الصائم الصغير

«كلُّ عَمَلِ ابنِ آدمَ لَه إلَّا الصَّومَ، فإنَّهُ لي وأَنا أجزي بِه، ولَخُلوفُ فَمِ الصَّائمِ أطيبُ عندَ اللَّهِ من ريحِ المسكِ»

  • التصنيفات: تربية الأبناء في الإسلام - مناسبات دورية -


«كلُّ عَمَلِ ابنِ آدمَ لَه إلَّا الصَّومَ، فإنَّهُ لي وأَنا أجزي بِه، ولَخُلوفُ فَمِ الصَّائمِ أطيبُ عندَ اللَّهِ من ريحِ المسكِ» (رواه أبو هريرة، صحيح البخاري 5927).

ذلك هو العنوان العريض والتعريف الدقيق لشهر ننتظره من عام إلى عام وها هو قد جاء، إنه أغلى الضيوف! إنه رمضان الكريم شهر البر والإحسان، أطفالنا يكبرون بين أيدينا وسعادتنا تكبر معهم، نرقبهم لحظة بلحظة، فإن ابتسم الصغير عم الفرح البيت، وإن حبا تابعته الأنظار مهللة، وإن وقف ومشى اهتزت أرجاء البيت طرباً، وعندما يدخل المدرسة يشعر ذووه وكأنهم ملكوا الدنيا، وينمو هذا الذي شغل القلوب يوماً بعد يوم..

فاليوم أصبح مطلوباً منه حفظ دروسه وواجباته، وغداً سيصلي وبعد غد يعمل كذا، وقطار العمر يأخذه لمحطات يتعلم بها ويختبر الحياة اقتباساً وتجربة، عملاً وتفكيراً، والصوم يا أخي مسؤولية جسيمة سيأتي وقت تصبح فريضة على طفلي وعلى طفلك، والصوم جهد ومشقة ويتطلب الصبر وقوة الإرادة، الصوم فريضة يا أخي لها الثواب وفي تركها العقاب، لا تدعها تباغت أطفالنا دون أن يستعدوا لها، بل دعهم يترقبونها بشوق وشغف، القضية كبيرة ودورنا يجب أن يتناسب معها، فكيف نجعل من لحظات الصيام سعادة في قلوب فلذات أكبادنا؟ وكيف نصيّر رمضان الكريم عرساً ينتظره أبناؤنا؟

البيت مدرسة كبرى، والطفل يرى ويسمع ويقلد، البيت يجب أن تظهر فيه معالم الحفاوة برمضان، والطفل يتربى ويكبر وهو يرى سعادة ذويه وأخوته بقدوم الشهر المبارك، يجب أن لا يرانا نتأفف من الجوع، فهو صحيح أنه صغير، ولكنه خبير بالمشاعر، يجب أن لا نفهمه أن الأمر جوع وعطش، بل هو سرور وحبور، وفوق ذلك ثواب عظيم، يجب أن نعلمه أن الصوم لله تعالى، والجزاء حقاً كبير.

طاقة الطفل وتحمله تزداد يوماً بعد يوم، ولذلك فقد يكون هذا العام غير قادر على الصيام -ولا عيب في ذلك ولا إثم- فالصيام يرتبط بمقدرة الصغير المتزايدة وعندما يصبح بمقدوره تحمل هذه المسؤولية يجب أن نجعله يقبل عليها بحب واشتياق، لا مانع إن دربناه قبل أن يصبح في سن التكليف على الصيام المتدرج، كأن يصوم للظهر ومن ثم للعصر، وهكذا درجات.. لا حرج إن كان بمقدوره تحمل بعض الجوع مع تناول بعض الماء إن كان لا يزال حقاً لا يستطيع الصيام، إن هذا تدريب وتمهيد حتى لا نفاجئه يوماً بقولنا: "إن وقت الصيام قد حان".

ويكبر الصغير ويقوى على الصيام، وآنئذ دعه يشعر بلذة الطعام والشراب بعد طول صبر وتحمل، دعه يرى أن وقت الإفطار فرحة كبرى ينال فيها من السعادة اليومية ما يكفي، واجعله يستمتع في نهاية الشهر بعيد سعيد يمرح فيه ويلعب، في وقت الإفطار سنكون نحن قدوة وعاداتنا ستنعكس على أطفالنا بلا شك، فالأكل ليس التهاماً بل بتأن وتؤدة، وأنواع الطعام يجب أن لا تؤذي المعدة، يجب أن لا نشرب بحراً من السوائل منذ البدء فيقلدنا الصغير وتؤلمه بطنه.

رمضان فرصة للمدخن كي يقلع عن سجائره إن لم يكن حرصاً على نفسه فحرصاً على أبنائه، ما أسوأ ذلك المنظر الذي يفطر فيه صائم على دخان سيجارة، وطفله البريء ينظر إليه، الصيام فرصة رائعة كي نخلص أنفسنا وأبناءنا من أقنية فضائية لا تراعي ذوقاً ولا أخلاقاً.

أما العبادات: فندرب الطفل على أدائها وعدم التهاون بها قبل الإفطار وبعده، وفي السحور نوقظه رغم لذة النوم، وعلينا بحكمة وفطنة أن نجعل وقت السحور متعة حقيقية يستيقظ له الطفل غير متحسر على نوم فقده، يجب أن نحرص على سحور أطفالنا حتى وإن لم تكن بهم طاقة على الصيام حيث أنهم يتعودوا على أداء الصيام رويداً رويداً، يجب أن لا يشعر أطفالنا أن الصيام نوم وكسل، لا مانع إن تأخر الطفل في النوم قليلاً، ولكن الطامة الكبرى إن رأى أباه ينام طول النهار وعرضه لا يفيق إلا على صوت المؤذن، يجب أن يشعر أن وقت الصيام ثمين فيكسبه في الطاعة والعبادة وقراءة القرآن الكريم بالإضافة للأعمال الاعتيادية، ولا ننسى أن ذاكرته تسجل ومن شب على شيء شاب عليه.

الجائزة والهدية يحبهما الطفل وتحلان في قلبه مسكناً حلواً، وكما في أي عمل فهما تشجيع وترغيب يومي وأسبوعي وشهري.
طفلنا يجب أن يعلم أن ديننا يسر ورحمة، والله سبحانه سمح للمريض والمسافر والكبير الطاعن في السن غير القادر على الصيام، وكذلك الصغير الذي لم يدخل سن التكليف بألا يصوموا، فالله غفور رحيم.

رمضان الكريم مناسبة لأن نعود أطفالنا البعد عن الأطعمة التي تقذفها إلينا المصانع بالأطنان، وفيها من الضرر ما يفوق النفع، ونعيدهم للذوق الغذائي السليم، التمر مثلاً فيه من الفائدة ما يجعل منه غذاء كاملاً ودواء نافعاً بإذن الله، وعندما يرانا الطفل نقبل عليه على الفطور وبالسحور سيقتفي أثرنا في ذلك، وكذلك قصة اللبن والعسل والثمار وغيرها من نعم أنعم الله بها علينا.

وختاماّ:
قد يكون في الصيام مشقة، ولكن بإمكاننا بعون الله تعالى أن نجعله لحظات ينتظرها هؤلاء الذين سيصبحون عماد المستقبل بفارغ الصبر إن شاء الله، إن الدعاء في رمضان له مكانة عالية رفيعة ويجب ألا نبخل به وخصوصاً لأطفال في الشام فقدوا كل شيء إلا تعلق قلوبهم بالله سبحانه.         


عبد المطلب السح