يسقط حكم العسكر، في سبيل الدعوة وإصلاح المجتمع!

خالد بهاء الدين

حتى يقضي الله أمره، وينفذ فينا قضاءه، يجب علينا أن نعيَ أننا لا نملك إلا رفض الباطل الواضح، الذي يعارض كل إصلاح مجتمعي أو فكري أو سياسي أو اقتصادي أو غيره، يعارض أي إصلاح يعطي الحرية في امتلاك أي إرادة، وعلى رأس ما يمنعه ويرفضه، ويحاربه: امتلاك إرادة التفكير، وحرية التنقل والكلمة، والدعوة إلى الفكرة (أي فكرة)، مما لا ينفع معه أي إصلاح، مجتمعيا أو غيره !!

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -


الحمد لله وحده...

هذا المنشور كتبته بتاريخ 30/ 7 / 2013، قبل الفض بأسبوعين كاملين، وهو نفس المعنى الذي كررت بعضه قبل الانقلاب، وأعدته في غير منشور بعد الفض الدموي، وفيه:

(من هنا أكرر ما كتبتُه كثيرا، وقلته أكثر في خلال هذه الأحداث: هذا القدر من الحق، الذي سبق وصفه؛ يقضي بأن يرفض جميع الناس هذه الدولة المستبدة؛ حتى عقلاء النصارى! لأنها ضد كل إصلاح، في أي طريق كان! فيجب التصريح برفضها، والعمل على إفشالها، وممانعتها، وصدها، بكل طريق ممكنة، هذا عندي محكم).

================

الحمد لله وحده...

- لا يمكن أن يقول عاقل إن هذا المجتمع ليس بحاجة إلى إصلاح وترميم، بل ربما إعادة بناء.

- وعلى الجانب الآخر؛ هناك فرق بين الحلول في حال السعة والبحبوحة، وبين المسالك التي تضطر إليها اضطرارًا، ورب ما يختلف فيه في الصفوة، لا يحتمل النظر في الكدر والضيق!

- وأهم من ذلك أن يقال:
1- تقديم أهمية الإصلاح المجتمعي، والعلمي، والفكري، ليس فكرة مستجدّة أصلا؛ بل هذا ما تبنته طوائف واسعة من المتشرعة وغيرهم من الإصلاحيين المسلمين أفرادًا وجماعات على مدى عقود، إلى حد الغلو أحايين كثيرة !

2- وإن كنت أعترف أنها لم تخرج عن مجرد كونها فكرة، ينظّر لها بضعف وضحالة، من طرف خفي، أحيانا، فقط لا غير، ولا غير فقط!!

3-حتى حَلّت الحركةُ الاجتماعية في 25 يناير، فاهتزت قناعات، واغترّت عقول بواقع وهمي مثالي، رسمه الخيال، وحركته شهوة الإصلاح، أو بالأحرى (الدولة)، بلا مراعاة لسنن الكون وثوابت المجتمع، وسنن الشرع وثوابت طريق التمكين !! وظُنّ أن التمكين (الحلم) أمسى واقعًا !!

4- وأسكرت هذه الفكرة العقول! مع أن بعضها (ربما) كان أنضج عقولنا نحن المصريين! وفي سكرة الفكرة (الحلم) خفتت ثوابت في مناهج التغيير والإصلاح، كانت ثوابت لعقود وسنين!

5- وأغشت هذه الفكرة الأبصار! فترى الرجل كبير القدر في العلم والفهم، يعلم عن الرجل من الناس أنه ضال مناوئ، وخبيث ماكر، ومع ذلك يأمنه ويدافع عنه، ويرضى عن مشاركته، بل عن أن يوكل إليه ما يمكِّنه به من رقاب الناس ودينهم ودنياهم !أمثلة: (السيسي ومحمد إبراهيم والطيب)، وكثير. وتجده لا يأنف أن يسكت عن المبطلين في الشرع، رؤوس المبتدعة، بل يثني عليهم ويتودد إليهم (شيخ مشايخ الطرق الصوفية، نقيب الأشراف). أتكلم هنا عن وقائع وحقائق.. حضرتها وشاهدتها وعلمتها واستنكرتها في حينها، لا عن ظنون ولا أوهام ولا أخبار !

6- نعود إلى موضوعنا:
الإصلاح المجتمعي والفكري والعلمي، شرعيًّا كان أو غير شرعي، ليس يَسْلم من المعارِضات والمنغصات، بل من الممانعات والخطط المضادة، الحريصة على عدمه، أو إضعافه.

7- أهم منغصاته ومعارضاته: النظمُ المستبدة المتحكمة، العسكرية الفاشية، كنظام مبارك، والخارجية المتسلطة المتغلغلة في المجتمعات المسلمة، بمنظماتها المدنية، وحكوماتها، بل أجهزة استخباراتها !

8- ليس يقع الشك عندي ولا يخطر على قلبي، أن الدولة التي يُراد تأسيسها، ومن ثم تثبيت أركانها؛ ليست دولة مبارك، بل هي أشرس وأكثر ممانعة ومحادة لله ورسوله ودينه، وأكثر استبدادا ولعبا في عقول الناس وتحكما في ضمائرهم، وتزييفًا لوعيهم. وهي المخترَقة أكثر وأبلغ من دولة مبارك !!

9- وأنها أحرص على صد أي إصلاح مجتمعي، أو فكري أو علمي، وكبت كل ذلك، وأنها لا تتورع أن تجيش الجيوش، وتعلن مائة حرب (باردة) لمنع هذا الخطر المحدق بالنظام العالمي المستقر، والشرق أوسطي المراد تقريره!

10- فإذا كنت شديد اللمح لصعوبة أو استحالة التغيير السلطوي بسبب الاختراق الغربي، والسيطرة العسكرية الاقتصادية على البلاد؛ ولا يوجد في نظرتك وتحليلك كبير رصد وتحليل (فضلا عما بعد ذلك) للاختراق الفكري والمجتمعي، والتحكم في البنية الفكرية للمجتمع وتوجيهها والسيطرة عليها، ومحاربة أي فكرة إصلاحية لها بكل سبيل ممكنة؛ فأقل ما توصف به هو قصور التصور وضعفه، وفي النفس زيادة أوصاف !!

11- ولا أظن عاقلا يظن أنه في حال نجاح هذا الانقلاب، سيستطيع بأريحية أن يرسم (استراتيجيات) التغلغل في المجتمع بفكر إصلاحي، ثم يبدأ (بحرية) في تفعيل كيانات وأدوات تمكنه من رفع الوعي المجتمعي!!

12- ولا أشك ولست أجادل في أن إحدى سلبيات الإصلاحيين من منظور إسلامي، أنهم صنعوا نوع حاجز بينهم وبين الناس، لكن لا يجب الغلو في تقرير هذا المعنى، وتصويره ولو من غير قصد؛ وكأن الناس منفتحون متهيئون للتفاعل والاندماج في سلك الفكرة الإسلامية، وأن العيب كله في الإسلاميين.

13- وينبغي التفطن إلى أن (أكثر) أسباب (الانغلاق) الإسلامي، وعدم الاندماج في المجتمع؛ يعود في حقيقته إلى قيم شرعية وأخلاقية !

14- استبدل (كثيرا) أو (بعض) أو (قدرًا من) بـ(أكثر) في الفقرة السابقة !!أعني أنك يمكنك أن تخالفني، ويمكنني أن أتراجع فورًا إلى إحدى هذه الكلمات، لأنني ببساطة أعتقد أننا لا نملك الدراسات الوصفية أو التحليلية الكافية لهذا، فضلا عن رسم طريق عملية واضحة، وآليات محددة لسلوكها. وعليه، وإلى حينه: فستبقى الدعوة الشاملة إلى هذا النوع من الإصلاح، أسيرة مجرد الفكرة، والدعوة العامة، في كلام مكرور، حتى يُسَدّ هذا الخلل، الذي يحتاج إلى جهود مضنية!! (لا أقصد إلى فرض اليأس)!!

15- الإصلاح المجتمعي، والعلمي والفكري، طريقه أشق وأوعر جدًّا، وأطول جدًّا جدًّا !!ومعارضوه أشرس، وأدوات معارضته أبلغ، وأنجح، وأوفر، في الداخل والخارج، من المسلمين وغيرهم !! لا سيما بعد التشكيل المعدل لما يسمى بـ(الحركات الإسلامية)، والأكثر تعديلا لـ(نظرة المجتمع لهذه الحركات)، الذي بدأت تظهر بعض معالمه، ولله الأمر من قبل ومن بعد !

16- وحينئذ؛ فمن جعل همَّه سلوكُ هذه السبيل؛ فقد اختار الطريق الأطول، والأشق، والأصح، بل الشاقة والصحيحة !!

17- حتى يقضي الله أمره، وينفذ فينا قضاءه، يجب علينا أن نعيَ أننا لا نملك إلا رفض الباطل الواضح، الذي يعارض كل إصلاح مجتمعي أو فكري أو سياسي أو اقتصادي أو غيره، يعارض أي إصلاح يعطي الحرية في امتلاك أي إرادة، وعلى رأس ما يمنعه ويرفضه، ويحاربه: امتلاك إرادة التفكير، وحرية التنقل والكلمة، والدعوة إلى الفكرة (أي فكرة)، مما لا ينفع معه أي إصلاح، مجتمعيا أو غيره !!

18- أحب أن أذكّر هنا أنني معارض قديم للممارسات السياسية للإسلاميين بعد حركة 25 يناير، ناصح في السر، ثم كاتب في العلن منذ أنشأت هذه الصفحة.

19- ولا زلت أعتقد بفساد كثير من الممارسات في الفترة السابقة من وجهة نظر شرعية وغيرها، ومعارض للدستور من جهة نظر شرعية أيضًا، شديد السخط عليه، ولكن...

20- من هنا أكرر ما كتبته كثيرا، وقلته أكثر في خلال هذه الأحداث: هذا القدر من الحق، الذي سبق وصفه؛ يقضي بأن يرفض جميع الناس هذه الدولة المستبدة؛ حتى عقلاء النصارى؛ لأنها ضد كل إصلاح، في أي طريق كان! فيجب التصريح برفضها، والعمل على إفشالها، وممانعتها، وصدها، بكل طريق ممكنة، هذا عندي محكم !

==

كتبت هذا المنشور على الصفحة مباشرة، ولم أراجعه، ولعل في بعض محاوره ما يستحق صياغة أفضل تُظهِر ما في نفسي من معان، فإني أعتقد أن فيه من المعاني ما يدق، ويجب التأمل في صوغه، ويحتاج إلى سعة وقت، لا هذه العجلة !لكن ليس هناك وقت الآن!


الشيخ خالد الأزهري السلفي
 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام