القضية الفلسطينية تفضح دعاة (القومية)

منذ 2013-12-09

المدقِّق لتطورات القضية الفلسطينية؛ يجدها متسارعة للغاية، بشكلٍ يفوق رد الفعل العربي والإسلامي؛ جرَّاء ما يفعله الكيان الصهيوني من عمليات تهويد للتراث العربي والفلسطيني، ومحاولات التجريف المتواصلة التي يعمل عليها، وتزايدت بعد الاعلان عن مشروع "برافر" الاستيطاني.


المدقِّق لتطورات القضية الفلسطينية؛ يجدها متسارعة للغاية، بشكلٍ يفوق رد الفعل العربي والإسلامي؛ جرَّاء ما يفعله الكيان الصهيوني من عمليات تهويد للتراث العربي والفلسطيني، ومحاولات التجريف المتواصلة التي يعمل عليها، وتزايدت بعد الاعلان عن مشروع "برافر" الاستيطاني.

هذا المشروع الذي أثبت الفلسطينيون في النقب وغيرها استبسالهم ضده، خلاف العديد من المشاريع الاستيطانية الأخرى للكيان الصهيوني تثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن الفلسطينيين أبداً لم ولن يركنوا إلى المستعمر الغاصب، أو الخنوع إلى كل من يسعى للهاث للسلام معه، وإبرام اتفاقيات مشتركة تجمعهم، على نحو ما تفعل سُلطة رام الله التي تعمل حثيثاً على كسب ود الحكومة "الإسرائيلية"، والعمل على التئام ما يُعرَف بعملية التسوية، عبر مفاوضات هزلية لا طائل من ورائها، إلا إضاعة الوقت، واستهلاك المخزون المقاوم الفلسطيني، والمساهمة في توسعة الشروخ في بنية الانقسام داخل الفصائل الفلسطينية، لتُزيدها انقساماً بشكل يفوق ما هو قائم.

غير أن حالة الوعي والإدراك التي عليها الفلسطينيون تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن هناك عقولاً يقِظة تجاه ما يُدبَّر ويُخطَط، وأن روح المقاومة لا تزال وثابة في نفوس أبناء هذا الشعب الأبي، على الرغم من كل الجراح والآلام التي يعانيها من قِبل الإحتلال، ومن قِبل بعض المتآمرين ليس على قضيتهم المركزية والكبرى وحدها؛ ولكن على كرامتهم الإنسانية بالأساس.

هذا الصمود الذي يؤكده الفلسطينيون يتجاوز التصدي لمثل هذا المشروع الاستيطاني إلى غيره من أوجه الصمود ضد المحتل الصهيوني، على نحو ما يُخطِط له هذا المحتل في مدينة القدس بمواصلته لعمليات التهجير والتهويد ضد التراث الوطني الفلسطيني، فضلاً عن عمليات التهويد الممتدة عبر استيطان الأرض، بعدما وجدوا أنهم نجحوا في تهويد الحجر والأرض، وقد يكون ذلك على مستوى دواخلهم فقط، إذ أن صمود واستبسال المَقدسيين بالتصدي لكافة محاولات الاستيطان والتهويد داخل جميع الأراضي الفلسطينية يُعد أحد الأشكال المانعة ضد أي محاولة للتهويد أو الاستيطان.

ومع كل هذه الروح الوثّابة للمقاوم الفلسطيني على الأرض؛ فإنه تقابله في خارج هذا الوطن العربي المسلم المحتل أشكالاً عِدة من المؤامرات ضده وضد قضيته العادلة، والتي لا تتجاوز البعد الفلسطيني إلى ما هو عربي وإسلامي، إذ يبدو المزايدون على هذه القضية بشكلٍ واضح، وخاصةً ممن يُسمُّون أنفسهم بالقوميين العرب، وهنا نُركِّز تحديداً على هذا اللون الفكري الذي يدَّعي زُوراً وبُهتاناً أنه يجعل من القضية الفلسطينية قضيته الأساسية، وأنه يناضل من أجلها، ويستعذب لقائها العديد من أشكال العنت، وهو ما يصد عنها به الإعلام المحسوب على هؤلاء منذ أكثر من ستة عقود، ادّعى خلالها أنه يملك ناصية الدفاع عن هذه القضية، ومن وقتها ونحن نسمع شعارات لا تراوح مكانها، إلى أن أصبحت الشعارات ذاتها مجرد لافتات لا طائل من ورائها، سوى المزايدة لخدمة أغراض أخرى رخيصة.

ففي الماضي صدَّعوا رءوسنا بالحديث عن إلقاء إسرائيل في البحر، وأن الصراع العربي معها هو صراع حدود، ودخلوا في إشكاليات عدة مع غيرهم بأنه ليس صِراعاً وجودياً، كما أنه صراع سياسياً وليس ديناً، وقاموا بتأصيل مثل هذه المفاهيم، ومع ذلك فلم تتحرّك حناجرهم التي ظلوا يصدحون بها دِفاعاً عن القدس وأهلها، وعن القضية الفلسطينية وشعبها، والقضية تتعرّض حالياً لعمليات تهويد واسعة، بل وجدنا من أمثال هؤلاء القوميين قدراً كبيراً من التآمر على المقاومة الفلسطينية ذاتها، إذ تم خرس الألسنة التي كانت تدَّعي دعم المقاومة والحديث الدائم عن نصرتها، بدعوى إخوانيتها، أو أنها تنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، والتي تتعرّض حالياً لحملة استئصال واسعة من قبل السلطة الجديدة في مصر، والتي يدعمها القوميون أيضاً بقوة.

وتحت الزعم الذي أرادوه القوميون لأنفسهم؛ فقد نفضوا عن مواقفهم كلفة الدفاع عن القضية الفلسطينية، بعدما استشعروا أن هذه المرحلة يصعب فيها المزايدة على دعمها، وأن المرحلة الآنية هى مرحلة مصالح، ليس مكسبهم فيها القضية الفلسطينية، وأن هناك ما هو أولى منها، وهو الوصول إلى سدة الحكم، وقمع مناوئيهم، وخاصة إذا كانوا إسلاميين، وهذا عهدهم منذ الحديث عن هذه القومية في منتصف القرن الفائت، والتي باسمها مُورِسَ الاستبداد والطغيان خلال المرحلة الناصرية، حتى دخلت شعارات القومية العربية مرحلة الموت السريري، إن لم يكن قد أطلقوا عليها هم أنفسهم رصاصات الرحمة بالفعل، خاصةً وأن هناك ثورات عربية أُقيمَت لاجتثاث جذور مثل هذه القوميات التي ظلت رهينة الظلم والاستبداد، على نحو ما حدث في مصر وليبيا وسوريا.

ولذلك لا تجد حديثاً عن القومية العربية إلا وكان الاستبداد والطغيان قرينهما، وهذا عهدنا بمن تصنعوا الزعامات وادّعوا القومية العربية على مدى السنوات الستين الفائتة، وزعموا زُوراً وبُهتاناً أنهم سيُحرِّرون فلسطين، وأنهم سيعملون على دعم قضاياها والمقاومين عنها، توظيفاً لمكاسب سياسيةً واستثماراً لموازين قوى وقتها، ورغبة من رموزٍ عربية تمتعت بلدانها بخيرٍ وفير، فأعلنت وقوفها خلف هذه الزعامات، إلا أن هذه الزعامات نفسها لم تكن أهدافها أبداً تحرير فلسطين، بقدرِ ما كانت أعينها على نفط هذه البلدان، ولذلك أخذت تُتاجِر بورقة القومية العربية والزعم بالدفاع عن الكرامة والأرض العربية في كل محفل يمكن أن تجلب من ورائه ما يُسهِم في تسمين الكروش وصولاً إلى العروش.

ولذلك فإن المتأ
مِّل لجميع تجارب القوميين العرب يجدها فاشلة بامتياز؛ فلم ينجحوا في تحقيق أي منجز حقيقي على الأرض، اللهم إلا منجز الاستبداد، والذي ظلوا يعملون عليه، على نحو ما تشهد الحقبة الناصرية في مصر خلال عقدي الخمسينات والستينات وامتدادهما في القرن الفائت، خلاف حقبة حافظ الأسد ونجله الطاغية بشار في سوريا، ومعمر القذافي في ليبيا، وصدام حسين في العراق، بل إن أمثال هؤلاء ساهموا في وأد القضية الفلسطينية التي ظلوا يتغنون بالدفاع عنها، إلى أن أصبحوا مِعوَل هدمٍ وتشويهٍ للمقاومة على نحو ما يعمل عليه أعلامهم الذي يسيطر عليه معظم أذناب القوميين العرب.


علا محمود سامي
 

  • 0
  • 0
  • 1,181

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً