التدخل العسكري في مالي والتعامل الحذر

تحركات حثيثة لكن شديدة الحذر من أطراف كثيرة غربية وإقليمية من أجل التدخل العسكري في شمال مالي الذي يشهد اضطرابات منذ الانقلاب العسكري قبل عدة أشهر حيث يخضع الآن للسيطرة من جانب حركات إسلامية منها ماهي موالية لتنظيم القاعدة الأمر الذي يؤرق العديد من الدول الغربية.

  • التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -


تحركات حثيثة لكن شديدة الحذر من أطراف كثيرة غربية وإقليمية من أجل التدخل العسكري في شمال مالي الذي يشهد اضطرابات منذ الانقلاب العسكري قبل عدة أشهر حيث يخضع الآن للسيطرة من جانب حركات إسلامية منها ماهي موالية لتنظيم القاعدة الأمر الذي يؤرق العديد من الدول الغربية.

ومن المقرر أن يبت مجلس الأمن الدولي الأيام المقبلة في طلب مالي ومجموعة دول غرب إفريقيا للتدخل العسكري في الشمال الذي تتنازع عليه حركات إسلامية وهي جماعة (أنصار الدين) و(حركة التوحيد والجهاد) المتحالفتان مع تنظيم (القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي)، من جهة والجماعات الإسلامية المحسوبة على حركة تحرير أزواد (الطوارق) من جهة أخرى.

فقد طلبت باماكو من الأمم المتحدة الموافقة على نشر (قوة عسكرية دولية) في موازاة انتشار قوات من غرب أفريقيا لمساعدتها في استعادة السيطرة على شمال البلاد، كما دعت الدول الغربية وعلى رأسها فرنسا إلى التدخل عسكريا وذلك بإرسال طائرات وقوات خاصة.

ومن وجهة نظر فرنسا فالأمر عاجل ويتطلب خطوات سريعة أمام تعزيز من وصفتهم بـ(الإرهابيين) لصفوفهم في مستعمرتها السابقة، داعية إلى دعم من جانب الروس والصينيين والأمريكيين.
لكن فرنسا استبعدت في تصريحات مسئوليها المعلنة إمكانية قيامها بتدخل عسكري في مالي، وهو ما فسره البعض بأنها تخشى على رهائنها المحتجزين هناك، وهي لا تريد أيضا أن تتورط في أفغانستان أو صومال جديدة.

وبالنسبة لواشنطن فإنها تفكر في تدخل محدود من خلال توجيه ضربات جوية محتملة بواسطة طائرات بلا طيار لقواعد تنظيم القاعدة في شمال البلاد، على غرار ما تقوم به في باكستان واليمن أو الصومال.

لكنها رغم ذلك تستبعد بدورها أن يكون لها وجود عسكري في شمال مالي، وتتحدث في المقابل عن حل الأزمة سياسيًا وليس عسكريًا، وهو الأمر الذي يخالف ما كانت تنتظره الحكومة المالية في الجنوب وما عولت عليه باريس من حشد الدعم الدولي الكافي.

هذا الموقف الأمريكي، قريب من موقف دول الجوار كالجزائر وموريتانيا، حيث يحبذون العمل السياسي عن التدخل العسكري، وهو ما اعتبره خبراء انتكاسة لفرنسا لأنه يسير في اتجاه معاكس لما أبدته باريس من حماس في مطالبتها بالتدخل العسكري في المنطقة، مع شروعها في تعبئة دول المنطقة لذلك.

كما أن الموقف الأمريكي المعلن يجعل من فرص حصول الأطراف الراغبة في الحل العسكري في مالي على قرار مجلس الأمن أمرًا صعبًا، حيث تخشى أيضًا واشنطن من تكرار تجربة الغزو الغربي لأفغانستان وغيرها بحجة مكافحة الإرهاب والتي ذاقت فيها الويلات من قتل لجنودها وتكلفة مالية باهظة.

ويذهب الخبراء إلى أن أي تدخل عسكري في المنطقة دون دعم الولايات المتحدة سيكون تدخلًا ناقصًا، بالنظر لقوة واشنطن وتواجدها في المنطقة من خلال قواعدها العسكرية المتحركة.

وبالإضافة إلى موقف أمريكا فإن ضعف الجيش والدولة في مالي، مقابل القدرات الميدانية التي تتمتع بها الحركات الإسلامية المسيطرة يجعل من التدخل العسكري أمرًا صعبًا.

كما يزيد من صعوبة التدخل العسكري تخوف دول الجوار التي قد تحجم عن المشاركة، من أن يسفر هذا التدخل عن ردود فعل واسعة النطاق للحركات والجماعات الإسلامية المنتشرة في منطقة الساحل، والتي يمكن أن تهدد أمن الجزائر وموريتانيا والنيجر وغيرها من دول المنطقة.

وأمام هذا التعامل الحذر من التدخل العسكري، فيرى مراقبون أن الأفضل في الوقت الحالي هو مضاعفة الجهود السياسية والدبلوماسية وتشجيع المفاوضات لدى الجانبين الحكومي في الجنوب والأطراف التي تتحكم في الشمال، مع الاعتماد على الوسطاء، لكن في الوقت نفسه مع التلويح باللجوء إلى القوة العسكرية.

وفي النهاية فقد أثبتت التجربة بالعراق وأفغانستان وغيرهما أن التدخل الأجنبي لا يحل أي أزمة بل يؤججها أكثر، فضلًا عما يحمله هذا التدخل من أطماع، وبالنسبة لمالي فهي تصنف اليوم بين أكثر دول العالم فقرًا، لكنها تضم ثروات طبيعية وفيرة من معادن ثمينة، بينها الذهب واليورانيوم والفوسفات والجرانيت، فضلا عن معادن مثل الحديد والنحاس جرى التأكد من وجودها في البلاد، لكن لم تجر لها عمليات استخراجية حتى الآن، ولعل الغرب يستخرجونه بعد تدخله لحل أزمة مالي!!


إيمان الشرقاوي - 17/11/1433 هـ