صور التَّأنِّي

التَّأنِّي مطلوبٌ في كثير من الأحوال والمواقف التي تمرُّ على الإنسان، ومِن هذه الأحوال التي يتطلَّب فيها التَّأنِّي..

  • التصنيفات: محاسن الأخلاق -


التَّأنِّي مطلوبٌ في كثير من الأحوال والمواقف التي تمرُّ على الإنسان، ومِن هذه الأحوال التي يتطلَّب فيها التَّأنِّي:
1. عند الذهاب إلى الصَّلاة:
فعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: ((بينما نحن نصلِّي مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إذ سمع جلبة الرِّجال، فلمَّا صلَّى قال: «ما شأنكم؟» قالوا: استعجلنا إلى الصَّلاة. قال: «فلا تفعلوا إذا أتيتم الصَّلاة فعليكم بالسَّكينة، فما أدركتم فصلُّوا، وما فاتكم فأتمُّوا» (صحيح البخاري). وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا سمعتم الإقامة، فامشوا إلى الصَّلاة وعليكم بالسَّكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلُّوا، وما فاتكم فأتمُّوا» (صحيح البخاري).
ففي الحديثين نهي عن الاستعجال والإسراع لإدراك الصَّلاة، والأمر بالتَّأنِّي والسَّكينة في المجيء للصَّلاة والقيام لها.

2. التَّأنِّي في طلب العلم:
قال تعالى: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} [القيامة: 16]. قال ابن القيِّم في هذه الآية: "ومِن أسرارها -سورة القيامة-: أنَّها تضمَّنت التَّأنِّي والتَّثبُّت في تلقِّي العِلْم، وأن لا يحمل السَّامع شدَّة محبَّته وحرصه وطلبه على مبادرة المعلِّم بالأخذ قبل فراغه مِن كلامه، بل مِن آداب الرَّب التي أدب بها نبيَّه أَمْرُه بترك الاستعجال على تلقِّي الوحي، بل يصبر إلى أن يفرغ جبريل مِن قراءته، ثمَّ يقرأه بعد فراغه عليه، فهكذا ينبغي لطالب العلم ولسامعه أن يصبر على معلِّمه حتى يقضي كلامه".

3. التَّأنِّي عند مواجهة العدو في ساحة القتال:
قال النُّعمان بن مقرن للمغيرة بن شعبة رضي الله عنهم في تأخير القتال يوم نهاوند: "ربَّما أشهدك الله مثلها مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فلم يُندِّمك، ولم يخزك، ولكني شهدت القتال مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا لم يقاتل في أوَّل النَّهار، انتظر حتى تهبَّ الأرواح، وتحضر الصَّلوات". قال ابن حجر: "قوله: (فلم يندِّمك) أي: على التَّأنِّي والصَّبر حتى تزول الشَّمس". وقال الشَّافعي: "لا ينبغي أن يولِّي الإمام الغزو إلَّا ثقة في دينه، شجاعًا ببدنه، حسن الأناة، عاقلًا للحرب بصيرًا بها، غير عَجِلٍ ولا نَزِق، ويتقدَّم إليه أن لا يحمل المسلمين على مهلكة بحال".

4. التَّأنِّي في الإنكار في الأمور المحتملة:
فعن أبيِّ بن كعب رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في قصَّة موسى والخضر عليهما السَّلام وفيه: «فعمد الخضر إلى لوح مِن ألواح السَّفينة، فنزعه، فقال موسى: قومٌ حملونا بغير نَوْلٍ، عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها؟! قال: ألم أقل إنَّك لن تستطيع معي صبرًا؟ قال: لا تؤاخذني بما نسيت، ولا ترهقني مِن أمري عسرًا» (صحيح البخاري).
قال ابن حجر: "إنَّ الذي فعله الخضر ليس في شيء منه ما يناقض الشَّرع، فإنَّ نقض لوح مِن ألواح السَّفينة لدفع الظَّالم عن غصبها، ثمَّ إذا تركها أعيد اللَّوح- جائزٌ شرعًا وعقلًا، ولكن مبادرة موسى بالإنكار بحسب الظَّاهر، وقد وقع ذلك واضحًا في رواية أبي إسحاق التي أخرجها مسلم، ولفظه: فإذا جاء الذي يسخِّرها فوجدها منخرقة، تجاوزها فأصلحها، فيُستفاد منه وجوب التَّأنِّي عن الإنكار في المحتملات".

5. التَّأنِّي في التَّحدُّث مع الآخرين:
عن أمِّ المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: "إنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يحدِّث حديثًا لو عدَّه العاد لأحصاه". وفي لفظ: "إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يسرد الحديث كسردكم".
قال بدر الدِّين العيني: "لم يكن يسرد..." أي: لم يكن يتابع الحديث استعجالًا، أي: كان يتكلَّم بكلام متتابع مفهوم واضح على سبيل التَّأنِّي، لئلَّا يلتبس على المستمع.

6. عند الفصل في المنازعات وإنزال العقوبات:
ففي قصَّة أمير المؤمنين عمر في قضائه بين علي بن أبي طالب والعبَّاس رضي الله عنهما في فيء الرَّسول صلى الله عليه وسلم مِن بني النَّضير قال لهما عمر رضي الله عنه: "اتَّئدوا". قال ابن حجر: "قوله: "اتَّئدوا" المراد: التَّأنِّي والرَّزانة". وقال أبو عثمان بن الحدَّاد: "القاضي شأنه الأناة والتَّثبُّت، ومَن تأنَّى وتثبَّت تهيَّأ له مِن الصَّواب ما لا يتهيَّأ لصاحب البديهة".
وقال مالك بن أنس: "العَجَلَة في الفتوى نوعٌ مِن الجهل والخُرْق، قال: وكان يُـقَال: التَّأنِّي مِن الله، والعَجَلَة مِن الشَّيطان".
وقال الأصفهاني: "قال بعضهم: ينبغي للسُّلطان أن يؤخِّر العقوبة حتى ينقضي سلطان غضبه، ويعجِّل مكافأة المحسن، ويستعمل الأناة فيما يحدث، ففي تأخير العقوبة إمكان العفو إن أحبَّ ذلك، وفي تعجيل المكافأة بالإحْسَان مسارعة الأولياء إلى الطَّاعة".

 

المصدر: الدرر السنية