في وداع الشيخ صالح الحصين

منذ 2013-06-19

الشيخ من الشخصيات المشعة؛ تلقاه فيملأ عليك نفسك، ثم تتركه ولا يتركك تأثيره الوجداني، وتتحدث عنه فتشعر أن في نفسك الكثير تريد أن تقوله عنه، ولكن لا تجد التعبير الذي يسعفك لذلك؛ لأن حال الشيخ حال ربانية لا تؤخذ من الأوراق ولكن تدرك بالأذواق.

 

إذا ذكر الشيخ صالح الحصين توافدت إلى القلب قوافل من خصال الخير التي كانت متمثلة في شخصه، وحاضرة في شخصيته.

كان الشيخ من الشخصيات الجامعة لخصال الخير، وجوانب الإشراق.


كان صاحب شخصية مشعة؛ لا يمكن أن تلقاه إلا وينفذ إليك إشعاعه الرُّوحي، ويصحبك تأثيره الوجداني.

كان الشيخ رحمه الله من أوائل المبتعثين إلى فرنسا لدراسة القانون، وكان ذلك في وقت الانبهار والاستلاب الثقافي، ولكنه كان يتمتع بمتانة فكرية جعلته ينظر إلى الحضارة الغربية من علو وليس بانبهار، وكان من النوعية الفريدة التي تعاملت مع الحضارة الغربية بتمييز واعٍ، مثل قلة قليلة في ذلك الوقت كالدكتور محمد عبد الله دراز، والأستاذ محمد أسد، وظهر هذا التوازن في العمق الفكري والتوسع المعرفي الذي يقابلك في مقالاته ومؤلفاته.

عُرِفَ الشيخ بالزهد الرباني، ليس زهد التبذل والبذاذة، ولكن زهد من نظر إلى الدنيا على حقيقتها، وعاملها بحجمها، فلا تلحظ في شخصيته تشوفًا إلى كثير مما يخطف أبصار الناس، ولن تجد له حضورًا في تزاحم على طمع.

تميز الشيخ بالتواضع الفطري الصادق الذي لا تشعر أنه يتصنع رسومه أو يتكلف أداءه، وإنما هو هكذا يرى نفسه، لذا فإن المناصَب التي عبرت حياته لم تكن حاضرة في تعامله مع الناس، ولا معاملته لنفسه.

كنتَ تراه يحمل نعله في يده، ويصلي حيث انتهى به الصف في غمار الناس في ساحة الحرم، وهو الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي.

كان الشيخ ممن وضع له الحب والقبول في قلوب الناس؛ فكان حبه محل إجماع، ولقد حضرتُ مؤتمر الحوار الوطني الذي جمع أطيافًا متنوعة ومختلفة، وكان الشيخ في المؤتمر هو الشخصية التي يلتقي الحاضرون على الإعجاب بها والانجذاب إليها.

الشيخ مسيرة طويلة من الرسوخ العلمي، والعمق الفكري، والسلوك الرباني.

الشيخ كما قال عنه أخي أحمد الصقر: زاهد يخالط الناس، وبسيط يفكر بعمق، ومتواضع رفع الله قدره.

الشيخ من الشخصيات المشعة؛ تلقاه فيملأ عليك نفسك، ثم تتركه ولا يتركك تأثيره الوجداني، وتتحدث عنه فتشعر أن في نفسك الكثير تريد أن تقوله عنه، ولكن لا تجد التعبير الذي يسعفك لذلك؛ لأن حال الشيخ حال ربانية لا تؤخذ من الأوراق ولكن تدرك بالأذواق.

أتحدث عن الشيخ عن معرفة ومعايشة وتكرار لقاء، فلقد أكرمني بتكرار لقائه وكريم حفاوته؛ فأفدت وتعلمت منه كما تعلم منه أبي يوم درس عليه في المعهد العلمي، فهو ملحق الأصاغر بالأكابر.

ثم أتذكره فكأنما مر في حياتنا ومضة ضياء أو نفحة عطر.

نودع الشيخ اليوم ونحن نثني عليه بخير، ونذكره بالذكرى الحسنة، وندعو ربنا:


اللهم اجعل هذه الليلة أسعد ليلة بات بها عبدك صالح الحصين.

اللهم تلقه برحمتك ورضوانك وكريم بشراك.

اللهم أحسن العزاء، واجبر المصاب، وأعظم الأجر، وأحسن الخلف.

وإنا لله وإنا إليه راجعون.


 

عبد الوهاب بن ناصر الطريري

الأستاذ بكلية أصول الدين - سابقاً - والمشرف العلمي على موقع الإسلام اليوم

  • 0
  • 0
  • 3,641

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً