خطوات عاجلة لاستعادة الدولة المصرية

منذ 2013-04-03

إن التهديد القادم بنشوب حرب أهلية هو تهديد جاد، وقد نجحت حتى الآن الأطراف التي تريد استدراج الإسلاميين إلى معارك جانبية في تنفيذ أهدافها، وتتبقى خطوة اقتحام مقرات الصحف ومدينة الإنتاج الإعلامي والأحزاب العلمانية من أجل استدعاء الخارج وفرض الوصاية على مصر وإسقاط اقتصادها، ويكون ذلك ذريعةً لحدوث انقلاب عسكري بحجة أنه لا أحد يقود مصر سوى الفوضى، وأن الانقلاب العسكري هو الحل الوحيد لمنع مصر من الانهيار التام.


لا حضيض يمكن أن تصل إليه الدولة المصرية أكثر من حالتها الراهنة سوى الحرب الأهلية، فلقد باتت مصر على مرمى حجر من فتنةٍ مدمرة تكاد أن تأكل الأخضر واليابس، فلقد وصل العجز الرئاسي إلى مداه، ولم تعد هناك هيبة للدولة ولا لرئيسها، وتطاول عليه السفهاء ولم يعد للقانون معنى، ولم تعد الشرطة حارسة لأمن الوطن، ولم يعد هناك وراء نرجع إليه، سوى أن يقتتل المصريون على الهوية السياسية والدينية.


إن مشاهد استهداف الإسلاميين في المقطم جسدت عجز الدولة عن الحفاظ على الأمن، ومثلت ذروة العنف السياسي الذي بدأ بحالة استقطاب صارخة جاءت نتيجة لبعض القرارات الخاطئة في مسيرة بناء سيادة الدولة بعد الثورة المصرية، وسقطت دماء غزيرة نتيجة التهاون في اتخاذ القرارات الحاسمة في الأوقات المناسبة، والتراخي والتخبط في اتخاذ القرارات أدى إلى اتساع الشق بين رفقاء الأمس، ليصبحوا فرقاء اليوم ويحتل ذلك الشق أفعى النظام القديم الذي أفسد الحياة في مصر طيلة ثلاثين عامًا، ويبعث إلى الحياة من جديد.

إن التهديد القادم بنشوب حرب أهلية هو تهديد جاد، وقد نجحت حتى الآن الأطراف التي تريد استدراج الإسلاميين إلى معارك جانبية في تنفيذ أهدافها، وتتبقى خطوة اقتحام مقرات الصحف ومدينة الإنتاج الإعلامي والأحزاب العلمانية من أجل استدعاء الخارج وفرض الوصاية على مصر وإسقاط اقتصادها، ويكون ذلك ذريعةً لحدوث انقلاب عسكري بحجة أنه لا أحد يقود مصر سوى الفوضى، وأن الانقلاب العسكري هو الحل الوحيد لمنع مصر من الانهيار التام.

هناك مشاهد مشابهة لذلك حدثت في التاريخ المصري المعاصر، ونجح فيها قادة مصر في أن يحتووا الفتنة وأن يظهروا شدة وحسمًا في وقت لا ينفع فيه إلا الشدة والحسم، فمع اختلافنا مع السادات في توجهاته السياسية، إلا أنه كان حاسمًا في قراراته السياسية، وخاصة في بداية حكمه بعد وفاة عبد الناصر، واستطاع أن يصفي من أسماهم بمراكز القوى وفي ظل قلاقل داخلية مشابهة للحالة الراهنة، ثورات طلابية كانت تشكك في قدرة ـ ورغبة ـ السادات في شن الحرب على إسرائيل واستعادة سيناء، وتحركت مختلف الفصائل الطلابية في الجامعات آنذاك بشن مظاهرات وتشكلت خلايا من الحركات الإسلامية وغيرها من أجل قلب نظام الحكم، ولكن استطاع السادات في تلك الفترة أن يلم شتات البلاد وأن يخوض الحرب في أصعب الظروف السياسية والاقتصادية.

فالتوقيت له أهمية كبرى في اتخاذ القرارات المصيرية، فالفرصة إن ذهبت لن تعود إلى يوم القيامة، والمنحنى الآن في قمته في صالح قرار الرئيس باتخاذ قرارات حاسمة، وإذا ما هبط المنحنى وتصاعد العنف لا سيما بأياد إسلامية، فإن الفرصة ربما تفوت وتتداخل المعطيات والمحددات الحاكمة للعبة السياسية على الساحة المصرية، وندخل في مرحلة جديدة من صراع الإرادات بأشكال أخرى إذا ما أريقت دماء لمشاهير الإعلام والصحافة على الساحة المصرية.

على الرئيس أن يفرض حالة الطوارئ في البلاد، وأن يستدعي الجيش لحفظ الأمن لستة أشهر طبقًا للدستور، يتم فيها إعداد كوادر أمنية من خريجي كليات الحقوق بإعطائهم دورات في العلوم الشرطية، يتم تأهيلهم فيها لحفظ الأمن في البلاد، بعقد مؤقت مدته ثلاث سنوات، على أن يتم تخريج دفعات كليات الشرطة الجديدة على التوالي، من الأجيال الجديدة التي تم انتقائها بدون واسطة ولا محسوبية، وأن يتم تحويل من يتقاعس عن أداء عمله داخل الجهاز الشرطي إلى المحاكمة العسكرية وفصل من يتهاون منهم في أداء عمله، وينطبق ذلك على كافة الضباط والأمناء والمخبرين، وعلى المقصرين في جمع الأدلة الجنائية وكذلك المسئولين عن الأمن الوطني ومنع الجريمة قبل وقوعها والإبلاغ عن من يهددون الأمن الوطني الداخلي، وأن يتم إعادة هيكلة الشرطة على أيدي خبراء من أكاديمية الشرطة ممن تعرف سيرتهم بالنقاء والاستقامة، مع الاستعانة بخبرات الدول الأجنبية التي خاضت فترات انتقالية بعد الثورات.

على أن يتم ضبط الأمن في البلاد على يد قوات الجيش، والتي تقوم باستهداف كل من يحمل سلاح أو مولوتوف أو يقوم بتغطية وجهه في التظاهرات، وتطبيق ذلك على الجميع، واستعادة الأمن وهيبة الدولة في تلك المرحلة الانتقالية لمدة ستة أشهر، ويتم إقالة الحكومة الحالية وعمل حكومة ائتلاف وطني موسعة من الأطراف غير المتورطة في التحريض على القتل والدماء، على أن تكون ممثلة لكافة أطياف المجتمع، حكومة من الكفاءات مثلما تم الاتفاق عليه في اجتماع فندق فيرمونت عشية إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية، وبعد تلك الفترة الانتقالية لمدة ستة أشهر يتم إجراء انتخابات برلمانية وتشكيل حكومة منتخبة في ظل حالة من استتباب الأمن والأمان.

وهذا يجب أن يصاحبه تحركات بحظر ومطاردة وتعقب الجماعات المسلحة التي تستخدم العنف وسيلة لتحقيق مآربها السياسية، مثل البلاك بلوك والاشتراكيين الثوريين، وكافة الجماعات السياسية والدينية المدعومة من الداخل والخارج والتي تستخدم العنف وسيلة لتحقيق أغراضها السياسية والطائفية، وفي ظل حالة الطوارئ يجب إطلاق النار على كل من يحمل سلاحاً، وأن يتم القبض على كل من يُغطي وجهه في التظاهرات، وأن نستعيد "الدولة" المصرية مرة ثانية، كما يجب عقد لجنة لإعادة النظر في المواد المختلف عليها من الدستور، على أن تكون تلك اللجنة ممثِّلة لكافة أطراف الطيف السياسي المصري، وأن يتم عرض تلك المواد على الخبراء والمفكرين والحوار المجتمعي قبل طرحها للاستفتاء الشعبي.

إن الظروف الحالية ستمكن رئيس الجمهورية من اتخاذ تلك القرارات الحاسمة، لا سيما بعد مشاهد الدماء التي أسيلت على أيدي بلطجية ومارقين استخدموا كافة الأسلحة حتى الثعابين لترويع الآمنين، والتأييد الشعبي لرئيس الجمهورية سيصل إلى ذروته في حالة تمكنه من تشكيل حكومة كفاءات وطنية موسعة، لا سيما في ظل تأييد الجيش لقرارات الرئيس، ذلك الجيش الذي مهمته الأولى هي حفظ الأمن القومي للدولة، ولا يمكن لهم أن يروا الدولة تنهار أمام أعينهم بدون أن يقوموا بمسئولياتهم الوطنية التي سيحاكمهم عليها التاريخ.

إن الحالة المصرية الراهنة تقترب من نقطة الكسر، واللحظة الحالية تحتاج إلى قرارات حاسمة بدعم وتأييد من الجيش وباصطفاف من القوى الوطنية الشريفة التي يجب أن تمد أيديها لانتشال الدولة من عثرتها، فالآن ليس النظام هو الذي يتعرض للتهديد، ولكنها الدولة المصرية برمتها، وهناك جماعات سياسية ودينية بل ورياضية أيضًا مثل الألتراس أصبحت أقوى من الدولة، والأشهر القادمة ستكون حاسمة فيما يتعلق بجناحي الأمن والاقتصاد، فإذا استمر التدهور الأمني وانقطاع موارد الدولة الداخلية والخارجية وتوقف السياحة وإيرادات الدولة من جمارك وضرائب بسبب الحالة الأمنية، وفي ظل اندلاع عنف سياسي موسع، فإن مصر لن تقوم لها قائمة سوى بانقلاب عسكري، وهذا سيُعيد مصر 60 عامًا إلى الوراء، وفي ظل الأوضاع الإقليمية الحالية وانهيار الدولة السورية، فإن المنطقة من النيل إلى الفرات ستصبح أرضًا محروقة أمام الكيان الصهيوني، وستمثل تلك لحظة فارقة في تاريخ أمتنا الإسلامية.

محمد سليمان الزواوي
 

  • 2
  • 0
  • 1,362

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً