة إلا وأستفاد منها على أحسن وجه فأصبح موحد الجزيرة الإسلامية البعيدة عن الأراضي الإسلامية الأخرى النائية عنها قدّم مصلحة الدولة على كلّ شىء حتى كلّف ذالك بعض دماء أبناء أخيه الذين حاولو التمرد على سلطته ومن أهم ما نلاخظ على عملية تاسيس دولته ما يلي :

• الإستفادة من تفرق أصحاب البلد وتعصب بعضهم على بعض ودوام الثورات والحروب العصبية بينهم فانحازه إلى موالي بني أمية وإلى بعض القبائل اليمنية المتمركزة في الجزيرة الخضراء للوصول إلى سدة الحكم وإلى تأسيس دولة شاملة عادلة ذات شرعية ونفوذ واسع فالعقلاء دائما يقرأون الأحداث والواقع ويجعلونها تمشي لصالحهم ويستفيدون الفرص مع توخيهم الحذر من التحديات والصعوبات .
• ولما مكنه الله من أعدائه وأصبح أميرا لتلك البلاد وصاحبا لها لم يرجع إلى العصبية الهوجاء ولم يشتغل تصفية الحسابات القديمة بل دعل لنفسه جيشا لا ينتمي إلا إلى دولته ولا يعرفون سندا إلا هو فشرع يجمع الغلمان والرقيق من كل مكان ويجعلونهم من الجيش ويربينهم على ولاء الدين والوطن وأن الدين فوق كل شىء .
وهكذا بنى عبدالرحمن الداخل ( صقر قريش ) دولة قامت بعده بقرون وأصبحت من الدول المهتمة تاريخيا .

ومن أهم أعماله بعد ان إنتهى من أمر الثورات وأستتب له الامر قام لتطوير البلاد قكان من أهم أعماله :
أولاً: إنشاء جيش قوي وفي بنائه لجيشه الجديد عمل على ما يلي:

• اعتمد في تكوين جيشه على العناصر التالية :
أ - اعتمد في الأساس على عنصر المولَّدين، وهم الذين نَشَئُوا نتيجة انصهار وانخراط الفاتحين بالسكان الأصليين من أهل الأندلس.
ب - اعتمد كذلك على كل الفصائل والقبائل الموجودة في بلاد الأندلس، فضمَّ إليه كل الفصائل المُضَرِيَّة؛ سواء كانت من بني أمية أو من غير بني أمية، إلاَّ أنه بعد ثورة اليمانية لمقتل أبي الصباح اليحصبي صار لا يطمئن إلى العرب، فأكثر مِنَ اتخاذ المماليك من غير العرب لا سيما البربر، حتى صار له منهم أربعون ألفًا، وبهم استقرَّ ملكه .
ج - كذلك اعتمد على عنصر الصقالبة , وهم أطفالٌ نصارى كان قد اشتراهم عبد الرحمن الداخل من أوربا، ثم قام بتربيتهم وتنشئتهم تنشئةً إسلامية عسكرية صحيحة.
وبرغم قدوم عبد الرحمن الداخل إلى الأندلس وحيدًا، فقد وصل تعداد الجيش الإسلامي في عهده إلى مائة ألف فارسٍ غير الرجَّالة، مشكَّلاً من كل هذه العناصر السابقة، والتي ظلَّت عمادَ الجيش الإسلامي في الأندلس لدى أتباع وخلفاء وأمراء بني أمية من بعده.
2- إنشاء المصانع ودور الأسلحة
أنشأ عبد الرحمن الداخل -صقر قريش- دُورًا للأسلحة؛ فأنشأ مصانع السيوف ومصانع المنجنيق، وكان من أشهر هذه المصانع مصانع طُلَيْطلَة ومصانع برديل.

3- إنشاء أسطول بحري قوي
• أنشأ -أيضًا- أسطولاً بحريًّا قويًّا، بالإضافة إلى إنشاء أكثر من ميناء؛ كان منها ميناء طُرْطُوشة وألمَرِيَّة وإِشْبِيلِيَة وبَرْشُلُونَة وغيرها من المواني.
4- تقسيم ميزانية الدولة
كان عبد الرحمن الداخل يُقَسِّم ميزانية الدولة السنوية إلى ثلاثة أقسام : قسم يُنفقه بكامله على الجيش، والقسم الثاني لأمور الدولة العامَّة من مؤنٍ ومعمارٍ ومرتباتٍ ومشاريعَ وغير ذلك، والقسم الأخير كان يدَّخره لنوائب الزمان غير المتوقَّعة.
5- الاهتمام بالعلمَ والجانبَ الدينيَّ
أعطى عبد الرحمن الداخل العلم والجانب الديني المكانة اللائقة بهما؛ فعمل على الآتي:
• - نَشْر العلم وتوقير العلماء.
• - اهتمَّ بالقضاء والحسبة.
• - اهتمَّ بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
• - كان من أعظم أعماله في الناحية الدينية بناء مسجد قُرْطُبَة الكبير، والذي أنفق على بنائه ثمانين ألفًا من الدنانير الذهبية، وقد تنافس الخلفاء من بعده على زيادة حجمه؛ حتى تعاقب على اكتماله في شكله الأخير ثمانية من خلفاء بني أميَّة .
• وكان من العلماء في أيامه معاوية بن صالح بن حدير بن سعيد الحضرمي، وكان من جِلَّة أهل العلم ومن كبار المحدِّثين، وقد أخذ عنه جملة من الأئمة؛ منهم: سفيان الثوري، وابن عيينة، والليث بن سعد، ويُذْكَر أن مالك بن أنس قد روى عنه حديثًا، وكان عبد الرحمن الداخل قد ولاَّه القضاء.
• وكان من علماء الأندلس في عهده -أيضًا- سعيد بن أبي هند، والذي لَقَّبه الإمام مالك بن أنس / بالحكيم؛ لِمَا عُرِفَ عنه من رجاحة عقله، وقد توفي أيام الداخل .
6- العناية الكبيرة بالجانب الحضاري المادي ويبرز ذلك في الجوانب التالية :
• - اهتمامه الكبير بالإنشاء والتعمير، وتشييد الحصون والقلاع والقناطر، وربطه أول الأندلس بآخرها.
• - إنشاؤه الرُّصَافة، وهي من أكبر الحدائق في الإسلام، وقد أنشأها على غِرار الرصافة التي كانت بالشام، والتي أسَّسها جدُّه هشام بن عبد الملك -رحمه الله، وقد أتى لها عبد الرحمن بالنباتات العجيبة من كل بلاد العالم، فإذا نجحت زراعتها في الرصافة فإنها تنتشر في الأندلس كلها
7- حماية حدود دولته من أطماع الأعداء :
• بالإضافة إلى إعداده جيشًا قويًّا -كما أوضحنا سابقًا- وتأمينًا لحدود دولته الجديدة قام عبد الرحمن الداخل بخوض مرحلتين مهمتين:
• المرحلة الأولى: كان عبد الرحمن الداخل يعلم أن الخطر الحقيقي إنما يكمن في دولتي ليون في الشمال الغربي، وفرنسا في الشمال الشرقي من بلاد الأندلس، فقام بتنظيم الثغور في الشمال، ووضع جيوشًا ثابتةً على هذه الثغور المقابلة لهذه البلاد النصرانية، وهي :
• - الثغر الأعلى؛ وهو ثغر سَرَقُسْطَة في الشمال الشرقي في مواجهة فرنسا.
• - الثغر الأوسط؛ ويبدأ من مدينة سالم ويمتدُّ حتى طُليْطلَة.
• - الثغر الأدنى؛ وهو في الشمال الغربي في مواجهة مملكة ليون النصرانية.
المرحلة الثانية : كان عبد الرحمن الداخل –رحمه الله- قد تعلَّم من آبائه وأجداده عادة عظيمة، وهي عادة الجهاد المستمرِّ وبصورة منتظمة كل عام، فقد اشتُهِرَت الصوائفُ في عهده؛ حيث كان المسلمون يخرجون للجهاد في الصيف وبصورة منتظمة؛ وذلك حين يذوب الجليد، وكان يتناوب عليهم فيها كبار قوَّاد الجيش، بهدف الإرباك الدائم للعدوِّ، وهو ما يُسمُّونه الآن في العلوم العسكرية بالهجوم الإجهاضي المسبق .
وهكذا أصبح عبدالرحمن الداخل أسطورة في بناء الدول وتأسيسها .
كتبه الشيخ شرماركي محمد عيسى ( بــــــخـــــــــــــــاري )
هـــــــــــــــــــــــرجيـــــــــــــــسيــــــــــــا ــــــ 1440 هـــــــــــــــــــــ.
#خواطر_رمضانية.
...المزيد

#خواطر_رمضانية(3). فوق وتحت .......عباءة الشيخ إنّ ما نسمعه من أصحاب الألقاب والأسامي ...

#خواطر_رمضانية(3).
فوق وتحت .......عباءة الشيخ

إنّ ما نسمعه من أصحاب الألقاب والأسامي والمعالي والسمو والفضيلة لا يكونون على مستوى واحد من المعرفة والعلم وكذالك الورع والتقوى والشجاعة والثبات في قول الحق فلا يخدعنّك تسوية المظاهر والبشوت والطيلسان المزخرف فهناك من العلماء من يترزق بـــلــا إلـــــه إلــــا الـــلـــــــــه وهناك من يقتل ويسجن بـــلــا إلـــــه إلــــا الـــلـــــــــه فمن عادته المجاملة والتذبذب والحور بعد الكور وإنغماز الدنيا وإنحلالها وتشويه السمعة والعباءة التي ينطق بفمها ويترزق بالمواعظ والأذكار الصباحية والمسائية ولا يطيق أن يدافع عن المظلومين من أبناء ملّته ودينه إلا بإذن من ولي عهد إمارته فتبا له من مرتزق فما أخونه وأخبثه فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ , فلا شك أن مآل هذا يكون ضلاله بعد هدآه وتعاسته بعد كرامته وذله وهوانه بعد عزه وشرفه حيث أباع دينه بعرض من الدنيا .

إنّ الصراحة وبيان الحق في المسائل العلمية والمواقف الشرعية سمة عظيمة للعلماء الربانيين بل هي أفضل الجهاد وأعظمه ، وفي هذا يقول عليه الصلاة والسلام: “سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله” وفي رواية: “أفضل الجهاد كلمة (عدل) حق عند سلطان جائر ) كانت حياة الصحابة والسلف الصالح من بعدهم نبراسًا في طاعة الله ورسوله، وأولهم العلماء، فقد أخذوا كلام رسولهم على محمل الجد والالتزام حتى استطاعوا أن يكونوا استمرارًا لعهد الرسول ﷺ من بعده، واستحقوا وصفه لهم بأنهم خير القرون ، وأنهم من التابعين له بإحسان ، ولعل موقف العلماء من الحكام يجب أن يكون من أهم أعمالهم ، فالمنكِــــر منهم على الحاكم الظالم ظلمه هو من أعلى درجات الشهداء عند الله”.....

وأما ما نراه الآن من الإزدحام في أبواب السلاطين والأمراء فقد حذر منه الصحابة الكرام وأخبرونا أنها مذمة للعالم ونغمة عليه بل ورد في كتب السلف أنها معبرة عن غضب الله على العالم أن يدخل على السلطان أو يركض وراءه بغية النيل من دنياه فقد أخرج الدارمي في مسنده، عن ابن مسعود، رضي الله عنه قال: «من أراد أن يكرم دينه، فلا يدخل على السلطان
وأخرج البيهقي، عن ابن مسعود، رضي الله عنه، قال: «إن على أبواب السلطان فتنًا كمبارك الإبل، لا تصيبون من دنياهم شيئًا إلا أصابوا من دينكم مثله».
وأخرج البخاري في تاريخه وابن سعد في «الطبقات» عن ابن مسعود، رضي الله عنه، قال: «يدخل الرجل على السلطان ومعه دينه، فيخرج وما معه شيء».
قال عبد الله بن المبارك (رحمه الله): “من بخل بالعلم ابتلي بثلاث: إما موت يذهب علمه، وإما ينسى، وإما يلزم السلطان فيذهب علمه”.
وقال أبو حازم، سلمة بن دينار: “إن خير الأمراء من أحب العلماء، وإن شر العلماء من أحب الأمراء”.
قال أبو الأسود الدؤلي: “ليس شيء أعز من العلم، الملوك حكام على الناس، والعلماء حكام على الملوك”.
قال سليمان بن مهران الأعمش (رحمه الله): “شر الأمراء أبعدهم من العلماء، وشر العلماء أقربهم من الأمرا..“.
قال ابن الجوزي (رحمه الله): “ومن صفات علماء الآخرة أن يكونوا منقبضين على السلاطين، محترزين عن مخالطتهم. قال حذيفة رضي الله عنه: “إياكم ومواقف الفتن، قيل: وما هي؟ قال: أبواب الأمراء، يدخل أحدكم على الأمير فيصدقه بالكذب، ويقول ما ليس فيه”
ومن أبرز المواقف للسلف الصالح في إنكار المنكر في وجه الحاكم ونصرة المظلوم ما ورد من سيرة الإمام الاوزاعي ومواقفه أنه لما دخل العباسي "عبد الله بن علي" -عم السفاح الخليفة العباسي الذي أجلى بني أمية عن الشام ، وأزال الله سبحانه دولتهم على يده - دمشق فطلب الأوزاعي فتغيب عنه ثلاثة أيام ثم حضر بين يديه‏.‏
قال الأوزاعي‏:‏ دخلت عليه وهو على سرير وفي يده خيزرانة والمسودة عن يمينه وشماله ، ومعهم السيوف مصلتة - والعمد الحديد - فسلمت عليه فلم يرد ونكت بتلك الخيزرانة التي في يده ثم قال‏:‏ يا أوزاعي ‏!‏ ما ترى فيما صنعنا من إزالة أيدي أولئك الظلمة عن العباد والبلاد ‏؟‏ أجهاداً ورباطاً هو ‏؟‏
قال‏:‏ فقلت‏:‏ ياامير المؤمنين‏
‏ سمعت يحيى بن سعيد الأنصاري، يقول‏:‏ سمعت محمد بن إبراهيم التيمي، يقول‏:‏ سمعت علقمة بن وقاص، يقول‏:‏ سمعت عمر بن الخطاب، يقول‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه‏)‏‏)‏‏.‏
قال‏:‏ فنكت بالخيزرانة أشد مما كان ينكت، وجعل من حوله يقبضون أيديهم على قبضات سيوفهم، ثم قال‏:‏ يا أوزاعي ‏!‏ ما تقول في دماء بني أمية ‏؟‏
فقلت‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏لا يحل لمسلم دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث‏:‏ النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة‏)‏‏)‏‏.‏
فنكت بها أشد من ذلك ثم قال‏:‏ ما تقول في أموالهم ‏؟‏
فقلت‏:‏ إن كانت في أيديهم حراماً فهي حرام عليك أيضاً، وإن كانت لهم حلالاً فلا تحل لك إلا بطريق شرعي‏.‏
فنكت أشد مما كان ينكت قبل ذلك ثم قال‏:‏ ألا نوليك القضاء ‏؟‏
فقلت‏:‏ إن أسلافك لم يكونوا يشقون علي في ذلك، وإني أحب أن يتم ما ابتدؤني به من الإحسان‏.‏
فقال‏:‏ كأنك تحب الانصراف ‏؟‏
فقلت‏:‏ إن ورائي حرماً وهم محتاجون إلى القيام عليهن وسترهن، وقلوبهن مشغولة بسببي‏.‏
قال‏:‏ وانتظرت رأسي أن يسقط بين يدي، فأمرني بالانصراف‏.‏
فلما خرجت إذا برسوله من ورائي، وإذا معه مائتا دينار، فقال‏:‏ يقول لك امير المؤمنين:‏ استنفق هذه‏.‏
قال‏:‏ فتصدقت بها، وإنما أخذتها خوفاً‏.‏
وقيل كان في تلك الأيام الثلاثة صائماً فيقال‏:‏ إن الأمير لما بلغه ذلك عرض عليه الفطر عنده فأبى أن يفطر عنده‏ .


ومن ذلك أيضا: موقف الإمام "النووي" -رحمه الله- مع الظاهر بيبرس، لما أراد قتال التتار بالشام، واحتاج إلى جمع الأموال لذلك، فأخذ الفتاوى من العلماء بجواز الأخذ من مال الرعية يستنصر به على قتال التتار، وأجاز له الفقهاء ذلك، وامتنع الشيخ النووي. فلما سأله عن سبب امتناعه قال له:
"أنا أعرف أنك كنت في الرق للأمير "بندقار" وليس لك مال، ثم منَّ الله عليك، وجعلك ملكًا، وسمعت أن عندك ألف مملوك، كل مملوك له حياصة من الذهب، وعندك مائة جارية، لكل جارية حق من الذهب، فإذا أنفقت ذلك كله، وبقيت مماليكك بالبنود والصرف بدلاً من الحوائص، وبقيت الجواري بثيابهن دون الحلي؛ أفتيتك بأخذ المال من الرعية".
فغضب الظاهر "بيبرس"، وأمره بالخروج من دمشق، فخرج متوجهًا إلى "نوى"، فقال الفقهاء لبيبرس: "إن هذا من كبار علمائنا وصلحائنا، وممن يُقتدى به، فأعده إلى دمشق".
فدعاه للرجوع إلى دمشق، فامتنع الإمام النووي، وقال: لا أدخلها "والظاهر" فيها، فمات بعد شهر.

أرى خلل الرماد وميض جمر *** وأخشى أن يكون لها ضرام
أقلوا عليهم لا أباً لا أبيكم من اللوم *** أو سدوا المكان الذي سدوا .
هكذا كان مواقف العلماء الربانيون الذين لا يخافون في الله لومة لائم مواقفهم كانت واضحة وهذه قطرات من غيث ، وفي تاريخنا الإسلامي العشرات ، والعشرات مثلها... وحق علينا أن نتذاكرها ؛ لنتأسى بها ، ونتنفع بذكراها ، ونوعظ بها كل من تسول له نفسه في إبتغاء مرضاءة غضب الله لمرضاءة الحاكم ورعاته ويسارعون الإنسلاخ والهوان في طريق وعر صعب تمأله التحديات والصعوبات التي يمتحن الله به العباد حتى يتخد منا شهداء فليس للضعيف المتذبذب فيها مكان وسوف تنكسر كلمته وتسقط عمامته كما يحدث الآن فنسمع كل يوم إنسلاخ داعية وإنفلات آخر ورجوعه وتنازله أمام تحدي واجهه فهلاّ تأسى بهــــــؤلاء العلماء السابقين ليلحق به العاملون ويكون أسوة حسنة بدلا من أن يغوص أعماق المزمرين وحزب الشياطين ودعاة الإنسلاخ والإباحيين فما فوق عباءة الشيخ لا إعتبار له عندالله وأمته وهناك ما تحتها أخفى فالله أعلى وأحكم وإليه المستعان وعليه التكلان !!!
ذا عير الطائي بالبخل مادر *** وعير قسا بالفهامة باقل
وقال السهى للشمس أنت كثيفة *** وقال الدجى للبدر وجهك حائل
فيا موت زر أن الحياة دميمة *** ويا نفس جدي إن دهرك هازل
كتبه الشيخ شــــــــــرمــاركـــــــي محمد عيــــــــسى (بخــــــــاري)
3رمضان 1440هــــــــــــ هرجيــــــسيــــا
أبــــــــــــو الأثيــــــــــــــــــــــــــــــــر الصـــــــــــــومالــــي
...المزيد

#خواطر_رمضانية (2) ومضات من تاريخ الاندلس يقول النصارى في رواياتهم : أنه لو هُزم الفرنسيون في ...

#خواطر_رمضانية (2)
ومضات من تاريخ الاندلس
يقول النصارى في رواياتهم : أنه لو هُزم الفرنسيون في موقعة بواتييه (معركة بلاط الشهداء ) لفُتحت أوروبا جميعاً، ولدُرس القرآن في الجامعات الأوروبية.
فى ( أوائل رمضان 114هـ = 21 أكتوبر 732م ) كانت الواقعة ذات العبرة التي كانت أشبه ما تكون بغزوة حنين ....
ولى هشام بن عبدالملك في عام 112 هـ عبدالرحمن الغافقي إمارة الأندلس فتأهب لفتح بلاد الغال (فرنسا) فدعا العرب من اليمن والشام إلى مناصرته فأقبلوا إليه فاجتاز جبال البرانس بجيش من العرب والبربر وأوغل في مقاطعتي اكيتانيا ووبرغونية وبوردو ثم تقدم يريد الإيغال داخل البلاد .

وبعد أن وحد عبد الرحمن الغافقي الناس وظن أن القوة قد اكتملت أخذ هؤلاء الناس وانطلق بهم ناحية فرنسا ليستكمل الفتوح من جديد، ودخل مناطق لم يدخلها السابقون، فقد فتح أقصى غرب فرنسا، وأخذ يفتح المدينة تلو المدينة؛ وفتح مدينة آرل، ثم مدينة بوردو، والتي تسمى الآن بهذا الاسم، ثم مدينة طلوشة، ثم مدينة تور، ثم وصل إلى بواتييه غرب باريس، والتي تبعد عنها حوالي مائة كيلو متر، وتبعد من قرطبة حوالي (1000) كيلو متر، فقد توغل جداً في بلاد فرنسا في اتجاه الشمال الغربي، وهناك في مدينة بواتييه عسكر عند منطقة تسمى البلاط، والبلاط في اللغة الأندلسية تعني القصر، فإن هذه المنطقة كان فيها قصر قديم مهجور، وبدأ ينظم جيشه ليلاقي جيش النصارى، وكانت حملة عبد الرحمن الغافقي أكبر حملة تدخل بلاد فرنسا، فقد وصلت إلى خمسين ألف مقاتل، ما وصل إليها المسلمون قبل ذلك الوقت.
والمشكلة الخطيرة في جيش عبد الرحمن الغافقي هي تعلق قلوبهم بالغنائم الكثيرة التي غنموها، وافتتانهم بتلك الأموال الضخمة التي حصلوها من بلاد فرنسا، واشتهرت بين الناس فكرة العودة إلى أرض الأندلس لوضع هذه الغنائم هناك حتى لا يأخذها الفرنسيون، لكن عبد الرحمن الغافقي رحمه الله جمع الناس وقال لهم: ما جئنا لأجل هذه الغنائم، ما جئنا إلا لتعليم هؤلاء الناس هذا الدين، ولتعبيد العباد لرب العباد سبحانه وتعالى، وأخذ يحفز الجيش ويحضهم على الجهاد في سبيل الله، وعلى الموت في سبيله سبحانه وتعالى، وأخذ الجيش وانطلق إلى بواتييه رغماً عن أنف الجنود، وعندما وصل إلى منطقة بواتييه ظهرت أمور جديدة في الجيش وهي العصبيات التي كانت في بلاد الأندلس بين العرب والبربر، فقد تجددت من جديد، بسبب الغنائم الكثيرة التي لم توزع.

فبدأ الناس يختلفون، وكل واحد ينظر إلى ما في يد أخيه، وكل واحد يريد الشيء الأكثر، وكل واحد يرى نفسه أو نسبه أفضل من الآخر، فالعربي يقول: أنا عربي وأنت بربري والعربي أفضل، والبربر قالوا: نحن الذين فتحنا البلاد، ونسي الناس أن الفاتحين السابقين ما فرقوا أبداً عند الفتح وعند الدعوة إلى الله سبحانه في تلك البلاد بين عربي وبربري، وبين هؤلاء الفاتحين وبين الأندلسيين الذين دخلوا في الإسلام بعد ذلك، فلم يفرقوا إلا بحساب التقوى.

فبدأت هذه المشاكل تظهر في الجيش، فاجتمعت العصيبة، واجتمع حب الغنائم والخوف عليها، كما اجتمع إلى جوار ذلك الاعتداد بالعدد الضخم؛ الذي لم يسبق في تاريخ الأندلس، فأخذتهم العزة بهذا العدد، وظنوا أنهم لن يغلبوا.
ومن جديد تعود موقعة حنين الجديدة، قال تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} [التوبة:25]، وللأسف الشديد مع وجود هذا القائد الرباني المجاهد التقي الورع، إلا أن عوامل الهزيمة الكثيرة كانت موجودة في داخل جيش المسلمين، من حب الغنائم، والعصيبة القبلية العنصرية، والاعتداد بالأرقام والأعداد والعدة والعتاد، والمسلمون ما انتصروا أبداً بعدتهم ولا عتادهم، وإنما بطاعتهم لله ومعصية عدوهم لله سبحانه وتعالى.

أما جيش النصارى فقد أتى من باريس بقيادة شارل مارتل، ويلقب عند العرب بقارلة، وينطقونه تشار قارلة، وكلمة مارتل لقب وتعني المطرقة، وقد سماه بها بابا إيطاليا؛ لأنه كان شديداً على أعدائه، وكان من أقوى حكام فرنسا على الإطلاق، وأتى شارل مارتل بأربعمائة ألف مقاتل من النصارى، أي: ثمانية أضعاف الجيش المسلم، والمسلمون أبداً ما كانت تهزهم هذه الأرقام، لكن جيش المسلمين فيه عوامل الضعف.

والتقى الجيشان في موقعة من أشرس المواقع الإسلامية على الإطلاق في منطقة بواتييه؛ دارت الموقعة بينهما عشرة أيام كاملة، وكانت في رمضان سنة (114) هجرية، وكانت في بداية الموقعة الغلبة للمسلمين على قلة عددهم، لكن النصارى في آخر الموقعة فطنوا إلى كمية الغنائم الضخمة المحملة خلف الجيش الإسلامي، فالتفوا حول الجيش وهاجموا الغنائم، وبدءوا يسلبون غنائم المسلمين، فارتبك المسلمون وأسرعوا ليحموا الغنائم الكثيرة؛ لأن حب الغنائم دخل في قلوبهم.

فحدث ارتباك شديد في صف المسلمين، وبدأت تحدث هزة أدت إلى هزيمة للجيش الإسلامي في هذه الموقعة العجيبة موقعة بواتييه أو موقعة بلاط الشهداء، وسميت بذلك لكثرة شهداء المسلمين في موقعة بواتييه بالقرب من البلاط وهو القصر، ولم يرد في الروايات الإسلامية حصر دقيق لشهداء المسلمين في موقعة بلاط الشهداء، لكن الروايات الأوروبية تبالغ كثيراً حتى تقول: أنه قتل من المسلمين في موقعة بلاط الشهداء ثلاثمائة وخمسة وسبعون ألف مسلم، وهذا مبالغ فيه جداً؛ لأن جيش المسلمين كان خمسين ألفاً.

وقفات يسيرة مع معركة بلاط الشهداء :
إن سبب هزيمة المسلمين في الاحد وحنين ومعركة بلاط الشهداء كانت حب المال والحرص عليه ولقد صدق الله عزوجل ( وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ).

• أثار المعاصي على الأمم والهزيمة من أجلها .
هذه المعركة يظهر أثر المعصية والفشل والتنازع في تخلف النصر عن الأمة، فبسبب معصية أمر الأمير وبسبب التنازع والاختلاف حول الغنائم، ذهب النصر عن المسلمين بعد أن انعقدت أسبابه، ولاحت بوادره، {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}.
فكيف ترجو أمة عصت ربها، وخالفت أمر نبيها، وتفرقت كلمتها أن يتنزل عليها نصر الله وتمكينه؟. وبالمعاصي تدور الدوائر، ففاضت أرواح في تلك المعركة بسبب خطيئة، وخرج آدم من الجنة بمعصيته، و((دخلت امرأة النار في هرة)) فما الذي أهلك الأمم السابقة وطمس الحضارات البائدة سوى الذنوب والمعاصي{ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} ، فالمعاصي سبب كل عناء وطريق كل وشقاء ما حلت في ديار إلا أهلكتها ولا فشت في مجتمعات إلا دمرتها وأزالتها وما أهلك الله تعالى أمه إلا بذنب وما نجى وما فاز من فاز إلا بتوبة وطاعة ، قال مجاهد رحمه الله:" إن البهائم لتلعن عصاة بني آدم إذا اشتدت السنة وأمسك المطر وتقول هذا شؤمه معصية بني آدم" وما تخلف النصر اليوم الا بالمعاصي وترك العبادات وروح المسلم الشجي القوي بل ذهبت عنا نخوة العرب وحفظ كرامتهم فصرنا ما نحن عليه اليوم من الذل والهوان فالله المستعان .

• خطورة إيثار الدنيا على الآخرة .
وهذه المعركة تعلمنا كذلك خطورة إيثار الدنيا على الآخرة، وأن ذلك مما يفقد الأمة عون الله ونصره وتأييده ، قال ابن مسعود: " ما كنت أرى أحداً من أصحاب رسول الله - - صلى الله عليه وسلم -- يريد الدنيا حتى نزل فينا يوم أحد { مِنْكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُم مَّن يُرِيدُ الآَخِرَةَ } "، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -قال: «إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء»

قال ابن عباس - رضي الله عنه -: لما هزم الله المشركين يوم أحد، قال الرماة: (أدركوا الناس ونبي الله، لا يسبقوكم إلى الغنائم، فتكون لهم دونكم) وقال بعضهم: (لا نبرح حتى يأذن لنا النبي - صلى الله عليه وسلم ) فنزلت: ( مِنْكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُم مَّن يُرِيدُ الآَخِرَةَ ) .

وفي ذلك درس عظيم يبين أن حب الدنيا والتعلق بها قد يتسلل إلى قلوب أهل الإيمان والصلاح ، وربما خفي عليهم ذلك ، فآثروها على ما عند الله ، مما يوجب على المرء أن يتفقد نفسه وأن يفتش في خباياها ، وأن يزيل كل ما من شأنه أن يحول بينها وبين الاستجابة لأوامر الله ونواهيه.

وقد وردت نصوص عديدة من آيات وأحاديث تبين منزلة الدنيا عند الله وتصف زخارفها وأثرها على فتنة الإنسان، وتحذر من الحرص عليها,

قال تعالى:( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ) وقد حذر الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - أمته من الاغترار بالدنيا، والحرص الشديد عليها في أكثر من موضع ، وذلك لما لهذا الحرص من أثره السيئ على الأمة عامة وعلى من يحملون لواء الدعوة خاصة.

إن الذي حدث في أحد عبرة عظيمة للدعاة وتعليمًا لهم بأن حب الدنيا قد يتسلل إلى قلوب أهل الإيمان ويخفى عليهم ، فيؤثرون الدنيا ومتاعها على الآخرة ومتطلبات الفوز بنعيمها ، ويعصون أوامر الشرع الصريحة كما عصى الرماة أوامر الرسول - صلى الله عليه وسلم - الصريحة بتأويل ساقط ، يرفعه هوى النفس وحب الدنيا ، فيخالفون الشرع وينسون المحكم من أوامره ، كل هذا يحدث ويقع من المؤمن وهو غافل عن دوافعه الخفية ، وعلى رأسها حب الدنيا ، وإيثارها على الآخرة ومتطلبات الإيمان ، وهذا يستدعي من الدعاة التفتيش الدائم الدقيق في خبايا نفوسهم واقتلاع حب الدنيا منها، حتى لا تحول بينهم وبين أوامر الشرع ، ولا توقعهم في مخالفته بتأويلات ملفوفة بهوى النفس وتلفتها إلى الدنيا ومتاعها .

• ومع ذاك لا بد من الأخذ بالأسباب :
لا بد أيضاً من الأخذ بأسباب النصر المادية والمعنوية مع التوكل على الله والاعتماد عليه ، والإكثار من العبادة والطاعة وحفظ حرمات الله عزوجل ، وتجنب المعاصي وترك حب الدنيا وكراهية الموت مع تجنب الدعة والركض لوراء العشب والزرع وترك روح الجهاد والقتال في سبيل الله عزوجل والتمني لنيل الشهادة في سبيل الله والدين ، فقد ظاهر النبي - - صلى الله عليه وسلم -- بين درعين، ولبس لأْمَة الحرب ، وكافح معه الصحابة ، وقاتل عنه جبريل وميكائيل أشد القتال ، رغم أن الله عصمه من القتل.

• التضحية من أجل الدين:
إن هذا الدين وصل إلينا بعد كفاح مرير من الصحابة والأسلاف، ذاقوا فيه مرارة المصائب والمحن : أنس بن النضر يصاب غزوة الاحد ببضع وثمانين جراحة ، ثم مثّل به بعدها ، فلم يعرفه أحد سوى أخته عرفته ببنانه ، وفي سعد بن الربيع سبعون طعنة ، فماذا قدمنا لديننا؟؟ وللصحابة الكرام الصُحبة والسبق والإقدام، تقطعت منهم الأشلاء ، وتمزقت الأجساد ، وترمل النساء ، قدَّموا أرواحهم فداء لهذا الدين ، حتى وصل إلينا كاملاً متمّماً ، فاقدر لهم قدرهم ، واشكر لهم سعيهم ، وترض عنهم ، فقد أحبهم ربهم، - رضي الله عنهم وأرضاهم .


• العاقبة للمتقين :
وليعلم المؤمنون في كل معركة وملحمة ان للحق جولة ، وللباطل صولة ، والعاقبة للتقوى ، فلا تيأس من إصلاح المجتمع ، ولا تقنط من هدايته ، فصَبَر النبي على الأذى والجراح ، حتى دخل الناس أفواجاً في دين الله ، إن عواقب الأمور كلها بيد الله ، فامض في الدعوة ، وداوم على الدعاء ، وهداية البشر بيد خالق البشر، فمما ورد في غزوة احد ان أبو سفيان يقود المشركين، وشعاره:"اعلُ هُبل"، وفي فتح مكة يقول:"لا إله إلا الله".ووحشي يقتل حمزة، ثم يُسلم ويقتل مُدعي النبوة مسيلمة الكذاب ، وها هي القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء فجاهد وقاتل وكافح وقاوم وردد اللهم يا مثبت القلوب ثبت قلبي على دينك .

كان هذا ما تيسر لي من المعالم في هذه المعركة المعروفة بمعركة (بلاط_الشهداء) وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
كتبه الشيخ شرماركي محمد عيسى
2 من رمضان 1440 هرجيسيا .
...المزيد

#خواطر_رمضانية (1) معالم دعوية ومنهجية في قوله تعالى : ( أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة ...

#خواطر_رمضانية (1)
معالم دعوية ومنهجية


في قوله تعالى :
( أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ) .
كان المأثور والمعروف عن حياة المسلمين علو همتهم في نشر الدعوة الإسلامية وإستباقهم إليها فكان الدعاة إلى الله تعالى يسيحون لنشر الدعوة وتبليغها ويبادئون الناس بالكلام ولا ينتظرون مجيء الناس إليهم وهكذا كان شأن الدعاة دوما وسيظل إن شاء الله .

يقول توماس أرنولد عن تحمس المسلمين لنشر الإسلام على الساحل الغربي من أفريقية : وإذا ما اجتمع في مدينة ستة رجال منهم وأقل من ذلك أو أكثر وعزموا على أن يقيموا فيها فترة من الزمن سارعوا إلى بناء المسجد وأخذوا ينشرون الدعوة .


وخير دليل على ذالك قصة نشر الدعوة في المدينة المنورة يقول البراء بن عازب : أول من قدم علينا مصعب بن عمير وابن أم مكتوم ، وكانوا يقرءون الناس... سبحان الله! ما منع العمى ابن أم مكتوم عن الدعوة إلى الله فرحمه الله ورضي الله عنه.

وورد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : ( إن لله عند كل بدعة كيد بها الإسلام ولياً من أوليائه يذب عنها وينطق بعلاماتها ، فاغتنموا حضور تلك المواطن )

قال ابن القيم : مقام الدعوة إلى الله أشرف مقامات التعبد .

ويقول أيضاً : فالدعوة إلى الله تعالى هي وظيفة المرسلين وأتباعهم وهم خلفاء الرسل في أممهم والناس تبع لهم .

قال القرطبي : فجعل الله تعالى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. فرقاً بين المؤمنين والمنافقين ، فدل على أن أخص أوصاف المؤمنين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. ورأسها الدعاء إلى الإسلام.

قال أبو قاسم الغرناطي في ذكر قصة نوح : ذكر أولاً أنه دعاهم بالليل والنهار ثم ذكر أنه دعاهم جهاراً ثم ذكر أنه جمع بين الجهر والإسرار وهذه غاية الجد في النصيحة وتبليغ الرسالة.

صورة نوح في دعوته وهو لا يمل ولا يفتر ولا ييأس أمام الإعراض والإصرار هي صورة لإصرار الداعية على الدعوة.

يقول زياد الزبيدي الذي كان في جند عمرو بن العاص : فجعلنا نأتي بالرجل ممن في أيدينا ثم نخيره بين الإسلام والنصرانية فإذا اختار الإسلام كبرنا تكبيرة هي أشد من تكبيرنا حين تفتح القرية.. من حرصهم على دعوة الناس.
يقول عمر بن الخطاب: إنما بعثت عمالا ليعلموكم كتاب ربكم وسنة نبيكم ويقيموا بينكم دينكم.

ما كان يشغل الدعاة إلى الله عن الدعوة التي امتزجت بدمائهم شاغل مهما عظم ولله صبرهم في نشر دعوتهم وإسلامهم .. وحياتهم من أجل نشره.

فانظروا إلى حرص النساء.. فهذه أم سليم تلقن ابنها أنس شهادة الإسلام رغم معارضة زوجها ودعت أبا طلحة إلى الإسلام حينما تقدم إليها ولم ترتض منه مهرا سوى الإسلام.

لا نجاح للدعوة ولا وصول للغاية إن أعطيناها فضول الأوقات ولم ننس أنفسنا وطعامنا من أجل إبلاغ الناس لكلام الله عزوجل ولا سيما في هذا الزمن الذي كثرت فيه الفتن، واشتدت المحن، وتكالبت صروف الدهر ونوائبه على أمة الإسلام ، وماجت عهود الناس ومواثيقهم ، واستشرى الجهل بالدين ، وتميعت عقيدة المسلمين ؛ تبرز أهمية حركة تصحيح المسار ، المتمثلة بالدعوة إلى الله عز وجل على بصيرة ، وإصلاح أوضاع الناس بالحكمة ، وهو ما يعزز فضل الدعوة إلى الله ، وفضل أصحابها من العلماء والدعاة والمخلصين من أبناء الجماعات الإسلامية ، الذي قد حملوا لواء تعبيد الناس لربهم ، وتصحيح معتقداتهم، وغرس القيم والمفاهيم الصحيحة في قلوبهم، رغم ما يلاقون من الأذى والاستهزاء، وسائر صنوف الابتلاء، ولا يزيدهم ذلك مع مرور الأيام إلا رفعة وعزة ومكانة في قلوب الناس. ويكفي في بيان فضلهم وحاجة الناس إليهم ولابد للداعية المسلم ان يكون قوي العزيمة ، حريص على الطاعة ، مستعين بالله ، مبتعد عن العجز والكسل ، فإن تحققت أهدافه التي ينشدها ، فهذه منة من الله ، وإن غلبته الأمور وتعسرت عليه - بعد أخذه بالأسباب الملائمة - كان منه حينئذ التسليم لقضاء الله والرضا به ، وعدم اليأس والقنوط مما فاته ، أو البحث والتنقيب عن حجج يعلق عليها أخطاءه ، لأن ذلك طريق للشيطان ، يؤدي إلى ضعف العزيمة وانحطاط الهمة .

المعالم الدعوية في الآية الكريمة :


إنَّ كلام الله تعالى له تأثير عجيب على الجمادات التي هي فاقدة جميع حواس الإدراك، من السمع والبصر والعقل، فكيف لا يكون له تأثير على إنسان منَّ الله عليه بجميع مدارك الإدراك!
قال تعالى: ﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الحشر: 21]

إذا كانت هذه الجبال الصم، لو سمعت كلام الله تعالى وفهمته، لخشعت وتصدعت من خشيته.فكيف بكم يا أيها البشر وقد سمعتم وفهمتم ؟

لذا ينبغي على الداعية أن يأخذ معالمه وأسلوبه من القران الكريم وأن يجعل عنوان حياته وأخلاقه هذا الكتاب المعجز .


المعلم الاول : الوضوح والبيان {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي...........

أن يصدح الداعية بدعوته، موضحا لأتباعه المنهج الذي يسعى لنشره، والطريقة التي يسير عليها، والوسائل التي يستخدمها، والغاية التي يريد أن يصل إليها، والابتلاءات التي قد يلاقيها بسبب دعوته، لا أن تكون دعوته محل غموض أو خفى، بل في غاية من الوضوح له أولاً، ولمن تبعه ثانيا؛ مصطحبين ذلك الوضوح في جميع مراحل الدعوة، حتى يكونوا على بينة من أمرهم، وأولى قضايا الوضوح الدعوي التي ينبغي الاعتناء بها؛ هي قضايا التوحيد، وأسس العقيدة الصحيحة، لا أن تكون الدعوة مجرد مواعظ مؤثرة، وخطب رنانة تزول بزوال المؤثر، ليفاجأ الداعية عند أول محنة تساقط الأتباع، وقلة النصير، بسبب غياب هذا المعلم في بداية الطريق. قال السعدي –رحمه الله-: \"يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {قُلْ} للناس {هَذِهِ سَبِيلِي} أي: طريقي التي أدعو إليها، وهي السبيل الموصلة إلى الله وإلى دار كرامته، المتضمنة للعلم بالحق والعمل به وإيثاره، وإخلاص الدين لله وحده لا شريك له، {أَدْعُو إِلَى اللَّهِ} أي: أحثُّ الخلق والعباد إلى الوصول إلى ربهم، وأرغِّبهم في ذلك وأرهِّبهم مما يبعدهم عنه\)
لقد كانت \"لا إله إلا الله\" واضحة الكلمات والمعاني لدى كفار القريش حينما طلب منهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يقولوها فيملكوا بها العرب، وتدين لهم بها العجم، بأنها دعوة صريحة، ومبدأ قويم لهذا الدين القائم العبودية المطلقة لله –تعالى-، ونفي ما سواه من المعبودات الباطلة، ولكنهم أبوا أن يقولوها، بل وحاربوها. وفي المقابل نجد صورة مشرقة في بيعة العقبة لوضوح الدعوة ومنهجها وتبعاتها لدى الداعي والمدعو، واستجابتهم لها، يقول ابن إسحاق –رحمه الله-: \"إن القوم لما اجتمعوا لبيعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال العباس بن عبادة بن نضلة الأنصاري أخو بني سالم بن عوف: يا معشر الخزرج! هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل؟ قالوا\" نعم، قال: إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس، فأن كنتم ترون أنكم إذا نهكت أموالكم مصيبة، وأشرافكم قتلا؛ أسلمتموه فمن الآن، فهو والله إن فعلتم خزي الدينا والآخرة، وإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه على نهكة الأموال، وقتل الأشراف فخذوه، فهو والله خير الدينا والآخرة، قالوا: فإنا نأخذه على مصيبة الأموال، وقتل الأشراف، فما لنا بذلك يا رسول الله إن نحن وفينا؟ قال: الجنة. قالوا: ابسط يدك، فبسط يده فبايعوه\" )

لذا؛ ينبغي أن يكون هذا المـَعْلم قيمة تربوية يتربى عليها أتباع الدعوة، وجند العقيدة، وأن يطالبوا من قياداتهم بيان منهجهم الذي يدعون إليه، سواء كان ذلك معلوما، أم مكتوبا، ولذا فقد دأب السلف الصالح على كتابة العقيدة الإسلامية الصحيحة وتدوينها؛ لبيان المنهج السليم، ووضوح الطريق القويم، والحفاظ على هوية الأمة، حتى لا يدخل معهم من ليس منهم ، ممن يريدون التسلق على تضحيات أبناء الدعوة لتحقيق مآربهم ومكاسبهم، أو أن تصاب قضايا المنهج وثوابته بآفة النسيان، مع مرور الزمان، لتصبح مجرد أفكار قابلة للتغيير، وتصورات خاضعة للمراجعة بما يتوافق مع طبيعة الصراع، أو مستجدات الواقع.

المعلم الثاني : الحجة والبرهان { أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ.....

أن تكون هذه الدعوة قائمة على الأسس الشرعية، والدلالات العقلية، التي تمثل في مجموعها مفهوم البصيرة، كما وضح ذلك ابن كثير –رحمه الله - في تفسيره للآية السابقة بقوله: \"هي الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يدعو إلى الله بها على بصيرة من ذلك، ويقين وبرهان، هو وكل من اتبعه، يدعو إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم على بصيرة ويقين، وبرهان شرعي وعقلي) .

ومن هنا لزم على الدعاة أن تكون لهم قيمة علمية يحملونها للناس، ولمن أرادوا دعوتهم من المخالفين، لا أن تكون دعوتهم قائمة على تصورات خاطئة، ومعتقدات باطلة، وأفكار مضللة، ومشاريع قاصرة، بل دعوة تتميز بقوة الحجة، ووضوح المحجة، تؤثر بذاتها، وتقنع بطرحها، ترتقي بالداعية إلى الله إلى الرفعة، والمنازل العالية. قد تسلح الداعية إلى الله بسلاح العلم والحكمة؛ ليعظم أثره على الناس، وليرتقي للدرجات الرفيعة، والمنزلة السامية؛ قال ابن القيم –رحمه الله-: \"أن تصل باستدلالك إلى أعلى درجات العلم، وهي البصيرة التي تكون نسبة العلوم فيها إلى القلب كنسبة المرئي إلى البصر. وهذه هي الخصيصة التي اختص بها الصحابة عن سائر الأمة، وهي أعلى درجات العلماء\" ) .

مَعْلم الثالث: اليقين { أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ...........

يقين الداعية بأن المنهج الذي يحمله هو المنهج القويم، والطريق المستقيم، والنور المبين، الذي من تمسك به نجا، ومن سلك طريقه كان على الهدى، ومن مات عليه نال غاية المنى، مهما طال الطريق. وهو معلم رصين ومعنى دقيق من معاني البصيرة، كما قال الثعلبي –رحمه الله-: \"أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ على يقين، يقال: فلان مستبصر في كذا أي مستيقن\")


فمهما شكك المرتابون، وتساقط المخذولون، وأيس العاملون، واستعجل الثمار المتهورون، وأرجف المنافقون، وأوعد المتربصون، وهدد المخالفون، فإن هذه القيمة –اليقين- ينبغي أن تكون حاضرة أمام الدعاة إلى الله وهم يواجهون هذه التحديات، وأن ما هم عليه هو اليقين الذي لا يقبل الشك، والعقيدة التي لا ترضى بالشرك -بكافة صورة القديمة والمعاصرة-، ومنهج التغيير السليم الذي لا يساوم بغيره من المناهج الباطلة وإن طال الزمن، فاليقين طريق إلى الإمامة في الدين، ولو بعد حين. قال ابن القيم –رحمه الله-: \"فإن الداعي إلى الله –تعالى- لا يتم له أمره إلا بيقينه للحق الذي يدعو إليه، وبصيرته به، وصبره على تنفيذ الدعوة إلى الله؛ باحتمال مشاق الدعوة، وكف النفس عما يوهن عزمه ويضعف إرادته، فمن كان بهذه المثابة كان من الأئمة الذين يهدون بأمره –تعالى-\")

• المَعْلم الرابع: لزوم الإتباع {أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي......

دعوة نحو اتباع الحق، ولزوم الشرع، واستمساك بالهدي، وتسليم للنص، وترك ما سوى ذلك من الأهواء الشخصية، والآراء العقلانية، ووجهات النظر المنحرفة، بسبب التأثر بالمخالف، والانبهار بنهضة الآخر، وجلد النفس من الداخل، تحت مسمى حركة التنوير العصرانية، الداعية إلى حرية فهم النص، وتفسيره تفسيرا ينأ به عن جادة طريقة السلف؛ لينشأ على إثرها جيلاً من أبناء الدعوة مشوه الفكر، متخبط في الاستدلال، مشتت في الرؤى والتصورات، متمرد على الحق.

يقول ابن القيم –رحمه الله- في تفسير الآية السابقة: \"أخبر -تعالى- أن من اتبع الرسول يدعو إلى الله، ومن دعا إلى الله على بصيرة وجب اتباعه، ولأن من دعا إلى الله على بصيرة فقد دعا إلى الحق عالما به، والدعاء إلى أحكام الله دعاء إلى الله؛ لأنه دعاء إلى طاعته فيما أمر ونهى، وإذاً فالصحابة -رضوان الله عليهم- قد اتبعوا الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيجب اتباعهم إذا دعوا إلى الله\" )

• المَعْلم الخامس: التميز والشموخ {.. وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ.........

أن تكون هذه الدعوة متميزة بمنهجها، مستقلة بتصوراتها ونظرتها نحو التغيير المنشود، لا أن تكون عقلانية التصور، عاطفية التأثر، تقبع في أسر الهزيمة النفسية، الداعية إلى التأثر بالأطروحات المخالفة في الخارج، أو التخبطات القيادية في الداخل، بل ينبغي أن تكون هذه الدعوة كالشامة في جبين الدعوات المنحرفة، متميزة بامتلاكها معالم الطريق القويم لتمكين هذا الدين، وعودة شريعة رب العالمين، لتكون هي الحاكمة والسائدة، لينعم بها الناس سعادة الدنيا، ونجاة الآخرة، وبذلك يحصل لهم الفلاح، وهي الغاية العظمى، والمنتهى الأسمى لهذه الدعوة.


يقول سيد قطب –رحمه الله- مبيناً هذا التميز الذي ينبغي أن يتحلى به أصحاب المنهج القويم، والدعوة الراشدة: \"وأصحاب الدعوة إلى الله لا بد لهم من هذا التميز، لا بد لهم أن يعلنوا أنهم أمة وحدهم، يفترقون عمن لا يعتقد عقيدتهم، ولا يسلك مسلكهم، ولا يدين لقيادتهم، ويتميزون ولا يختلطون! ولا يكفي أن يدعوا أصحاب هذا الدين إلى دينهم، وهم متميعون في المجتمع الجاهلي. فهذه الدعوة لا تؤدي شيئاً ذا قيمة! إنه لا بد لهم منذ اليوم الأول أن يعلنوا أنهم شيء آخر غير الجاهلية وأن يتميزوا بتجمع خاص آصرته العقيدة المتميزة، وعنوانه القيادة الإسلامية.. لا بد أن يميزوا أنفسهم من المجتمع الجاهلي وأن يميزوا قيادتهم من قيادة المجتمع الجاهلي أيضاً! إن اندغامهم وتميعهم في المجتمع الجاهلي، وبقاءهم في ظل القيادة الجاهلية، يذهب بكل السلطان الذي تحمله عقيدتهم، وبكل الأثر الذي يمكن أن تنشئه دعوتهم، وبكل الجاذبية التي يمكن أن تكون للدعوة الجديدة.
وهذه الحقيقة لم يكن مجالها فقط هو الدعوة النبوية في أوساط المشركين.. إن مجالها هو مجال هذه الدعوة كلما عادت الجاهلية فغلبت على حياة الناس.. والذين يظنون أنهم يصلون إلى شيء عن طريق التميع في المجتمع الجاهلي والأوضاع الجاهلية، والتدسس الناعم من خلال تلك المجتمعات ومن خلال هذه الأوضاع بالدعوة إلى الإسلام.. هؤلاء لا يدركون طبيعة هذه العقيدة ولا كيف ينبغي أن تطرق القلوب!.. إن أصحاب المذاهب الإلحادية أنفسهم يكشفون عن عنوانهم وواجهتهم ووجهتهم! أفلا يعلن أصحاب الدعوة إلى الإسلام عن عنوانهم الخاص؟ وطريقهم الخاص؟ وسبيلهم التي تفترق تماماً عن سبيل الجاهلية؟ )


إنها معالم منهجية تمثل أولويات فقه المراجعة التي ينبغي أن تكون محل اهتمام قادة العمل الإسلامي لتصحيح المسار، وإعادة البناء الدعوي والتربوي لأبناء الدعوة ولمن تبعهم، لكي ينعموا بغد مشرق بالنصر والتمكين .
إقتبست من هذه المعالم الخمس من أخونا الدكتور تميم محمد عبد الله الأصنج .
أما باقي المقالة فهي من قلم أخوكم الشيخ شرماركي محمد عيسى ( بخاري )
1440هــــــــــ الموافق 2019 مــــــ
...المزيد

رمضان فرصتك للتغير ...

رمضان فرصتك للتغير .............................................................................................
يقول الله تعالى في كتابه العزيز: "إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ" ..

فهذه الآية ، سنة كونية يسطرها لنا الباري عز وجل في كتابه حتى نكون على بينة، وحتى لا نبتعد عن الجادة ونتوه عن الصواب، وحتى لا نضيِّع العروة الوثقى. هذه آية تمثل معادلة ثابتة مفادها أن الله لن يغير حال قوم من وضع مرضي مريح إلى وضع ضنك مذموم أو العكس إلا إذا غير هؤلاء القوم ما في قلوبهم، فإذا وجهوا قلوبهم إلى مولاهم وامتثلوا أوامره وابتعدوا عن نواهيه غيّر الله حالهم إلى أحسن حال، وإذا توجهت قلوبهم إلى الشهوات وارتكست أنفسهم في حمأة الرذيلة غيّر الله حالهم إلى أسوأ حال، يقول سبحانه: " فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى"


فهذا القانون الإلهي يعلمنا أننا لكي ننعم بحياة آمنة مرضية يأتينا رزقنا رغدًا فإننا لا بد أن نتفقد قلوبنا ونتفقد علاقتنا بمولانا، لا بد أن نرضي مولانا عز وجل، وعبثًا نحاول أن نصلح أحوالنا إذا نسينا هذا القانون الإلهي أو تجاهلناه، فسنن الله سبحانه لا تتغير ولا تتبدل، " سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً "

ومن المعلوم أن أعمار أمة الإسلام ما بين الستين والسبعين، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال: "أعمارُ أمتي ما بينَ الستِّينَ إلى السبعينَ، وأقلُّهم من يجوزُ ذلِكَ"، [صحيح الترمذي: 3550].

ولكن جُعلت لنا مواسم طاعة يتضاعف فيها الأجر وكأننا عشنا مئات السنين من الحسنات؛ فقط إن أحسنَّا استغلالها.

أهم مواسم الطاعة هذه، هو شهر رمضان وهو من الرزق المقدر الذي يُساق للعبد فأنت مُقدر لك أن تعيش في هذه الدنيا عددًا محددًا من الرمضانات، لذا لا تتعجب من كثرة الموت من حولك في شهر شعبان، فقد استنفدوا جميعًا عدد الرمضانات المقدرة لهم في أرزاقهم.

هذا الكلام أقوله حتى نستشعر جميعًا نعمةً يغيب عنا الإحساس الصادق في استشعارها من كثرة تكرار الأيام والسنين والرمضانات خلال أعمارنا، وهي نعمة إدراك شهر رمضان.

ثم الأهم بعد استشعار هذه النعمة العظيمة هو استغلالها وشكر الله فيها بالإكثار من الأعمال الصالحة بشكل عام، طوال أيامه ولياليه، فلا بد أن تدخله بكامل إيمانك وجدك واجتهادك، وكأنك في سوق مفتوح للحسنات ليس لك أي خيار فيه على الإطلاق إلا الربح.

داخل كل منا في فطرته التي فُطر عليها معرفة للخير، وكل منا يميل لباب أو عدة أبواب من أبواب الخير (صلاة - قراءة قرآن - صدقة...) مهما كان بنا من السوء، علينا أن ندخل هذا السوق الكبير من الباب الذي نحبه، ونغالب هوانا وأنفسنا والشيطان، حتى نتمكن من فتح أبواب أخرى نُكثف بها من الأعمال الصالحة.

لا تدخل رمضان بروحك التي تعيش بها في مستنقع الآثام في منتهى الاستسلام والتسليم بالأمر الواقع، فيصعب، بل يستحيل أن تدخل بهذه الروح دون عزم على تغيير نفسك ثم تنتظر أي تغيير، استعن بالله وابدأ في العزم والتجهز لدخول سوق الحسنات المفتوح هذا بروح عازمة على التوبة والتغيير، لتجد بهذه النية ثمرة ونتيجة تنعكس على روحك وقلبك.

لا تُعلق إقبالك على الله بشخص أو بشيء أو بحالة معينة، فإن أيامك بل أنفاسك محدودة معدودة وأنت الشخص الوحيد المنوط بك استغلالُها، فإن يسهل عليك إهدارها والتفريط فيها فأنت وحدك من يتحمل نتيجة ذلك، وإن حرصت عليها واستغللتها كما يجب أن تُستغل فأنت من يجازى بالخير عن ذلك، قال تعالى: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7، 8]
كتبه الشيخ شرماركي محمد عيسى (بخاري)
هرجيسيا 2019مـ -1440 هــ
#خواطر_رمضانية.
...المزيد

___قصة يوسف عليه السلام_____________________________ الحمدلله وكفى والصلاة والسلام على النبي ...

___قصة يوسف عليه السلام_____________________________
الحمدلله وكفى والصلاة والسلام على النبي المصطفى اما بعد :
القرآن الكريم ليس كتاب قصص وإنما هو كتاب دعوة وتشريع فإذا جاء بالقصة فإنما يأتي بها في إطار الدعوة إلى الإيمان بالله وللإشارة إلى وحدة الدعوة على رغم تعدد الأنبياء واختلاف الأزمنة والأمكنة والأقوام وعلى رغم تطور التكاليف من دعوة إلى أخرى حتى اكتملت بالدعوة الإسلامية التي بلغها نبينا وحبيبنا محمد صلى الله عيه وسلم ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ﴾ [المائدة: 3] وهكذا ينبغي أن يكون النظر إلى القصة القرآنية مختلفاً عن النظر إلى القصة الأدبية فهي ليست للمتعة ولا للتذوق الأدبي المجرد ولا لفرض منهج نقدي عليها أياً كان هذا المنهج لأن القصة القرآنية فريدة في طابعها وغايتها وتكوينها .

جاءت قصة يوسف في موضع واحد من القران وهي سورة يوسف المعروفة وجاء في بداية هذه السورة الكريمة قوله تعالى (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ ) جاء في التحرير والتنوير لابن عاشور - رحمه الله - قال:( ... وجعل هذا القصص أحسن القصص لأن بعض القصص لا يخلو عن حُسن ترتاح له النفوس. وقصص القرآن أحسن من قصص غيره من جهة حُسن نظمه وإعجاز أسلوبه وبما يتضمنه من العِبر والحِكم، فكل قصص في القرآن هو أحسن القصص في بابه، وكل قصة في القرآن هي أحسن من كل ما يقصه القاص في غير القرآن. وليس المراد أحسن قصص القرآن حتى تكون قصة يوسف - عليه السلام - أحسن من بقية قصص القرآن كما دل عليه قوله: بما أوحينا إليك هذا القرآن. والباء في " بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ " للسببية متعلقة بـ نَقُصُّ، فإن القصص الوارد في القرآن كان أحسن لأنه وارد من العليم الحكيم، فهو يوحِي ما يعلم أنه أحسن نفعاً للسامعين في أبدع الألفاظ والتراكيب، فيحصل منه غذاء العقل والروح وابتهاج النفس والذوق مما لا تأتي بمثله عقول البشر. أ هـ. ويل: لأن فيها ذِكر الأنبياء والصالحين، والعفة والغواية، وسير الملوك والممالك، والرجال والنساء، وحيل النساء ومكرهن، وفيها ذكر التوحيد والفقه، وتعبير الرؤيا وتفسيرها، فهي سورة غنية بالمشاهد والانفعالات).

• وقيل: إنها سُمِّيَت أحسن القصص لأن مآل من كانوا فيها جميعاً كان إلى السعادة.

• ولقد ذُكر اسم يوسف عليه السلام في القرآن الكريم 27 مرة، منها 25 مرة في "سورة يوسف" ومرة في "سورة الأنعام" وأخرى في "سورة غافر.

وهذه الاية تشير الينا اهمية هذه القصة وخاصتها حيث جاءت في بداية قصة كامله عن حياة نبي من انبياء الله عزوجل .

وكذالك نفهم من وقت نزولها انها تثبيت للنبي صلى الله عليه وسلم فالسورة نزلت في نهاية عام الحزن في السنة التي ماتت فيه خديجة رضي الله عنها زوج الرسول صلى الله عليه وسلم وابو طالب عمه ومن المعروف انهما كانا سندا للرسول صلى الله عليه وسلم فخديجة كانت سنده الداخلي وابو طالب سنده الخارجي وقد وافتهما المنية في عام واحد فاتت سورة يوسف وفيها قصة عجيبة ولهذا كان من حكم الله في ايراد القصص تثبيته لعباده المؤمنين ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا ) .

من ميزة قصة يوسف انها تتكلم عن حياة نبي من انبياء الله عزوجل وهذا النبي الكريم له مراحل مختلفة ففي بدايته تعرض للحسد والغيرة من اخوانه فقررو قتله ثم اتفقوا عل ابعاده من ابيه ثم شروه بثمن بخس واصبح عبدا رقيقا بعد ان كان عزيزا حرا ثم تعرض للاغراء والطمع في نفسه فتعفف وحماه الله من الفاحشة ثم دخل السجن ظلما ثم خرج منه واصبح وزيرا فحياته كانت مليئة بالتقلبات وهذه القصة تشمل ايضا صبر يعقوب عليه السلام حين فقد ولديه وكذالك توضحنا سبل الشيطان لتحسين الفاحشة كما سنراه .

قال ابن عطاء: لا يسمع سورة يوسف محزون إلا استراح إليها .

عن ابن عباس رضي الله عنه: " أن طائفة من اليهود حين سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلو هذه السورة أسلموا لموافقتها ما عندهم .

وفي القصص احكام وفوائد دينية وكذالك عبر وموعظة واسوة قال تعالى بعد ذكر صنف من الانبياء وتحدث عنهم في القران (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ ) وكذالك امرنا الله بالتأسي بطريق الانبياء والصالحين قال تعالى (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ ) فأحاول سرد القصة مع بعض التعليقات اليسيرة .

كان ليعقوب (ولقبه إسرائيل) اثنا عشر ولداً ذكراً (من بينهم يوسف) وابنة واحدة هي دينا. وهؤلاء الأبناء الاثنا عشر يدعون بني إسرائيل.

رأى يوسف يومًا في منامه، أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر يسجدون له فلما استيقظ، ذهب إلى أبيه يعقوب في هذه الرؤيا ، فعرف أن ابنه سيكون له شأن عظيم، فحذره من أن يخبر إخوته برؤياه، فيفسد الشيطان قلوبهم، ويجعلهم يحسدونه على ما آتاه الله من فضله، فلم يقص رؤيته على أحد. وكان يعقوب يحب يوسف حبًّا كبيرًا، ويعطف عليه ويداعبه، وهذا مما ليس في مقدور البشر فالقلب يميل لاحد ولا تستطيع مقاومته مما جعل إخوته يحسدونه، ويحقدون عليه، فاجتمعوا جميعا ليدبروا له مؤامرة تبعده عن أبيه.
فاقترح أحدهم أن يقتلوا يوسف أو يلقوه في أرض بعيدة، فيخلو لهم أبوهم، وبعد ذلك يتوبون إلى الله،ولكن واحدًا آخر منهم رفض قتل يوسف، واقترح عليهم أن يلقوه في بئر بعيدة، فيعثر عليه بعض السائرين في الطريق، ويأخذونه ويبيعونه. ولقيت هذه الفكرة استحسانًا وقبولاً، واستقر رأيهم على نفيه وإبعاده، وأخذوا يتشاورون في تدبير الحيلة التي يمكن من خلالها أخذ يوسف وتنفيذ ما اتفقوا عليه، ففكروا قليلا، ثم ذهبوا إلى أبيهم وقالوا ( قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ ) . فأجابهم يعقوب أنه لا يقدر على فراقه ساعة واحدة، وقال لهم ( قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ ).

• نتعلم من هذا أن المخطئ كثيراً ما يلجأ إلى تبرير سوء فعله ليهرب من تأنيب الضمير ولذلك عاب أخوة يوسف على أبيهم حبه ليوسف قائلين ﴿ مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ ﴾ ثم رادوا ﴿ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾ .

• نتعلم من هذا ﺃﻥ هناك من بين ﺍﻟﻨﺎﺱ من ﻳﻜﺮﻫﻮﻧﻨﺎ ﻟﻤﺰﺍﻳﺎﻧﺎ ﻭﻟﻴﺲ ﻟﻌﻴﻮﺑﻨﺎ غيرة منهم وحسداً .

• نتعلم من هذا ان داء الحسد ومريضه لا يعرف الاخوة ولا الصلة والقرابة بل يسعى الى اعاقة من يريد حسده فقد عميت بصيرته وبصره .

فقالوا: (لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذا لخاسرون)[يوسف:14]. وفي الصباح، خرج الأبناء جميعًا ومعهم يوسف إلى الصحراء، ليرعوا أغنامهم، وما إن ابتعدوا به عن أبيهم حتى تهيأت لهم الفرصة لتنفيذ اتفاقهم، فساروا حتى وصلوا إلى البئر، وخلعوا ملابسه ثم ألقوه فيها، وشعر يوسف بالخوف، والفزع، لكن الله كان معه، حيث أوحى إليه ألا تخاف ولا تجزع فإنك ناج مما دبروا لك. وبعد أن نفذ إخوة يوسف مؤامرتهم، جلسوا يفكرون فيما سيقولون لأبيهم عندما يسألهم، فاتفقوا على أن يقولوا لأبيهم إن الذئب قد أكله، واخلعوا يوسف قميصه، وذبحوا شاة، ولطخوا بدمها قميص يوسف. وفي الليل، عادوا إلى أبيهم، ولما دخلوا عليه بكوا بشدة، فنظر يعقوب إليهم ولم يجد فيهم يوسف معهم، لكنهم أخبروه أنهم ذهبوا ليتسابقوا، وتركوا يوسف ليحرس متاعهم، فجاء الذئب وأكله، ثم أخرجوا قميصه ملطخًا بالدماء، ليكون دليلا لهم على صدقهم. فرأى يعقوب القميص سليمًا، حيث نسوا أن يمزقوه، فقال لهم: عجبًا لهذا الذئب كان رحيمًا بيوسف أكله دون أن يقطع ملابسه. ثم قال لهم مبينًا كذبهم (وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ).
• نتعلم من هذه الفقرة أنه مهما تذاكى المجرم أو تفنن في إخفاء جريمته فلابد من أن يفوته ما يفضح أمره ويهتك ستره .
أما يوسف فكان لا يزال حبيسًا في البئر ينتظر الفرج والنجاة، وبينما هو كذلك، مرت عليه قافلة متجهة إلى مصر، فأرادوا أن يتزودوا من الماء، فأرسلوا أحدهم إلى البئر ليأتيهم بالماء، فلما ألقى دلوه تعلق به يوسف، فنظر في البئر فوجد غلامًا جميلاً يمسك به، فأخرجه فإذا بإخوة يوسف ينظرون فأتوا إليه وقالوا هذا عبد لنا آبق، فسكت يوسف خوفاً من إخوته فشروه بثمن بخس (لأنهم لم يكن المال هو مايريدون) فأخذوه معهم إلى مصر ليبيعوه. وكان عزيز مصر في هذا اليوم يتجول في السوق، ليشتري غلامًا له؛ لأنه لم يكن له أولاد، فوجد هؤلاء الناس يعرضون يوسف للبيع، فذهب إليهم، واشتراه منهم بعدة دراهم قليلة. ورجع عزيز مصر إلى زوجته، وهو سعيد بالطفل الذي اشتراه، وطلب من زوجته أن تكرم هذا الغلام، وتحسن معاملته، فربما نفعهما أو اتخذاه ولدًا لهما، وهكذا مكن الله ليوسف في الأرض فأصبح محاطًا بعطف العزيز ورعايته.
ومرت السنون، وكبر يوسف، وأصبح شابًا قويًّا، رائع الحسن، وكانت امرأة العزيز تراقب يوسف يومًا بعد يوم، وازداد إعجابها به لحظة بعد أخرى، فبدأت تظهر له هذا الحب بطريق الإشارة والتعريض، لكن يوسف كان يعرض عنها، ويتغافل عن أفعالها، فأخذت المرأة تفكر كيف تغري يوسف بها. وذات يوم، انتهزت فرصة غياب زوجها عن القصر، فتعطرت وتزينت، ولبست أحسن الثياب، وغلقت الأبواب ودعت يوسف حتى أدخلته حجرتها، وطلبت منه أن يفعل معها الفاحشة. لكن يوسف بعفته وطهارته امتنع عما أرادت، ورد عليها ردًّا بليغًا حيث قال ( وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ) . ثم أسرع يوسف ناحية الباب يريد الخروج من المكان، لكن امرأة العزيز لم تدع الفرصة تفوتها، فجرت خلفه، لتمنعه من الخروج، وأمسكت بقميصه فتمزق. وفجأة، حضر زوجها العزيز، وتأزم الموقف، وزاد الحرج، لكن امرأة العزيز تخلصت من حرج موقفها أمام زوجها، فاتهمت يوسف بالخيانة ومحاولة الاعتداء عليها، وقالت لزوجها (وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) . وأمام هذا الاتهام، كان على يوسف أن يدافع عن نفسه، فقال ( قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ) . وشهد شاهد من اهلها وقيل انه صبيا صغيرا وقيل انه رجل حكيم كان يرافق العزيز ( قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ , وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ ). فالتفت الزوج إلى امرأته، وقال لها، , فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ )، ثم طلب العزيز من يوسف أن يهمل هذا الموضوع، ولا يتحدث به أمام أحد، ثم طلب من زوجته أن تستغفر من ذنبها وخطيئتها.


• العفة في أعلى درجاتها _______________
قال ابن قيِّم الجوزية - رحمه الله -: "وأخبر عن الحال التي صار إليها يوسف عليه السلام بصبره وعفَّتِه وتَقواه، مع أن الذي ابتُلي به أمر لا يَصبر عليه إلا مَن صبَّره الله عليه، فإن موافَقة الفعل بحسب قوة الداعي، وزوال المانع، وكان الداعي ها هنا في غاية القوة؛ وذلك لوجوه:

• أحدها: ما ركَّب الله سبحانه في طبع الرجل من ميله الى المرأة، كما يَميل العطْشان إلى الماء، والجائع إلى الطعام، حتى إنَّ كثيرًا من الناس يصبر عن الطعام والشراب ولا يصبر عن النساء، وهذا لا يُذمُّ إذا صادف حلالاً، بل يُحمَد، كما في كتاب الزهد للإمام أحمد من حديث يوسف بن عطية الصغار عن ثابت البناني عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((حُبِّبَ إليَّ من دنياكم: الطيب والنساء، أصبر عن الطعام والشراب ولا أصبر عنهنَّ)).

• الثاني: أنَّ يوسف عليه السلام كان شابًّا، وشهوة الشباب وحدَّته أقوى.

• الثالث: أنه كان عزبًا لا زوجةَ له ولا سريَّة تَكسِر شدَّة الشهوة.

• الرابع: أنه كان في بلاد غُربة يتأتَّى للغريب فيها مِن قضاء الوطر ما لا يتأتَّى لغيره في وطنه وأهله ومعارفه.

• الخامس: أنَّ المرأة كانت ذات منصب وجمال؛ بحيث إنَّ كل واحد مِن هذَين الأمرين يدعو إلى موافقتِها.

•ا لسادس: أنها غير آبية، ولا ممتنعة، فإن كثيرًا من الناس يُزيل رغبتَه في المرأة إباؤها وامتناعها؛ لما يجد في نفسه من ذلِّ الخُضوع والسؤال لها، وكثير من الناس يَزيده الإباء والامتِناع زيادة حبٍّ؛ كما قال الشاعر:

• وزادني كلفًا في الحُبِّ أنْ منعتْ


• أحبُّ شيءٍ إلى الإنسانِ ما مُنعَا


• فطِباع الناس مُختلفة في ذلك، فمنهم مَن يتَضاعف حبُّه عند بذْل المرأة ورغبتها، وتضمحلُّ عند إبائها وامتِناعها، وأخبَرَني بعض القضاة أن إرادته وشهوته تضمحلُّ عند امتِناع زوجته أو سريته وإبائها؛ بحيث لا يُعاودها، ومنهم مَن يتَضاعف حبه وإرادته بالمنع، ويشتدُّ شوقه، وتَحصل له من اللذَّة بالظفر نظير ما يَحصل من لذَّة بالظفر بالصيد بعد امتِناعه ونفاره، واللذَّة بإدراك المسألة بعد استِصعابها وشدة الحرص على إدراكها.

• السابع: أنها طلبَت وأرادت وبذلَت الجهد، فكفَتْه مؤنة الطلب وذلَّ الرغبة إليها، بل كانت هي الراغبة الذليلة، وهو العزيز المرغوب إليه.

• الثامن: أنه في دارِها، وتحت سلطانها وقهرِها؛ بحيث يَخشى إن لم يُطاوعها مِن أذاها له، فاجتمَع داعي الرغبة والرهبة.

• التاسع: أنه لا يخشى أن تنمي عليه هي ولا أحد من جهتها، فإنها هي الطالبة والراغبة، وقد غلَّقت الأبواب، وغيَّبت الرقباء.

• العاشر: أنه كان مملوكًا لها في الدار؛ بحيث يدخل ويَخرج ويَحضُر معها ولا يُنكَر عليه، وكان الأمن سابقًا على الطلَب، وهو مِن أقوى الدواعي، كما قيل لامرأة شريفة من أشراف العرب: ما حملَكِ على الزنا؟ قالتْ: قربُ الوساد، وطول السِّواد؛ تعني: قرب وساد الرجل من وسادتي، وطول السِّواد (المُسارَّة) بيننا.

• الحادي عشر: أنها استعانت عليه بأئمَّة المكر والاحتيال، فأرتْه إياهنَّ، وشكَتْ حالَها إليهنَّ؛ لتستعين بهن عليه، فاستعان هو بالله عليهنَّ، فقال: ﴿ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ [يوسف: 33].

• الثاني عشر: أنها تواعدته بالسجن والصَّغار، وهذا نوع إكراه؛ إذ هو تهديد ممن يغلب على الظن وقوعُ ما هدَّد به، فيَجتمع داعي الشهوة وداعي السلامة من ضِيق السجن والصَّغار.
• الثالث عشر: أن الزوج لم يظهر منه مِن الغيرة والنَّخوة ما يفرِّق به بينهما، ويبعد كلاًّ منهما عن صاحبه، بل كان غاية ما خاطَبَهما به أن قال ليوسف: ﴿ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا ﴾، وللمرأة: ﴿ وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ ﴾، وشدَّة الغيرة للرجل مِن أقوى المَوانع، وهذا لم يظهَر منه غيرة.

• ومع هذه الدَّواعي كلها، فآثَر عليه السلام مرضاة الله وخوفه، وحمَلَه حبُّه لله على أن اختار السجن على الزِّنا، فقال: ﴿ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ﴾ [يوسف: 33]، وعلم أنه لا يطيق صرف ذلك عن نفسه، وأن ربه تعالى إن لم يَعصمْه ويَصرف عنه كيدهنَّ، صَبا إليهنَّ بطبعه وكان من الجاهلين، وهذا من كمال معرفته بربه وبنفسه، وفي هذه القصة مِن العِبَر والفوائد والحِكَم ما يزيد على ألف فائدة".

واتفق الجميع على أن يظل هذا الفعل سرًّا لا يعرفه أحد، ومع ذلك فقد شاع خبر مراودة امرأة العزيز ليوسف، وطلبها للفاحشة، وانتشر في القصر وتحدث نساء المدينة بما فعلته امرأة العزيز مع فتاها، وعلمت امرأة العزيز بما قالته النسوة عنها، فغضبت غضبًا شديدًا، وأرادت أن تظهر لهن عذرها، وأن جمال يوسف وحسن صورته هما اللذان جعلاها تفعل ذلك، فأرسلت إليهن، وهيأت لهن مقاعد مريحة، وأعطت كل واحدة منهن سكينا، ثم قالت ليوسف: اخرج عليهن. فخرج يوسف متمثلاً لأمر سيدته، فلما رآه النسوة انبهرن بجماله وحسنه، وجرحن أيديهن بالسكين قيل من الدهشة فلم يشعرن بالطرح من شدة جماله

( فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ )

. فقالت امرأة العزيز، ( قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آَمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ ) . واقتنع النساء بما تفعله امرأة العزيز مع يوسف، فلما رأى ذلك منهن قال، ( قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ ) وكادت تحدث فتنة في المدينة بسبب عشق النساء ليوسف، فرأى القائمون على الأمر أن يسجن يوسف إلى حين، فسجنوه، وظل يوسف في السجن فترة .

• نتعلم من هذه الفقرة أن السجن يحوي بين جدرانه الكثير من المظلومين والمستضعفين الذين يلجأ الظالم إلى تغييبهم لكي لا يذيع صيتهم أو لكي لا يذكرون الظالم بما بدر منه من سوء. وهؤلاء إذا ظلمهم العباد فإن ناصرهم هو رب العباد.

ودخل معه السجن فتيان أحدهما خباز والآخر ساقي، ورأيا من أخلاق يوسف وأدبه وعبادته لربه ما جعلهما يعجبان به، فأقبلا عليه ذات يوم يقصان عليه ما رأيا في نومهما، ( وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآَخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) ففسر لهما يوسف رؤياهما، بأن أحدهما سيخرج من السجن، ويرجع إلى عمله كساق للملك، وأما الآخر وهو خباز الملك فسوف يصلب، وتأكل الطير من رأسه. وقبل أن يخرج ساقي الملك من السجن طلب من يوسف أن يذكر أمره عند الملك، ويخبره أن في السجن بريئًا حبس ظلمًا، حتى يعفو عنه، ويخرج من السجن، ولكن الساقي نسى، فظل يوسف في السجن بضع سنين، وبمرور فترة من الزمن تحقق ما فسره لهما يوسف. وفي يوم من الأيام، نام الملك فرأى في منامه سبع بقرات سمان يأكلهن سبع نحيفات، وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات، فقام من نومه خائفا مفزوعًا مما رآه، فجمع رجاله وعلماء دولته، وقص عليهم ما رآه، وطلب منهم تفسيره، فأعجزهم ذلك، وأرادوا صرف الملك عنه حتى لا ينشغل به، فقالوا ( قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ ) . لكن هذه الرؤيا ظلت تلاحق الملك وتفزعه أثناء نومه، فانشغل الملك بها، وأصر على معرفة تفسيرها، وهنا تذكر الساقي أمر يوسف، وطلب أن يذهب إلى السجن ليقابل يوسف، وهناك طلب منه أن يفسر رؤيا الملك، ففسر يوسف البقرات السمان والسنبلات الخضر بسبع سنين يكثر فيها الخير وينجو الناس فيه من الهلاك. ولم يكتف يوسف بتفسير الحلم، وإنما قدم لهم الحل السليم. وما يجب عليهم فعله تجاه هذه الأزمة، وهو أن يدخروا في سنوات الخير ما ينفعهم في سنوات القحط والحاجة من الحبوب بشرط أن يتركوها في سنابلها، حتى يأتي الله بالفرج. ولما عرف الساقي تفسير الرؤيا، رجع إلى الملك ليخبره بما قاله له يوسف. ففرح الملك فرحًا شديدًا، وراح يسأل عن ذلك الذي فسر رؤياه، فقال الساقي: يوسف. فقال الملك على الفور: ائتوني به. فذهب رسول الملك إلى يوسف وقال له: أجب الملك، فإنه يريد أن يراك، ولكن يوسف رفض أن يذهب إلى الملك قبل أن تظهر براءته، ويعرف الملك ما حدث له من نساء المدينة. فأرسل الملك في طلب امرأة العزيز وباقي النسوة، وسألهن عن الأمر، فقلن معترفات بذنوبهن مقرَّات بخطئهن، ومعلنات عن توبتهن إلى الله: ما رأينا منه سوءًا، وأظهرت امرأة العزيز براءة يوسف أمام الناس جميعًا. عندئذ أصدر الملك قراره بتبرئة يوسف مما اتهم به، وأمر بإخراجه من السجن وتكريمه، وتقريبه إليه. ثم خيره أن يأخذ من المناصب ما شاء فقال، ( قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ). فوافق الملك على أن يتقلد يوسف هذا المنصب لأمانته وعلمه. وتحققت رؤيا الملك.

• نتعلم من هذه الفقرة أن قدر الله غالب لا محالة وأن جنود الله تعالى لا يعلمها إلا هو فلولا " الحلم " الذي رآه عزيز مصر ما خرج يوسف من السجن .

وانتهت سنوات الرخاء، وبدأت سنوات المجاعة، وجاء الناس من كل مكان في مصر والبلاد المجاورة ليأخذوا حاجتهم من خزائن الملك. وفي يوم من الأيام، وأثناء توزيع الحبوب على الناس إذا بيوسف أمام رجال يعرفهم بلغتهم وأشكالهم وأسمائهم، وكانت مفاجأة لم يتوقعوها، إنهم إخوته، أبناء أبيه يعقوب، الذي ألقوه في البئر وهو صغير، لقد جاءوا محتاجين إلى الطعام، ووقفوا أمامه دون أن يعرفوه، فقد تغيرت ملامحه بعدما كبر، فأحسن يوسف إليهم، وأنسوا هم به، وأخبروه أن لهم أخا أصغر من أبيهم لم يحضر معهم، لأن أباه يحبه ولا يطيق فراقه. فلما جهزهم يوسف بحاجات الرحلة، وقضى حاجتهم، وأعطاهم ما يريدون من الطعام، قال لهم،


( وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ ) فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ ) فأظهروا أن الأمر ليس ميسورا وسوف يمانع، ليستبدلوا بها القمح والعلف في رحالهم بدلا من القمح فيضطروا إلى العودة إليه بأخيهم. وعاد إخوة يوسف إلى أبيهم، وقالوا، ( فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) فرفض يعقوب. وذهب الإخوة إلى بضاعتهم ليخرجوها ففوجئوا ببضاعتهم الأولى التي دفعوها ثمنا، ولم يجدوا قمحا، فأخبروا والدهم أن بضاعتهم قد ردت إليهم، ثم أخذوا يحرجون أباهم بالتلويح له بمصلحة أهلهم في الحصول على الطعام، ويؤكدون له عزمهم على حفظ أخيهم، ويرغبونه بزيادة الكيل لأخيهم، فقد كان يوسف يعطي لكل فرد حمل بعير. فقال لهم أبوهم، ( قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آَتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ) ، ولم ينس أن يوصيهم في هذا الموقف وينصحهم، ( وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ) وسافر الإخوة إلى مصر، ودخلوها من حيث أمرهم أبوهم، ولما وقفوا أمام يوسف، دعا أخاه الصغير، وقربه إليه، واختلى به، وأخبره أنه يوسف أخوه. ثم وزن البضاعة لإخوته، فلما استعدوا للرحيل والعودة إلى بلادهم، إذا بيوسف يريد أن يستبقي أخاه بجانبه، فأمر فتيانه بوضع السقاية (إناء كان يكيل به) في رحل أخيه الصغير، وعندما بدأت القافلة في الرحيل إذا بمناد ينادي ويشير إليهم ( فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ ). فأقبل الإخوة يتساءلون عن الذي فقد، فأخبره المنادي أنه فقد مكيال الملك، وقد جعل لمن يأتي به مكافأة قدرها حمل بعير. وهنا لم يتحمل إخوة يوسف ذلك الاتهام، فدخلوا في حوار ساخن مع يوسف ومن معه، فهم ليسوا سارقين وأقسموا على ذلك. ( قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ ). هنا ينكشف التدبير الذي ألهمه الله يوسف، فقد كان الحكم السائد في شريعة بني إسرائيل أن السارق يكون عبدًا للمسروق منه، ولما كان يوسف يعلم أن هذا هو جزاء السارق في شريعة بني إسرائيل، فقد قبل أن يحتكم إلى شريعتهم دون شريعة المصريين، ووافق إخوته على ذلك لثقتهم في أنفسهم. فأصدر يوسف الأوامر لعماله بتفتيش أوعية إخوته. فلم يجدوا شيئا، ثم فتشوا وعاء أخيه، فوجدوا فيه إناء الكيل. وتذكر إخوة يوسف ما وعدوا به أباهم من عودة أخيهم الصغير إليه، ( قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ). فقال ( قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ ) وهكذا مكن الله ليوسف أن يحتفظ بأخيه، أما الإخوة فقد احتاروا وجلسوا يفكرون فيما سيقولونه لأبيهم عندما يعودون، فقرر كبيرهم ألا يبرح مصر، وألا يواجه أباه إلا أن يأذن له أبوه، أو يقضي الله له بحكم، وطلب منهم أن يرجعوا إلى أبيهم، ويخبروه صراحة بأن ابنه سرق، فأخذ بما سرق، وإن شك في ذلك؛ فليسأل القافلة التي كانوا معها أو أهل المدينة التي كانوا فيها. فعادوا إلى أبيهم وحكوا له ما حدث، إلا أن أباهم لم يصدقهم، ( قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ )، ثم تركهم، وأخذ يبكي على يوسف وأخيه، حتى فقد بصره، فاغتاظ أبناءه ( قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِين ) فرد يعقوب عليهم أنه يشكو أمره لله، وليس لأحد من خلقه، وطلب منهم أن يذهبوا ليبحثوا عن يوسف وأخيه، فهو يشعر بقلب المؤمن أن يوسف ما زال حيًّا، والمؤمن لا ييأس من رحمة الله أبدًا. وتوجه الأبناء إلى مصر للمرة الثالثة يبحثون عن أخيهم، ويلتمسون بعض الطعام، وليس معهم إلا بضاعة رديئة.

ولما وصلوا دخلوا على يوسف، يقول الله عز وجل ( فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِين , قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ , قَالُوا أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ). فأخبرهم يوسف بحقيقته، وبفضل الله عليه. فاعتذر له إخوته، وأقروا بخطئهم، فعفا يوسف عنهم، وسأل الله لهم المغفرة. ثم سألهم يوسف عن أبيه، فعلم منهم أنه قد فقد بصره بسبب حزنه عليه، ( اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ , وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ , قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ ) وبعد أيام عاد إخوة يوسف إلى أبيهم، وبشروه بحياة يوسف وسلامة أخيه، ثم أخرجوا قميص يوسف، ووضعوه على وجه يعقوب، فارتد إليه بصره. وطلب إخوة يوسف من أبيهم أن يستغفر لهم، فوعدهم يعقوب بأنه سيستغفر لهم الله وقت السحر؛ لأن هذا أدعى إليه استجابة الدعاء. وغادر بنو إسرائيل أرضهم متوجهين إلى مصر، فلما دخلوها، استقبلهم يوسف بترحاب كبير، وأكرم أبويه، فأجلسهما على كرسيه، وهنا لم يتمالك يعقوب وامرأته وبنوه الأحد عشر أنفسهم حتى انحنوا تحية ليوسف وإكبار لوفائه، وتقديرا لعفوه وفضله، وتذكر يوسف رؤياه القديمة التي رآها وهو صغير، فالأحد عشر كوكبًا بعدد إخوته، والشمس والقمر هنا أبواه، ( وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) ثم توجه يوسف إلى الله يشكره على نعمه، ( رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ) .

هذه كانت خلاصة قصة يوسف عليه السلام في القران وقد وردت في السنة النبوية النصوص عن هذا النبي الكريم ومن تلك النصوص :
1- عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الكريمُ، ابنُ الكريمِ، ابنِ الكريمِ، ابنِ الكريمِ، يوسفُ بنُ يعقوبَ بنِ إسحاقَ بنِ إبراهيمَ عليهم السَّلامُ " (رواه البخاري).

2- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ الكريمَ ابنَ الكريمِ ابنِ الكريمِ ابنِ الكريمِ، يوسفُ بنُ يعقوبَ بنِ إسحاقَ بنِ إبراهيمَ خليلِ الرَّحمنِ وقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: لوْ لَبِثْتُ في السِّجْنِ ما لَبِثَ يوسُفُ، ثمَّ جاءني الداعي لأجَبتُه، إذ جاءه الرسولُ، فقال: ارجعْ إلى ربِّك، فاسأله ما بالُ النِّسْوةِ اللَّاتِي قَطَّعن أيدِيَهُنَّ، إِنَّ ربِّي بكَيْدِهِنَّ عليمٌ، ورَحْمَةُ اللهِ على لوطٍ، إِنْ كانَ لَيَأْوِي إِلى رُكْنٍ شديدٍ، إِذ قال لقومِه: لو أَنَّ لي بكم قُوَّةً، أو آوي إلى رُكْنٍ شديدٍ، وما بعث اللهُ من بعدِه من نَبِيٍّ إِلا في ثَروَةٍ مِنْ قومِه " (رواه أحمد).

3- عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أُعطِيَ يوسفُ شَطرَ الحُسنِ " (صحيح الجامع).

4- عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أُعطِيَ يوسفُ و أمُّه شَطرَ الحُسنِ " (صحيح الجامع.)

5- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " سُئِل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أيُّ الناسِ أكرَمُ؟ قال: (أكرَمُهم عِندَ اللهِ أتقاهم). قالوا: ليس عن هذا نَسأَلُك، قال: (فأَكرَمُ الناسِ يوسُفُ نبيُّ اللهِ، ابنُ نبيِّ اللهِ، ابنِ نبيِّ اللهِ، ابنِ خليلِ اللهِ). قالوا: ليس عن هذا نَسأَلُك، قال: (فعن مَعادِنِ العربِ تَسأَلونَني). قالوا: نعمْ، قال: (فخِيارُكم في الجاهليةِ خِيارُكم في الإسلامِ، إذا فَقُهوا) (رواه البخاري)

6- عن أبي موسى الأشعري عبدالله بن قيس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أَعجِزتُم أن تكونوا مثلَ عجوزِ بني إسرائيلَ؟ فقال أصحابُه: يا رسولَ اللهِ و ما عجوزُ بني إسرائيلَ؟ قال: إنَّ موسى لما سار ببني إسرائيلَ من مصرَ، ضَلُّوا الطريقَ، فقال: ما هذا؟ فقال علماؤهم نحن نُحَدِّثُك: إنَّ يوسفَ لما حضره الموتُ أخذ علينا مَوثِقًا من اللهِ أن لا نخرُجَ من مصرَ حتى ننقِل عظامَه معنا، قال: فمن يعلمْ موضعَ قبرَه؟ قالوا ما ندري أين قبرُ يوسفَ إلا عجوزًا من بني إسرائيلَ، فبعث إليها، فأتَتْه، فقال دُلُّوني على قبرِ يوسفَ، قالت لا و الله لا أفعلُ حتى تُعطِيَني حُكمي، قال: و ماحُكمُكِ؟ قالت أكونُ معك في الجنَّةِ، فكره أن يُعطِيَها ذلك، فأوحى اللهُ إليه أن أَعطِها حكمَها، فانطلقَتْ بهم إلى بُحَيرةٍ، موضعَ مُستَنْقَعِ ماءٍ، فقالت: انضِبوا هذا الماءَ، فأَنضبوا، قالت احفِروا و استخرِجوا عظامَ يوسفَ، فلما أقلُّوها إلى الأرضِ، إذ الطريقُ مثلُ ضوءِ النَّهارِ " (صححه الألباني في السلسلة الصحيحة وقال: إسناده صحيح على شرط مسلم).

7- عن علقمة عَن عبدِ اللَّهِ قالَ: " الفَتَيانِ اللَّذانِ أتَيا يوسُفَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ في الرُّؤيا إنَّما كانا تَكاذَبا فلمَّا أوَّلَ رؤياهُما قالا: إنَّا كنَّا نلعَبُ، قالَ يوسُفُ: قُضِيَ الأمرُ الَّذي فيهِ تَستَفتِيانِ " (رواه الحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين).
• جاء في تفسير بن كثير: وقال إخوة يوسف لما رأوا الصواع قد أخرج من متاع بنيامين " إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ " يتنصلون إلى العزيز من التشبه به، ويذكرون أن هذا فعل كما فعل أخ له من قبل، يعنون به يوسف عليه السلام. قال قتادة:"كان يوسف عليه السلام قد سرق صنماً لجده أبي أمه فكسره"".

ومما نتعلم من حياة هذا الرسول الكريم :
1- تعلمت من نبي الله يوسف عليه السلام كيف أخطط لكل صغيرة وكبيرة في حياتي فمن يفشل في التخطيط فهو يخطط للفشل والعمل الارتجالي لا يُؤتي ثماره.

• خطط نبي الله يوسف عليه السلام كيف يُظهر براءته مما نسبته إليه امرأة العزيز وكان له ذلك.

• خطط نبي الله يوسف عليه السلام لكي يكون أميناً على اقتصاد مصر لأنه عليه السلام رأى في نفسه القدرة والأهلية وكان له ذلك.

• خطط نبي الله يوسف عليه السلام كيف يستقدم أخاه إلى مصر وكان له ذلك.

• خطط نبي الله يوسف عليه السلام كيف يستبقي أخاه معه في مصر وكان له ذلك.

• خطط نبي الله يوسف عليه السلام كيف يستقدم والديه إليه في مصر وكان له ذلك.

2- تعلمت من نبي الله يوسف عليه السلام التحدث بنعمة الله تعالى مع الثقات ومع من يُقدِّرون ذلك ويعينونني على شكر النعمة.

3- _علمت من نبي الله يوسف عليه السلام أن أستشير في خصوصياتي من هم أهل الثقة
والحكمة.

4- تعلمت من نبي الله يوسف عليه السلام أن أوقر أهل الثقة والحكمة وأن أنفذ نصيحتهم اختصاراً للوقت والجهد واستفادة من خبرتهم وتجاربهم في الحياة .

5- تعلمت من نبي الله يوسف عليه السلام العفة والأمانة وصيانة الأعراض.

6- تعلمت من نبي الله يوسف عليه السلام الاستعانة بالله تعالى في كل أموري وطلب العون على عقبات الحياة ومشكلاتها فالإنسان ضعيف بنفسه قوي بربه.

7- تعلمت من نبي الله يوسف عليه السلام الصبر على المعصية.

8- تعلمت من نبي الله يوسف عليه السلام الصبر على الطاعة.

9- تعلمت من نبي الله يوسف عليه السلام الصبر على قدر الله تعالى وابتلائه.

10- تعلمت من نبي الله يوسف عليه السلام الأخذ بالأسباب حتى وإن بدى لي انقطاع الأسباب.

11- تعلمت من نبي الله يوسف عليه السلام أن أدافع عن نفسي وأقدم حُجتي مهما كان بطش من هم حولي.

12- تعلمت من نبي الله يوسف عليه السلام أن الطاهر العفيف ربما يدفع ثمن طُهره وعفافه سجناً وألماً وغُصة، لأنه رفض الوقوع في أوحال الخيانة ولم يقبل الدنية في دينه ولا في نفسه.

13- تعلمت من نبي الله يوسف عليه السلام أن أرض الله تعالى مهما ضاقت فكل شبر فيها يصلح لكي يكون محراب عبادة وميدان دعوة.

14- تعلمت من نبي الله يوسف عليه السلام ألا أساوم على شرفي ولا على سُمعتي وألا أقبل الهبة التي تنتقص منهما.

15- تعلمت من نبي الله يوسف عليه السلام ألا أنتظر الفرج إلا من الله تعالى وألا أرجع الفضل إلا لله تعالى أولاً وأخيراً.

16- تعلمت من نبي الله يوسف عليه السلام أنه مهما طال ليل الظلم فلابد من طلوع النهار ومهما أحكم الباطل تدبيره فإن تدبير الله تعالى لا يُغلب وأنه سبحانه يتولى الصالحين.
17- تعلمت من نبي الله يوسف عليه السلام أن أعاتب من أساء إليَّ وأجلي له حقيقة موقفي وأفند حُجته.

18- تعلمت من نبي الله يوسف عليه السلام أن المؤمن لا يُصطفى لا يُمَكَّن له حتى يُبتلى وأن ابتلائه يكون على قدر دينه.

19- تعلمت من نبي الله يوسف عليه السلام أن الحق هو ما شهد به الأعداء حيث شهد له عزيز مصر وشهد له رفقاء السجن وشهدت له النسوة وشهدت له امرأة العزيز.

20- تعلمت من نبي الله يوسف عليه السلام أن أعرض خبراتي وإمكانياتي وأبادر بالمساعدة وأن أكون إيجابياً وأن يتساوى عندي تلبية طلبي مع رفضه لأن ما أطلبه هو من باب التكليف لا التشريف فإن قُبِلَ أطلب العون عليه من الله تعالى وإن رُفِضَ أحمد الله الذي عافاني من مشقته.

وفي الختام نسأل الله عزوجل ان يغفر لنا ويحشرنا مع النبيين والصديقيين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا وآخر دعوانا ان الحمدلله رب العالمين .
محاضرة القاها : الشيخ شرماركي محمد عيسى (بخاري) حفظه الله ورعاه
مسجد الصحابة _برعو _ارض الصومال (1440 _ 2019 ) .
...المزيد

التشيع بلباس صوفي في الصومال (6) بداية حركة الإستبصار الشيعية في شرق إفريقيا. الإستبصار هو إسم ...

التشيع بلباس صوفي في الصومال (6)
بداية حركة الإستبصار الشيعية في شرق إفريقيا.
الإستبصار هو إسم لأحد أهم كتب الشيعة في الحديث المنسوب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بل ويرون من لم يدرس هذا الكتاب أنه ليس بمجتهد أو مفتي عندهم لكن المراد من المقال ليس هذا الكتاب !!
إشتهرت الحركات الشيعية في الشرق الاوسط بحمل السلاح وإستعمال القوة والعنف ضد أعدائهم كحركة الأمل وحركة حزب الله في لبنان أو الحركات السياسية في العراق وبلاد الرافدين والاحزاب الديمقراطية بعد خروج الإحتلال الأمريكي لها أو الفصائل المقاتلة كما في سوريا والشام وكذالك اليمن للسيطرة على تلك البلاد لكن الوضع في شرق إفريقيا مختلف تماما عن ذاك الوضع في الشرق الاوسط إذ أن أعداد الشيعة في شرق إفريقيا قليلة جدا بمقارنة غيرهم من المعتقدات ولأجل ذالك يلزم أن تكون حركة الشيعة فيها مختلفة عن الحركات الشيعية الاخرى فاختارو الدعوة والتبليغ بغطاء سياسي أو إغاثي أو إقتصادي وهنا بدأت الحكاية ............................................................................................
بعد حدوث الاحداث 11سبتمبر 2001 وقيام الامريكان بخطة بإعادة طرح مشروع القرن الأفريقي الجديد الذي يهدف إلى تأمين الممرات المائية العالمية في البحر الأحمر والمحيط الهندي بما يخدم المصالح الأميركيةوسعي الولايات المتحدة لتأمين الوصول إلى منابع النفط والمواد الخام، وذلك بإنشاء القاعدة الأميركية في جيبوتي عام 2002 ، والتي تضمن لأميركا السيطرة الإستراتيجية على المنطقة البحرية التي يمر بها نحو ربع إنتاج العالم من النفط ))).
ولذا، سعت إيران بخطة محكمة لنقل الصراع من مضيق هرمز والخليج العربي إلى خليج عدن وباب المندب، بدلالة خروج التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية للمنطقة من دائرة السرية والمراوغة إلى دائرة العلن والتدخل المباشر كانت منطقة شرق أفريقيا جزءًا من طموح توسع نفوذ إيران في المناطق ذات الأهمية مع توقع حرب نووي أو غيره مع الغرب ، فقد إحتلت تلك المنطقة مكانة مهمّة في أجندة اهتمامات السياسة الخارجية الإيرانية في العقدين الأخرين وقد وسلت ذروتها في عهد الرئيس الإيراني أحمدي نجاد , زار نجاد العديد من دول شرق أفريقيا "منها جزر القمر وجيبوتي وكينيا" في شباط / فبراير عام 2009 ، وخلال تلك الزيارة أكّد نجاد إرادة إيران مساعدة الدول الأفريقية على تقوية استقلالها، وتكوين جبهة متحدة ضد النفوذ الغرب) ؛ وقد لاقت زيارة نجاد ترحيبًا من جانب تلك الدول، فقد وصف الرئيس الجيبوتي عمر حسن جيلة الزيارة بأنها تاريخية، ودعا إلى ضرورة تدعيم العلاقات بين الدولتين. وكان نجاد بدأ جولته بزيارة جزر القمر التي لها وضع خاص في إطار العلاقة الإيرانية الأفريقية، فالرئيس عبد الله سامبي قد درس في إيران وتأثّر بنموذجها "الثوري"، حتى أنّ البعض أطلق عليه لقب "آية الله". وقد وقّع الجانبان وثائق تفاهمات لتوسيع العلاقات السياسية ، وتقديم المساعدات الفنية الإيرانية لتطوير عدد من المشروعات وفي إطار الاهتمام الإيراني بالقارة الأفريقية عامة، دعت إيران إلى عقد المنتدى الذي سُمّي بمنتدى "الحوار الإيراني - الأفريقي"، والذي
17 أيلول / سبتمبر 2010 ، بمشاركة - تمّ عقده في طهران في الفترة 15 ممثلين لأكثر من 40 دولة أفريقية – كان منهم ممثلون عن دول شرق أفريقيا - وعبّ هذا المنتدى عن بداية التعاون بين الجانبين في ظل مجموعة من القواسم المشتركة والمصالح التي تجمع بينهما ))) راجع الصحف الإخبارية ووكالة الأخبار الإيرانية
وألقى الرئيس الإيراني أحمدي نجاد في هذا المنتدى خطابًا دعا فيه إلى إيجاد نظام عالمي جديد، تصان فيه حرية الشعوب وكرامة الإنسان، وأكّد استنكار إيران العبودية وتجارة الرقيق التي مارسها الغرب ضد الأفارقة، كما شجب نهب الدول الاستعمارية ثروات
أفريقيا .
عرفنا في خلال هذه التحركات السياسية الإيرانية وإرادة بسط النفوذ الإيراني في شرق إفريقيا مع أنه ما زال موجودا حتى الآن إلا ان السياسة لا تحترم العقائد والأفكار المرجعية بصفتها مصلحة مؤقتة مع أن سياسة إيران مبنية على فكرة أوسع من أمنها القومي والغذائي فهي بذهن آياتها ومشائخها ( إمبراطورية إسلامية صفوية ) تريد السيطرة على العالم الإسلامي بأكمله وتحاول أن تكون أكبر حليفا حميما لجميع دول شرق إفريقيا .
ولا غرابة في ذالك الإيران تراعي مصالحها السياسية والأمنية وتغامر بسط نفوذها في أوساط شرق إفريقيا لكن الصدمة والغريب هو غياب مراعاة المصلحة السياسية والدينية من جانب ممثلي شعوب شرق القارة السمراء خاصة العلماء المدركون لهذه اللعبة أو لقلة علم بالأمر أو لعدم إدراك مخاطر الأمر أو لمراعاة مصالح شخصية ربما ذاك او هذا !!!!!........
نتابع القصة في المقالات التالية كونو مع الواقع !!!!!!
وصلى الله وسلم على محمد على آله وصحبه وسلم .
كتبه : شرماركي محمد عيسى ( بخاري )
أبو الأثير الصومالي
هرجيسيا _ الصومال
...المزيد

التشيع بلباس صوفي في الصومال (5) علاج الخلاف بين الدعاة السلفيين إنّ إفتراق الدعاة والعلماء وعدم ...

التشيع بلباس صوفي في الصومال (5)
علاج الخلاف بين الدعاة السلفيين
إنّ إفتراق الدعاة والعلماء وعدم التعاون في ما بينهم يخدم لأعداء الامة من الشرق والغرب كما ان التعاون والترابط فيما بينهم يغيظ لكل من يضمر للامة الشر والخيانة ولكن سبق لنا أن شرحنا حالة الدعاة السلفيين ومظاهر الانفسام بينهم وتجاول عرض العلاج لهذا المرض وأحاول إيجاز العلاج في هذه النقاط :-
• الإخلاص في الدعوة إلى الله فليس بطبيعة الحال إذا كان للإخلاص أثر على الفرد, فلابد أن يكون كذلك على الجماعة, فإذا كان في الأمة مخلصون فإنهم ينتصرون, وأعظم ما تحققه عملياً هو أن تنتصر على أعدائها, ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم ) إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم ( بدعائهم وإخلاصهم، فإذا كان فينا أمة -أي طائفة- عابدة زاهدة تقية مخلصة وتضرعت لله عز وجل ودعت بإخلاص فإننا ننتصر على العدو مهما كثر عَددُه ومهما قويت عُدده.
فالإخلاص مهم للفرد وللمجتمع على حدٍ سواء, وقد ينجي الله تبارك وتعالى أمة أو قرية أو حضارة بوجود أناس مخلصين فيها، ولكن يجب أن يكونوا مصلحين عاملين: (( وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ))[هود:117] والمصلح لو لم يكن مخلصاً لما كان مصلحاً؛ لأن الذي نيته باطلة لا يكون إلا منافقاً والعياذ بالله , فهو مفسد وليس مصلحاً, وإن زعموا أنهم مصلحون إلا أنهم مفسدون ومنافقون، كما ذكر الله تبارك وتعالى: (( أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ )) )) البقرة:12)) , وأكثر ما يثير الخلاف بين الناس والدعاة هي أمراض القلوب والتاريخ في ذالك خير شاهد إن المرء قليل بنفسه كثير بإخوانه وقد نهى الإسلام عن الكبر وأمر بالتواضع، صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله أوحى إلى أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد» (الراوي: عياض بن حمار المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2865، خلاصة حكم المحدث: صحيح)، فكل هذا وأمثاله مما ينبغي أن يضعه المرء نصب عينيه قبل أن يقدم ويتصدر المجالس ويدلي بدلوه بما قد يفرق ولا يجمع، وليتق الله أن يكون ممن وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله كما في جامع الترمذي بسند حسن: «من طلب العلم ليجاري به العلماء أو يماري به السفهاء أو ليصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله النار» (الراوي: كعب بن مالك المحدث: ابن حبان - المصدر: المجروحين - الصفحة أو الرقم: 1/143، خلاصة حكم المحدث: [فيه] إسحاق بن يحيى بن طلحة كان رديء الحفظ سيئ الفهم).
• التعاون في البر والتقوى والنصيحة في ما أختلف فيه من ألأمر وعدم تشهير الهفوات والأخطاء مراعاة للمصلحة العظمى والامر الأهم وهو رباط الأخوة بين المسلمين ولدعاة المصلحين أولى بذالك يقول شيخ الإسلام إبن تيمية رحمه الله تعالى ( فإن التعاون نوعان : تعاون على البر والتقوى ، من الجهاد وإقامة الحدود ، واستيفاء الحقوق وإعطاء المستحقين ، فهذا مما أمر الله به ورسوله ، ومن أمسك عنه خشية أن يكون من أعوان الظلمة ، فقد ترك فرضا على الأعيان ، أو على الكفاية متوهما أنه متورع ، وما أكثر ما يشتبه الجبن والفشل بالورع ، إذ كل منهما كف وإمساك .
والثاني : تعاون على الإثم والعدوان ، كالإعانة على دم معصوم ، أو أخذ مال معصوم ، أو ضرب من لا يستحق الضرب ، ونحو ذلك ، فهذا الذي حرمه الله ورسوله . ) السياسة الشرعية : ص (70 الأول).
• العمل بالعلم والتأسي بالسلف الصالح: السلفيون من أحرص الناس على متابعة السلف الصالح والتأسي بهم والدعوة إلى ذلك، فمجالسهم ودروسهم مليئة بالكلام عن عقيدة السلف وعلمهم، وعبادتهم وأخلاقهم، لكن الواقع اليوم يظهر أن هناك انفصالاً في كثير من الأحيان بين الواقع وبين ما ندعو إليه، فهل كان السلف رضوان الله عليهم يقعون في أعراض بعض؟ أو كان بعضهم يخرج بعضهم من دائرة أهل الحق ويرميه بالبدع وعظائم الأمور مهما عظم الخلاف بينهم؟ لقد وقعت مقتلة عظيمة بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمل ويوم صفين، وسالت دماء غزيرة زكية طاهرة، لكن القلوب عادت واجتمعت وتآلفت، فمن الله على أهل السنة بالاجتماع بعد الافتراق وبالاتحاد بعد الانقسام، وهذا ما كان ليتم لو لم تكن القلوب طاهرة زكية، وما لم يكن الجميع يريد الحق والخير ويعذر صاحبه. قال ابن تيمية رحمه الله: "كان السلف -مع الاقتتال- يوالي بعضهم بعضا موالاة الدين، لا يعادون كمعاداة الكفار، فيقبل بعضهم شهادة بعض، ويأخذ بعضهم العلم عن بعض، ويتوارثون ويتناكحون ويتعاملون بمعاملة المسلمين بعضهم مع بعض، مع ما كان بينهم من القتال والتلاعن وغير ذلك"، فما أحرانا اليوم أن نتمثل بهؤلاء الأماجد ونحن بفضل الله لم نصل فيما بيننا إلى حد الاقتتال. وانظر إلى ابن تيمية رحمه الله حيث يصف ولاة الأمر في مصر والشام في زمانه أنهم من الطائفة المنصورة، رغم أن دولتهم كانت تنصر الأشعرية والصوفية، يقول رحمه الله تعالى: "أما الطائفة بالشام ومصر ونحوهما، فهم في هذا الوقت المقاتلون عن دين الإسلام، وهم من أحق الناس دخولاً في الطائفة المنصورة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله في الأحاديث الصحيحة المستفيضة عنه: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة»" (الراوي: - المحدث: ابن تيمية - المصدر: مجموع الفتاوى - الصفحة أو الرقم: 28/552، خلاصة حكم المحدث: ثابت)، وما ذاك إلا لكونهم قاموا مقاماً لا يقومه أحد في زمانهم، فهل ترى حال أي فريق من السلفيين اليوم أقل شأناً من حال أولئك!
• تحصيل العلم الشرعي المؤصل والدراسة المستفيضة للواقع: العلم جنة، يعصم صاحبه بإذن الله من الوقوع في مواطن الزلل، وقد سبق معنا أن قلة العلم واحدة من أسباب الانقسام الذي نراه اليوم. والعلم المطلوب هو العلم المنهجي المؤصل الذي تناقله علماؤنا الأفذاذ جيلاً بعد جيل. وحيث إن جزءاً من المشكلة سببه اختلاف النظر حيال الوقائع والمستجدات، فإن الأمر يحتاج من العلماء المؤصلين ومن طلبة العلم النابغين إلى مزيد تأمل وتعرف على تفاصيل الواقع المعاصر الذي يزداد تشعباً وتعقيداً يوماً بعد يوم، وهذه المهمة ينبغي أن توليها المجامع والهيئات العلمية التي سبق اقتراحها مزيداً من الاهتمام، مع الاستعانة بالخبراء المتخصصين في شتى المجالات الضرورية، لتتضح الرؤية للجميع ومن ثم يكون الحكم على صورة مطابقة للواقع أو أقرب ما تكون إليه.
• الرفق بدل الشدة: لقد كان أولى بمن يلجأ إلى الشدة أن يستحضر معاني الرفق الذي حض عليه النبي صلى الله عليه وسلم في غير موضع، «الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه» (الراوي: عائشة المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2594، خلاصة حكم المحدث: صحيح )، «يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف» (الراوي: عائشة المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2593، خلاصة حكم المحدث: صحيح
• البعد عن التعصب المقيت: إذا كان الجمع بين الأقوال في اختلاف التضاد متعذراً، فلا يلزم من ذلك أن ينقسم الصف المسلم وأن تتباغض القلوب، وغياب مثل هذه الروح وتفشي روح التعصب للرأي هي التي تشعل الخلافات والعداوات، ورحم الله أئمتنا حيث قالوا: رأينا صواب يحتمل الخطأ ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، فبمثل هذا الفهم تجتمع القلوب وتستقيم الصفوف، وليس معنى ما سبق أن نردد العبارة المشهورة: نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه، لأنها لا تصح بهذا الإطلاق، ولكن نقول: نتعاون فيما اتفقنا عليه، ونتناصح فيما اختلفنا فيه، فيعذر بعضنا بعضا فيما كان الخلاف فيه سائغاً، وينكر بعضنا على بعض فيما سوى ذلك.
وفي الختام أقول ليس للدعاة السلفيين إلا ان يجتمعوا فيما بينهم ويكونو على يد واحدة فإنّ أعداء الامة اليوم واحدة وسهامهم علينا متتالية فإن لم نستطع التوحيد فيما بيننا فالنتعاون في إصلاح الامة ورعاية مصالحها ودرء الفساد عنها فإن لم نستطع ذالك فلنكفّ القتال بيننا ولننه مراعاة لمصلجة الاخوة بين الدعاة .
شرماركى محمد عيسى ( بخاري )
هرجيسيا _ الصومال
1440هـ الموافق 2019 .
...المزيد

التشيع بلباس صوفي في الصومال (4) إفتراق كلمة السلفيين ودورها في إنتشار التشيع ...

التشيع بلباس صوفي في الصومال (4)
إفتراق كلمة السلفيين ودورها في إنتشار التشيع الصوفي
لقد سبق لي أن ناقشت مع أحد المؤيدين للتشيع فكان كلما حاولت إقناعه لجأ إلى ذكر الإختلاف بين الدعاة السلفيين فتصبح هذه الظاهرة ركنا متينا لدعاة التشيع والتصوف وقد أمر الله عباده المومنين بالإجتماع والإئتلاف ونهاهم عن التفرق بينهم وشرع لهم العفو والسماحة حفاظا على إجتماع قلوب المومنين والدعاة المصلحين من المومنين أولا الناس بإدراك هذا الامر ولكن _وما أسوأها من لكن _ الناظر في الساحة الإسلامية يرى من انقسام الدعاة السلفيين وتفرقهم ما يدمع العين ويدمي القلب، وفي ورقتي هذه أقف معكم بشيء من الاختصار لمناقشة هذه الظاهرة مبيناً فيها بعض أهم أسبابها :
السبب الأول - اختلاف الأفهام والتعصب للرأي : وربما يؤدي ذالك إلى التفرق التام بين داخل الدعاة أو إلى التبديع والتفسيق ومن المعروف أن الاختلاف على قسمين رئيسين ؛ 1- فاختلاف تنوع 2- واختلاف تضاد، أما الأول فهو الذي يكون كل فرد من أفراده صحيحاً في نفسه، وأما اختلاف التضاد فلا يكون كل فرد من أفراده صحيحاً في نفسه، فإن كان في أمر الدنيا فقد يكون هناك مصيب ومخطئ أو قد لا يوجد مصيب، وأما في أمور الدين -ومثاله اختلاف الفقهاء في الأحكام الفقهية أو المحدثين في الحكم على الأحاديث- فلا يجوز أن تخلو الأمة من قائل بالحق في كل مسألة في أي زمن من الأزمنة، والصواب في مثل هذه المسائل مع أحدهم لا جميعهم لأن الحق واحد لا يتعدد كما هو مقرر عند المحققين من أهل الأصول.
فاختلاف التضاد في حد ذاته لا ينبغي أن يكون سبباً من أسباب الفرقة والانقسام، إذا كان في مسائل الاجتهاد فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن لكل من المصيب والمخطئ أجره إذا اجتهد في طلب الحق، لكن الذي يؤدي للفرقة هو إصرار كل فريق على رأيه وتعصبه له وعدم اتساع قلبه وصدره للخلاف.
السبب الثاني - إعجاب كل ذي رأي برأيه وحب الرياسة والظهور: ولا شك أن في هذا من إيغار الصدور وبث بذور الشقاق والخلاف ما فيه، فكيف إذا تفشى بين كثير من أفراد الجماعة؟ إن هذه الآفات كفيلة بإحداث الانقسام في أي مجموعة تظهر فيها، فإذا أعجب المرء برأيه لم يكد يسمع لغيره، فضلاً عن أن يقبل منهم، وهذا خلاف ما أمر به رب العزة تبارك وتعالى نبيه عليه الصلاة والسلام حيث قال: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}، وهو خلاف حال المؤمنين الذين وصفهم سبحانه بقوله: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}. وحب الظهور كما أنه يقسم ظهر صاحبه فإنه أيضاً يقسم ظهر الجماعة عندما يكون مصحوباً بحب الرياسة.
السبب الثالث- نفي السلفية عن الآخرين: السلفية ليست كلمة مبهمة ولا مصطلحاً خفياً، بل هي منهج واضح بين، يقوم على الأخذ بالكتاب والسنة وتعظيمهما والعمل بهما في الظاهر والباطن وتحكيمهما في كل الاعتقادات والأفعال والأقوال، مع ضبط ذلك كله بفهم السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان وسار على دربهم ومنهجهم من الأئمة المتبوعين والعلماء العاملين، وهذه هي السبيل التي أمر الله عز وجل عباده باتباعها كما في قوله جل وعز: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}. ومثل هذا لا يخفى على أحد ممن ينتمي للسلفية أفراداً وجماعات، فمن زعم الانتماء للسلفية حاكمنا ظاهره إلى ما سبق ووكلنا سريرته إلى الله؛ هذا هو الواجب، وأما الحاصل اليوم فكثير منه يسير بخلاف هذا الأصل الأصيل، حيث تنفي السلفية دون تثبت وبأدنى شبهة، بل أحياناً بمحض التشهي والتشفي.
إن الناظر في تاريخ هذه الأمة يجد من حال صدرها الأول عجباً، ففي الجمل وصفين وصل الأمر إلى أن رفع الصحابة سيوفهم في وجه بعض، لكن هذا ما حملهم على البغي على إخوانهم بنفي كل فضيلة عنهم وإخراجهم من دائرة الجماعة الواحدة، ففي تاريخ دمشق لابن عساكر (سمع عمار رجلاً يقول: كفر أهل الشام. قال: لم يكفروا، إن حجتنا وحجتهم واحدة، وقبلتنا وقبلتهم واحدة، ولكنهم قوم مفتونون جاروا عن الحق، فحق علينا أن نردهم إلى الحق).
السبب الرابع - غياب المرجعية الجامعة : ونعني بهذه المرجعية العالم أو العلماء الذين يلقون قبولاً عند مجموع السلفيين بحيث يرجعون إليهم ويصدرون عن رأيهم عند الاختلاف أو عند وقوع النوازل، وقد أمر الله سبحانه وتعالى بالرد إلى هؤلاء في مثل هذه المواطن، قال الله سبحانه وتعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا}، وفي قوله: { لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } أي: يستخرجونه بفكرهم وآرائهم السديدة وعلومهم الرشيدة كما قاله الإمام السعدي .
السبب الخامس - الاختلاف في تنزيل الحكم الشرعي على الواقع: جزء مهم من الخلاف على الساحة السلفية اليوم مرجعه إلى هذا الأمر، فقد تكون الكلمة متفقة على الحكم الشرعي في مسألة ما، لكن الخلاف يقع في تنزيل هذا الحكم على الواقع، وهذا يرجع إلى اختلاف الأنظار حيال الواقع، والاختلاف في فهمه ومعرفة أبعاده وتفاصيله، والأمر في هذا واسع، فإن العقول تتفاوت والأفهام تختلف، والإلمام بأبعاد الواقع يتفاوت كذلك، ومثل هذا لا ينبغي أن يكون سبباً للتدابر والتقاطع والانقسام، ما دام الضابط في التعامل مع الواقع هو المنهج السلفي نفسه .
السبب السادس - قلة العلم وفوضى الساحة العلمية والدعوية: ونقصد بهذه الفوضى الجرأة التي نراها من بعض الناس الذين لا يرقون إلى مرتبة طلاب العلم فضلاً عن أن يكونوا علماء، حيث نجد الواحد منهم يتكلم في كل باب من أبواب العلم والدعوة، وإذا سئل أفتى بغير علم فضل وأضل، هذا مع كون المسألة الواحدة من أمثال هذه المسائل لو عرضت على عمر لجمع لها أهل بدر. ولئن كان مثل هذا الأمر ليس بالأمر الجديد، إلا أن انتشار وسائل الاتصال الحديثة قد ساهم في تعاظم أثر هذا الأمر وخطورته، فرسائل المحمول ومواقع الشابكة العالمية أتاحت كماً هائلاً من فرص نشر الآراء والمعلومات.
السبب السابع - طلاب السوء وعدم التثبت من نقل الكلام: تاريخنا الإسلامي فيه كثير من النماذج التي أطلق عليها اسم علماء السوء، والجديد في العصر على الساحة السلفية هو ظهور ما يمكن أن نسميهم طلاب السوء، وهم أناس يتحلقون حول المشايخ لطلب العلم أو حضور الدروس العامة، ثم ينقلون ما يسمعونه من أحد المشايخ لغيره ممن قد يقول في المسألة بقول آخر، وقد يزيد الطالب كلاماً من عنده، أو قد يفهم الكلام على غير وجهه فيقع من نسبته القول لهذا العالم من الشر ما الله به عليم، وشر من كل ما سبق من يعلم بوجود خلاف في مسألة ما فيأتي لأحد المشايخ فيقول: ما تقول يا شيخ فيمن يقول كذا وكذا؟ وقد يكون الشيخ خالي الذهن ولا يقصد إساءة أو تجريحاً لأحد فيأخذ الطالب مقالته إلى الشيخ الآخر قائلاً: الشيخ الفلاني يقول عنك كذا وكذا. فكم من فتنة أشعلها أمثال هؤلاء الطلاب، وكم من عداوات قامت بسببهم، وإلى الله المشتكى.
السبب الثامن- الخلل في ميزان التقويم: للأسف فالناظر في الخلافات على الساحة السلفية يرى أن كثيراً مما يؤدي منها إلى الانقسام ليس على تلك الدرجة من الأهمية التي أعطيت له، فمنها ما وسع سلفنا السكوت عنه، ومنها ما قدم وحقه التأخير، ومنها ما أعطي أكبر من حجمه بكثير؛ ومرجع هذا في نظرنا إلى وجود خلل لدى البعض في ميزان التقويم وقد ذكر غيري من الكتاب أسباب كثيرة متنوعة لكنني أختصر ذالك هذه الأسباب لأهميتها في نظري .
سيكون بحثنا الأتي إن شاء الله حول بحث العلاج والحلول لهذه الظاهرة المرضية .
كتبه
شرماركي محمد عيسى ( بخاري )
أبو الأثير الصومالي
هرجيسيا _ الصومال
1440هـ الموافق 2019
...المزيد

التشيع بلباس صوفي في الصومال (3) ...

التشيع بلباس صوفي في الصومال (3) ....................................................................................
قبل الخوض في الموضوع الثالث من المقال أودّ أن أقدم لكم النص المقدم من قبل الشيعة المتواجدين في الصومال وخاصة عاصمة مقديشوا يستالنص المقدم من قبل الشيعة المتواجدين في الصومال وخاصة عاصمة مقديشوا يستيغيثون بإخوانهم في طهران وهذا رابط النص http://arabic.al-shia.org/%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%B9%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%88%D9%85%D8%A7%D9%84/ .
( إنشقاق الصفّ السلفي وأثره في إنتعاش التشيع الصوفي في الساحة الصومالية )
هناك فرق بين الإختلاف والتفرق كما بيّنه الدكتور يوسف القرضاوى في كتابه ( الصحوة الإسلامية بين الإختلاف والتفرق المذموم ) فالإختلاف سنة من سنن الله في الكون وصفة لازمة لإنسان لكن المذموم هو الفرقة وعدم التعاون في البر والتقوى والبغض والشحناء بين الدعاة والصحويين وهنا نحدثنا التاريخ فتقول :-
إن الفُرقة والاختلاف كانت سببًا في هزيمة المسلمين في أُحد حينما جمع المشركون لقتال النبيِّ وأصحابه، وخرجوا في ثلاثة آلاف مُقاتل، وكان عدد الصحابة سبعمائة مقاتل، فخرج الرسول إلى جبل أُحد، وجعل ظهره إلى المدينة، وجعل على الجبل خلف المسلمين خمسين من الرُّماة، وقال لهم: ((قوموا على مصافِّكُم هذه فاحمُوا ظهورَنا، فإنْ رأيتُمونا قد انتصرنا فلا تَشرَكونا، وإنْ رأيتُمونا نُقتلُ فلا تَنصرُونا)) وبدأت المعركةُ، وقُتل مُصعب حاملُ اللِّواء، فأخذ اللواءَ عليُّ بنُ أبي طالب، وما هو إلا أن انكشف جيش المشركين مُنهزمين وتبعهم المسلمون يَقتُلون ويَأسِرون، فتكلم الرُّماةُ الذين كانوا على الجبل في النزول، واختلفوا فيما بينهم، فنزل كثيرٌ منهم يظنُّ أن الحربَ قد وضعت أوزارها، وبقي عبدُالله بن جُبير ومعه جماعة من أصحابه، وهكذا اختلفوا فيما بينهم وخالفوا أمر رسول الله، فكانت النتيجة أن كرَّ عليهم خالدٌ فقتلهم، وانكشف جيشُ المسلمين، وشُجَّ وجهُ النبي، وقُتل حمزةُ وأنسُ بن النضر وغيرُهم.

ويقصُّ التاريخ حكايةَ سقوط حضارتنا فيقول :
وفي العصر الحديث سقطت الأندلس “إسبانيا الآن وجزء من البُرتغال” بعد أن حكمها المسلمون قُرابةَ ثمانمائة عام، أسَّسوا فيها الحضارة الحديثة، واكتشفوا العلوم التَّجريبيَّة التي نقلها عنهم الغربُ، وصار الأمر على ذلك إلى أن حدثت الفُرقة بين الأمراء وبين الحكومة المركزيَّة، لدرجة أن الأُمراء تحالفوا مع أعدائهم ضد حكومتهم، فكانت النتيجة أن فقدوا أعظم حضارة، وتحولت المساجد في الأندلس إلى كنائسَ، وأصبح الأمر أثرًا بعد عَين، وتظل إلى الآن بزخارفها ومعالمها شاهدةً على حضارة المسلمين وتقدُّمهم التي ضاعت بسبب اختلاف المسلمين وتفرُّقهم.

ويحكي سقوطَ خلافتنا قائلاً :
بسبب الفُرقة كانت أكبر مصيبة في العصر الحديث “سقوط الخلافة العثمانية”، استطاع اليهود دسَّ الفُرقة والخلاف بين صفوف المسلمين بسبب ضعفهم، ورفعوا شعار “فرِّقْ تَسُد” وكانت النتيجة سقوط الخلافة العثمانية، ووقوع البلاد الإسلامية، جزءًا في أيدي اليهود – كفلسطين – وجزءًا في يد الاستعمار الأوربي، وصارت تركة توزَّع حينما افترقوا، لذلك يُخاطبنا الله في قرآنه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الأنفال: 45، 46].

ومن المعروف لدى كل عاقل ان التاريخ صفحات ترجع وعبرة لكل من يعتبر وهل بلاء الامة اليوم إلّا التفرق والتشرذم فقد صدق رسول الله صلى الله وسلم ف
عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يوشك الأمم أن تداعى[1] عليكم كما تداعى الأكلة[2] إلى قصعتها، فقال قائل: أمن قلةٍ نحن يومئذ؟ قال: لا، بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء[3] كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن[4]، قيل: وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت)) صحيح أبو داود في سنته والبيهقي في دلائل النبوة . وهل سبب ذالك إلّا ما إغترفت أيدينا من ترك الإئتلاف والإجتماع فقد قال عزّوجلّ (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا ۖ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165) وقال أيضا (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) .
ولا أطيل الكلام فهذا معروف لكل قارئ وداعية نتابع المظاهر والاشباب والعلاج في المقالات الاتية . كتبه
شرماركي محمد عيسى ( بخاري )
أبو الاثير الصومالي
هرجيسيا - الصومال
2019 -1440
...المزيد

معلومات

الشيخ شرماركي محمد عيسى(بخاري) داعية إسلامية ومؤلف يتقلد الآن مناصب منها :- ألامين عام لمركز المنار للدراسات والإستشارات التعليمية . عضو من مؤسسة الكرم للدعوة والتنمية عضو من رابطة المعاهد الشرعية في الصومال .

أكمل القراءة

المواد المفضلة 1

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً