مفهوم الاختلاط بين التأصيل والتضليل

من الأهمية بمكان معرفة مفهوم الاختلاط ومحدداته لكي تتضح صوره، ومن خلال ذلك يمكن أن نفرق بين ما هو اختلاط وما هو غير ذلك، حيث إنه لا زال هناك عدم وضوح لهذا المصطلح، مما أدى إلى كثير من الالتباس عند العامة والخاصة، نتج عنه تساهل كبير في تناول مصطلح الاختلاط، فجعل البعض يختزل حكم الاختلاط بأنه مباح بناء على ما يرونه أنه صورة من صوره، وهو الالتقاء العابر أو التقابل غير المقصود الذي يقع في الأماكن العامة كالشوارع والأسواق والمساجد ونحوها، ثم هو بعد ذلك يقيس باقي صوره على هذه الصورة، ولا شك أن هذا تجن واضح وتحريف للكلم عن مواضعه.

  • التصنيفات: العلاقة بين الجنسين -

من الأهمية بمكان معرفة مفهوم الاختلاط ومحدداته لكي تتضح صوره، ومن خلال ذلك يمكن أن نفرق بين ما هو اختلاط وما هو غير ذلك، حيث إنه لا زال هناك عدم وضوح لهذا المصطلح، مما أدى إلى كثير من الالتباس عند العامة والخاصة، نتج عنه تساهل كبير في تناول مصطلح الاختلاط، فجعل البعض يختزل حكم الاختلاط بأنه مباح بناء على ما يرونه أنه صورة من صوره، وهو الالتقاء العابر أو التقابل غير المقصود الذي يقع في الأماكن العامة كالشوارع والأسواق والمساجد ونحوها، ثم هو بعد ذلك يقيس باقي صوره على هذه الصورة، ولا شك أن هذا تجن واضح وتحريف للكلم عن مواضعه.

إن الاختلاط في عالمنا الإسلامي والعربي في العصر الحاضر، أصبح له صور كثيرة ومتعددة كما هو الحال في العالم الغربي الذي لا يقيم للدين والأخلاق وزنًا، ذلك أن الاختلاط صنعة غربية تم تصديرها إلينا ونمط اجتماعي غربي فرض علينا. إن الاختلاط هو القضية الأساس التي يسعى المفسدون لنشرها في المجتمع ويستميتون في إقناع الناس بها، ويوجدون لها المسوغات بل ويجعلونها من الضرورات، ويعزون كل بلاء في الأمة وتخلف وانحطاط إلى ما ساد من عزل المرأة عن الرجل في التعليم والعمل و غيره!! ويعلم المفسدون أنهم إن نجحوا في نشر ثقافة الاختلاط فإن ما بعده من الإفساد سيكون أهون، والمجتمع إليه أسرع، وهنا مكمن الخطر.

إنني أُعد الاختلاط نازلة من النوازل الفقهية في هذا العصر، جرَّت إلى مفاسد كثيرة، ومن قارن حال العالم الإسلامي قبل بدعة الاختلاط وبعدها، تبين له الفرق الكبير، ولكل قارئ أن يتساءل ما هو الاختلاط ومحدداته؟!

فأقول وبالله التوفيق: يرتبط المعنى الاصطلاحي بمعناها اللغوي ارتباطًا وثيقًا، وقد تكتسب الكلمة معان متعددة بحسب عوامل متعددة، إلا أنها تظل مرتبطة بمعناها اللغوي، ومن ثم يمكن الوقوف من خلال استعمالاته اللغوية السليمة على حقيقة المعنى الاصطلاحي.

 

الاختلاط لغة:

الخليط والمخالط كالنديم للمنادم، والجليس للمجالس. واختلط القوم في الحرب: تشابكوا، وخالط الذئب الغنم: وقع فيها. ورجل خلط: يتحبب إلى الناس ويختلط بهم. قال طرفة:

خالط الناس بخلق واسع *** لا تكن كلبًا على الناس تهر

ورجل خلط: مختلط بالناس متحبب، وامرأة خلطة كذلك أي: مختلطة بالناس متحببة لهم. والخِلط المختلط بالناس يكون الذي يتملق ويتحبب إليهم والأنثى خلِطة. والعرب تقول اخلط من الحمى يريدون أنها متحببة إليه، متملقة بورودها إياه، واعتيادها له كما يفعل المحب الملِق. قال السيوطي: أصل الخلط تداخل أجزاء الأشياء بعضها في بعض وقد توسع فيه حتى قيل: رجل خلط إذا اختلط بالناس كثيراً.

وعليه فنلحظ في المعنى اللغوي أن الاختلاط يكون فيه تحبب وتودد وتوسيع للأخلاق وتحسينها. لذا فهو قريب المعنى جدا لبعض معاني الاختلاط الاصطلاحي الذي سنذكره قريبا، وقد وردت الكلمة وبعض مشتقاتها في القرآن الكريم:

1- {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ} [البقرة: 220]؛ أي تشاركوهم في المطعم والمشرب والمسكن والخدمة.

2- {وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [ص: 24] فالخلطاء الشركاء والأصحاب.

وكذلك وردت الكلمة ومشتقاتها الدالة على المعاني نفسها في السنة ومن ذلك ما يلي:

1- ما رواه ابن ماجه بسند صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: «المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على آذاهم أعظم أجراً من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم».

2- ما رواه ابن ماجه بسند صحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخالطنا حتى يقول لأخ لي صغير: يا أبا عمير ما فعل النغير؟".

3- ما رواه البخاري في باب طواف النساء مع الرجال، قال عطاء: لم يكن يخالطن الرجال كانت عائشة رضي الله عنها تطوف حجرة من الرجال لا تخالطهم.

4- وقد أخرج أبو داود في سننه عن حمزة بن أبي أسيد الأنصاري عن أبيه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو خارج المسجد فاختلط الرجال بالنساء فقال رسول اله صلى الله عليه وسلم: «استأخرن...» الحديث.

 

أما تعريف الاختلاط اصطلاحاً:

فهو اجتماع الرجال بالنساء غير المحارم اجتماعاً يرفع الكلفة ويزيد الألفة وهو كذلك تزاحم بالأبدان وتماسها. ففي هذا التعريف نلحظ أنه أشار إلى نوعي الاختلاط سواء كان في تماس الأبدان وتقارب الأنفاس ولو لم يكن هناك سابق معرفة كما يحدث في الأماكن المزدحمة والضيقة وهذا ما يسمى بالاختلاط الحسي. أو كان هذا الاختلاط بدون تماس غالبا كما هو الحاصل في التعليم المختلط والعمل المختلط، حيث تتكسر الكثير من الحواجز بين الجنسين بسبب طول الاجتماع، فقد يرى الرجل زميلته في العمل أكثر من زوجته وكذلك العكس، فينتج عن ذلك ارتفاع الكلفة وزيادة الألفة فيحصل بذلك تقارب القلوب والنفوس واستحسان للمحادثة وتلذذ بالجلوس والحديث وتبادل النكات والطرائف وقد يحصل بهم الأمر أن يدعوها أو تدعوه أن يتناولا الطعام سوياً، كل ذلك بحجة الزمالة وقدم المعرفة وثقتها بأخلاقه وهنا مكمن الخطر ذلك لأن الله قال في كتابه: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب: من الآية 32]، وقال: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ} [النور: من الآية 31]؛ فالخضوع بالقول وصوت الخلخال داعيان للزنا وأنهما طريقان إليه، فجاء تحريمهما سداٍ وحسماً للشر من أصله، بل وجاء هذا الكلام في كتاب الله صريحاً لكي لا يختلف فيه المسلمون، ولكي يعلموا أن سد الطرق الموصلة للزنا، أمر أوجبه الله تعالى ليس خاضعاً لاجتهاد عالم ولا لإنكار منكر.

ولكل عاقل أن يقارن بين ما يحدثه خضوع المرأة بصوتها، وكذلك صوت خلخالها إذا ضربت به الأرض، وبين ما يحصل في الاختلاط مما ذكرنا آنفًا من ارتفاع للكلفة وزيادة للألفة وتبسط في الكلام، أيهما أشد ضررًا على قلب الرجل؟!

فإذا كان الله قد حرم على المرأة أن تخضع بالقول ولو لمرة واحدة مع رجل لا تعرفه في سوق أو مكان عام، فما بالك بالخضوع بالقول بشكل دوري و يومي، بل وأشد من ذلك كالتبسم والضحك والتبسط في الحديث وطول المقابلة والجلوس، وكذلك بالنسبة للخلخال فأيهما أشد أثرًا؟ هذا الذي يحدثه فرقعة الخلخال لامرأة مرت مروراً عابراً برجل أجنبي لا يعرفها؟ أم الاختلاط بها لساعات طويلة؟!

وكذلك بالنسبة للتطّيب والتعطر فالنبي صلى الله عليه وسلم يصف المرأة المتطيبة بالزانية، هكذا بكل وضوح وصراحة مع أنه عليه الصلاة والسلام عفيف اللسان نظيف المنطق كما قال عنه عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشاً ولا متفحشًا، ومع ذلك يصف المرأة المتعطرة بهذا الوصف، فالمرأة العاملة في مجمع الرجال، كيف لها أن تتقابل مع زملائها في العمل ورائحة العرق ونحوه تخرج منها بل وقل أشد من ذلك إذا كانت في فترة الحيض، وقل مثل ذلك عن الطالبة في قاعة الدراسة.

وكذلك بالنسبة للنظر فكيف يغض أحدهما بصره عن الآخر وهما يجتمعان في مكان واحد طيلة الوقت وقد يمارسان عملاً مشتركاً كالطبيب مع زميلته الطبيبة، أو الممرضة أثناء إجراء عملية أو تطبيب مريض، وكذلك الأستاذ مع طالباته أو الأستاذة مع طلابها في قاعة التدريس أو الطالب مع زميلته في قاعة المختبر، فكيف يمكن لهؤلاء أن يلتزموا بقول الله تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: من الآية 30]، وقوله تعالى: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ} [النور: من الآية 31]. وقول النبي صلى الله عليه وسلم عندما سأله جرير بن عبد الله رضي الله عنه عن نظر الفجأة فقال عليه الصلاة والسلام: «اصرف بصرك»، وقوله لعلي رضي الله عنه: «يا علي لا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى وليست لك الثانية». كيف يستطيع الطالب أن يتابع شرح معلمته دون النظر إليها مرة بعد أخرى، وكذلك الحال مع زميلاته في القاعة ماذا عساه أن يفعل وكيف يستطيع غض بصره؟ وهو كلما أرسله اصطدم بصره بهذه أو بتلك .

تلك بعض الإشكالات التي أفرزتها ثقافة الاختلاط، ذلك لأنه نمط اجتماعي غربي لا يتناسب وواقع المجتمعات التي تدين بالإسلام، ناهيك عن ما ينتج عنه من الفساد كالزواج السري الذي يتم بدون إذن الأهل والتحرش الجنسي والزنا وليس هذا مقام الحديث عن ذلك هنا. وللحديث بقية.

سعود بن محمد بن حمود العقيلي

المصدر: موقع الدرر السنية