الضباط الملتحون بين القشر واللباب

كانت تعليقات بعض الإسلاميين أصحاب المشروع الإسلامي على حكم المحكمة الإدارية العليا البات في وجوب عودة الضباط الملتحين إلى أعمالهم ورفض الطعن المقدم من وزارة الداخلية غاية في الغرابة. وحيث إننا في دولة أضحت لا يحترم فيها شيء ولا يؤبه لأحكام القضاء التي تصنف ما بين الجائر والمسيّس وضاعت بين هذين اللفظين حقوق كثيرة، يعلق أحدهم: "يجب على الضباط أن يحترموا لوائح وزارة الداخلية"، ومن قائل: "هل هذا وقته؟!"، وآخر: "إن هذه مكيدة من القضاة المسيسين لتأليب الناس على د. مرسي والإخوان وزيادة الاضطرابات والاحتجاجات"

  • التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -


كانت تعليقات بعض الإسلاميين أصحاب المشروع الإسلامي على حكم المحكمة الإدارية العليا البات في وجوب عودة الضباط الملتحين إلى أعمالهم ورفض الطعن المقدم من وزارة الداخلية غاية في الغرابة. وحيث إننا في دولة أضحت لا يحترم فيها شيء ولا يؤبه لأحكام القضاء التي تصنف ما بين الجائر والمسيّس وضاعت بين هذين اللفظين حقوق كثيرة، يعلق أحدهم: "يجب على الضباط أن يحترموا لوائح وزارة الداخلية"، ومن قائل: "هل هذا وقته؟!"، وآخر: "إن هذه مكيدة من القضاة المسيسين لتأليب الناس على د. مرسي والإخوان وزيادة الاضطرابات والاحتجاجات"، وهكذا.

أتذكر تعليقات بعض الأفاضل حينما كانوا يعلقون على طالب علم يحدث الناس عن أحكام تتعلق بالطهارة والوضوء وآداب الاستنجاء بقوله: "هو أنتم لسه مخرجتوش من دورة المياه"! وحينما سمع أحدهم يتحدث في فضائل السواك أو اللحية أو تقصير الثوب أسوة بالنبي يقول: "تتكلمون في مثل تلك القشور والمسلمون يذبحون في الصومال وبورما وكشمير"، وهكذا دواليك، فقسموا الدين إلى قشر ولباب، وبالطبع يخضع هذا التقسيم إلى عقل المتكلم، وتضيع رسوم الشريعة في تلك التقسيمات الباطلة التي ما أنزل الله بها من سلطان.

إن دين الإسلام وأحكامه وتشريعاته كلها لب لا قشر فيه، ولقد ضرب لنا رسول الله أمثلة عظيمة في هذا الشأن وسار الصحابة من بعده على هذا، وكل أحكام الشريعة إنما تقسم من حيث الاصطلاح ما بين واجب ومستحب وحرام ومكروه ومباح، وتلقت الأمة ذلك بالقبول تيسيرًا على المكلفين.

أما الصحابة فلم يعرفوا هذا التقسيم بل كانوا يأخذون الدين كله جملة واحدة على ظاهره كما ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إن الصحابي الجليل المقداد بن الأسود حينما سمع من يمدحه ألقى في وجهه التراب عملًا بظاهر قول النبي صلى الله عليه وسلم: «احثوا في وجوه المداحين التراب» (السلسلة الصحيحة للألباني: 2/581)، وبالطبع لسنا في معرض التفصيل الفقهي..

ولما طُعن أمير المؤمنين عمر وهو يحتضر يدخل عليه شاب يعوده فلما رأي ثوبه يمس الأرض قال له: "ارفع ثوبك فإنه أنقى لثوبك وأتقى لربك" (البخاري: 3700). فلم يعد الصحابة تلك المسائل من القشور كما يراها متفيهقوا عصرنا، وهكذا تمضي السنة المباركة، لا قشر ولا لباب بل الدين كله لباب، وإنما يحرس بعضه بعضًا وأحكامه تتكامل في الحفاظ على الشخصية المسلمة ومدى التزامها بأوامر الله.

إن النبي صلى الله عليه وسلم جعل اللحية من شعار الإسلام وفطرته، فقال: «الفطرة خمس..» (صحيح البخار:5889)، وذكر منها اللحية، بل وأمر بها في أحاديث كثيرة بصيغة الأمر ومرادف الكلمات فقال: «..أرخو اللحى» (صحيح مسلم:260)، وفروا، أعفوا، أوفوا... فماذا نفعل بتلك الأحاديث؟ والقاعدة الأصولية أن الأمر يحُمل على الوجوب ما لم تأت قرينة صارفة، ولم يثبت من فعل النبي أو قوله أو إقراره ما يدل على أنه خالف ذلك.

إن التمسك بهدي النبي الظاهر إنما هو مرآة تعكس ما في القلب من الحب والتوقير للنبي وسنته، وإن المهون من شأن شرعي قد يراه صغيرًا ليعكس أيضًا ما في قلبه من التهاون والاستخفاف، يقول صلى الله عليه وسلم: «فإذا نهيتُكم عن شيءٍ فاجتنبوه، وإذا أمرتُكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم» (البخاري: 7288).

إن الهدي الظاهر يؤثر في القلب هداية واستقامة أو عكس ذلك إن ابتعد عنه، في حديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه أن النبي قال وهو يسوي الصفوف: «لا تختلفوا فتختلف قلوبكم» (صحيح الجامع: 7256)، فجعل تسوية الصفوف الظاهرة من أسباب ائتلاف القلوب، واعوجاجها مدعاة لاختلافها، ولا شك أن العبرة في الشرع بصلاح القلوب والأعمال معًا يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» (مسلم: 4651).

أيها المهونون من أي مسألة في الشرع المحكمون لأهوائكم، المقسمون للدين وفق ما تراه عقولكم، احذروا زوال نعمة الله عليكم وشؤم مخالفة النبي وشرع الله المطهر، في الحديث: «أن رجلًا أكل عند النبي بشماله فقال له: كل بيمينك فقال: لا أستطيع، فقال له رسول الله: لا استطعت، فما رفعها إلى فيه، ما منعه إلا الكبر» (مسلم: 2021).

فانظروا رحمكم الله كيف يفعل شؤم المخالفة بصاحبه، وفي قوله تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف: 5]، قال الصديق رضي الله عنه: "لست تاركًا شيئًا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به إلا عملتُ به، فإني أخشى إن تركت شيئًا من أمره أن أزيغ".

فهل دولتنا المباركة بمنأى عن شؤم مخالفة الشرع وظلم الناس وإهدار أحكام القضاء؟


صلاح الطنبولي