(إسرائيل) وسباق الزمن لإنهاء جولة التصعيد بغزة

مجدي داود

أقدم الاحتلال الصهيوني على اغتيال أحد أبرز الرموز العسكرية والسياسية في حركة المقاومة الإسلامية حماس، الشهيد "أحمد الجعبري" الذي يعد من القلائل الذين تبوأوا مناصب سياسية وعسكرية بالحركة معًا في وقت واحد..

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -


أقدم الاحتلال الصهيوني على اغتيال أحد أبرز الرموز العسكرية والسياسية في حركة المقاومة الإسلامية حماس، الشهيد "أحمد الجعبري" الذي يعد من القلائل الذين تبوأوا مناصب سياسية وعسكرية بالحركة معًا في وقت واحد، ظانًّا أنه بهذا يوجه ضربة قاصمة إلى المقاومة الفلسطينية وحركة حماس، محاولاً اغتيال عدد آخر من قيادة الكتائب، في عملية أرادها سريعة وخاطفة، يستطيع بعدها أن يحصل على الهدوء الذي يريد، فرحًا مفتخرًا بذلك الصيد الثمين، الذي يستعين به قادته أيضًا، في المنافسة السياسية القذرة، في انتخابات الكنيست القادمة، التي ستجري بعد نحو 70 يومًا تقريبًا.


مرت الساعات الأولى من العدوان وسط حالة من الهدوء، فلا كتائب المقاومة قد ردت، ولا القوى الدولية أو الإقليمية، فحاول الاحتلال إشاعة الخوف والرعب في نفوس المقاومة، بترويج أخبار عن عملية برية وشيكة، وبنك أهداف، في محاولة منه لردعها عن الرد، والرجوع إلى حالة التهدئة التي يريد، لكن لم تمهله مصر، فما هي إلا بضع ساعات حتى قررت مصر سحب سفيرها من تل أبيب، فسارع الاحتلال بسحب سفيره من مصر، وهو أمر كان سيحدث حتمًا، بسبب الضغط الشعبي الذي كان سيحدث على القيادة المصرية لطرد السفير الصهيوني، كما أطلقت مصر حملة دبلوماسية كبيرة، لإدانة العدوان الصهيوني على القطاع.

كما لم تنقض الليلة الأولى، حتى أعلنت حركة حماس قبيل منتصف الليل، عن استهداف البارجة الحربية الصهيونية قبالة سواحل غزة، واعتراف العدو بمقتل أحد جنودها، ثم كانت المفاجأة التي أذهلته وأذهلت جميع المتابعين، بقصف تل أبيب للمرة الأولى منذ نشأة ذلك الكيان اللقيط -باستثناء حرب الخليج- وهو ما يشكل تغييرًا كبيرًا في قواعد اللعبة بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الصهيوني، خصوصًا بعدما قامت سرايا القدس أيضًا بقصف المدينة، والمدن التي حولها، ما يعني توفر الصواريخ القادرة على ضرب تل أبيب، ثم تطورت الأمر لقصف مدينة القدس بصواريخ قسام مطورة محلية الصنع، وهذا له دلالات كبيرة لدى الاحتلال الصهيوني.


يعيش الكيان الصهيوني الآن مأزقًا خطيرًا، ولعله يدرك أن حساباته في اغتيال "أحمد الجعبري" كانت خاطئة تمامًا، فليست حماس اليوم هي حماس أمس، وهو وإن كان أراد استفزازها لتكشف عما لديها من أسلحة جديدة لا يعرفها، فإنه حتمًا لم يتوقع أن يكون التطور الذي وصلت إليه الحركة، قد بلغ هذا الحد الذي رأيناه والمعركة لم تبدأ بعد، وقد صار نحو 5 ملايين مغتصب صهيوني، في مرمى صواريخ حماس والجهاد، كما أن سلاح الجو الصهيوني قد يفقد فعاليته، إذا استطاعت حماس اصطياد الكثير من المروحيات والطائرات الحربية الصهيونية، كما برزت أيضًا حركة الجهاد الإسلامي بقوة كلاعب أساسي لا يستهان به، وعلى العدو أن يحسب لها ألف حساب من الآن فصاعدًا.

في ذات الوقت، فإن التطور العسكري لدى المقاومة والذي ظهر حتى الآن في القصف الصاروخي، من المؤكد أيضًا أنه شمل الأسلحة والعتاد البري، وكذلك استعدادات المقاتلين وتدريباتهم على مدار الأربع سنوات الماضية، منذ انتهاء معركة الفرقان "الرصاص المصبوب"، وحتى الآن، وقد ظهرت مؤشرات ذلك في استهداف الجيبات العسكرية الصهيونية وتدميرها بشكل كامل وفقًا لما أظهرته مقاطع الفيديو التي وثقت الهجمات، وبالتالي فلا يدري الاحتلال ماذا سيواجه إذ هو قرر خوض معركة برية "غير محسوبة" مع قطاع غزة، وهل سيستطيع جنود الاحتلال الصمود أمام رجالات المقاومة، بما يتمتعون به من تحد وإصرار، أم سيفرون، أم أن المقاومة ستصطادهم وتأسر العديد منهم، لتبادلهم بالأسرى في السجون الصهيونية؟!


على مستوى الجبهة الداخلية، فإن 5 ملايين من المغتصبين صار في مرمى صواريخ المقاومة، وهو أمر لم يعتده الكثير منهم، وليس هناك حلول عاجلة تمكن الاحتلال من القضاء على صواريخ المقاومة إن هو قرر الاستمرار في المعركة، كما أن القبة الحديدية لم تنجح في صد صواريخ المقاومة، اللهم إلا عددًا قليلاً، لا يؤثر على النتيجة العامة، ولا على حالة الهلع والرعب التي اجتاحت قلوب الصهاينة، وجعلت جنود الاحتلال الذين من المفترض أنهم يساعدون السكان ويشيعون بينهم حالة الأمن والاستقرار عند سقوط الصواريخ، يختبئون في المراحيض، خوفًا من صواريخ المقاومة، وبالتالي فليس هناك من سبيل إلا اللهث وراء التهدئة مرة أخرى، حتى توقف حجارة السجيل والسماء الزرقاء.

أما على المستوى السياسي الداخلي، فإن قادة الاحتلال الصهيوني، الذين أرادوا أن تكون دماء الشهيد "أحمد الجعبري" وقودًا للمنافسات الانتخابية القذرة، وسلمًا للحصول على عدد من المقاعد في الكنيسة، وحجز عدد من كراسي الحكومة الصهيونية القادمة، قد أدركوا الآن، أن هذه الدماء ستصير لعنة عليهم، إذ لم يتم إنهاء الوضع الحالي بأسرع ما يكون، سواء بالرجوع إلى حالة الهدوء السابقة، وفق معادلات جديدة فرضها واقع المقاومة، أو بمحاولة فرض معادلات أخرى توافق هوى الاحتلال، بتوسيع العملية الحالية، ولكن هذا فيه من المخاطر ما فيه.

ويدرك قادة الاحتلال الصهيوني أن الساحتين الإقليمية والدولية لن تسمح لها بمواصلة العدوان الصهيوني على القطاع لفترة طويلة، وإسقاط الكثير من الشهداء والجرحى في صفوف المدنيين، خاصة في ظل المحاولات المستميتة لنزع الشرعية عن الكيان الصهيوني من جهة، وفي ظل التغيرات الكبيرة التي شهدها المستوى الإقليمي من جهة وأخرى، وتحديدًا الحليف السابق للكيان الصهيوني وكنزها الإستيراتيجي، الذي كان أول قرار له بعد هذا العدوان هو سحب السفير المصري من تل أبيب، وإرسال رئيس حكومته إلى غزة ليعلن بشكل عملي تغير الموقف المصري عما كان عليه سابقًا بشكل كبير.


هذا هو ملخص المشهد الحالي لدى قادة الكيان الصهيوني، فالانسحاب من المعركة التي فتحها مع المقاومة الفلسطينية الآن يعتبر هزيمة ثقيلة جدًّا ووصمة عار في جبين نتنياهو، ومن الممكن أن تتسبب في خسارته الانتخابات القادمة، وفي ذات فإن الدخول أكثر وأكثر في النفق المظلم في غزة، سيدخله في مأزق أكبر، لا يدري منه مخرجًا.


وفي ظل هذا المشهد، يسعى نتنياهو وقادة جيشه، ويسابقون الزمن لضرب عصفورين بحجر واحد، بحيث يصطاد جيش الاحتلال شخصية قيادية سياسية أو عسكرية كانت ذات شأن ومكانة لدى المقاومة الفلسطينية، في حجم الجعبري مثلاً، وحينها ينسحب الاحتلال من العملية العسكرية، وتعلن انتهائها وتحقيق أهدافها، فلا تتورط في صراع طويل مع المقاومة الفلسطينية، ويخرج من مستنقع مجهول المآل، وبذلك يحفظ جيش الاحتلال ماء وجهه، كما يحفظ ساسة وقادة الاحتلال مكانتهم في أحزابهم أولاً، وفي الانتخابات النيابية المقبلة وما بعدها في الحكومة التي تلي الانتخابات، مع عدم الوقوف أمام لجان تحقيق مثل "فينوجراد" أو غيرها، كما حدث في الحرب الأخيرة على القطاع 2008/2009.

وإلى حين تحقيق الاحتلال ذلك الهدف، فهو يسعى إلى إرباك ساحة المقاومة الفلسطينية، ويشن حربًا نفسية كبيرة عليهم، من خلال التصريحات والتهديدات بحرب لا قبل لهم بها، وإعلانه استدعاء عشرات الآلاف من جنود الاحتياط، على الرغم من أن هذه الاستدعاءات تتم حتى الآن لمجرد الجبهة الداخلية، وليس للمشاركة في القتال، ما يؤكد عدم رغبته في الدخول البري إلى قطاع غزة، ولكنه يشن تلك الحرب، كي يدفع المقاومة إلى عدم التصعيد، والقبول بعروض الاحتلال بوقف العدوان -عندما يقرر- وفق المعادلات التي يريدها هو، وليس وفق المعادلات التي ترغب المقاومة في تحقيقها بعد التطورات الأخيرة.


مجدي داود
[email protected]
 

المصدر: موقع مفكرة الإسلام