أكلة لحوم البشر (الغيبة)

لقد تساهل الناس في الغيبة لأنها بطبيعتها سهلة لينة لا تكلف مشقة سوى تحريك اللسان في الفم، لا سيما إذا كان المستغاب عدواً لمن في المجلس أو لبعضهم؛ لأنهم يتشفون بذكر معايبه ويتلذذون بما يسمعون عنه من سوء ويذكر به من نقص، كما يتلذذ الظمآن بالماء البارد ليطفىء به حرارة جوفه ويبل به صداه، لكنها في الحقيقة انتقام عاجز وسلاح في يد جبان؛ لأن المغتاب دائماً ينهزم عندما يعلم بحضور المستغاب أو أحد محبيه، وربما أبدل هجاءه بمدح وذمه بثناء.

  • التصنيفات: تزكية النفس -


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على سيدنا محمد وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وعلى آلهم وصحبهم أجمعين.
وبعد:
فقد حرم الإسلام الغيبة لما لها من عواقب سيئة على المسلمين، فهي تسبب العداوة والبغضاء والتقاطع والتدابر بين الناس ثم هي مضيعة للوقت الثمين بالاشتغال بما يضر ولا ينفع ويسوء ولا يسر، ثم هي اعتراض على الخالق جل جلاله فإن المغتاب أول ما يغتاب من المستغاب خلقته طوله أو عرضه أو مشيته أو شكله وكل ذلك من صنع الله تعالى وليس للمستغاب فيه شأن.

وقد فشا هذا المرض (الغيبة) في الناس فلا يكاد يخلو منه بر ولا فاجر ولا عالم ولا جاهل، بل قد تمكن الشيطان في التدخل في هذه الجهة وأجلب بخليه ورجله من هذه الوجوه فيا مصيبتاه.

فإنه لا يخفى ما في كثرة مخالطة الناس من كثرة حصول الغيبة وغيرها، فإن سلم من القول بالغيبة لم يسلم من المشاركة فيها، وإن سلم من المشاركة فيها، لم يسلم من السكوت عليها، ويجب إنكارها لمن كان في مجلس غيبة، وإلا فيفارق ذلك المجلس إن لم يستطع الإنكار، وأن لم يقدر على مفارقة المجلس اشتغل بذكر أو غيره.

وخلت مجالسنا من ذكر الله ومن الصلاة على رسول الله صل الله عليه وسلم، وأصبحت مجالسنا مجالس غفلة وبعد عن الله سبحانه، عافانا الله وإياكم منها وقضى عنا حقوق أربابها فلا يحصيهم غيره سبحانه.

ومهما كانت بشاعة الغيبة فإن وقعها على النفس سار، لا سيما إذا كان المستغاب مكروها أو عدواً لكن قل للمغتاب: هل ترضى من عدوك هذا أن يغتابك ويظهر مساويك ما سترت كما أظهرت ما ستر من مساويه؟ هل تفرغت من عيوبك فأصلحتها؟ ومن نفسك فهذبتها؟ ومن سيئاتك فحسنتها؟ ومن غلطاتك فصححتها؟ هل ربيت بنيك؟ وأدبت ذويك؟ وهل أصلحت فسادك وسددت أخطاءك؟ هل أصلحت عيوبك حتى تذكر عيوب غيرك؟

يقول ابن دقيق العيد رحمه الله: "عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به".
لقد تساهل الناس في الغيبة لأنها بطبيعتها سهلة لينة لا تكلف مشقة سوى تحريك اللسان في الفم، لا سيما إذا كان المستغاب عدواً لمن في المجلس أو لبعضهم؛ لأنهم يتشفون بذكر معايبه ويتلذذون بما يسمعون عنه من سوء ويذكر به من نقص، كما يتلذذ الظمآن بالماء البارد ليطفىء به حرارة جوفه ويبل به صداه، لكنها في الحقيقة انتقام عاجز وسلاح في يد جبان؛ لأن المغتاب دائماً ينهزم عندما يعلم بحضور المستغاب أو أحد محبيه، وربما أبدل هجاءه بمدح وذمه بثناء.

هذا وأسأل الله التوفيق والقبول والسداد والرشاد إنه على كل شيء قدير، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبع سنتهم.




أبوعصام منصور بن محمد بن فهد الشريدة
القصيم بريدة
مركزالدعوة والإرشاد
1443 من هجرة المصطفى صل الله عليه وسلم

 

المصدر: صيد الفوائد