فتاوى الحج

عبد العزيز بن باز

ندعو الله أن يثيب كل من قرأها أو ساهم في نشرها.

  • التصنيفات: ملفات الحج وعيد الأضحي -

الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين نبينا محمد.

فهذه بعض الفتاوى المهمة والتي يحتاج إليها كل حاج وحاجة يريد أن يحج على بصيرة من أمر دينه قد جمعناها واخترناها من مجموع فتاوي سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله ليعم نفعها ولتكن دليلًا واضحًا لمن لم يتيسر له التفقه في أحكام الحج.

ندعو الله أن يثيب كل من قرأها أو ساهم في نشرها.

حكم وضع الطيب على الإحرام
سؤال: ما حكم وضع الطيب على الإحرام قبل عقد النية والتلبية؟

الجواب: لا ينبغي وضع الطيب على الرداء والإزار، إنما السنة تطيب البدن كرأسه ولحيته وإبطيه ونحو ذلك، أما الملابس فلا يطيبها عند الإحرام، لقوله عليه الصلاة والسلام «ولاتلبَسوا من الثيابِ شيئًا مسَّه الزعفران ولا الورْسُ» (صحيح البخاري[5803]). فالسنة أن يتطيب في بدنه فقط أما ملابس الإحرام فإنه لا يطيبها وإذا طيبها لم يلبسها حتى يغسلها أو يغيرها.


الأشياء التي يتجنبها المحرم
سؤال: ما هي الأشياء التي يجب أن يتجنبها المحرم؟

الجواب: المحرم يجتنب تسعة محظورات بينها العلماء وهي: اجتناب قص الشعر، والأظافر، والطيب، ولبس المخيط، وتغطية الرأس، وقتل الصيد، والجماع، وعقد النكاح، ومباشرة النساء. كل هذه الأشياء يمنع عنها المحرم حتى يتحلل، وبالتحلل الأول يباح له جميع هذه المحظورات ما عدا الجماع، فإذا كمل الثاني حل له الجماع.

كشف الكتف
سؤال: هل الأفضل للمحرم تغطية الكتفين أم الكشف عن أحدهما أثناء الإحرام؟

الجواب: السنة للمحرم أن يجعل الرداء على كتفيه جميعًا، ويجعل طرفيه على صدره، هذا هو السنة، وهو الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا أراد أن يطوف طواف القدوم اضطبع فجعل وسط ردائه تحت إبطه الأيمن وأطرافه على عاتقه الأيسر وكشف منكبه الأيمن في حالة طواف القدوم خاصة، أي أول ما يقدم مكة للحج أو العمرة، فإذا انتهى من الطواف عدل الرداء وجعله على منكبيه وصلى ركعتي الطواف، والذي يكشف منكبه دائمًا فهذا خلاف السنة، وكذلك كشف المنكبين، وإنما السنة أن يسترهما بالرداء حال كونه محرمًا، ولو وضع الرداء ولم يسترها وقت جلوسه أو أكله أو تحدثه مع إخوانه فلا بأس، لكن السنة إذا لبس الرداء أن يكون على كتفيه وأطرافه على صدره.

تحديد المخيط من اللباس
سؤال: ما هو تحديد المخيط من اللباس؟ وهل يجوز لبس السراويل المستعملة الآن تحت الإحرام؟

الجواب: لا يجوز للمحرم بحج أو عمرة أن يلبس السراويل ولا غيرها من المخيط على البدن كله أو نصفه الأعلى كالفنيلة ونحوها، أو نصفه الأسفل كالسراويل لقول النبي صلى الله عليه وسلم، لما سئل عما يلبس المحرم قال: «لا يلبس القميص ولا العمائم ولا السراويل ولا البرانس ولا الخفاف إلا أحد لا يجد نعلين فيلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين» (صحيح البخاري[5803]). وبهذا يعلم السائل ما هو المخيط الممنوع في حق المحرم.

ويتضح بالحديث المذكور أن المراد بالمخيط ما خيط أو نُسج على قدر البدن كله كالقميص أو نصفه الأعلى كالفنيلة أو نصفه الأسفل كالسراويل، ويلحق بذلك ما يخاط أو ينسج على قدر اليد كالقفاز أو الرجل كالخف، لكن يجوز للرجل أن يلبس الخف عند عدم النعل ولا يلزمه القطع على الصحيح، لما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، خطب الناس بعرفات، فقال: «من لم يجد إزاراً فليلبس السراويل، ومن لم يجد نعلين فليلبس الخفين» (صحيح النسائي[5340])، ولم يذكر القطع المذكور في الحديث الأول منسوخًا بحديث ابن عباس رضي الله عنهما.

وهذا في حق الرجل، أما المرأة المحرمة بحج أو عمرة فيجوز لها لبس السراويل ولبس الخفين مطلقًا، وتنهى عن لبس النقاب أو القفازين، لأن النبي صلى الله عليه وسلم، نهانا عن ذلك في حديث ابن عمر رضي الله عنهما، لكن تستر وجهها وكفيها بغير النقاب والقفازين عن الرجال الأجانب كالخمار ونحوه، والله ولي التوفيق.

إذا أحصر الحاج بعد الإحرام
سؤال: إذا عزم المسلم على الحج وبعد الإحرام تعذر حجه ماذا يلزمه؟

الجواب: إذا أحصر الإنسان عن الحج بعدما أحرم بمرض أو غيره جاز التحلل بعد أن ينحر هديًا ثم يحلق رأسه أو يقصره لقول الله سبحانه وتعالى: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة من الآية:196]. ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أحصر عن دخول مكة يوم الحديبية نحر هديه وحلق رأسه ثم رحل وأمر أصحابه بذلك. لكن إذا كان المحصر قد قال في إحرامه: "فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني" حل ولم يكن عليه شيء ولا هدي ولا غيره، لما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها، قالت: يا رسول الله إني أريد الحج وأنا شاكية، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني» (صحيح ابن حبان[3774]).

تقديم الطواف والسعي قبل الرمي والوقوف بعرفة
سؤال: هل يجوز تقديم طواف الإفاضة والسعي قبل رمي جمرة العقبة أو قبل الوقوف بعرفة؟ أفيدونا أفادكم الله.

الجواب: يجوز تقديم الطواف والسعي للحج قبل الرمي، لكن لايجزئ طواف الحج قبل عرفات ولا قبل نصف الليل من ليلة النحر، بل إذا انصرف منها ونزل من مزدلفة ليلة العيد يجوز له أن يطوف ويسعى في النصف الأخير من ليلة النحر، وفي يوم النحر قبل أن يرمي. سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأتاه رجلٌ يومَ النحرِ، وهو واقفٌ عندَ الجمرةِ. فقال: "يا رسولَ اللهِ! إني حلقتُ قبلَ الرميِ". فقال: «ارمِ ولا حرجَ» وأتاه آخَرُ فقال: "إني ذبحتُ قبل أن أرميَ". قال: «ارمِ ولا حرجَ» وأتاه آخرُ فقال: "إني أَفضتُ إلى البيتِ قبلَ أن أرميَ". قال: «ارمِ ولا حرجَ». قال: فما رأيتُه سُئِل يومئذٍ عن شيءٍ، إلا قال: «افعلوا ولا حرجَ» (صحيح مسلم [1306])، فإذا نزل من مزدلفة صباح العيد أو في آخر الليل ولا سيما إذا كان من العجزة ونزلوا في آخر الليل كالنساء أو أمثالهم جاز لهم البدء بالطواف لئلا تحيض المرأة، وهكذا الرجل الضعيف يبدأ بالطواف ثم يرمي بعد ذلك ولا حرج في ذلك، ولكن الأفضل أن يرمي ثم ينحر الهدي إن كان عنده هدي، ثم يحلق أو يقصر، والحلق أفضل، ثم يطوف الطواف الأخير كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، حينما رمى الجمرة يوم العيد ثم نحر هديه، ثم حلق رأسه ثم تطيّب، ثم ركب إلى البيت فطاف، ولكن لو قّدم بعضها على بعض بأن ينحر قبل أن يرمي أو طاف قبل أن يذبح أو طاف قبل أن يحلق كل ذلك مجزئ بحمد الله، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام سُئل عن التقديم والتأخير فقال: «لا حرج، لا حرج».

حكم استلام الركن اليماني أو الإشارة إليه
سؤال: ما حكم المسح أوالإشارة إلى الركن الجنوبي الغربي للكعبة المشرفة أثناء الطواف؟ وكم عدد التكبيرات التي تقال عنده وعند الحجر الأسود؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا.

الجواب: يشرع للطائف أن يستلم الحجر الأسود والركن اليماني في كل شوط من أشواط الطواف، كما يستحب له تقبيل الحجر الأسود خاصة في كل شوط مع الاستلام حتى في الشوط الأخير إذا تيسر ذلك من دون مشقة، أما مع المشقة فيكره الزحام ويشرع أن يشير إلى الحجر الأسود بيده أو عصاه ويكبر، أما الركن اليماني فلم يرد فيما نعلم ما يدل على الإشارة إليه، وإنما يستلمه بيمينه إذا استطاع من دون مشقة، ولا يقبله ويقول: "بسم الله والله أكبر أو الله أكبر"، أما مع المشقة فلا يشرع استلامه ويمضي في طوافه من دون إشارة أو تكبير لعدم ورود ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه رضي الله عنهم، كما أوضحت ذلك في كتاب (التحقيق والإيضاح لكثير من مسائل الحج والعمرة والزيارة)، أما التكبير فيكون مرة واحدة ولا أعلم ما يدل على شرعية التكرار، ويقول في طوافه كله ما تيسر من الدعوات والأذكار الشرعية ويختم كل شوط بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، أن يختم كل شوط وهو الدعاء المشهور: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201]. وجميع الأذكار والدعوات في الطواف والسعي سنة وليست واجبة، والله ولي التوفيق.

حكم الجمع بين طواف الإفاضة والوداع
سؤال: هل يجوز جمع طواف الإفاضة مع طواف الوداع في حالة الخروج مباشرة من مكة والعودة إلى الوطن؟

الجواب: لا حرج في ذلك، لو أن إنسانًا أخّر طواف الإفاضة فإذا عزم على السفر طاف عند سفره بعدما رمى الجمار وانتهى من كل شيء، فإن طواف الإفاضة يجزؤه عن طواف الوداع، وإن طافهما (طواف الإفاضة وطواف الوداع) فهذا خير إلى خير ولكن متى اكتفى بواحد ونوى طواف الحج أجزأه ذلك وليس عليه بعد ذلك طواف وداع، أو نوى بطوافه الطواف عنهما جميعًا، طواف الإفاضة وطواف الوداع أجزأه ذلك.

حكم تأخير الطواف ورمي الجمرة الكبرى
سؤال: هل يجوز تأخير طواف الإفاضة عن يوم النحر وكذلك رمي جمرة العقبة؟ هل يجوز تأخير رميها وبقية الجمرات عن مواعيدها؟

الجواب: طواف الحج (الإفاضة) وقته واسع فله تأخيره إلى الثالث عشر أو إلى آخر الشهر ما دام في مكة، أما الرمي فيجوز له أن يؤخره إلى آخر نهار اليوم الثالث عشر فيرميه كله في ذلك اليوم مرتبًا، فيبدأ برمي جمرة العقبة بسبع عن يوم العيد، ثم يرجع إلى الصغرى فيرميها بسبع عن اليوم الحادي عشر، ثم الوسطى كذلك ثم جمرة العقبة كذلك، ثم يرجع فيرميهن عن اليوم الثاني عشر ولا شيء عليه للعذر.

حكم الوقوف بعرفة
سؤال: إذا وقف الحاج خارج حدود عرفة قريبًا منها حتى غربت الشمس ثم انصرف فما حكم حجه؟

الجواب: إذا لم يقف الحاج في عرفه وقت الوقوف فلا حج له لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الحج عرفة» (حجة الوداع[176]). فمن أدرك عرفة بليل قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج، وزمن الوقوف ما بعد الزوال من يوم عرفة إلى طلوع الفجر من يوم ليلة النحر، هذا هو المُجمع عليه بين أهل العلم.

أما قبل الزوال ففيه خلاف بين أهل العلم، والأكثرون على أنه لا يجزئ الوقوف فيه إذا لم يقف بعد الزوال ولا في الليل، ومن وقف نهارًا بعد الزوال أو ليلًا أجزأه ذلك، والأفضل أن يقف نهارًا بعد صلاة الظهر والعصر جمع تقديم إلى غروب الشمس، ولا يجوز الانصراف قبل الغروب لمن وقف نهارًا، فإن فعل ذلك فعليه دم عند أكثر أهل العلم لكونه ترك واجبًا وهو الجمع في الوقوف بين الليل والنهار لمن وقف نهارًا.

حكم من انصرف من عرفة قبل الغروب
سؤال: ما حكم من حج وانصرف من عرفة قبل غروب الشمس لظروف عمله؟

الجواب: على من انصرف من عرفة قبل الغروب، فدية عند أكثر أهل العلم إلا أن يعود إليها ليلًا فتسقط عنه الفدية، وهي دم يوزع لمساكين الحرم.

من فاته الوقوف بعرفة في النهار فهل له الوقوف في الليل

سؤال: شخص شارك في أعمال الحج ولم يمكنه عمله من الوقوف بعرفة في النهار فهل يجوز له أن يقف بعد انصراف الناس في الليل؟ وكم يكفيه في الوقوف؟ وهل لو مر بسيارته في عرفة يجزئه ذلك؟

الجواب: يمتد زمن الوقوف بعرفة من طلوع فجر اليوم التاسع إلى طلوع فجر يوم النحر، فإذا لم يتمكن الحاج من الوقوف في نهار اليوم التاسع، فوقف في الليل بعد الانصراف كفاه ذلك، حتى لو لم يقف بعرفة إلا آخر الليل قبيل الصبح ويكفيه ولو بضع دقائق، وكذا لو مر من عرفات وهو سائر على سيارته أجزأه ذلك، ولكن الأفضل له أن يحضر الوقت الذي يقف فيه الناس ويشاركهم في الدعاء عشية عرفة، ويظهر منه الخشوع وحضور القلب، ويرجو مثل ما يرجون من نزول الرحمة، وحصول المغفرة، فإن فاته النهار فوقف بالليل فالأفضل له أن يبكر بالوقوف مهما استطاع، فينزل بعرفة ولو قليلًا ويمد يديه إلى ربه ويتضرع إليه في السؤال، ثم يذهب معهم إلى مزدلفة ويمكث بها إلى آخر الليل حتى يتم حجه.

ما ضابط المبيت بمزدلفة؟ وما الحكم إذا تعذر؟
سؤال: ما هو ضابط المبيت في مزدلفة وإذا تعذر المبيت واكتفى الحاج بالمرور بها فقط، فما حكم حجه؟

الجواب: يجب على الحاج المبيت بمزدلفة إلى أن ينتصف الليل، وإذا كمل المبيت وصلى بها الفجر وذكر الله بعد الصلاة واستغفر حتى يسفر كان أفضل وأكمل، ويجوز للضعفة من النساء والشيوخ ومن يلزمهم الدفع في النصف الأخير من الليل، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم، رخّص للضعفة من أهله في ذلك، أما هو صلى الله عليه وسلم، فبات بها وصلّى بها الفجر وذكر الله بعد الصلاة، وهلله واستغفره، فلما أسفر جدًا دفع إلى منى، والأكمل للحاج التأسي به صلى الله عليه وسلم، في ذلك، وللضعفة الترخيص في الدفع قبل الصبح كما تقدم، ومن ترك المبيت في مزدلفة من غير عذر شرعي وجب عليه دم لكونه خالف السنة، ولقول ابن عباس رضي الله عنهما: "من ترك نسكًا أو نسيه فيهرق دمًا"، ولا شك أن المبيت في مزدلفة نسك عظيم حتى ذهب بعض أهل العلم إلى أنه ركن من أركان الحج، وذهب بعضهم إلى أنه سنة، وأعدل الأقوال أنه واجب من الواجبات في الحج يجب بتركه دم مع التوبة والاستغفار ممن ترك ذلك عمدًا من غير عذر شرعي.

حكم المبيت بمزدلفة
سؤال: هل يكفي المرور بمزدلفة دون المبيت إلى منتصف الليل؟

الجواب: المبيت بمزدلفة واجب من واجبات الحج، فإذا لم يبت الحاج بها يلزمه فدية، (أي دم يُذبح لمساكين الحرم)، ولكن إذا مر الحاج بمزدلفة ولم يبت بها، ثم عاد إليها مرة أخرى قبل الفجر، مكث بها ولو يسيرًا فإنه لا فدية عليه.

الاستنابة في رمي الجمار
سؤال: هل يجوز الاستنابة في رمي الجمار للعاجز عن مباشرة الرمي لمرض أو نحوه؟

الجواب: نعم يجوز الاستنابة في رمي الجمار للعاجز عن مباشرة الرمي وذلك لمرض أو كبر سن أو صغر، وكذا لمن يخشى على غيره كالحامل وذات الطفل التي لا تجد من يحفظ طفلها حتى ترجع، لما عليها من الخطر والضرر في مزاحمة الناس وقت الرمي، وقد نص أهل العلم على هذه المسألة واحتجوا عليها بما رواه أحمد وابن ماجه عن جابر أنه قال: حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، معنا النساء والصبيان فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم، ومن الحُجّة على ذلك أيضاً قوله تعالى: {فَاتَّقُواْ اللّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] وقوله تعالى: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة:195] وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» (المحلى[2/74]، وقوله عليه الصلاة والسلام: «لا ضرر ولا ضرار» (المعجم الأوسط[1/90]).

حكم من وكّل في رمي الجمار وهو قادر وسافر
سؤال: ما حكم من وكّل في رمي الجمار وهو قادر وسافر بعد يوم العيد ولم يمكث في منى يومين؟

الجواب: الوكالة لا تجوز إلا على علة شرعية مثل كبير السن والمريض ومثل الحبلى التي يخشى عليها وما أشبه ذلك، أما التوكيل من غير عذر شرعي فهذا لا يجوز، والرمي باق عليه حتى لو كان حجه نافلة على الصحيح؛ لأنه لما دخل في الحج والعمرة وجب عليه إكمالهما وإن كانا نافلة لقوله سبحانه وتعالى: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} [الحج:196]. فهذا يعم حج النافلة وحج الفرض كما يعم عمرة الفرض وعمرة النافلة لكن إذا كان معذورًا لمرض أو كبر سن فلا بأس، والنائب يرمي عنه وعن موكله في موقف واحد الجمرات كلها هذا هو الصواب، وكذلك إن سافر قبل طواف الوداع فهذا أيضًا منكر ثان لا يجوز لأن طواف الوداع بعد انتهاء الرمي وبعد فراغ وكيله من الرمي إذا كان عاجزًا وكونه يسافر قبل طواف الوداع وقبل مضي أيام الرمي هذا فيه شيء من التلاعب فلا يجوز هذا الأمر بل عليه دمّان: دم عن ترك الرمي يُذبح في مكة، ودم عن ترك طواف الوداع يُذبح في مكة أيضًا، ولو طاف في نفس يوم العيد لا يجزؤه ولا يسمى وداعًا، لأن طواف الوداع يكون بعد رمي الجمار، فلا يطاف للوداع قبل الرمي لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا ينفرن أحدكم حتى يكون آخر عهده بالبيت» (صحيح مسلم[1327]). ولما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "أمر الناس أن يكون آخرعهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض" (البدر المنير[6/291])

وقت رمي الجمار والرمي ليلًا
سؤال: متى يبدأ وقت رمي الجمار، جمار أيام التشريق الثلاثة؟ وإلى متى ينتهي؟ وهل يصح أن يرمي الحاج ليلًا هذه الجمار خاصة هذه الأيام ونحن نرى الزحام الشديد والمشقة الصعبة في الرمي نهارًا وذلك لأن بعض الناس يستدلون بالحديث الصحيح الذي رواه البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يسأل يوم النحر بمنى فيقول: «لا حرج» فسأل رجل فقال: حلقت قبل أن أذبح، قال: «اذبح ولا حرج»، فقال: رميت بعدما أمسيت، فقال: «لا حرج» (صحيح البخاري [1735]). فهم يقولون إنه إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد أجاز للرجل الرمي ليلًا حيث أن الرمي في يوم النحر من أوجب الواجبات على كل حاج حتى يتحلل التحلل الأول فكيف ببقية أيام التشريق الثلاثة التي تقل وجوبًا عن يوم النحر، فهذا دليل على أن الرمي أيام التشريق الثلاثة جائز ليلًا، فما حكم من رمى الجمار ليلًا هل عليه شيء أم لا؟ نرجو من سماحتكم توضيح هذه النقطة مع ذكر الدليل؟

الجواب: وقت رمي الجمار أيام التشريق من زوال الشمس إلى غروبها لما روى مسلم في صحيحه أن جابر رضي الله عنه قال: "رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم النحر ضحى، ورمى بعد ذلك بعد الزوال". وما رواه البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سئل عن ذلك فقال: "كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا" وعليه جمهور العلماء، لكن إذا اضطر إلى الرمي ليلًا فلا بأس بذلك، ولكن الأحوط الرمي قبل الغروب لمن قدر على ذلك أخذًا بالسنة وخروجًا من الخلاف، وأما حديث ابن عباس المذكور فليس دليلًا على الرمي بالليل، لأن السائل سأل النبي صلى الله عليه وسلم، نص صريح يدل على عدم جواز الرمي بالليل، والأصل جوازه، ولكنه في النهار أفضل وأحوط ومتى دعت الحاجة إليه ليلًا فلا بأس به في رمي اليوم الذي غابت شمسه إلى آخر الليل، أما اليوم المستقبل فلا يرمي عنه في الليلة السابقة له ما عدا ليلة النحر في حق الضعفة في النصف الأخير، أما الأقوياء فالسنة لهم أن يكون رميهم جمرة العقبة بعد طلوع الشمس، كما تقدم، جمعًا بين الأحاديث الواردة في ذلك، والله أعلم.


حكم المبيت خارج منى
سؤال: إذا لم يجد الحاج مكانًا يبيت فيه بمنى فماذا يفعل؟ وهل إذا بات خارج منى عليه شيء؟

الجواب: إذا اجتهد الحاج في التماس مكان في منى ليبيت فيه ليالي منى فلم يجد شيئًا فلا حرج عليه أن ينزل في خارجها لقول الله عز وجل: {فَاتَّقُواْ اللّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] ولا فدية عليه من جهة ترك المبيت في منى لعدم قدرته عليه.

حكم من ترك المبيت بمنى أيام التشريق بدون عذر
سؤال: ما حكم من ترك المبيت في منى ثلاثة أيام أو اليومين المذكورين للمتعجل فهل يلزمه دم عن كل يوم فاته المبيت فيه في منى؟ أم أنه عليه دم واحد فقط لكل الأيام الثلاثة التي لم يبت فيها بمنى؟ نرجو توضيح ذلك مع ذكر الدليل؟

الجواب: من ترك المبيت بمنى أيام التشريق بدون عذر فقد ترك شيئًا شرعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بقوله وفعله وبدلالة ترخيصه لبعض أهل الأعذار مثل الرعاة وأهل السقاية، والرخصة لا تكون إلا مقابل العزيمة، ولذلك اعتبر المبيت بمنى أيام التشريق من واجبات الحج في أصح قولي أهل العلم، ومن تركه بدون عذر شرعي فعليه دم لما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "من ترك نسكًا أو نسيه فليرق دمًا". ويكفيه دم واحد عن ترك المبيت أيام التشريق، والله أعلم.

حكم من ترك طواف الوداع
سؤال: ما حكم حج من ترك طواف الوداع؟

الجواب: حجه صحيح بإجماع أهل العلم، ولكن فيه نقص يجبر بدم، لأن طواف الوداع واجب في أصح قولي العلماء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا ينفرن أحدكم حتى يكون آخر عهده بالبيت» (صحيح مسلم[1327])، إلا الحائض والنفساء فليس عليهما وداع، لما ثبت في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض".

هل يشترط للإحرام ركعتان؟
سؤال: هل يشترط للإحرام ركعتان أم لا؟

الجواب: لا يشترط ذلك وإنما اختلف العلماء في استحبابها فذهب الجمهور إلى استحباب ركعتين، يتوضأ ويصلي ركعتين ثم يلبي، واحتجوا على هذا بأن الرسول صلى الله عليه وسلم، أحرم بعد الصلاة، أي أنه صلى الظهر ثم أحرم في حجة الوداع، وقال صلى الله عليه وسلم: «اللَّيلة أتاني آتٍ من ربِّي - وهو بالعقيقِ - أنْ صلِّ في هذا الوادي المبارَكِ ،وقُلْ : عمرةٌ في حجَّةٍ» (صحيح البخاري [2337]). وهذا يدل على شرعية صلاة الركعتين وهذا قول جمهور أهل العلم. وقال آخرون: "ليس هذا في نص"، فإن قول: «آتاني من ربي آت وقال: صل في هذا الوادي المبارك» يحتمل: أن المراد صلاة الفريضة في الصلوات الخمس، وليس بنص ركعتي الإحرام وإنما يدل على إنه إذا أحرم بالعمرة أو بالحج بعد صلاة، يكون أفضل إذا تيسر ذلك.


عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
دار ابن خزيمة 

 

المصدر: دار بن خزيمة