ما أرقى صنيع الشافعي في الرسالة؛ يشتبك مع النوازل الفكريّة في عصره فيصرعها لم يكن قطّ منفصلًا عن ...

ما أرقى صنيع الشافعي في الرسالة؛ يشتبك مع النوازل الفكريّة في عصره فيصرعها
لم يكن قطّ منفصلًا عن واقعه، بل كان يحلّله ويحُل له ويُحيل علله!

بقدر هجرك للعلم تتمكن منك الشكوك، فإنها لتحوطك من أمامك ومن خلفك وتلتفّ على روح أعمالك فتقتلها ...

بقدر هجرك للعلم تتمكن منك الشكوك، فإنها لتحوطك من أمامك ومن خلفك وتلتفّ على روح أعمالك فتقتلها وتدعها جسدًا لا قيمة له، فلا تغني عنك شيئًا.

أعظم من جدّد قلم الشافعي في الرّسالة هو ابن القيم في كتابه العظيم "إعلام الموقعين"، ولهذا حرص شيخي ...

أعظم من جدّد قلم الشافعي في الرّسالة هو ابن القيم في كتابه العظيم "إعلام الموقعين"، ولهذا حرص شيخي عبد الخالق على إتباعه الرسالة بالشرح لي.

أحصَوا -يومًا- تسعمئة راحلة أنيخت بباب الرّبيع بن سليمان يسمع أصحابها كتب الشافعي. لله درّ زمان ...

أحصَوا -يومًا- تسعمئة راحلة أنيخت بباب الرّبيع بن سليمان يسمع أصحابها كتب الشافعي.
لله درّ زمان فيه كان العلم يؤتى ويقدّر ويبذل لأجله ويؤثر!

{وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسئلون} ما منحك الله مِنَحَه عبثًا، ستوقف وتسأل عنها؛ فإن تنصر بها دينه ...

{وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسئلون}
ما منحك الله مِنَحَه عبثًا، ستوقف وتسأل عنها؛ فإن تنصر بها دينه وكتابه ونبيه تنج، وإلا والله أنت بها هالك.

في مقدمات الكتب بيان لمقاصدها وتوضيح لأهدافها وتجلية لطريقتها، فلا تقفز عليها فتكون كمن قصد الصحراء ...

في مقدمات الكتب بيان لمقاصدها وتوضيح لأهدافها وتجلية لطريقتها، فلا تقفز عليها فتكون كمن قصد الصحراء دون دليل؛ يضنيه التيه ويهلكه لفح الهاجرة

الإسلام في مواجهة العواصف الردَّة قبيل وفاة النبيِّ صلى الله عليه وسلم انتشر الإسلامُ في جزيرة ...

الإسلام في مواجهة العواصف
الردَّة

قبيل وفاة النبيِّ صلى الله عليه وسلم انتشر الإسلامُ في جزيرة العرب، وعمَّ أرجاءَها، وتحقَّقتْ له الهيمنةُ السياسيَّة على القلب والأطراف، وبدأت هيمنتُه الدينيَّة هي الأخرى تأخذ طريقَها إلى قلوب النَّاس لولا أنْ عاجلتِ المنيَّةُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم؛ فإذا جموع كثيرة تنفض الإسلامَ عن كاهليها، وتنتكسُ على أعقابها، وتريد أن تعود سيرتَها الأولى قبلَ الإسلام، وانقلبوا على المسلمين الذين لم يُجيبوهم إلى الشراكة في أمر الردَّة؛ فقتلوهم وذبحوهم، وفعلوا بهم أشنعَ المنكرات؛ كما فعل مسيلمةُ الكذَّاب الحنفيُّ مع المسلمين من بني حنيفة، وطلحةُ بن خويلد الأسدي مع قومه وغيرهم!

وجموع ثانية تريد أن تؤمِن بإسلامٍ منقوص؛ تؤدِّي فيه ما تريد، وتَمنعُ ما تريد، على حسب هواها ورغبتها! يقولون: نؤدِّي الصلاةَ ولا نؤدي الزَّكاةَ، وبعض هؤلاء اعتبرها جِزية أو ضريبة، وسمَّى دفعها عارًا!

وجموع ثالثة راحت تَتبع بعضَ المعتوهين مِن مدَّعي النبوَّة، الذين حسبوا أمرَ النبوة دعوى تُدَّعى، وجموعًا تتبع، وأرضًا تُحاز، وهؤلاء وهؤلاء ليسوا مِن الأولين ببعيد؛ فهم يشتركون جميعًا في نهايةٍ واحدة، ألا وهي الرِّدة عن الإسلام، ولم يبقَ حينها على الإسلام إلا المدينةُ المنورة - عاصمة الإسلام - ومكَّة والطائف وقرية جُواثَى بالبحرين، حتى بدا الوضع وقتها أنَّ الدولة الإسلاميَّة قد انهارت بموت مؤسِّسِها صلى الله عليه وسلم، بل الرِّسالة قد انقضَتْ بانقضاء حياته، ووداعًا من يومئذٍ على الإسلام والمسلمين.

لقد جرؤ الأعرابُ على عاصِمة الإسلام، وأرسلوا رُسلَهم إلى خليفة المسلمين أبي بكر الصدِّيق يُملون عليه شرطهم؛ وهو أن لا تُطالبهم الدولةُ المسلمة بالزَّكاة، فهم لن يؤدُّوها لهم؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قد مات، وهو الذي كان يأخذها منهم! وهذا الشَّرط في مقابل أن يرفع هؤلاء أيديَهم عن المدينة، ولا يهاجموها مع سائر المرتدِّين!
* قد باتت عاصمةُ الإسلام في خطر إذًا!

مِن أجل ذلك كله؛ سارَع الصحابةُ رضوان الله عليهم إلى الخليفة يَودُّون منه أن يأخذ جميعَ الاحتياطات اللازمة لحِماية المدينة مِن الغارات المتوقَّعة، وكان في اقتراحاتهم له:
• تأجيل بَعث جيش أُسامة الذي أعدَّه النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى الرُّوم لتأمين حدود الدولة الإسلاميَّة في الشمال.
• سحب قيادة الجيش مِن أسامة وتولية غيره يكون أقدم منه سنًّا وأكثر خِبرة.
• قبول سفارة الأعراب، ريثما يُقضى على المرتدِّين أولًا؛ وفي ذلك تحييد لبعض العدوِّ، وتخفيف ضغط الأزمة بعض الشيء.

وقد استمع أبو بكرٍ رضي الله عنه إلى مَطالبهم تلك، ثمَّ أجابهم عليها جميعًا بالرَّفض:
• فلَم يَقبل أن يَحبس جيشَ أسامة؛ لأنَّه لن يحبس جيشًا أطلقه رسولُ الله، وقال: "والله لا أحلُّ عقدةً عقدها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ولو أن الطَّير تخطفنا، والسِّباع من حول المدينة، ولو أنَّ الكلاب جرت بأرجل أمَّهات المؤمنين، لأجهزنَّ جيشَ أسامة"[1].
• ولم يقبل أن يفكَّ عقد لواء القيادة عن أُسامة؛ لأنَّه لن يفكَّ عقدًا عقده رسولُ الله، وقال: "استعمله رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وتأمروني أن أنزعه؟!"[2]، "واللهِ لا أحلُّ عقدة عقدها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم"[3].
• ولم يقبل قولَهم في مفاوضة الأعراب؛ لأنَّه لن يقبل مِن الأعراب التفريق بين أركان الإسلام يؤمنون ببعضٍ ويكفرون ببعض، قائلًا: "واللهِ لأُقاتلَنَّ مَن فرَّق بين الصَّلاة والزكاة؛ فإن الزكاة حقُّ المال، والله لو مَنعوني عقالًا كانوا يؤدُّونه إلى رسول الله لقاتلتُهم على مَنعه"[4]، ثمَّ قال رضي الله عنه وأرضاه: "واللهِ لو خالفتني شِمالي لقاتلتُها بيميني"[5]، وقال أيضًا: "أقاتلهم وحدي حتى تُقطع رقبتي"[6].

كانت كلمات الخليفة كاشِفة بحسم عن مَوقفه النِّهائيِّ، ولا يجدي معها النِّقاشُ أو المراجعة، وكان على الجميع البدءُ في التفكير في النقطة الأهمِّ: كيف يصدُّون العدوان المرتقب على المدينة؟

أنفذ الصدِّيقُ جيشَ أسامة، فكان ذلك أوَّل أسباب انفراج الأزمة؛ إذ نظرت الجموعُ المتربِّصة بالدولة المسلمة في أمر الجيش، فرجَّحتْ أنَّه لا يَخرج إلا عن قوَّة مِن المدينة، ولا يخرج في هذه الأجواء إلَّا وقد ترك وراءه قوَّة مثلَه أو أكثر، والحقيقة أنَّ المدينة كانت خاوية خالية ليس فيها إلَّا عدد محدود، لكنَّها بركة طاعة رسول الله في العمل بأمره وتنفيذ وصيَّتِه، جعلت المرتدَّين يَرتبكون، فيعيدون حساباتهم، ويَنظرون في أمرهم، ويتلجلجون تجاه الموقف الذي يتَّخذونه حيالَ الأمور من حولهم!

يقول ابن كثير: "فساروا لا يَمرُّون بحيٍّ مِن أحياء العرب إلَّا أرعبوا منهم، وقالوا: ما خرج هؤلاء مِن قوم إلَّا وبهم مَنَعَة شديدة، فغابوا أربعين يومًا، ثم آبوا سالِمين غانمين، ثم رجعوا، فجهَّزهم حينئذٍ مع الأحياء الذين أخرجهم لقِتال المرتدة، ومانعي الزَّكاة"[7].

لم يلبث المرتدون في حيرتهم تلك إلَّا ريثما أتتهم رسائلُ خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم تتهددهم وتتوعَّدهم، فزادتهم حيرة واضطرابًا، فأربكت صفوفَهم أكثر وأكثر، ثمَّ بعث الصدِّيقُ إلى الجموع الصامدة الثابتة في جهات هؤلاء المرتدِّين وقبائلهم، يحضهم على الثَّبات ويبشِّرهم بالنَّصر، ويدعوهم إلى اللحوق به في المدينة، وقد حصل ما أراد الصِّديقُ، فأتت الجموعُ تزحف إلى المدينة من كلِّ مكان.

نجحتِ الحربُ النفسيَّة التي خاضها الصدِّيق بجَدارة:
ثبَّت أهلَ المدينة بثباته وكلماته، وأرعب أعداءَه، وجمع شتاتَ مؤيِّديه في العاصمة، فكانت منهم جموع غفيرة استطاع الصدِّيقُ أن يكوِّن منهم أحد عشر جيشًا يبعثهم في كلِّ الجهات التي خرجت منها الرِّدَّة، وقد عادت هذه الجيوش إلى المدينة بالنَّصر في كلِّ المواقع، ومع النَّصر الثَّبات الذي ران على الجزيرة كلِّها؛ إذ لم يبقَ في الجزيرة العربية مرتدٌّ واحِد، وقد استقرَّ الحال فيها إلى الأبد، فلم يُعلم أن خطرًا مثله كبيرًا أو صغيرًا قد تكرَّر بعدها؛ بل اتَّجهتْ تلك الجزيرة عن بَكرة أبيها لتنشر دعوتَها، وترفع رايتها، وتوسِّع أرضها في الدنيا كلها.

سبحان الله! ما أشدَّ التحوُّلَ وأخطَرَه، وما أسرعَه كذلك! سبحان الله الذي يقلِّب الأحوالَ كيفما يشاء؛ ﴿ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ﴾ [البروج: 16]، ﴿ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ﴾ [الأنبياء: 23]، تأتي وفودُ العرَب مذعنةً منقادَة مُطيعة وبهذه الكثرة، حتى سمِّي العام التاسع (عام الوفود)، ثمَّ تنقلب الأحوال فيخشى مِن أن تأتي القبائلُ العربية للإغارة على المدينة المنورة عاصمة الإسلام[8]؛ بل قد جاءت للإغارة للقضاء - حسب زعمها الباطل - على الإسلام والمسلمين، ولا غرابة في هذا؛ فإنَّ مِن سنن الله الثابتة في الأمم أنَّ أيَّامها لا تبقى ثابتة على حالة؛ بل تتغيَّر وتتبدَّل، وقد أَخبر بذلك الذي يقلِّبُ الأيامَ ويصرفها عزَّ وجل بقوله: ﴿ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾ [آل عمران: 140].

قال الرازي في تفسيره: والمعنى أنَّ أيَّام الدنيا هي دُول بين الناس، لا يدوم مسارها ولا مضارها، فيوم يحصل فيه سرور له والغمُّ لعدوِّه، ويوم آخر بالعكس من ذلك، ولا يبقى شيء من أحوالها، ولا يستقرُّ أثَر مِن آثارها[9].

وجاءت صيغةُ المضارعة ﴿ نُدَاوِلُهَا ﴾؛ للدَّلالة على تجدُّد سنَّة مداولة الأيام بين الأمم واستمرارها، وفي هذا قال القاضي أبو السعود: وصيغة المضارع الدالَّة على التجدُّد والاستمرار للإيذان بأنَّ تلك المداولة سُنَّة مَسلوكة بين الأمم قاطِبة سابقتها ولاحقتها[10]، وقد قيل: الأيام دول، والحرب سجال[11].

وقال الشاعر:
فيومٌ علينا ويومٌ لنا *** ويوم نُساءُ ويوم نُسَرّْ[12]

فالصدِّيقُ يعلِّم الأمَّةَ إذا نزلت بها الشدَّة، وألَمَّت بها المصيبةُ - أن تصبر؛ فالنَّصر مع الصَّبر، وألا تَيئس ولا تقنط مِن رحمة الله: ﴿ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الأعراف: 56]، وليتذكَّر المسلم دائمًا أن الشدَّة مهما عظُمتْ والمصيبة مهما اشتدَّت وكبرت، فإنَّ من سُنن الله الثابتة: ﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ [الشرح: 5، 6]، وإنَّ المسلم لَأَمره عجيبٌ في هذه الدنيا؛ فقد بيَّن رسولُ الله ذلك في قوله: ((عجَبًا لأمر المؤمن! إنَّ أمره كله خير، وليس ذلك لأحدٍ إلَّا للمؤمن؛ إنْ أصابَتْه سرَّاء شكَر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرَّاء صبر فكان خيرًا له))[13].

لقد أَلهم اللهُ تعالى الصدِّيقَ رضي الله عنه بعبقريَّته تلك المؤمنة أن يَثبت ويثبت المؤمنين للخروج بالإسلام مِن هذا المأزق الذي كاد أن يودي بالإسلام وأهلِه.
• فماذا لو لم ينفذ الصدِّيق جيشَ أسامة؟
الجواب: سيحدث مثلما حدَث في أُحد؛ معصية فهزيمة.

• وماذا لو لم يثبت الله تعالى الصديق؟
الجواب: لما رأيتَ ثابتًا بعده.

• وماذا لو مال الصِّديق إلى قَبول الهدنة مع الأعراب؟
الجواب: لطمع فيهم كلُّ مَن بأطرافها، وأيقنوا بأنهم ليسوا على شيء.

• وماذا لو لم يلهم الله الصدِّيقَ بهذه الخطة العبقريَّة التي هزمتِ الأعداء قبل أن تصِلهم السيوف والحراب؟
الجواب معلوم.
لقد أنقَذ اللهُ الإسلامَ بالصدِّيق - وهو رجل واحد - مِن خطَرٍ أحدق بالإسلام، لم يحدق به مثلُه مِن قبل، ولم يتكرَّر مثله مِن جنسه بعد، ولله درُّ أبي هريرة إذ يعبِّر عن دَور الصدِّيق في الخروج من هذا الموقف المتأزِّم فيقول: "واللهِ الذي لا إله إلَّا هو، لولا أن أبا بكر استُخْلِفَ، ما عُبِد اللهُ!"[14].

ألم أقل لك - عزيزي القارئ -: إنَّ الله ناصرٌ دينه، وغالبٌ على أمرِه؟
فثِق بالله وارضَ به، إنَّ الذي يَكشف البلوى هو الله، واللهِ ما للإسلام من أحد غير الله، فحسبه في كلٍّ له الله.

♦ ♦ ♦ ♦
مضى الإسلامُ بعد هذه العاصفة الهوجاء يشقُّ الطريقَ إلى العالميَّة، ويفتح القلوبَ في مشارق الأرض ومغاربها، ودانت له أرضُ وشعبُ أعظم إمبراطوريتين شهدهما تاريخُ ذلك الزمان (الفُرس والروم)، ومضت عشرون سنة أو يزيد قليلًا تُوِّجت مسيرةُ الإسلام خلالها بالانتصارات والفتوحات.
ثمَّ وقعت عاصفةٌ شديدة عَظيمة، جديدة مِن نوعها تمامًا، كادت أن تُهلك الإسلامَ وأهله، وصار لها أثَرٌ عظيم في مسيرته عبر التاريخ إلى يومنا هذا.
ويركز حديثنا القادم على تفصيل القول في هذه العاصِفة ومعرفتها.

[1] البداية والنهاية (9/ 424).
[2] تاريخ الطبري (4/ 46).
[3] البداية والنهاية (9/ 424).
[4] أخرجه مسلم (20).
[5] انظر: أحكام القرآن؛ لابن العربي (1/ 586).
[6] نفسه.
[7] البداية والنهاية (9/ 424).
[8] قصَّة بعث أبي بكر جيش أسامة (ص 18).
[9] تفسير الرازي (9/ 15)، تفسير القرطبي (4/ 218).
[10] تفسير أبي السعود (2/ 89)، روح المعاني؛ للألوسي (4/ 68).
[11] روح المعاني؛ للألوسي (4/ 68).
[12] تفسير القرطبي (4/ 218).
[13] أخرجه مسلم (4/ 2295)، سيرة الصديق؛ للصلابي (129، 130).
[14] البداية والنهاية (9/ 424).
...المزيد

الإسلام في مواجهة العواصف (1) محاولات مبكرة لوأد الإسلام وفي السطور التالية نتعرَّض لهذا الحدَث ...

الإسلام في مواجهة العواصف
(1) محاولات مبكرة لوأد الإسلام
وفي السطور التالية نتعرَّض لهذا الحدَث الجلَل؛ مقدِّماته، وأخباره، والآثار المترتبة عليه، فأقول وبالله وحده التوفيق:
في مكة عقمٌ وأذًى: كانت مكة كلَّ يومٍ تتفنَّن في إيذاء النبيِّ والمؤمنين به، ويبلغ أهلها في ذلك منهم غايةً لا تُتصوَّر؛ إذ تعرَّضوا للنبيِّ صلى الله عليه وسلم بأنواع الأذى، فحاولوا وَطْء رأسه أثناء السُّجود، وقصد آخرون تَهشيمَ رأسه بحجر كبير أثناء ذلك، وقام غيرُهم بإلقاء فَرْثِ جَزورٍ ودمها وسَلاها، فوضعوه بين كتفيه وهو ساجد، وأثاروا إعلامَهم الخبيث ضدَّ شَخصه، يقول: إنَّه مَجنون، أو ساحر، أو كاهن، وهذا أبو لهب كان يتبع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في الأسواق والمجامع، ومواسم الحج ويكذِّبه!

ذكر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ما لاقاه مِن أذى قُريش قبل أن يَنال الأذى أحدًا مِن أتباعه، فقال: ((لقد أُخفتُ في الله عزَّ وجلَّ وما يُخاف أحَد، ولقد أُوذيتُ في الله وما يؤذى أحد، ولقد أتَتْ عليَّ ثلاثون مِن بين يومٍ وليلة وما لي ولبلال طعام يأكله ذو كَبدٍ إلَّا شيءٌ يواريه إبط بلال))[1].

وكان نصيبُ المؤمنين بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم مثلَ ذلك وأشد؛ إذ لم يكن لهم مِن المَنَعة في أقوامهم مثل الذي كان له؛ فهذا أبو بكر رضي الله عنه حُثي على رأسه التُّراب، وضُرب في المسجد الحرام بالنِّعال، حتى ما يُعرف وجهُه من أنفه، وحُمل إلى بيته في ثوبه، وهو ما بين الحياة والموت[2].

وهذا بلال بن أبي رباح كان أميَّة بن خلف يُخرجه إذا حميَتِ الظهيرة فيَطرحه على ظهره في بطحاء مكَّةَ، ثمَّ يأمر بالصخرة العظيمة على صدره، ثم يقول: لا يزال على ذلك حتى يموت أو يكفر بمحمَّد، فيقول وهو في ذلك: أَحَدٌ أَحَد[3].

وهؤلاء ياسر وزوجه سميَّة وابناهما عمَّار وعبدالله، قد غضب عليهم مواليهم بنو مخزوم غضبًا شديدًا وصبوا عليهم العذاب صبًّا، فكانوا يخرجونهم إذا حميتِ الظهيرةُ فيعذبونهم برمضاء مكة[4]، ويقلبونهم ظهرًا لبطن[5]، وقد وجاء أبو جهل إلى سميَّة فقال لها: ما آمنتِ بمحمد إلَّا لأنك عشقته لجماله، فأغلظَتْ له القولَ، فطعنها بالحربة في ملمس العفة فقتَلَها؛ فهي أول شهيدة في الإسلام رضي الله عنها[6].

ومات ياسر تحت العذاب، وعاش عمَّار وعبدالله بعد أهلهما زمنًا يكابدان من صنوف العذاب ألوانًا[7].
وغير هؤلاء مِن الصحابة الكرام كثير؛ كالزُّبير وسعد، ومصعب وخبَّاب وابن مسعود، وعثمان بن مظعون وخالد بن سعيد، وغيرهم كثير، كانت قريش تتفنَّن في إيذائهم[8].

ولقد سعى المسلمون للتحصُّن ضدَّ إيذائهم بطُرق كثيرة، من هذه الطُّرق:
♦ الدُّخول في حمى بعض الوجهاء؛ كما فعل عثمانُ بن مظعون حين دخل في جوار الوَليد بن المغيرة، وكما فعل أبو بكر الصدِّيق حين دخل في جوار ابنِ الدَّغِنَةِ، وكما فعل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حين دخل في جوار عمِّه أبي طالب منذ بداية الدعوة الجهريَّة إلى وفاة أبي طالب في العام العاشر مِن البعثة، ثم دخل في جوار المطعم بن عديٍّ بعد عودته من رحلة الطائف.

لكنَّ أمر الجوار لم يكن ميسورًا لجميع المسلمين، فبقي أنَّ عمومهم - وهم ضعفاؤهم - باقون في إيذاء المشركين الذي يُصبُّ عليهم بالليل والنَّهار، فلم تكن حيلة الجوار هذه مَخرجًا من أزمة المسلمين العامَّة بقدر ما كانت حلًّا مؤقَّتًا لمواقفَ عابرة.

♦ ومن الطرق التي كفلت للمسلمين بعضَ الحَصانة مِن إيذاء المشركين: إسلام بعض الشخصيَّات الهامَّة صاحبة الوَجاهة في مكَّة؛ كعمر بن الخطاب، وحمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنهما، وقد عمل المشركون لهذين الرجلين حسابًا كبيرًا؛ لما كان فيهما مِن الجَلَد والقوَّة في أمر الله، فأعزَّ الله بهما الإسلام، وقد أدرك المشركون ذلك منذ الوهلة الأولى، حتى قال صهيب وابن عباس: "لما أسلم عمر قال المشركون: انتصف القوم منَّا"[9]، وقد أصابَتْهم مِن أجل ذلك كآبةٌ لم يصبهم قطُّ مثلها[10].

ويؤكِّد عبدالله بن مسعود ذلك بقوله: "ما زلنا أعزَّة منذ أسلم عمرُ"[11]، وروى ابن أبي شيبة والطَّبرانيُّ من طريق القاسم بن عبدالرحمن قال: قال عبدالله بن مسعود: "كان إسلام عمر عزًّا، وهجرته نصرًا، وإمارته رحمة"[12].

لكنَّ تلك الحصانة كذلك لم تَحُل دون وقوع الأذى على المسلمين من مشركي مكَّة؛ فقد كانوا يومئذٍ كثير، وما كان لرجلين أن يَضمَّا تحت جناحيهما هذا العددَ الكبير ويحموهم، ولئن تمكَّنوا من ذلك بالنسبة لبعض الأحرار، فما كان لهم مِن تمكُّن على الأرقَّاء الذين كان مالكوهم يؤذونهم ويعذِّبونهم، وحتى بالنسبة للأحرار فإن الأحوال قد اختلفت مع مرور الوقت وتسارُعِ الأحداث حين أصاب السعار أهلَ مكة وهم يرَون محاولاتهم في صدِّ أتباع الإسلام لا تفلح، فجنَّ جنونهم وقرَّروا تجاوز كلِّ الحدود، حتى ضُرب الجميع حدَّ الموت، وأوذي الجميع حدَّ المهانة، وكان فيمن ضُرب وأُوذي عمر نفسه، وكذا أبو بكر، بل والنبي صلى الله عليه وسلم!

♦ وكان مِن الطرق التي تحصَّن بها النبيُّ والمسلمون من إيذاء المشركين كذلك: الصبرُ، ويظهر ذلك مِن الآيات الكثيرة التي نزلت في هذه الفترة تأمر النبيَّ ومن معه بالصَّبر، وتذكِّرهم بأصحاب الدعوات من قَبلهم كيف نابهم الأذى، وكيف صبروا عليه، كما نقرؤه في سور: المزمل، والإنسان، والنمل، ويوسف، وفصلت، وهود، ويونس وغيرها.

لكنَّ كثيرًا مِن المسلمين لم يَصبروا تحت وطأة التعذيب؛ فمنهم مَن قَضى نَحْبَه، ومنهم مَن أجابهم بلسانه إلى ما يَطلبونه من الكفر، ومنهم من بالغ المشركون في أذيَّته حتى فاق كلَّ وصف، ولم يَعُد بينه وبين الموت إلا ذراع!

مخرج من المأزق: كانت تلك المحاولات جميعُها في التذرُّع بالحصانات المختلفة ابتغاء التكيُّف مع الأوضاع في مكَّة؛ عسى أن يأذن الله لقلوب أهلها أن تقبل الإسلامَ، ولعيونهم أن ترى آياته، ولآذانهم أن تسمع هُداه، لكنَّ ذلك لم يفلح مع أولئك الكافرين!

وجاء التفكير في طُرق جديدة لإنقاذ الدَّعوة، ومنعِها من الاضمحلال، فكانت طرق ثلاث على مائدة التفكير:
1- إخراج بعض المسلمين - ولا سيَّما ضعفاؤهم - إلى بلد آمنٍ يَستطيعون الحفاظَ فيه على دينهم وأنفسهم؛ وكانت هذه فكرة الهجرة إلى الحبشة.

2- عرض فكرة الإسلام والإيمان بها ومناصرتها على القبائل التي ترِد إلى مكَّة في موسم الحج وغيره؛ لعلَّ أحدها يوفَّق إلى ما لم يوفَّق إليه أهل مكة.

3- البحث عن وطَن قريب مِن مكَّة يَنتقل إليه النبيُّ والمسلمون ويقيمون فيه دولةَ الإسلام التي ينتشر منها الخير، ويعمُّ أرض الجزيرة فالعالمَ.

كانت هذه هي الطُّرق المتاحة للخروج مِن المأزق أمام جمود الدعوة وموتها في مكَّة؛ فلو بقي الوضع على ما هو عليه لا شك أنَّ الدعوة ستُسحق تحت أساليب الاضطهاد التي يتبعها المشركون ضدها، وقد بدأ التنفيذ لهذه الطرق معًا؛ فكانت الهجرتان الأولى والثانية إلى الحبشة، وكان عرض النبيِّ صلى الله عليه وسلم نفسَه على القبائل في موسم الحج والتجارة، وكان خروج النَّبي إلى الطائف للبحث عن موطن للدعوة تنتقل إليه.

أمَّا الخروج إلى الطائف، فلم يؤتِ ثمرتَه المرجوَّة، وحُرم أهله التوفيقَ للمهمَّة العظمى في العالم، وأمَّا الهجرتان إلى الحبشة، فقد نجحتا نجاحًا باهرًا، وكذا الحديث إلى قبائل العرب قد آتى ثمارًا مبشِّرة، ففتح الله قلوبَ أهل يثرب للإسلام في عامٍ بعد عام بعد عام، وبعد أن كانوا في العام الأول ستة أفراد، أصبحوا في العام الثاني اثني عشر رجلًا، ثم صاروا في العام الثالث بضعًا وسبعين نفسًا من المسلمين من أهل يثرب، ولم يكن هؤلاء كل المسلمين بها؛ فقد خلَّف كلٌّ منهم وراءه من المسلمين عشرة أنفس أو يزيد، وما كان هؤلاء إلَّا بعثة ابتعثوها بين يدي طلبهم أن يَشْرُفوا برسول الله بينهم!

ظهر الطريقُ إذًا ولاح المنفَذ للخروج؛ هِجرة ناجحة إلى الحبشة تكرَّر نجاحها في المرتين، وتبشِّر بأنَّ طريق الفتح هجرة مثلها، وها هي أرض تلبِّي النداءَ، فلتكن الهجرة إذًا إلى الذين يلبُّون النداءَ، فيا أيُّها المستضعَفون في مكَّة، قد جاءكم من الله نورٌ وفتح قريب، فأبشِروا ببشرى الله لكم، بأمان ووطن، وعزٍّ وسيادة!

"تلك مَشيئة القدر العالي، هيَّأتْ للدَّعوة مجالَها الخصب، وحِماها الأمين، والسنوات العِجاف التي قضاها الرسول صلى الله عليه وسلم نضالًا مستمرًّا، وكفاحًا دائمًا، وتطوافًا على القبائل، والْتِماسًا للحليف - قد ولَّت إلى غير رجعة، سيكون بعد اليوم للإسلام قوَّتُه الرَّادعة، وجيشه الباسل، وسيلتَقي الحقُّ بالباطل ليصفي معه حسابَ الأيام الخوالي، والعاقبةُ للمتقين، وستتوالى على مكَّة منذ اليوم مواكب الخير وطلائع النور التي هيَّأها الله للخير؛ لتتَّصل بالهداية وتسبح في النور، وتغترف من الخير، وترجع إلى يثرب بما وعَتْ من خير، وبما حلمت من نور"[13].

كانت الهجرة الطريق المفتوح لإخراج نَبتة الدَّعوة من هذا المكان الصخري الذي لا تغرس فيه ولا تنبت، إلى مكان آخر قد غرست فيه وأنبتت وازدهرت، وبدا ظهور ثمارها اليانعة يبشِّر بمستقبلٍ مزدهر.
ما الذي كانت تمثِّله الهجرة يومئذٍ بالنِّسبة للإسلام ونبيِّه والمؤمنين به؟
لقد كانت الهجرة بمَثابة الرُّوح التي ستنفخ في جسد الدَّعوة لتحيا بعد جمود، وتنطلق بعد وقوف، وتنهض بعد كبواتٍ عظيمة.

لقد كانت تمثِّل الماءَ لهذا الجسد، ترويه وتُحييه وتقوِّيه، ثم تمدُّه بنشاط وقوَّة جديدين لاستكمال الهدف مِن بناء الدولة، وبث الدعوة، وتدبُّر أمر العالم وأستاذيته.
إنَّ الحكمة الأساس من الهجرة، هي أنَّ رسالة الإسلام جاءت لتنظم شؤون الناس في شتَّى مجالات الحياة؛ فهي دستور ومنهج شامل، لا بدَّ لتطبيقه من أمَّة وأرض تُقام فيها أحكام الله تعالى، والمسلمون لا يمكن أن يكون لهم وجود فِعليٌّ إلَّا إذا صَبغ الإسلامُ جميعَ مرافق حياتهم، وساد نظامه أرضَهم، وقامت فيها أحكامُه وآدابه، كما تقوم فيها شعائره، وتسُود فيها عقائده.

لكن إذا تعذَّر على المسلمين تطبيق أحكام دينهم، وإقامة نِظامه السياسيِّ والاجتماعي والاقتصادي، وآدابه الخلقية في بلدهم، وجَب عليهم الانتقالُ إلى البلد الذي يعمل فيه بأحكام الإسلام وآدابه؛ تكثيرًا لسَواد المسلمين، وإعزازًا لأمر الدِّين، واستعدادًا لنصره وتأييده بالنَّفس والنفيس، وإذا لم يكن للمسلمين بلَد تتوافر فيه هذه الشروط، وجب عليهم أن يَجتمعوا في بُقعة صالحة يقيمون فيها نظامَ الإسلام تامًّا كاملًا، ويتعاونون على حماية دعوته، واتِّخاذ الأسباب والوسائل لتحقيق رسالة الإسلام كما جاء بها صاحبُها صلوات الله عليه، وكما فهمها منه أصحابه والتابعون لهم بإحسان[14].

ومن موافقات الله السَّعيدة أن يأتي التجهيز والإعداد للهجرة في ذات الوقت الذي يستعدُّ فيه المشركون لإصابة الإسلام في مَقتل، لقد كانوا يأتَمِرون ليقتلوا النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، أو يسجنوه، أو ينفوه إلى بلد آخر، وقد استقرَّ رأيهم الأخير على خيار القتل؛ لأنَّه يمثِّل الراحةَ الأبديَّة لهم من هواجسهم، وبدؤوا الإعدادَ لتنفيذ غرَضهم في يوم، ودبَّر الله لنبيِّه الخروج من بيته مهاجرًا في نفس ذلك اليوم.

هل سمِع المشركون بأمر الهجرة وبلَغَهم خبرُ الجماعة المبايعة مِن الأنصار؟ بالقطع لا؛ فإنَّ ذلك العمل العظيم مِن الحوار بين النبيِّ والأنصار جرت أحداثُه في ثلاث سنوات من السريَّة التامَّةِ.
لكنَّه تدبير الله الذي أنقذ نبيَّه مِن بين أيديهم، وأخرجه للهجرة ومفارقة مكَّة إلى وجهته الجديدة، حيث المستقرُّ والطمأنينة للدين والدولة.

أفرأيتَ إن نجح المشركون في هدفهم يومئذٍ فقَتَلوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم؟ ماذا كان مصير الإسلام؟
أفرأيتَ إن منعوه مِن الهجرة وأوثقوه فسجنوه حتى لو لم يقتلوه؟
أفرأيت إن بقي الإسلام في مكَّة ولم يجد منفذًا أو مخرجًا في بلدة حوله أو بعيدًا عنه؟
أفرأيتَ إن نجح المشركون في تعقُّب النبي وأبي بكر يوم الهجرة فدلَّهم الشيطانُ أو دلَّتهم عقولُهم على مخبئهما في الغار فدخلوه عليهما؟
أفرأيتَ إن تمكَّن منهما سُراقة بن مالك، فأسَرَهما أو قتلهما؟

إنَّ كلَّ هذه السؤالات مَحض فرضيَّات أفترضُها على عَقل القارئ الكريم، وهي جائزة في حُكم العقل، لكنَّها كانت تكون كذلك في قَضاء الله لو كان ذلك الدِّين محض دعوة بشريَّة هُدي إليها محمدٌ مِن تلقاء عقله، أو مِن وَحْي تأمُّلاته، أو مِن دلالات التجارِب والمعرفة بأحوال الأمم السابقة، ولم يكن الإسلام في يومٍ كذلك قط ولن يكون؛ بل هو دين الله الحقُّ الذي نزَّله وهو يتولَّاه ويرعاه.
إذًا، فلن تجد قريشٌ رسولَ الله أبدًا ولو كان أمامها، ولن يتمكَّن سُراقة مِن رسول الله وصاحبه أبدًا ولو أدرَكَهما، ولن تمنع هِجرةَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم مكَّةُ كلُّها لو خرجت، بل الدنيا كلها لو اجتمعت!

وليس ذلك لمهارة رسول الله في الإعداد والتجهيز، ولا لدقَّتِه في الترتيب والتخطيط، ولا لإتقانه الشديد في ترتيب أوضاع المهاجرين في مكَّةَ مِن ناحية وأوضاع مناصريه في المدينة، ما من شيء من ذلك إلَّا ولا بدَّ منه، لكنَّه ليس السبب في النجاح؛ إنَّما السبب في النجاح أنَّ هذا الدِّين هو دين الله وأنه لن يضيِّعه، وأنَّ محمدًا رسولُ الله وأنَّ الله ناصره، فهل يفقه المسلمون الدروسَ المستفادة؟
♦ الدين دين الله، وهو ناصره بِنا أو بغيرنا.
♦ نحن لا ننصر الإسلامَ؛ بل ننصر أنفسَنا حين نجعلها في الحملة لنصرة الإسلام.
♦ الحملة علينا، والنَّصر من الله.

نسأل اللهَ تعالى أن يفقِّهَنا في ديننا، وأن يأخذ بأيدينا إليه أَخْذَ الكرام عليه، وأن يتقبَّلنا له مناصرين، وألا يستبدل بنا قومًا آخرين، آمين!

[1] أخرجه الترمذي (4/ 645)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (5001).
[2] التمكين للأمة الإسلامية (ص243).
[3] رواه أبو نعيم في الحلية (1/ 148)، من حديث ابن إسحاق.
[4] السيرة النبوية؛ لابن هشام (2/ 68).
[5] بهجة المحافل؛ للعامري (1/ 92).
[6] انظر: محنة المسلمين في العهد المكي، ص (99).
[7] انظر: محنة المسلمين في العهد المكي، ص (100).
[8] انظر أخبارهم في السيرة؛ للدكتور الصلابي (ص 145 - 162).
[9] أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (6/ 354)، وابن سعد في الطبقات (3/ 269).
[10] انظر: فتح الباري (7/ 392).
[11] أخرجه البخاري (3408).
[12] أخرجه الحاكم في المستدرك (3/ 574).
[13] انظر: أضواء على الهجرة؛ لتوفيق محمد سبع، ص (273، 274).
[14] من إلهامات الهجرة (ص53)؛ محب الدين الخطيب.
...المزيد

الإسلام في مواجهة العواصف تمهيد: مرَّت بالإسلام العظيم منذ أن بزغ فجرُه محنٌ كثيرة، وعواصفُ ...

الإسلام في مواجهة العواصف


تمهيد:
مرَّت بالإسلام العظيم منذ أن بزغ فجرُه محنٌ كثيرة، وعواصفُ كبيرة، كادت أن توديه ويُذهَب به في مهابها، ولكنَّ الله تعالى سلَّم، وفي كلِّ محنة يتعرَّض لها الإسلامُ كان يخرج منتصرًا، لا لعبقريَّةِ وإخلاص أتباعه، وحسنِ تقدير وبُعد نظر روَّاده؛ وهذا مطلوب جدًّا، لكن لأنه دين الله؛ فهو ناصره ومُظهره.

وحين نرى العاصفةَ التي تكتنف الإسلامَ اليوم وتدوِّي به حدَّ الإعصار، وذلك في كيدٍ ومكر عظيمينِ من أعدائه، وغفلةٍ وجهلٍ شديدين من أبنائه، فإنَّنا نسارع إلى طمأنة قلوب المؤمنين على الإسلام، وتذكيرهم بأنَّه دين الله الذي يحميه هو بنفسه، وأنَّ عمل جنوده في نصرته ما هو إلَّا سعيٌ منهم ليضمُّوا أنفسهم إلى دِرع حمايته؛ فيفوزوا هم بشرَف حماية الإسلام، ونصرة الإسلام، وحمل همِّ الإسلام، ويكونوا من جنوده، مِن قبل أن يستبدِل الله بهم قومًا غيرهم، ثمَّ لا يكونوا أمثالهم.

وسوف نعرض في هذه المقالات لهذه الحقيقة مِن خلال بعض الأحداث المشابهة للحدَث الذي نحن بصدده، عجزَتْ فيها كلُّ القوى عن نصرة الدين، وتعطَّلتْ جميعُ الأسباب المتاحة، واستيئَس المسلمون، وضاقت عليهم الأرضُ بما رَحُبتْ وضاقت عليهم أنفسُهم، وظنُّوا أن الإسلام بسبب هذه الأحداث إلى زوالٍ، فإذا ظنونهم تلك تعود سرابًا، والأحداث تتحوَّل هباء، وتزول وتفنى ويَبقى الإسلام.
...المزيد

من طرق تدبّر القرآن تتكوّن هذه الطريقة من خطوات ثلاثة: (1) التعرّف إلى الموضوع العام ...

من طرق تدبّر القرآن
تتكوّن هذه الطريقة من خطوات ثلاثة:
(1) التعرّف إلى الموضوع العام للسورة.
يمكن التعرف إليه من خلال الكتب المختصّة بذلك أبرزها كتاب الدكتور عبد الله محمود شحاتة - رحمه الله - "أهداف كلّ سورة ومقاصدها".
(2) تحديد مقاطع السورة كلًّا على حدة، ووضع عنوان له.
تتوفّر الآن مصاحف تقوم بهذه المهمّة فتكتب في الهامش "ع" علامة انتهاء مقطع وابتداء آخر.
(3) الربط بين عنوان المقطع وبين موضوع السورة العام.
ويمكن مراجعة التفاسير التي اعتنت بهذه العملية ومناظرتها بما توصّلت إليه، مرة بعد مرة، حتى تتكون لك ملكة للقيام بهذا.
...المزيد

أسعد حين أرى إشراقة الطاعة في وجوه الناس، وأتمنى أن أعيش حتى أرى أولئك هم السواد الأعظم.

أسعد حين أرى إشراقة الطاعة في وجوه الناس، وأتمنى أن أعيش حتى أرى أولئك هم السواد الأعظم.

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً