بيوت للبيع في القدس

اتبع اليهود منذ قدومهم إلى فلسطين أساليب خبيثة للسيطرة على الأرض وتهجير أهلها منها، نجحوا في بعض هذه الطرق لكنهم فشلوا في أخرى، نجحوا في القتل والسلب وهدم البيوت والاستيطان وإخلاء المنازل بالقوة والاعتقالات، لكنهم فشلوا أن يأخذوا شبرًا واحدًا من أرض فلسطين مقابل المال.

  • التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -

اتبع اليهود منذ قدومهم إلى فلسطين أساليب خبيثة للسيطرة على الأرض وتهجير أهلها منها، نجحوا في بعض هذه الطرق لكنهم فشلوا في أخرى، نجحوا في القتل والسلب وهدم البيوت والاستيطان وإخلاء المنازل بالقوة والاعتقالات، لكنهم فشلوا أن يأخذوا شبرًا واحدًا من أرض فلسطين مقابل المال.

ويقول الكاتب الفلسطيني (عيسى القدومي) في كتابه (فلسطين وأكذوبة بيع الأرض): "كانت فلسطين إحدى ولايات الدولة العثمانية طيلة أربعة قرون، وكانت القوانين تمنع بقاء اليهود في فلسطين، أو حيازتهم لأراضيها، وقد صمد السلطان عبد الحميد في وجه الأطماع اليهودية في حيازة أرض فلسطين حتى فقد عرشه، وتم عزله ونفيه، ونجحت بريطانيا بعد ذلك في عام 1910م في الضغط على الدولة العثمانية، ومررت لقانون (تصرف الأشخاص الحكمية)، وهو قانون سمح للشركات بالتصرف في الممتلكات غير المنقولة، واستغلت المؤسسات الصهيونية بنود هذا القانون لاقتناص أراضٍ في قلب فلسطين، وتوجت الضغوط البريطانية على الدولة العثمانية عام 1911م عندما تم منح الأجانب حق التملك والتصرف في الأراضي العثمانية، ما عدا منطقة الحجاز..

واستمرت الجهود البريطانية من أجل إنجاز المشروع الاستيطاني اليهودي، إلى أن اقتنص اليهود (650000) دونم، على الرغم من أن اليهود لم يكن لهم أي حيازات للأراضي الزراعية في فلسطين حتى عام 1868م، كما لم يزد عددهم حتى عام 1877م عن 3.1% من إجمالي سكان فلسطين".

وقد شهد التاريخ للسلطان عبد الحميد الثاني حينما رفض بيع فلسطين برده الشهير على (تيودور هرتسل) حول طلبه شراء فلسطين مقابل المال حيث أرسل خطاباً قال فيه: "انصحوا الدكتور هرتسل بأن لا يتخذ خطوات جديدة في هذا الموضوع، فإني لا أستطيع أن أتخلى عن شبر واحد من أرض فلسطين، فهي ليست ملك يميني بل ملك للأمة الإسلامية، لقد جاهد شعبي في سبيل هذه الأرض ورواها بدمه، فليحتفظ اليهود بملايينهم، وإذا مزقت دولة الخلافة آنذاك يستطيعوا أخذ فلسطين بلا ثمن، أما وأني حي فإن عمل المبضع في يدي أهون علي من أن أرى فلسطين وقد بترت من دولة الخلافة وهذا أمر لا يكون.. إني لا أستطيع أن أوافق على تشريح أجسادنا ونحن أحياء.."، هذا نص الوثيقة الذي أرسلها السلطان عبد الحميد عام 1901 إلى اليهود، لتكون كلمات من نور لكل الأمة الإسلامية للوقوف في وجه اليهود والدفاع عن أرضها.

ويشهد (هنري فورد) -المليونير العالمي- في كتابه اليهودي العالمي حول أساليب سلب أراضي فلسطين على أساليب الاستعمار البريطاني لفلسطين، وكيفية مساعدة اليهود في سلب الأراضي الفلسطينية بالقول: "إن إدارة الانتداب البريطاني كانت يهودية ومن المتعذر على أي ناطق يهودي مهما افتقر إلى الشعور بالمسؤولية أن ينكر الحقيقة الواقعة، وهي أن إدارة فلسطين يهودية، فالحكومة فيها يهودية، وإجراءات العمل يهودية، والأساليب المستعملة يهودية...، لو عرف العالم حقيقة الأساليب التي اتُّبعت لاغتصاب أراضي فلسطين من أهلها العرب في الأيام الأولى من الغزو الصهيوني، أو لو سُمِحَ لهذا العالم بمعرفتها، لَعمَّه السخط والاشمئزاز، ولا ريب في أن هذه الأساليب كانت تجري بمعرفة صموئيل المندوب السامي اليهودي وتأييده".

ابتزاز المقدسيين:
حاول اليهود من خلال وسطاء أجانب أو عملاء معهم للسيطرة على الأراضي بأسلوب خبيث من خلال من يسمّون بالوسطاء، لكنهم فشلوا في ذلك وتنبه الفلسطينيين جيداً لهذه الظاهرة، ويقول الفلسطينيون إنهم بإمكانهم السيطرة عليها بقوة السلاح، لكنهم لن يحصلوا منا على صك لتملك هذه الأرض لأنها أرض فلسطين وليس (إسرائيل).

بداية العام 2009م اقتحمت جرّافات وآليات عسكرية إسرائيلية حي وادي الربابة في بلدة سلوان المتاخم للمسجد الأقصى من الجهة الجنوبية، وحاصرت منزل تعود ملكيته لمواطن فلسطيني يدعى (جميل حمدان مسالمة)، قال إنه: "عرض عليه 10 ملايين دولار مقابل بيع منزله لإحدى الجمعيات الاستيطانية لكنه رفض"، وذكر أنه: "فُرض عليه غرامة تخطت الــ12 ألف دولار وقام بتسديدها، وبعد أن فقدت الحيلة (إسرائيل) أرسلت بلدوزراتها لهدم المنزل الذي يزيد عمره عن مئة عام، ولا تزيد مساحته عن 90 متراً، ويسكنه 17 فرد من عائلة مسالمة"، ما جري لهذا المواطن الفلسطيني كان جزء من خطة كاملة لتهجير السكان المقدسيين، ولحيلة تنتهجها الحكومة الإسرائيلية من خلال محاولة الحصول على حق قانون للسيطرة على القدس، لكنها تفشل بذلك وتنتهج العنف كخيار أخير..

وتفيد أخر إحصائية نشرها مركز القدس للحقوق الاقتصادية إن 125 ألف مقدسي مهددين بفقدان هويتهم وحق الإقامة في المدينة، لكن وزير العدل الفلسطيني السابق والخبير القانوني المعروف في الأراضي الفلسطينية الدكتور (أحمد الخالدي) يقول تعقيباً على موضوع شراء البيوت في القدس من خلال عملاء أو وسطاء من الخارج أو بأي وسيلة كانت: "إن الأراضي في فلسطين تنقسم إلى ثلاث ملكيات وهي ملكية خاصة، أو أرض مسجلة مالياً فقط، لم تكتمل الإجراءات القانونية الخاصة بها، وأملاك عامة سواء كانت للدولة أو وزارة الأوقاف، وقانونياً لا يمكن التصرف بالأرض طالما تقع الدولة تحت احتلال، في الوضع الطبيعي وفي حال وجود استقرار يسمح القانون بتملك الأرض كملكية عقارية بشرط الرضا من الطرفين، أما في ظل الاحتلال فإن هناك أسباب ربما تكون مؤثرة في عملية البيع، وقد تجبر مالك الأرض ظروف معينة على البيع مثل الضغط عليه وحرمانه من الوصول لأرضه أو تهديده".

وأضاف الخالدي: "هناك بعض الشركات التي تقوم بالتحايل في هذا المجال، وقد صدر عام 2006 قانون يمنع ملكية العقار لأي جهة أجنبية أو فلسطينية تقيم بالخارج، وهناك قصص كثيرة حول قيام بعض المحامين بالالتفاف على القوانين وبيع أراضي، وتم إيقاف بعض البيوع لكن القضية أهملت مؤخراً".

وبرزت نقطة مهمة في هذا الموضوع خلال الأسابيع القليلة الماضية حيث أعلنت شركة استثمار -يبدو أنها مدعومة من حكومة الضفة الغربية- برئاسة (سلام فياض) تدعو الراغبين بتملك أرض في فلسطين سواء كانوا مقيمين داخلها أو خارجها، وقالت عبر موقعها الإلكتروني بأن جهاني: "بأن هناك أكثر من 70% من أراضي الضفة الغربية لراغبين بتملك أرض في فلسطين أو في القدس من خلال هناك أكثر من 70% من أراضي الضفة الغربية غير مسجلة بسندات ملكية، وتم تقسيم هذه المساحات إلى مخططات للبيع، ودعت الشركة الراغبين للتواصل معها".

من جانبه علق الخالدي على هذا الموضوع بالقول: "إذا كانت هذه العمليات تتعارض مع المصلحة العليا فيمكن الطعن فيها وهناك قوانين تحكم ذلك، هناك أرض وقف لا يمكن التصرف بها، وبيع أراضي بهذه الطريقة يمكن أن يمس بالمصلحة الوطنية العليا، وفي هذه الحالة يمكن إقامة دعاوى استرداد لهذه الأراضي، لأنها بيعت تحت احتلال، وخير مثال على ذلك في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية قام ألمان برفع قضايا على حكومتهم وعلى جهات أجنبية لأنها قامت ببيع أراضي أثناء الاحتلال وتحت الضغط"، وبحسب الدكتور الخالدي: "فإن الجانب القانوني يظهر عدم جواز التصرف في أراضي أو ملكيات دون علم أصحابها، وأي عمليات بيع تتم قصراً أو جبراً يتم رفع دعاوى استرداد من أجل استعادتها".

وفي تحليل اقتصادي للموضوع قال (محمد الفرا) المحلل الاقتصادي: "إن وسائل الضغط على المقدسيين لبيع أراضيهم وعقاراتهم في القدس متعددة، مثل فرض الضرائب والاستفزازات من قبل المستوطنين، أو التعرض للسجن من خلال تلفيق قضايا للمقدسيين، وكل ذلك يؤدي إلى التأثير نفسياً على صاحب العقار، وبالتالي تجد بعض أصحاب النفوس الضعيفة يلجئون للبيع، وهناك من يواصلون صمودهم، لكن هذه العملية تسبب ضعف للحالة الاقتصادية ووقف عملية التنمية داخل القدس، وتسبب بتشتيت العائلات وتمزيق المجتمع العربي المسلم داخل القدس بسبب ضياع ممتلكاتهم، والضغط عليهم في قوت يومهم وفرض الضرائب".

وتابع الفرا قائلاً: "هناك مخططات عديدة تقوم بها (إسرائيل) للضغط على سكان القدس من أجل طردهم، وذكرنا أمثلة منها لكن ليست كلها، فهم يهدفون على إفراغ فلسطين من سكانها، ومحو الهوية الإسلامية للقدس"، كما أشار المحلل الاقتصادي الفلسطيني إلى أهمية الدعم الإسلامي والفلسطيني لصمود أهل القدس في ظل الوضع الاقتصادي الصعب الذي يمرون به، وتوفير الدعم المالي لهم لمساعدتهم على عدم السقوط في شراك اليهود وخداعهم.

الموقف الشرعي:
يقول عضو هيئة علماء فلسطين في الخارج الدكتور (عبد الله المشوخي) في فتوى نشرت في موقع الهيئة: "بالنسبة لإسلامية القضية الفلسطينية أولاً البداية هي بالفتح المعنوي لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، عندما أسري به من مكة إلى بيت المقدس بقول الله وبشهادة القرآن بقوله: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الإسراء:1]، الأمر الثاني تم فتح هذه البلاد وهذه البلاد هي الوحيدة التي انتقل إليها الخليفة (عمر بن الخطاب) رضي الله عنه واستلم مفاتيحها بنفسه، ثم أوقفها للمسلمين ومنذ ذلك الوقت إلى عام 1947م بقيت أرض فلسطين بحوزة المسلمين باستثناء الفترة البسيطة التي استولى فيها الصليبيون على أرض فلسطين".

وحول اعتبار فلسطين أرض وقف إسلامي، يقول الدكتور (المشوخي): "لم يكن الوقف معروف قبل الإسلام، لهذا يقول الإمام الشافعي رحمه الله: "إن الوقف من خصائص الأمة الإسلامية، وهو عبارة عن تكافل تضامني بين أبناء الأمة الإسلامية وأيضًا الأجيال القادمة، بالنسبة لأرض فلسطين هي وقف إسلامي بمعنى موقوفة على الأمة فقط، ويجوز للفلسطينيين فيما بينهم أن يتبادلوا منافع على الأرض، لأن هناك الوقف نوعين نوع للأقارب ذري، وهناك وقف خيري للجميع، والمقصود بوقف فلسطين هنا الوقف الخيري لأبناء الأمة الإسلامية ككل في فلسطين".

ثم يستأنف في فتواه: "جميع أرض فلسطين ينطبق عليها الوقف؛ لأن أرض فلسطين بكاملها أرض مباركة حيث الله عز وجل قال: {الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ}، والمقصود بالذي باركنا حوله جميع أرض فلسطين وليس المقصود على المقدسات الإسلامية يلي هو المسجد الأقصى"، ويتابع حديثه: "فلسطين لها خصوصية هي أرض مباركة أرض الأنبياء، الأرض التي تشد إليها الرحال، فيها المسجد الأقصى أرض الحشر والنشر، فلا شك أن أرض فلسطين تختلف عن سائر المناطق الأخرى".

ويؤكد الدكتور المشوخي عضو هيئة علماء فلسطين في الخارج بأنه: "لا يجوز بيع هذه الأرض لليهود لأسباب عديدة جداً، الأمر الأول: أن هذه الأرض وقفية، الأمر الثاني: أن اليهود إنما مجيئهم إلى فلسطين يهدف إلى إزالة الشعب الفلسطيني وإحلال اليهود مكانهم، وأيضاً إقامة الهيكل في محل إقامة المسجد الأقصى، وإثارة الكفر في بلاد التوحيد وهي أرض فلسطين، وبناءاً على ذلك أجمع الفقهاء أنه لا يجوز بيع شبر من أرض المسلمين للمحاربين، فكيف باليهود الذين هم أشد عداء للأمة الإسلامية؟! فلا يجوز بأي حال من الأحوال".

ثم تابع الدكتور قائلاً: "فلسطين أرض وقف إسلامي لا يجوز بيعها إلا لأبناء المسلمين، لأن أبناء اليهود يعدو من المحاربين ولا يجوز بيع المحاربين بإجماع الفقهاء"، ثم يستذكر في حديثه اجتماع الفقهاء في بيت المقدس في فلسطين عام 1935، حيث خرجوا بفتوى تقول: "أن السمسار والوسيط والمسهل، والراضي والبائع هم سواء في الحكم"، ويقول: "هذا ذكرنا بقضية بيع الخمر: الشاري والبائع والمشتري والعاصر والمعصور والحامل والمحمول هم سواء، فكذلك البائع والمشتري والسمسار هم سواء في هذا الحكم".

 

المصدر: مجلة البيان