لماذا تدعم قطر الإخوان؟

محمد جلال القصاص

يمثل دعم دولة قطر للحراك الشعبي الرافض للانقلاب في مصر إشكالية بحثية عند بعضهم، وذلك أن قطر دولة صغيرة في العدد وبعيدة في الجغرافيا، وأحد أهم المرتكزات الأمريكية السياسية والعسكرية في منطقة الخليج، وتربطها علاقاتٌ مع اليهود الصهاينة المحتلين لبيت المقدس، وكذا مع الخليج العربي المؤيد للانقلاب في مصر.

  • التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -


يمثل دعم دولة قطر للحراك الشعبي الرافض للانقلاب في مصر إشكالية بحثية عند بعضهم، وذلك أن قطر دولة صغيرة في العدد وبعيدة في الجغرافيا، وأحد أهم المرتكزات الأمريكية السياسية والعسكرية في منطقة الخليج، وتربطها علاقاتٌ مع اليهود الصهاينة المحتلين لبيت المقدس، وكذا مع الخليج العربي المؤيد للانقلاب في مصر.

وكي نفهم الأمر دعنا نستخدم نظرية المباريات، وهي إحدى أهم النظريات في تحليل العلاقات الدولية، وتفترض أنَّ في كل حدثٍ دولي عددٌ من اللاعبين، ومن خلال تتبع إمكانات كل لاعب وأهدافه وأدواته التي يستعملها نستطيع أن نفهم ما يحدث، وأن نقدم رؤية للمستقبل القريب والمتوسط أيضًا، وكذا يمكننا دراسة آلية (اللعب الدولي)، فدراسة حالة واحدة تبين -بنسبة كبيرة- حال بقية الحالات.

في الحدث المصري يوجد اللاعب المحلي، وعدد من اللاعبين الإقليميين يبرز منهم الخليج العربي: السعودية والإمارات، وقط؛ وتركيا تتواجد بنسبة ما، ويوجد اللاعب الدولي الوحيد وهم الأمريكان، والتواجد الأوروبي محدود، وأوروبا في جملتها تبع للأمريكان، والذي يدير المباراة هو اللاعب الدولي له هيمنة وسيطرة كاملة على كافة اللاعبين، ومنهم قطر.

ماذا تريد قطر؟
قطر تبحث عن دورٍ إقليمي وربما دولي، في حدود ما يسمح به الأمريكان والقوى الإقليمية الأخرى (إيران والخليج، واليهود)، وقطر لا تملك أدوات صنع الصراع الرئيسية، وهي القوة البشرية والجغرافيا -مساحة وموقع-، ولا تستطيع قطر -كما غيرها من الدول العربية- إنتاج تكنولوجيا، أو الدخول في تطوير العملية التعليمية بهدف إنتاج معرفة تقنية واجتماعية تطور بها الداخل في الخارج، كما فعلت كوريا وكما تحاول أن تفعل تركيا، ولذا تتمدد دولة قطر ببعض أدوات القوة الناعمة" (إعلام ومال)، في حدود ما يسمح به مدير الملعب (اللاعب الدولي)، ودون أن تتصادم مع اللاعب الإقليمي (إيران، والسعودية، ثم الإمارات والكويت).

مساحة الانتشار التي تتحرك فيها قطر هي الدول العربية بالأساس، وتحركها يلقى دعمًا ضمنيًا أو جزئيًا من دول الخليج، وخاصة بعد أن قررت الدبلوماسية الخليجية أن تتخلى عن مبدأ الانكفاء الخليجي ودبلوماسية الغرف المغلقة، وأن تلعب دور القاطرة في الدول العربية لصد موجة (الربيع العربي) فدول الخليج من قديم وبينهما مبادئ ثابتة، أو تفاهمات، فهناك في داخل مجلس التعاون الخليجي أطر ثابتة تجمعهم، وتحت هذه الأطر يحدث تنافس، وأحيانًا تدافع، إلا أنه يبقى داخل هذه الأطر، وكذا تتحرك قطر في القارة الإفريقية بالمال ثم الإعلام ولكنه تحرك محدود، ولا يعنينا هنا.

والسؤال الآن: لماذا يسمح اللاعب الدولي لدولة قطر أن تدعم الثائرين في مصر؟
اللاعب الدولي يهمه بالأساس إضعاف المجتمع المصري وغير المصري، يهمه بالأساس إنهاك الدولة ويحقق بدعم الشرعية عملية توازن بين القوى المتصارعة في مصر، يتسبب هذا التوازن بين المتصارعين في عدم الاستقرار داخل الدولة، وزرع الشقاق بين الناس، والمحصلة إضعاف المجتمع، وكذا يحقق اللاعب الدولي بما يعطيه لقطر من فرصة في التمدد هدفًا آخر مهم وهو ابتزاز واستنزاف دول النفط، فهم الذين يدفعون للعسكر، ويقدمون تنازلات للأمريكان وغيرهم كي لا يعود الإخوان (ابتزاز واستنزاف).

وبدول الخليج يحقق هدفًا آخر هو حائط صد أو إشغال لبعض المشاكسين كالإيرانين، أو ورقة مساومة يلوح بها حينًا، ويستعملها أحيانًا، وذات الشيء يحدث في سوريا، يسمح للدول الصغيرة أن تتواجد وتؤدي دورًا بهدف إيجاد توازن في الصراع، يصلون من خلاله إلى تدمير المجتمع، وابتزاز الدول ذات الأموال، وإشغال المشاكسين أو ملاعبتهم، وكله على حساب المجتمعات المسلمة..

فاللاعب الدولي هو الفاعل الرئيس في المشهد، وقطر جزء لا يتجزأ من منظومته المعقدة، تسعى هي لنفوذ إقليمي محدود، ومنافسة على شيء من الزعامة في المنطقة بالمال والإعلام ضمن الحدود المسموح لها دوليًا، وليست تقية وليست إخوانية، وليست -أيضًا- يهودية، حالة من البحث عن الذات، وحالة من العبث بما مكنها الله فيه من أموال، وحالة من المشاركة في الجريمة الدولية ضد المجتمعات الإنسانية -أتحدث عن الدولة لا عن الشعب-، فالمستهدف هو المجتمع وقطر ودول الجوار والأنظمة أدوات لتحطيم هذا المجتمع وتسخيره لخدمة الغرب.

يبقى أن في التفاصيل مخلصون -والله حسيبهم- يستغلون الحدث للمدافعة بالمتاح كما يفعل (الشيخ وجدي غنيم، والأستاذ أحمد منصور، وغيرهما..)، ويبقى أن ترك المقاومة -مع مراعاة المفاسد والمصالح-  شيء لا يرد على خاطر عاقل إذ أن البديل هو أسر المجتمع، ثم تغريب وتشريد وقتل.. وكل يدعي الحرص على الخير، ولكن من ثمارهم تعرفونهم وقد جربناهم قرونًا بأكملها..
ويبقى أننا نحتاج لنقلات نوعية ولن تكون فقط بما في أيدي لاعبي المنظومة الدولية.
 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام