يا أهل الشام ماذا بعد الهجرتين ؟؟

رقية القضاة

يا أهلنا في الشام، خجلة منكم كل الحرائر وهنَّ لا يملكن لكم سوى الدعاء، وفي القلوب مرارة الحزنِ المقيم، وفي العيون أسى الدموع المشفقات مما أحاق بكم، وعزاؤنا أن الله لا يعزبُ عنه مثقال ذرةٍ في السماوات ولا في الأرض..

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -

يا أهل الشام، وأحرار الأمة، أيها الصابرون المرابطون، تكبّرون وأنتم تذبحون وتحرقون، وتخجل بطولاتكم جبين الجبناء والمتخاذلين، كسهام من نار وشواظ تنطلق تكبيراتكم لتحط في نحور الجبابرة، وترتد إليكم عبقاً من نصر وفخر وشهادة، والنصر يا أهل البطولة صبر ساعة، ولكنّ ساعتكم طالت وامتدت أياماً وليالي، وأمتكم تنتظر الأمم المتفرجة لكي تتخذ قراراً بنصرتكم، كما انتظرت ذلك قبل عقوداً، وأنتم تقتلون بيدِّ الحاكم الأبّ الهالك، وكما انتظرت قرناً كاملاً وهيَ ترى الأقصى يحرق ويهدم حجراً حجراً، وأبناؤه يشرّدون في أصقاع الأرض، ويقتلون ويؤسرون، ثمّ في غزّة يحرقون، فماذا تنتظرون؟


أيها الأحرار الطيّبون، اثبتوا، واذكروا ما كان عليه نبيّكم صلّى الله عليه وسلّم يوم بدرٍ وأُحدٍ والخندق، ولقد كان للأُمَّة في نبيّها والذين اتّبعوه أسوة حسنة، وهو يحمل كتاب ربّه في صدره الشريف، ويذود عن شرعه وعقيدته بسيفه المنصور، ويده الطاهرة تمتد لتمسح عن وجه الأرض شقاء الجاهلية، ليُغير بصبره وجهاده وتضحياته وجه الأرض، ويُحيي أمّة كانت ميتة بين الأمم، مهزومة في أبسط مقوماتها، فكانت استجابة المؤمنين لنبيّهم وصبرهم على الشدّة والعذاب والفقد والخوف والجوع سبباً لحياةِ أُمَّة بأكملها وخيريتها حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

يا أهلنا في الشام، يا أسود الأُمَّة الأصلاء، لا يغرنّكم استئساد كلاب الباطنيّة، وحقد ثعالبها، فقد أوذيَ نبيّكم وحوصر وهجّر من بلده هجرتين، فماذا بعد الهجرتين؟؟ وقد هجّرتم مرّتين أن تقولوا ربّنا الله، وقد كان عليكم (في دين طاغوت الشام) أن تُدينوا بالعبودية لأسدٍ مغرورٍ مسعور، لكي تأمنوا على أرواحكم وأعراضكم، وما كان ليؤمنكم عليها ولو فعلتم، وحاشاكم أن تفعلوا ولو عَظمت التضحيات وجلّت المصيبة، فالشام مأرز الإيمان ومعقل التوحيد وبوابة الفتح، طريق الخلافة الراشدة إن شاء الله.


يا أهلنا في الشام، خجلة منكم كل الحرائر وهنَّ لا يملكن لكم سوى الدعاء، وفي القلوب مرارة الحزنِ المقيم، وفي العيون أسى الدموع المشفقات مما أحاق بكم، وعزاؤنا أن الله لا يعزبُ عنه مثقال ذرةٍ في السماوات ولا في الأرض، يسمع صرخات المظلومين، ويرى قهر المغلوبين، وترتفع إليه ضراعة القلوب الكليمة، وحزنها يسحقها، ولا تملك إلا بابه المشَّرع للمتضرّعين المضطرين، ياشام للمضطر والقهور والمغلوب ربُّ لاينام، قاهر فوق عباده، {سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [مريم:35].

يا أيها الأحباب الصابرون، النصر آتٍّ بإذن الله الذي يُنفذّ أمره متى أراد، وتذكروا عِبراً مضت وقد تجبرت الطغاة، وغرّتهم قوّتهم، وظَلموا وعدوا على أهل الحق وآذوهم، فما كانت نهاية الأقوام من إرمٍ وعاد، وهم الذين بنوا أشادوا أبدعوا، مالم يَشدّ كل العباد؟

أو ما قرأتم سورة الفيل؛ التي جعلت هلاك الأشرم المشؤوم ذكرى للعباد؟ لما أراد الله إهلاك الطغاة المارقين. {كُنّ}، قال ربّ العرش فارتدّت حضارتهم رماد.


يا أهل الشام الصابرين المصابرين المرابطين، وأنتم تهجّرون للمرة الثانية، وتنتشرون عبقاً جميلاً وأريجاً شذيّاً، حيثما حللتم أفاض علماؤكم بعلمهم وفقههم على الأمّة، وصدع دُعاتكم بدعوة الله بين الناس، ولم تثنكم الغربة والرّحيل عن حمل الخير لإخوانكم من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، تذكّرنا هجرتيكم في نصف قرن مضى بتلك الهجرة الأولى إلى الحبشة وقد فرّ المستضعفون بدينهم وأرواحهم، وبالهجرة الثانية وقد يمّم الضعفاء فيها نحو يثرب، أملاً في غدٍ أفضل للدين والحياة والأمة الناشئة، فكان بعد ذلك نصر من الله وفتح قريب.

وها أنتم تحملون جراحاتكم، وتتوزعون في ديار أهلكم وجيرانكم المشفقين، وهم يحتضون آلامكم، ويرتقبون فجر النصر بإذن الله، وقد وقف العالم كلّه يدّعي العجز عن مناصرتكم، ويرسل المندوب تلو الآخر، والبعثة تلو أختها، وهم يعلمون سلفاً أنّها مجرّد ذرّ للرّماد في العيون، ويوقنون حقّاً بان مصلحة كل قوى الشرّ والتآمر والصهينة العالمية، في بقاء أسدهم المأفون الأشرِّ جاثماً على صدر البلاد والعباد، وأنّ انتصاركم يعني ارتقاء أحلام الأمة، وانبعاثها من جديد، فيحاولون تأخير وعد الله لأُمَّة الإسلام بالتمكين والأستاذية والاستخلاف في الأرض قدر استطاعتهم {وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف:8].


يا جُند الشام ماذا بعد الهجرتين؟ ويا أهل الشام ومهجّريها وشهداءها ماذا بعد الهجرتين؟ ألا إن ما بعدهما نصر من الله وفتح قريبٌ إن شاء الله وبشر الصابرين {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ} [البقرةة:214].


رقية القضاة

 
المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام