بيني وبين الشيخ الجفري

أحمد سعد الدمنهوري

هذا حوار دار بيني وبين الشيخ: الحبيب علي الجفري، حول مقالة الأخير بجريدة الوطن الذي سَمَّاه "التكفير السياسي"، وقد تكلّم فيه مشكوراً عن خطورة التكفير على أساس الرأي السياسي وسَمَّاه باصطلاح خاص به هو!

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -


هذا حوار دار بيني وبين الشيخ: الحبيب علي الجفري، حول مقالة الأخير بجريدة الوطن الذي سَمَّاه "التكفير السياسي"، وقد تكلّم فيه مشكوراً عن خطورة التكفير على أساس الرأي السياسي وسَمَّاه باصطلاح خاص به هو! -للسبب الذي سأوضحه بعد قليل-، واستشهد في مقاله مما استشهد بقتل فرج فودة، مما أثار عندي العجب كل العجب لسببين:

الأول: أن القول بتكفير المخالف في الرأي السياسي لمجرد رأيه السياسي لم يقل به أحد بدليل اختلاف الإسلاميين أنفسهم إلى عدد كبير من الأحزاب التي تختلف سياسياً!

والحبيب في ترويجه لهذه الإشاعة الإعلامية يتبنى وجهة نظر الطرف الذي يقول كل شيء ويفعل كل شيء مخالف للإسلام، ثم يقول: "نحن لسنا ضد الدين"، و قد امتلأ "الإنترنت" بأقاويلهم التي تصادم الشريعة ظاهراً وباطناً!

الثاني: استشهاده بقتل فرج فودة غريب وعجيب حقاً من وجهتين:

الأولى:
أن الرجل لم يُقتل لسبب سياسي أصلاً وإنما قُتِل بعد المناظرة الشهيرة في معرض الكتاب بينه وبين الشيخ محمد الغزالي، والدكتور محمد عمارة، وظهور إصراره على آرائه التي يعلم كل من شدا شيئاً من علوم الشرع هدمها للمعلوم من الدين بالضرورة مما أثار بعض المتحمسين لقتله!

الثانية:
أن القضاء قد حكم بصحة قتله لارتداده، بعد شهادة الشيخ الغزالي والدكتور مزروعة أستاذ العقائد بأصول الدين، وبعد أن ظهر للمحكمة -التي بالمناسبة لم تكن وهابية!- أن الرجل بالفعل خرج من الملة بما سطّرت يداه في كتبه! لذا لم يحكم القاضى بإعدام قاتليه وإنما سجنهم لأنهم اعتدوا على سلطة ولي الأمر في تنفيذ الحكم لا أكثر!

وهذا تسلسل الحوار:

1- بعد كلام الحبيب في الوطن رفعت المقال على صفحتي وكتبت فوقه: "الحبيب يتبنى وجهة نظر العلمانيين بحذافيرها ثم يقول إنه ليس مع المعارضة!".

2- كتب الحبيب على صفحته الآتي: "تنبيه ورجاء؛ نقلَتْ بعض المواقع عبارات كتبتها لبيان الحكم الشرعي في جريمة تكفير المسلمين. وأخرى عن ضبط الفرق بين دفع الصائل والنفير الواجب للجهاد. وجزاهم الله خيراً على النقل، ولكنهم أسقطوه على أشخاص مُعيَّنين في خِضم الاختلاف السياسي المُحتدم، ونسبوا هذا التعيين إلى الفقير إلى الله، وهذا مع كونه مخالف لأمانة النقل فهو أيضاً إقحام للفقير على الخلاف السياسي الحالي. لهذا؛ أرجو من إخوتي في جميع الأطراف أن لا ينسبوا للفقير إلى الله ما لم يصدر عنه، كما أرجو أن يستوعبوا أن مجال الخطاب هو ما تعلق بالشريعة وصلتها بمختلف أوجه الحياة وليس معافسة العمل السياسي التنافسي ولا ممارسته".

3- لا أزعم أن هذا الكلام قصد به كلامي؛ لكني علقت على الكلام المنقول أعلاه ما يأتي: "كلامك هو تبنٍّ للخطاب العلماني يا شيخ، لأن فكرة تكفير المخالف في السياسة غير واردة ولم يقل بها أحد فأنت روجت لكلام العلمانيين من غير أن تدري فضلاً عما قلته عن فرج فودة في المقال، كان استشهاداً غير موفق بالمرة".

4- فكتب الحبيب: "بل هو موجود أخي أحمد سعد وقد سمعت التكفير الصريح مراراً في الدروس في الفضائيات، وموضوع فرج فودة مهما كان خلافنا معه فقتله جريمة مخالفة للشريعة المطهرة التي لا تُعطي للأفراد والجماعات حق إصدار الأحكام وتنفيذها حفظك الله وليس من الصدق ولا من المروءة أن نتهم كل من خالفنا بالعلمانية".

5- فكتبت: "حياكم الله. موضوع فرج فودة حكم فيه القضاء، وهو بحكم القضاء "مرتد" بعد شهادة عدد من العلماء، واقرأ كتبه وانظر فيها بنفسك لترى هل هذا الشخص في حكم الله كما دوَّن في كتب المذاهب الأربعة مرتد أم لا، وكل ما في قضيته أن قتله كان تعدِّياً على اختصاصات القضاء -ولي الأمر!-.

أما الحكم على من يخالفنا بالعلمانية فهذا غير حاصل، بل هم يقولون ذلك بألسنتهم، ولا يشترط أن يقولوا "نحن علمانيون" بل مجمل موقفهم من الشريعة يقول ذلك فهو من اللوازم الوضحة التي لا تنكر!

أنت رجل فطن وعلى علمٍ تام أن مصر الآن والمنطقة كلها يتجاذبها مشروعان: إسلامي وتغريبي، ومقامنا حيث أقامنا الله تعالى، ولا أحب لنفسي ولا لفضيلتكم أن تكون في صف أُناسٍ كل علاقتهم بالإسلام أنه مجرد "بركة" ، هؤلاء نشفق عليهم ونعلمهم لكن لا نتبنى تصوراتهم!.

كما أن عبارة التكفير السياسي يستخدمها السياسيين عادة في معنى "إقصاء المخالف" لا بمعنى التكفير الشرعي، وهم يفعلون ذلك وتصريحاتهم كثيرة في هذا الشأن، ورفضهم لرئيس منتخب لم يمر عليه عام دليل على "التكفير السياسي" مع نشر الكذب الواضح والاعتماد على آلة إعلامية ضخمة، يمتلكها طرف يكفي لتعلم حاله أن تقرأ عناوين الصحيفة التي تكتب بها، مستغلين اسمكم، وأنت أكبر من هذا لدى محبيك الفاهمين لحقيقة الأوضاع! وفقكم الله وجزاكم الله خيراً على الاهتمام".

6- ولم يرد على كلامي المدون أعلاه، ولا أزعم أننى أفحمته أو شيئاً من هذا القبيل!

لكن موقف الحبيب ليس جديداً على فقد ناقشتُ بعض طلاب العلم الذين أجد لديهم قصوراً شديداً في تقييم الواقع، فضلاً عن الاهتداء إلى كيفية التفاعل الصحيح معه أو توجيهه بالإسلام، وهم طلاب علم شرعي! وقد كنتُ أُسائِل نفسي عن أيّ شرعٍ يتحدّث هؤلاء؟

إنهم حين يتكلمون مع (الوهابية) يلتحفون بالمذاهب الأربعة ويصفونهم بكل شذوذ، وحين يتكلمون عن الملحدين وكارهي الدين بل رموز الضلال نجد أن سهامهم تتوجه أيضاً إلى الوهابية! بالرغم من أنهم لا يقولون بأكثر من أحكام الردة المنصوص عليها في كتب المذاهب التي تزعمون دفاعكم عنها. إن المحزن حقاً أن يطغى عِداء بعض الصوفية للوهابية على مصلحة الإسلام!

الأمر ببساطة:
نحن أما خيارين لا ثالث لهما؛ إما أن تكون مع أُناسٍ يُعظِّمون الشريعة ولهم "أخطاء - اجتهادات" مغايرة في بعض الفهم أو التطبيق، أو تكون في صف أُناسٍ لا علاقة لهم بها فضلاً عن كونهم يعتبرون بعض من يحقر الشريعة من رموزهم كفرج فودة ونحوه!

فأيهما تختار لنفسك؟ ومع أي الفريقين تحب أن يُقِيمك الله؟
 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام