عيد الحب عبادة وثنية وعادة نصرانية

محمد بن صالح العثيمين

من الأعياد المبتدعة، والاحتفالات المخترعة، ما يسمى بـ"عيد الحب" (فالنتاين Valentine Day) وهو عيد وثني نصراني، لا أصل له في دين الله، وإنما هو مما أملته أهواء الكفار، وأفرزته شهوات الفجار، ممن لا خلاق له ولا دين مستقيم، ولا أدب ولا منهج قويم، وقد شاركهم فيه طائفة من أبناء وبنات المسلمين، واحتفل به بعض ضعاف الدين، فسلكوا سبيل المغضوب عليهم والضالين

  • التصنيفات: قضايا إسلامية -

 

الحمد لله وبعد: فإن من سنن الله الكونية استمرار الصراع بين الحق والباطل، ودوام المدافعة بين الهدى والضلال؛ لذا فقد أمرنا الله بالثبات على الدين، وأوجب علينا موالاة المسلمين والبراءة من الكافرين، وحذرنا من التشبه بأعداء الدين، مهما بلغت حضارتهم قوة وتقدماً، وتردت أحوال المسلمين ضعفاً وتخلفاً وتفرقاً، فالعزة بالدين القويم، والفخر بالسير على الصراط المستقيم، وليس بالقوة المادية، ولا بالنظم الحضارية، ولا الشعارات الجاهلية، قال تعالى: {لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ . مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} [آل عمران:196- 197]، وهذه الشعارات البراقة قادت جماعية من المسلمين إلى مشابهة أعدائهم، واتباعهم حتى في شعائر دينهم وأخص عاداتهم وتقاليدهم، كالأعياد والاحتفالات التي هي من جملة الشرائع والمناهج والعبادات، والله عز وجل يقول: {وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً} [المائدة من الآية:48].

 

وبما أن الإسلام دين الكمال والتمام، فالناقص منه خاطئ ذميم، والزائد فيه معتد أثيم، كان أمر الأعياد وما به الاعتياد مما اختص الله بتشريعه، وحذر النبي صلى الله عليه وسلم من إحداثه أو المشاركة في عيد غير المسلمين، يستوي في ذلك إحياء ما اندثر من أعياد المشركين، أو ابتداع أعياد جديدة لم يشرعها رب العالمين.

 

هذا وإن من الأعياد المبتدعة، والاحتفالات المخترعة، ما يسمى بـ"عيد الحب" (فالنتاين Valentine Day) وهو عيد وثني نصراني، لا أصل له في دين الله، وإنما هو مما أملته أهواء الكفار، وأفرزته شهوات الفجار، ممن لا خلاق له ولا دين مستقيم، ولا أدب ولا منهج قويم، وقد شاركهم فيه طائفة من أبناء وبنات المسلمين، واحتفل به بعض ضعاف الدين، فسلكوا سبيل المغضوب عليهم والضالين، فصدق فيهم قوله صلى الله عليه وسلم: «لتتبعن سنن من قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه»، قالوا يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: «فمن» (صحيح البخاري: [7320]، صحيح مسلم [3669])، وتعرضوا بهذا الفعل لاستحقاق عقوبة الطرد والإبعاد عن حوض النبي صلى الله عليه وسلم في الآخرة، قال صلى الله عليه وسلم: «أنا فرطكم على الحوض، وليرفعن إلي رجال منكم حتى إذا أهويت إليهم لأناولهم اختلجوا دوني، فأقول: أي رب! أصحابي. فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك». وفي رواية: «فأقول سحقاً لمن بدل بعدي» (صحيح البخاري: [6576]، صحيح مسلم [2297]).

 

وملخص هذه الرسالة في النقاط التالية:

 

يطلق "العيد: على المناسبة التي تعود وتتكرر على وجه معيّن، وفي وقت معتاد؛ سنوي أو شهري أو أسبوعي أو غير ذلك، وتتبعه أعمال أخرى –غالباً- من عبادات أو عادات واجتماعات، وقد صار يُستعمل العيد في كل يوم فيه مسرّة (انظر (غريب الحديث للخطابي [1/96])، (المفردات) للراغب الأصفهاني "مادة: عود").

 

فالعيد مظهر من مظاهر الفرح يعتاده الناس في وقت معيَّن، وهو أمر تعبدي، يتزلفون بإظهار هذا الفرح إلى الله تعالى، وإذا كان ذلك كذلك؛ فلا بد حينئذ أن يشترط فيه ما يشترط من جنس العبادات من الاتباع، فلا يجوز مشابهة الكفار في أعيادهم كما لا يجوز مشابهتهم في عباداتهم.

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "إن الأعياد من جملة الشرع والمناهج والمناسك التي قال الله سبحانه: {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ} [الحج: من الآية:67]، كالقبلة والصلاة والصيام، فلا فرق بين مشاركتهم في العيد وبين مشاركتهم في سائر المناهج؛ فإن الموافقة في جميع العيد موافقة في الكفر، والموافقة في بعض فروعه موافقة في بعض شعب الكفر، بل الأعياد هي من أخص ما تتميز به بين الشرائع، ومن أظهر ما لها من الشعائر، فالموافقة فيها موافقة في أخص شرائع الكفر، وأظهر شعائره، ولا ريب أن الموافقة في هذا قد تنتهي إلى الكفر في الجملة بشروطه، وأما مبدؤها فأقل أحواله أن تكون معصية. وإلى هذا الاختصاص أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «إن لكل قوم عيداً وإن هذا عيدنا» (صحيح البخاري: [952]، صحيح مسلم: [892]، ويعني به عيد الفطر أو الأضحى كما في رواية البخاري). وهذا أقبح من مشاركتهم في لبس الزنار[1] ونحوه من علاماتهم؛ فإن تلك علامة وضعية ليست من الدين، وإنما الغرض منها مجرد التمييز بين المسلم والكافر، وأما العيد وتوابعه؛ فإنه من الدين الملعون هو وأهله، فالموافقة فيه موافقة فيما يتميزون به من أسباب سخط الله وعقابه"[2].

 

(عيد الحب) حقيقته وتاريخه عند أهله.

 

إن من أشهر أعياد النصارى اليوم ما يسمى بـ"عيد الحب" (فالنتاين Valentine Day): حيث يحتفلون به في يوم 14 فبرايرمن كل سنة تعبيراً عما يسمونه في دينهم الوثني بـ"الحب الإلهي"، وقد أُحدِث هذا العيد قبل ما يزيد على (1700 عام)، في وقتٍ كانت الوثنية هي السائدة عند الرومان، حيث أعدمت دولتهم القديس (فالنتاين) الذي اعتنق النصرانية بعد أن كان وثنياً، فلما اعتنق الرومان النصرانية جعلوا يوم إعدامه مناسبة للاحتفال بشهداء الحب، ولا زال الاحتفال بهذا العيد قائماً في أمريكا وأوروبا؛ لإعلان مشاعر الصداقة، ولتجديد عهد الحب بين المتزوجين والمحبين، وأصبح لهذا العيد اهتمامه الاجتماعي والاقتصادي.

 

و"عيد الحب" هذا مجموع عندهم من أعيادٍ ثلاثة، أو تجتمع فيه ثلاث مناسبات يحتفلون فيه بها، وهي:

 

1 – يوم 14 من الشهر الثاني الميلادي (فبراير) يومٌ مقدّس للإلاهة "يونو" ملكة الآلهة الرومانية، وإلاهة النساء والزواج عندهم.

 

2 – يوم 15 فبراير يومٌ مقدس للإلاهة "ليسيوس"، وهي ذئبة -أنثى الذئب- أرضعت بزعمهم الطفلين "روميولوس" و"ريموس" مؤسسي مدينة روما، ولهما تمثالان كبيران فيها وهما يرضعان من الذئبة. وقد كان الاحتفال بهذا العيد في معبد "إل ليسوم" أي: معبد الحب، وسُمّي بهذا الاسم؛ لأن الذئبة أحبّت ورحمت الطفلين المذكورين.

 

3 – عندما وجد الإمبراطور الروماني "كلاوديوس" صعوبة في تجنيد كافة رجال روما للحرب، ورأى أن سبب ذلك هو عدم رغبة الرجال المتزوجين الخروج وترك أهاليهم؛ منعهم من الزواج لكن القِس "فالنتاين" لم يطع أمر الإمبراطور، فكان يزوج الناس في كنيسته سرّا؛ فاعتقله الإمبراطور وقتله في 14 فبراير 269م، فغيّرت الكنيسة ذلك العيد من عيد عبادة الذئبة "ليسيوس" إلى عيد عبادة وذكرة القديس "الشهيد: فالنتاين"، وله تمثال كبير في دول أوروبا.

 

ثم تركت الكنيسة الاحتفال بعيد القديس "فالنتاين" رسمياً سنة 1969م؛ لأن تلك الاحتفالات تعتبر خرافات لا تليق بالدين والأخلاق كما قالوا لكن استمر عامة الناس في الاحتفال به إلى هذا اليوم.

 

ومن مظاهر الاحتفال بهذا العيد عندهم:

 

1 – تبادل بطاقات خاصة بين الذكور والإناث مكتوب عليها هذه العبارة: (Be My Valentine: أي كن فالنتيني).

 

2 – تبادل الورود الحمراء بين الذكور والإناث.

 

3 - تبادل الحلويات بين الذكور والإناث.

 

4 – وضع صورة "إله الحب" (كيوبيد Cupid)، وهي عبارة عن صورة طفل له جناح، ومعه قوس يسدد منه سهماً إلى قلب الحبيبة.

 

حكم التشبه بالكفار في أعيادهم.

 

إن من أصول ديننا العظيمة: الولاء للإسلام وأهله، والبراءة من الكفر وأهله، ومن محتمات تلك البراءة من الكفر وأهله تميّز المسلم عن أهل الكفر واعتزازه بدينه وفخره بإسلامه، ولقد جاءت النصوص الكثيرة من الكتاب والسنة تنهى عن التشبه بهم وتبيين أنهم في ضلال، فمن تشبّه بهم فقد قلّدهم في ضلالهم، قال الله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الجاثـية:18]، وقال تعالى: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا وَاقٍ} [الرعد من الآية:37].

 

وما من شك أن مشابهتهم من أعظم أسباب مودتهم ومحبتهم، وهذا يناقض البراءة من الكفر وأهله، التي هي من أهم مقتضيات تحقيق "لا إله إلا الله"، وقد نهى الله تعالى المؤمنين عن مودتهم وموالاتهم، وجعل موالاتهم سبباً لأن يكون المرء منهم -والعياذ بالله- قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة من الآية:51]، وقال تعالى: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة من الآية:22].

 

يقول شيخ الإسلام رحمه الله: "المشابهة تورث المودة والمحبة والموالاة في الباطن، كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر" (الاقتضاء: 1/488)، وقال أيضاً تعليقاً على آية المجادلة: "فأخبر سبحانه أنه لا يوجد مؤمن يواد كافراً، فمن واد الكفار فليس بمؤمن، والمشابهة الظاهرة مظنة المودة فتكون محرمة" (الاقتضاء: 1/470)، وذكر في موضع: "أن من أصل دروس دين الله وشرائعه وظهور الكفر والمعاصي، التشبه بالكافرين، كما أن أصل كل خير المحافظة على سنن الأنبياء وشرائعهم" (الاقتضاء: 1/314، ومعنى (دروس الدين): أي اختفاء معالمه).

 

ومن أدلة تحريم التشبه بهم ما يلي:

 

1 – قال تعالى مادحاً عباده المؤمنين بذكر أوصافهم الحميدة: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً} [الفرقان:72]. قال مجاهد والضحاك: "الزور: أعياد المشركين"، وقال عمرو بن مرّة: "لا يمالئون أهل الشرك على شركهم، ولا يخالطونهم"، وقال محمد بن سيرين: "الزور: هو الشعانين"، والشعانين عيد من أعياد النصارى، يوم الأحد الذي يزعمون أنه ذكرى دخول المسيح بيت المقدس (انظر نقل شيخ الإسلام لهذه الأقوال في الاقتضاء، وتفسيره للشعانين: [1/427]).

 

قال شيخ الإسلام: "وهكذا سمى الله تعالى أعيادهم زوراً، ونهى عباد الرحمن من حضورها وشهودها، فإذا كان حضور أعيادهم ومشاهدتها؛ لا تنبغي، فكيف بمشاركتهم فيها، والموافقة عليها" (الاقتضاء: [1/426])، وقال الإمام ابن القيم: "سمّى الله أعيادهم زوراً، والزور لا يجوز إظهاره" (أحكام أهل الذمة: [3/1244]).

 

2 – قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من تشبّه بقوم فهو منهم» (أبو داود: [4031]، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: [6025]).

 

قال شيخ الإسلام: "وهذا الحديث أقلّ أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبّه بهم، كما في قوله: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة من الآية:51].

 

عن عبد الله بن عمرو أنه قال: "من بنى بأرض المشركين، وصنع نيروزهم ومهرجانَهم (قال محقق الاقتضاء [1/241]: النيروز: أول السنة القبطية. والمهرجان: عيد الفرس)، وتشبّه بهم حتى يموت، حُشِر معهم يوم القيامة" (السنن الكبرى للبيهقي: [9/234]، وصححه ابن تيمية في الاقتضاء: [1/457]؛ فقد يُحمل هذا على التشبّه المطلق؛ فإنه يوجب الكفر، ويقتضي تحريم أبعاض ذلك، وقد يحمل على أنه منهم في القدر المشترك الذي شابَههم فيه، فإن كان كفراً أو معصية أو شعاراً لها؛ كان حكمه كذلك" (الاقتضاء: [1/241-242]).

 

وقال الإمام الصنعاني: "فإذا تشبه بالكافر في زي، واعتقد أن يكون بذلك مثله؛ كفر، فإن لم يعتقد ففيه خلاف بين الفقهاء: منهم من قال بكفره، وهو ظاهر الحديث، ومنهم من قال: لا يكفر؛ ولكن يؤدب" (سبل السلام: [8/248]).

 

3– عن ثابت بن الضحاك قال: نذر رجلٌ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلاً ببوانة؛ فأتي النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: إني نذرتُ أن أنحر إبلاً ببوانة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هل كان فيها وثنٌ يُعبد؟» فقالوا: لا. قال: «فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟» قالوا: لا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَوْف بنذرك؛ فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم؟» (أخرجه أبو داود: [3313]، قال شيخ الإسلام [الاقتضاء: 1/437]: وهذا الإسناد على شرط الصحيحين).

 

ووجه الدلالة في الحديث كما قال ابن تيمية رحمه الله: "فإذا كان صلى الله عليه وسلم قد نهى أن يذبح في مكان كان الكفار يعملون فيه عيداً، وإن كان أولئك الكفار قد أسلموا وتركوا ذلك العيد، والسائل لا يتخذ المكان عيداً بل يذبح فيه فقط، فقد ظهر أن ذلك سد للذريعة إلى بقاء شيء من أعيادهم، خشية أن يكون الذبح هناك سبباً لإحياء أمر تلك البقعة وذريعة إلى اتخاذها عيداً". قال: "وإذا كان تخصيص بقعة عيدهم محذوراً فكيف عيدهم نفسه" (الاقتضاء: 1/443).

 

4 – لقد كان تأسيس أعياد المسلمين والمنع من أعياد الكفار والمشركين من مقاصد رسالة الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم، لذلك نسخ صلى الله عليه وسلم قولاً وعملاً كل عيد للكفار؛ وثنيين كانوا أو أهل كتاب، وأسس للأمة المختارة المصطفاة الشاهدة على الأمم أعيادها المتمثلة في عيدي الفطر والأضحى المباركين.

 

قال أنس بن مالك رضي الله عنه: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، ولهم يومان يلعبون فيهما. فقال: «ما هذان اليومان؟» قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما؛ يوم الأضحى ويوم الفطر» (أخرجه أبو داود: [1134]، وقال شيخ الإسلام [الاقتضاء: 1/43]: إسناده على شرط مسلم).

 

قال شيخ الإسلام: "فوجه الدلالة: أن العيدين الجاهليين لم يقرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تركهم يلعبون فيهما على العادة، بل قال: «إن الله قد أبدلكم بهما يومين آخرين». والإبدال من الشيء يقتضي ترك المبدل منه؛ إذ لا يجمع بين البدل والمبدل منه".

 

من صور التشبه بالكفار في أعيادهم.

 

لقد تبين مما سبق حكم التشبه بالكفار ومشاركتهم في أعيادهم، كما تقدمت الأدلة الصريحة على تحريم هذا الفعل، وحيث إن لهذه المشاركة والمشابهة صوراً عديدة، وقد يخفى بعضها على بعض المسلمين، فيقع في التشبه بهم من حيث لا يشعر، فلا بد من الإشارة إلى بعض هذه الصور(ذكر هذه الصور وغيرها الأستاذ: إبراهيم الحقيل في مجلة البيان [143، 144])، وإيراد بعض النصوص الدالة على منعها، ومن ذلك ما يلي:

 

1 – حضور أعيادهم ومشاركتهم في احتفالاتهم بها:

 

وهذا حدث قديماً، وما زال كثير من المسلمين يشاركون الكفار في أعيادهم القديمة مثل عيد ميلاد المسيح، أو ما يبتدعونه من أعياد مثل عيد العمال، وسواء كان له أصل في دينهم، أو ليس له أصل كعيد الحب مثلاً.

 

ولقد اتفق أهل العلم على تحريم حضور أعياد الكفار والتشبه بهم فيها، وهو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة (انظر الاقتضاء: [2/524]، وأحكام أهل الذمة: [2/722-725]) لأدلة كثيرة جداً منها:

 

أ – جميع الأدلة الواردة في النهي عن التشبه بهم، وقد سبق ذكر طرف منها.

 

ب – الإجماع المنعقد في عهد الصحابة والتابعين على عدم حضورها، ويؤكده ما جاء في شروط عمر رضي الله عنه التي اتفق عليها الصحابة وسائر الفقهاء بعدهم: أن الذمة من أهل الكتاب لا يظهرون أعيادهم في دار الإسلام، فإذا كان المسلمون قد اتفقوا على منعهم من إظهارها فكيف يسوغ للمسلمين فعلها، أو ليس فعل المسلم لها أشد من فعل الكافر مظهراً لها (الاقتضاء: [1/454]).

 

جـ - قول عمر رضي الله عنه: "لا تعملوا رطانة الأعاجم"[3]، ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم فإن السخطة تنزل عليهم" (مصنف عبد الرزاق [1609]، والسنن الكبرى للبيهقي: [9/234]).

 

قال شيخ الإسلام: "وهذا عمر نهى عن تعلم لسانهم وعن مجرد دخول الكنيسة عليهم يوم عيدهم، فكيف بفعل بعض أفعالهم، أو فعل ما هو من مقتضيات دينهم، أليست موافقتهم في العمل أعظم من الموافقة في اللغة، أو ليس عمل بعض أعمل عيدهم أعظم من مجرد الدخول عليهم في عيدهم؟ وإذا كان السخط ينزل عليهم يوم عيدهم بسبب عملهم فمن يشركهم في العمل أو بعضه، أليس قد تعرض لعقوبة ذلك" (الاقتضاء: [1/458]).

 

وقال الإمام مالك رحمه الله: "يكره الركوب معهم في السفن التي يركبونها لأجل أعيادهم لنزول السخطة واللعنة عليهم" (اللمع في الحوادث والبدع: [1/294]).

 

2 – نقل احتفالاتهم إلى بلاد المسلمين:

 

فمن حضر أعياد الكفار في بلادهم وأعجبته احتفالاتهم مع جهله وضعف إيمانه وقلة علمه، فقد تحمله شدة الإعجاب أن ينقل شيئاً من تلك الأعياد والشعائر إلى بلاد المسلمين، كما يحصل الآن في أكثر بلاد المسلمين من الاحتفال برأس السنة الميلادية أو أعياد الميلاد (كالاحتفال بميلاد كل فرد من أفراد الأسرة) ونحوها، وهذا نوع من المشابهة المذمومة، والمشاركة المحرمة، ومن الدعوة إلى الضلالة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً» (مسلم [2674]، أبو داود [4609].

 

3 – موافقتهم في أفعالهم الخاصة بأعيادهم:

 

قد لا يتسنى لبعض المسلمين حضور أعياد الكفار لكنه يفعل مثل ما يفعلون فيها، وهذا من التشبه المضموم المحرم، قال شيخ الإسلام: "لا يحل للمسلمين أن يتشبهوا بهم في شيء مما يختص بأعيادهم لا من طعام ولا لباس ولا اغتسال ولا إيقاد نيران ولا تبطيل عادة من معيشة أو عبادة أو غير ذلك، ولا يحل فعل وليمة ولا الإهداء ولا البيع بما يستعان به على ذلك لأجل ذلك، ولا تمكين الصبيان ونحوهم من اللعب الذي في الأعياد ولا إظهار زينة.

 

وبالجملة ليس لهم أن يخصوا أعيادهم بشيء من شعائرهم بل يكون يوم عيدهم عند المسلمين كسائر الأيام" (الاقتضاء).

 

وذكر ابن التركماني الحنفي جملة مما يفعله بعض المسلمين في أعياد النصارى من توسع النفقة وإخراج العيال، ثم قال عقب ذلك: "قال بعض علماء الحنفية: من فعل ما تقدم ذكره ولم يتب فهو كافر مثلهم، وقال بعض أصحاب مالك: من كسر يوم النيروز بطيخة فكأنما ذبح خنزيراً" (اللمع في الحوادث والبدع: [1/294]).

 

4 – الإهداء لهم وإعانتهم على عيدهم ببيع أو شراء ونحوه:

 

قال أبو حفص الحنفي: "من أهدى فيه بيضة إلى مشرك تعظيماً لليوم فقد كفر بالله تعالى" (فتح الباري لابن حجر: [2/513])، وقال شيخ الإسلام: "وكره ابن القاسم للمسلم يهدي للنصارى شيئاً في عيدهم مكافأة لهم، ورآه من تعظيم عيدهم وعوناً لهم على مصلحة كفرهم، ألا ترى أنه لا يحل للمسلمين أن يبيعوا من النصارى شيئاً من مصلحة عيدهم؟ لا لحماً ولا إداماً ولا ثوباً ولا يعارون دابة ولا يعانون على شيء من عيدهم؛ لأن ذلك من تعظيم شركهم ومن عونهم على كفرهم وينبغي للسلاطين أن ينهوا المسلمين عن ذلك، وهو قول مالك وغيره، لم أعلمه اختلف فيه" (الاقتضاء: [2/526 – 527]).

 

5 – إعانة المسلم المتشبه بهم في عيدهم على تشبهه:

 

قال شيخ الإسلام: :وكما لا نتشبه بهم في الأعياد فلا يعان المسلم المتشبه بهم في ذلك، بل ينهى عن ذلك، فمن صنع دعوة مخالفة للعامة في أعيادهم لم تجب دعوته ومن أهدى من المسلمين هدية في هذه الأعياد مخالفة للعادة في سائر الأوقات غير هذا العيد لم تقبل هديته، خصوصاً إن كانت الهدية مما يستعان بها على التشبه بهم كما ذكرناه، ولا يبيع المسلم ما يستعين به المسلمون على مشابهتهم في العيد من الطعام واللباس ونحو ذلك؛ لأن في ذلك إعانة على المنكر" (الاقتضاء: [1/519-520]).

 

6 – تهنئتهم بالعيد:

 

قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: "وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثماً عند الله وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه، وكثيراً ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك وهو لا يدري قبح ما فعل، فمن هنأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه، وقد كان أهل الورع من أهل العلم يتجنبون تهنئة الظلمة بالولايات وتهنئة الجهال بمنصب القضاء والتدريس والإفتاء تجنباً لمقت الله وسقوطهم من عينه" (أحكام أهل الذمة: [1/441-442]).

 

7 – استعمال تسمياتهم ومصطلحاتهم التعبدية:

 

إذا كانت الرطانة لغير حاجة مما ينهى عنه كما تقدم في قول عمر لعلة التشبه بهم، فاستخدام تسميات أعيادهم أو مصطلحات شعائرهم مما هو أولى في النهي عنه، فقد روى البيهقي: أن علياً رضي الله عنه كره أن يقول "نيروزاً" وسماه "فيروزاً" (السنن الكبرى للبيهقي: [9/235]).

 

قال شيخ الإسلام: "وأما علي رضي الله عنه فكره موافقتهم في اسم يوم العيد الذي ينفردون به فكيف بموافقتهم في العمل" (انظر الاقتضاء: [1/459]).

 

فتاوى أهل العلم في عيد الحب وغيره من أعياد الكفار

 

1 – فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في عيد الحب، رقم: (21203)، وتاريخ 23/11/1420هـ

 

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:

 

فقد اطّلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة المفتي العام من المستفتي/ عبد الله آل ربيعة، والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم (5324) وتاريخ 3/11/1420هـ. وقد سأل المستفتي سؤالاً هذا نصّه: "يحتفل بعض الناس في اليوم الرابع عشر من شهر فبراير 14/2 من كل سنة ميلادية بيوم الحب: -فالنتاين داي Valentine Day- ويتهادون الورود الحمراء، ويلبسون اللون الأحمر، ويهنئون بعضهم، وتقوم بعض محلات الحلويات بصنع حلويات باللون الأحمر، ويرسهم عليها قلوب، وتعمل بعض المحلات إعلانات على بضائعها التي تخصّ هذا اليوم، فما هو رأيكم:

 

أولاً: الاحتفال بهذا اليوم؟

 

ثانياً: الشراء من المحلات في هذا اليوم؟

 

ثالثاً: بيع أصحاب المحلات "غير المحتفلة" لمن يحتفل بعضَ ما يُهدى في اليوم؟

 

وجزاكم الله خيراً".

 

وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت: بأنه دلّت الأدلة الصريحة من الكتاب والسنة وعلى ذلك أجمع سلف الأمة أن الأعياد في الإسلام اثنان فقط، هما: عيد الفطر، وعيد الأضحى، وما عداهما من الأعياد سواء كانت متعلقة بشخص أو جماعة أو حدث أو أي معنى من المعاني؛ فهي أعياد مبتدعة، لا يجوز لأهل الإسلام فعلها ولا إقرارها، ولا إظهار الفرح بها، ولا الإعانة عليها بشيء؛ لأن ذلك من تعدي حدود الله، {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق من الآية:1]، وإذا أنضاف إلى هذا العيد المخترع كونه من أعياد الكفار؛ فهذا إثم إلى إثم؛ لأن في ذلك تشبُّهاً بهم، ونوع موالاةٍ لهم، وقد نهى الله سبحانه المؤمنين عن التشبه بهم، وعن موالاتهم في كتابه العزيز، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من تشبّه بقومٍ فهو منهم».

 

وعيد الحب هو من جنس ما ذُكِر؛ لأنه من الأعياد الوثنية النصرانية؛ فلا يحل لمسلمٍ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يفعله، أو يقرّه، أو أن يهنئ به؛ بل الواجب تركه، واجتنابه استجابةً لله ولرسوله، وبُعداً عن أسباب سخط الله وعقوبته، كما يحرُم على المسلم الإعانة على هذا العيد أو غيره من الأعياد المحرمة بأي شيء من أكل أو شرب أو بيع أو شراء أو صناعة أو هدية أو مراسلة أو إعلان أو غير ذلك؛ لأن ذلك كله من التعاون على الإثم والعدوان ومعصية الله والرسول، والله جل وعلا يقول: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة من الآية:2].

 

ويجب على المسلم الاعتصام بالكتاب والسنة في جميع أحواله، لا سيما في أوقات الفتن وكثرة الفساد، وعليه أن يكون فطناً حذراً من الوقوع في ضلالات المغضوب عليهم والضالين والفاسقين، الذين لا يرجون لله وقاراً، ولا يرفعون بالإسلام رأساً، وعلى المسلم أن يلجأ إلى الله تعالى بطلب هدايته، والثبات عليها؛ فإنه لا هادي إلى الله، ولا مثبت إلا هو سبحانه، وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.

 

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية

 

عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ (الرئيس).

 

عبد الله بن عبد الرحمن الغديان (عضو).

 

صالح بن فوزان الفوزان (عضو).

 

بكر بن عبد الله أبو زيد (عضو).


 

2 – فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، برقم: 8848 بعدم جواز المشاركة مع النصارى في أعيادهم.

 

سؤال: هل يجوز للمسلم أن يشارك مع المسيحيين في أعيادهم المعروفة الكريسماس الذي ينعقد آخر شهر ديسمبر، أم لا؟ عندنا بعض الناس ينسبون إلى العلم؛ لكنهم يجلسون في مجالس المسيحيين في عيدهم، ويقولون بجوازه، فهل قولهم هذا صحيح أم لا؟ وهل لديهم دليل شرعي على جوازه؟ أم لا؟

 

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه، وبعد:

 

الجواب: لا تجوز مشاركة النصارى في أعيادهم، ولو شاركهم فيها من ينتسب إلى العلم؛ لما في ذلك من تكثير عددهم، والإعانة على الإثم، قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة من الآية:2].

 

وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

 

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

 

عبد العزيز بن عبد الله بن باز (الرئيس).

 

عبد الله بن قعود (عضو).

 

عبد الرزاق العفيفي (عضو).

 

عبد الله بن غديان (عضو).


 

3 – فتوى سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين يرحمه الله في أعياد الكفار (انظر: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد العثيمين: [3/44]).

 

سئل فضيلة الشيخ عن حكم تهنئة الكفار بعيد الكريسمس، وكيف نرد عليهم إذا هنئونا به؟ وهل يجوز الذهاب إلى أماكن الحفلات التي يقيمونها بهذه المناسبة؟ وهل يأثم الإنسان إذا فعل شيئاً مما ذكر بغير قصد، وإنما فعله إما مجاملة أو حياء أو إحراجاً أو غير ذلك من الأسباب؟ وهل يجوز التشبه بهم في ذلك؟

 

فأجاب فضيلته بقوله:

 

بسم الله الرحمن الرحيم، تهنئة الكفار بعيد الكريسماس أو غيره من أعيادهم الدينية حرام بالاتفاق؛ كما نق لذلك ابن القيم رحمه الله في كتابه (أحكام أهل الذمة)، حيث قال: "وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثماً عند الله وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه، وكثيراً ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك وهو لا يدري قبح ما فعل، فمن هنأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه" انتهى كلامه رحمه الله.

 

وإنما كانت تهنئة الكفار بأعيادهم الدينية حراماً وبهذه المثابة التي ذكرها ابن القيم لأن فيها إقراراً لما هم عليه من شعائر الكفر، ورضى به لهم، وإن كان هو لا يرضى بهذا الكفر لنفسه، لكن يحرم على المسلم أن يرضى بشعائر الكفر أو يهنئ بها غيره؛ لأن الله تعالى لا يرضى بذلك، كما قال الله تعالى: {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر من الآية:7]، وقال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} (المائدة من الآية:3]، وتهنئتهم بذلك حرام سواء كانوا مشاركين للشخص في العمل أم لا.

 

وإذا هنؤونا بأعيادهم؛ فإننا لا نجيبهم على ذلك؛ لأنها ليست بأعياد لنا، ولأنها أعياد لا يرضاها الله تعالى، لأنها إما مبتدعة في دينهم، وإما مشروعة، لكن نسخت بدين الإسلام الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم إلى جميع الخلق، وقال فيه: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:85].

 

وإجابة المسلم دعوتهم بهذه المناسبة حرام؛ لأن هذا أعظم من تهنئتهم بها لما في ذلك من مشاركتهم فيها.

 

وكذلك يحرم على المسلمين التشبه بالكفار بإقامة الحفلات بهذه المناسبة، أو تبادل الهدايا أو توزيع الحلوى أو أطباق الطعام أو تعطيل الأعمال ونحو ذلك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من تشبه بقوم فهو منهم». قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه: (اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم): "مشابهتهم في بعض أعيادهم توجب سرور قلوبهم بما هم عليه من الباطل، وربما أطمعهم ذلك في انتهاز الفرص واستذلال الضعفاء" انتهى كلامه رحمه الله.

 

ومن فعل شيئاً من ذلك فهو آثم سواء فعله مجاملة أو تودداً أو حياء أو لغير ذلك من الأسباب؛ لأنه من المداهنة في دين الله، ومن أسباب تقوية نفوس الكفار وفخرهم بدينهم.

 

والله المسؤول أن يعز المسلمين بدينهم، ويرزقهم الثبات عليه، وينصرهم على أعدائهم، إنه قوي عزيز.


 

__________________

 

[1] (قال الرازي في (مختار الصحاح: مادة زنر): الزُّنَّار: حزام للنصارى، وقال ابن منظور (اللسان: [4/330]: زنر): الزنار والزنّارة: ما على وسط المجوسي والنصراني. وفي التهذيب: ما يلبسه الذمي يشده على وسطه. الزُّنَّيْر لغة فيه).

 

[2] (اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم: [1/470-471]، وهو كتاب مهم في النهي عن التشبه بالكفار في الأعياد وغيرها).

 

[3] (يعني لغير حاجة، وإلا فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت يتعلم "السريانية" لغة يهود ليقرأ له كتبهم، فتعلمها في سبعة عشر يوماً. كما أخرجه أحمد [5/182]، والحاكم [3/422]، والطبراني [4928] وغيرهم، وإسناده صحيح، كما ذكره محقق "سير أعلام النبلاء" [2/429]).