لم لا نحتفل بليلة الإسراء والمعراج؟!

منذ 2014-05-05

بيان مُفصَّل لأقوال كبار العلماء حول ليلة الإسراء والمعراج

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد...

لا ريب بأن حادثة الإسراء والمعراج من أسمى آيات الله العظيمة الدالة على صدق عبده محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وعلو منزلته عند ربه جل وعلا، وفيها دلالة على قدرة الله الباهرة، وعلى علوه سبحانه على جميع خلقه، قال الله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء:1].

وقد وقع لنبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم في تلك الليلة من الأمور الجليلة والمعجزات العظيمة شيء كثير، مثل شق صدره عليه الصلاة والسلام، وغسل جوفه تهيئة للرحلة في الملكوت الأعلى، ثم الإسراء به إلى المسجد الأقصى، وهكذا العروج للسماء في زمن محدود، وصلاته بالأنبياء والمرسلين في بيت المقدس، ثم صعوده إلى السماوات العلى، ولقائه المرسلين فيها، ثم مجاوزته السماء السابعة إلى موضع لم يبلغه أحد من الخلق، وفرض الصلوات الخمس، ورؤيته الجنة، وغير ذلك مما صحت به الأحاديث، وقد ساق الحافظ ابن كثير الدمشقي رحمه الله تعالى طائفة منها في فاتحة تفسير سورة الإسراء، فلتنظر.

والمتأمل لما جرى في تلك الليلة المباركة يستخلص دروسا عظيمة، منها:

• التعريف بمنزلة المسجد الأقصى في كيان الأمة الإسلامية، فهو مهاجر الأنبياء، ومسرى سيد ولد آدم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ووجوب المحافظة على هذه الأرض المباركة وحمايتها من مطامع أعداء الإسلام.

• ربط رسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم برسالة المرسلين جميعًا، وإيذان بعالمية رسالته، وخلود إمامته، وإنسانية تعاليمه، وصلاحيتها لكل زمان ومكان.

• تنويه جلي بمنزلة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، إذ رفعه الله تعالى إليه إلى هذه المنزلة الرفيعة التي لم يصل إليها أي مخلوق، حتى تجاوز سدرة المنتهى، فوصل في الإكرام غاية المنتهى، وتنويه بمنزلة هذه الأمة كذلك، إذ كل شرف للنبي صلى الله عليه وآله وسلم يفيض عليها منه نصيب أيضًا.

• تسلية الله تعالى لقلوب أولياءه عند المحن، ولهذا جاء الإسراء إثر وفاة عمه أبي طالب وزوجته أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، وإثر ما لقيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الطائف من الأذى البالغ، فجاء الإسراء والمعراج ليكون تسلية له عما قاسى، وتعويضا عما أصابه، ليعلمه الله عز وجل أنه إذا كان قد أعرض عنك أهل الأرض، فقد أقبل عليك أهل السماء، ولئن كان الناس قد صدوك، فإن الله يرحب بك، وإن الأنبياء يقتدون بك.

• فرض الصلوات الخمس في ليلة الإسراء والمعراج دليل على أهمية هذا الركن من بين أركان الإسلام، وقد شرعت في السماء، لتكون معراجًا يرقي بالناس كلما تدلت بهم شهوات النفوس وأغراض الدنيا.
إلى غير ذلك من الدروس المستفادة.

إذا كانت ليلة الإسراء والمعراج بهذه المكانة العظيمة، فلم لا نحتفل جميعًا بها؟

نقول إنه ينبغي تفويض مثل هذه التساؤلات إلى أهل العلم والإيمان الذين أمرنا الله تعالى بسؤالهم عند عدم العلم بقوله: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل من الآية:43].

وعندما نفوض السؤال إليهم، نجدهم يتواطؤون على بدعية الإحتفال بهذه الليلة وعدم مشروعيته، علمًا بأن هذا القول لم يحدثوه من عند أنفسهم، إنما ركنوا إلى أصل شرعي متين عبر عنه الحافظ الإمام أبو شامة المقدسي رحمه الله تعالى، فقال ما نصه[1]: "ولا ينبغي تخصيص العبادات بأوقات لم يخصها بها الشرع، بل يكون جميع أفعال البر مرسلة في جميع الأزمان، ليس لبعضها على بعض فضل إلا ما فضله الشرع وخصه بنوع من العبادة، فإن كان ذلك اختص بتلك الفضيلة تلك العبادة دون غيرها، كصوم يوم عرفة، وعاشوراء، والصلاة في جوف الليل، والعمرة في رمضان، ومن الأزمان ما جعله الشرع مفضلا فيه جميع أعمال البر، كعشر ذي الحجة، وليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، أي: العمل فيها أفضل من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، فمثل ذلك يكون أي عمل من أعمال البر حصل فيها، كان له الفضل على نظيره في زمن آخر، فالحاصل أن المكلف ليس له منصب التخصيص، بل ذلك إلى الشارع، وهذه كانت صفة عبادة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم" ا.هـ.

ثم ضم أهل العلم إلى هذا الأصل الشرعي العظيم الأمور التالية:

أولًا: الاختلاف الشديد في تعيين ليلة الإسراء والمعراج:

يكاد الباحث المنصف يعجز عن الوقوف على تاريخ واحد صحيح تطمئن إليه النفس ويقر به الفؤاد لميقات ليلة الإسراء والمعراج، وذلك لسبب بسيط هو كون هذه الليلة ليست معلومة على الوجه القطعي الجازم، ولا يوجد اتفاق معتبر على ضبط تاريخها بين جماهير أهل العلم من المؤرخين وغيرهم، فقد اختلفوا في السنة والشهر، فضلًا عن الاختلاف الشديد في اليوم، فالجزم بأنها ليلة السابع والعشرين من شهر رجب مما لا أصل له من الناحية التاريخية، بل قد أنكر كبار الحفاظ والمؤرخين من أهل العلم هذا التاريخ بالتحديد، وإليك بعض نصوصهم:

1- قال الحافظ ابن دحية الكلبي رحمه الله تعالى[2]: "ذكر بعض القصاص أن الإسراء كان في رجب، وذلك عند أهل التعديل والجرح عين الكذب، قال الإمام أبو إسحاق الحربي: أسري برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليلة سبع وعشرين من شهر ربيع الأول، وقد ذكرنا ما فيه من الاختلاف والاحتجاج في كتابنا المسمى: بالابتهاج في أحاديث المعراج" ا.هـ.

وقال أيضًا[3]: "قيل: كان الإسراء في رجب، وفي إسناده رجال معروفون بالكذب" ا.هـ.

2- ونقل الحافظ أبو شامة كلام الحافظ ابن دحية رحمهما الله تعالى نقل إقرار من غير إنكار[4].

3- وقال الشيخ العلامة علي بن إبراهيم بن داود بن العطار الشافعي رحمه الله تعالى[5]: "رجب ليس فيه شيء من ذلك -أي الفضائل-، سوى ما يشارك غيره من الشهور، وكونه من الحرم، وقد ذكر بعضهم أن المعراج والإسراء كان فيه، ولم يثبت ذلك" ا.هـ.

4- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية كما نقل عنه تلميذه النجيب ابن القيم الجوزية رحمهما الله تعالى[6]: "لم يقم دليل معلوم لا على شهرها ولا على عشرها ولا على عينها، بل النقول في ذلك منقطعة مختلفة، ليس فيها ما يقطع به..." ا.هـ.

5- ونقل الإمام ابن القيم الجوزية كلام شيخه ابن تيمية رحمهما الله تعالى نقل إقرار من غير إنكار[7].

6- وقال الإمام تقي الدين السبكي رحمه الله تعالى[8]: "لا احتفال بما تضمنته التذكرة الحمدونية أنه في رجب، وبإحياء المصريين ليلة السابع والعشرين منه لذلك، فإن ذلك بدعة منضمة إلى جهل" ا.هـ.

7- وقال الشيخ العلامة أبو أمامة بن النقاش رحمه الله تعالى[9]: "أما ليلة الإسراء، فلم يأت في أرجحية العمل فيها حديث صحيح ولا ضعيف، ولذلك لم يعينها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه، ولا عينها أحد من الصحابة بإسناد صحيح، ولا صح إلى الآن، ولا إلى أن تقوم الساعة فيها شيء، ومن قال فيها شيئًا، فإنما قال من كيسه لمرجع ظهر له استأنس به، ولهذا تصادمت الأقوال فيها وتباينت، ولم يثبت الأمر فيها على شيء" ا.هـ.

8- وقال الحافظ المؤرخ ابن كثير الدمشقي رحمه الله تعالى، وهو يحكي الخلاف في التاريخ[10]: "وقد أورد -أي: عبدالغني المقدسي- حديثًا لا يصح سنده، ذكرناه في فضائل شهر رجب أن الإسراء كان ليلة السابع والعشرين من رجب، والله أعلم، ومن الناس من يزعم أن الإسراء كان أول ليلة جمعة من شهر رجب، وهي ليلة الرغائب التي أحدثت فيها الصلاة المشهورة، ولا أصل لذلك" ا.هـ.

9- وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى[11]: "أما الإسراء، فقيل: كان في رجب، وضعفه غير واحد، وقيل: كان في ربيع الأول، وهو قول إبراهيم الحربي، وغيره" ا.هـ.

وقال أيضًا[12]: "قد روي أنه كان في شهر رجب حوادث عظيمة، ولم يصح شيء من ذلك، فروي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولد في أول ليلة منه، وأنه بعث في السابع والعشرين منه، وقيل في الخامس والعشرين، ولا يصح شيء من ذلك، وروي بإسناد لا يصح عن القاسم بن محمد أن الإسراء بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم كان في سابع وعشرين من رجب، وأنكر ذلك إبراهيم الحربي وغيره، وروي عن قيس بن عباد قال: في اليوم العاشر من رجب..." ا.هـ.

10- وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى[13]: "قد اختلف في وقت المعراج، فقيل كان قبل المبعث، وهو شاذ إلا إن حمل على أنه وقع حينئذ في المنام كما تقدم، وذهب الأكثر إلى أنه كان بعد المبعث، ثم اختلفوا، فقيل: قبل الهجرة بسنة، قاله ابن سعد وغيره، وبه جزم النووي، وبالغ ابن حزم، فنقل الإجماع فيه، وهو مردود، فإن في ذلك اختلافًا كثيرًا يزيد على عشرة أقوال، منها ما حكاه ابن الجوزي أنه كان قبلها بثمانية أشهر -فيكون في رجب-، وقيل: بستة أشهر -فيكون في رمضان-، وحكي هذا الثاني أبو الربيع بن سالم، وحكي ابن حزم مقتضى الذي قبله، لأنه قال: كان في رجب سنة اثنتي عشرة من النبوة، وقيل: بأحد عشر شهرا، جزم به إبراهيم الحربي حيث قال: كان في ربيع الآخر قبل الهجرة بسنة.

ورجحه ابن المنير في شرح السيرة لابن عبد البر، وقيل: قبل الهجرة بسنة وشهرين، حكاه ابن عبد البر، وقيل: بسنة وثلاثة أشهر، حكاه ابن فارس، وقيل: بسنة وخمسة أشهر، قاله السدي، وأخرجه من طريقة الطبري والبيهقي، فعلى هذا كان في شوال، أو في رمضان على إلغاء الكسرين منه، ومن ربيع الأول، وبه جزم الواقدي، وعلى ظاهره ينطبق ما ذكره ابن قتيبة، وحكاه ابن عبد البر أنه كان قبلها بثمانية عشر شهرًا، وعند ابن سعد عن ابن أبي سبرة أنه كان في رمضان، قبل الهجرة بثمانية عشر شهرًا، وقيل: كان في رجب حكاه ابن عبد البر، وجزم به النووي في الروضة، وقيل: قبل الهجرة بثلاث سنين، حكاه ابن الأثير، وحكى عياض وتبعه القرطبي والنووي عن الزهري أنه كان قبل الهجرة بخمس سنين، ورجحه عياض ومن تبعه" ا.هـ.

وهذا ما يؤكد كلام ابن تيمية، وقد نقل الحافظ ابن حجر كلام ابن دحية السالف الذكر نقل إقرار من غير إنكار[14].

11- ونقل الشيخ العلامة القسطلاني كلام ابن النقاش رحمهما الله تعالى نقل إقرار من غير إنكار[15].

12- وقال الشيخ محمد الشقيري رحمه الله تعالى[16]: "الإسراء لم يقم دليل على ليلته، ولا على شهره" ا.هـ.

13- وقال العلامة الألباني رحمه الله تعالى معلقًا على كلام الحافظ ابن دحية السابق[17]: "نقل هذا عن المصنف الحافظ ابن حجر في رسالته السابقة وأقره، بل الواجب تبيين هذا للناس بكل وسيلة ممكنة، وفي كل مناسبة، والله المستعان" ا.هـ.

وقال أيضًا[18]: "وقد ذكر الأقوال المشار إليها السيوطي في الآية الكبرى في شرح قصة الإسراء ص: [34]، والعلامة الآلوسي في تفسيره روح المعاني: [4/469]، فبلغت خمسة أقوال! وليس فيها قول مسند إلى خبر صحابي يطمئن له البال، ولذلك تناقض فيها أقوال العالم الواحد! فهذا هو النووي رحمه الله تعالى، له في ذلك ثلاثة أقوال حكوها عنه، أحدها: مثل قول الحربي الذي في الكتاب، وقد جزم به النووي في الفتاوى له ص: [15]! وفي ذلك ما يشعر اللبيب أن السلف ما كانوا يحتفلون بهذه الليلة، ولا كانوا يتخذونها عيدًا، لا في رجب ولا في غيره، ولو أنهم احتفلوا بها، كما يفعل الخلف اليوم، لتواتر ذلك عنهم، ولتعينت الليلة عند الخلف، ولم يختلفوا هذا الاختلاف العجيب!" ا.هـ.

14- وقال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى[19]: "وهذه الليلة التي حصل فيها الإسراء والمعراج، لم يأت في الأحاديث الصحيحة تعيينها لا في رجب ولا غيره، وكل ما ورد في تعيينها فهو غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند أهل العلم بالحديث، ولله الحكمة البالغة في إنساء الناس لها..." ا.هـ.

15- وقال فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى[20]: "فأما ليلة السابع والعشرين من رجب، فإن الناس يدعون أنها ليلة المعراج التي عرج بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم فيها إلى الله عز وجل، وهذا لم يثبت من الناحية التاريخية، وكل شيء لم يثبت، فهو باطل، والمبني على الباطل باطل" ا.هـ.

16- وقال الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي[21]: "ذكر أحد أئمة الحديث، وهو أبو الخطاب عمر بن دحية من أئمة القرن السابع، وله كتاب اسمه (أداء ما وجب في بيان وضع الوضاعين في شهر رجب)، وفي هذا كتب يقول: إن بعض القصاص ذكروا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أسري به في رجب، قال: وهذا هو عين الكذب، أقر هذا الكلام خاتمة الحفاظ الحافظ بن حجر العسقلاني شارح البخاري المعروف، وأنا أعرف أن موضوع ليلة السابع والعشرين من رجب لم يأت فيها حديث صحيح، ولا قول صحيح لأحد الصحابة، إنما هو قول اشتهر، وقال به بعض الأئمة، ونسب إلى الإمام النووي، اختاره الإمام النووي في فتاواه -بل الصواب في: روضة الطالبين-، والإمام النووي رجل كان مقبولًا عند الأمة، فاشتهر قوله هذا، على حين أن هناك مثلًا الإمام أبا إسحاق الحربي نجده يقول إن الإسراء والمعراج ليس في ليلة السابع والعشرين من رجب، بل في ليلة السابع والعشرين من ربيع الأول، وأنا أعلم أنه لم يثبت شيء في هذا، وأن هذا قول اشتهر وأصبح معروفًا عند المسلمين منذ قرون أنهم يذكرون الإسراء والمعراج في هذه الليلة..." ا.هـ.

ثانيًا: لو كان خيرًا لسبقونا إليه:

حتى لو ثبت تعيين ليلة الإسراء والمعراج، لما شرع لأحد تخصيصها بشيء، لأنه لو كان هناك خير في تخصيصها باحتفال، لكان أولى الناس بذلك هو نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، هذا إذا كان التعظيم من أجل الإسراء والمعراج.

وإن كان من أجل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وإحياء ذكره كما يفعل في مولده صلى الله عليه وآله وسلم، فأولى الناس به أبو بكر رضي الله عنه، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي رضي الله عنهم، ثم من بعدهم من الصحابة على قدر منازلهم عند الله، ثم التابعون ومن بعدهم من أئمة الدين، ولم يعرف عن أحد منهم شيء من ذلك، فليسعنا ما وسعهم.

فالسلف الصالح رضوان الله عليهم هم أحرص الناس على الخير، وأكثرهم تسابقا فيه بشهادة النصوص الشرعية والوقائع التاريخية، ولم ينقل عنهم أنهم احتفلوا بليلة الإسراء والمعراج، ولو ثبت أنهم احتفلوا بها، لنقلوه إلينا نقلا يعتد به، حيث أنهم نقلوا عن نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم كل شيء تحتاجه الأمة، ولم يفرطوا في شيء من الدين، فكل خير في اتباع من سلف.

ثالثًا: حال المحتفلين بها:

نرى أن المحتفلين بهذه الليلة متفاوتون في طريقة الاحتفال، فبعضهم يجتمع في المساجد، ويدعوا إلى إحيائها، ويوقد المصابيح فيها وعلى المنارات، مع الإسراف والتبذير في ذلك، فيقيم الذكر، والقراءة، وتلاوة قصة المعراج.

وبعضهم يذكر الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج ضمن المواسم الشرعية، وليس منها، ويورد القصص الباطلة والأحاديث الواهية.

والبعض الآخر يسرد المقالات والأشعار المختلفة المشتملة على غلو ومبالغات ما أنزل الله بها من سلطان.

كما أن البعض يجمع بين ذلك كله، مصداقا لقول الله تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء من الآية:82].

ومن الغرائب أن منهم من ينشط ويجتهد في حضور مثل هذه المحافل البدعية، ويدافع عنها ويذب بكل ما أوتي من قوة، بينما تراه يتخلف عما أوجب الله عليه من حضور الجمع والجماعات، ولا يرفع بذلك رأسًا، ولا يرى أنه أتى منكرًا عظيمًا، فالله المستعان.

رابعًا: التشبه باليهود والنصارى:

إن في الإحتفال بليلة الإسراء والمعراج وغيرها تشبه ظاهر جلي باليهود والنصارى، وذلك من خلال تعظيم أيام لم يعظمها الشرع بالاحتفال وإقامة المراسيم، وقد أمرنا بمخالفة سبيلهم، ونهينا عن اتباع سننهم.

خامسًا: نصوص أهل العلم في بدعية الإحتفال بهذه الليلة:

قد نص جماعة من أهل العلم على بدعية الاحتفال بهذه الليلة:

1- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى[22] حينما سُئِلَ عن رجل قال: ليلة الإسراء أفضل من ليلة القدر، وقال آخر: بل ليلة القدر أفضل، فأيهما المصيب؟:
"الحمد لله، أما القائل بأن ليلة الإسراء أفضل من ليلة القدر، فإن أراد أن تكون الليلة التي أسري فيها بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ونظائرها من كل عام، أفضل لأمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم من ليلة القدر، بحيث يكون قيامها، والدعاء فيها أفضل منه في ليلة القدر فهذا باطل، لم يقله أحد من المسلمين، وهو معلوم الفساد بالاطراد من دين الإسلام، هذا إذا كانت ليلة الإسراء تعرف عينها، فكيف ولم يقم دليل معلوم لا على شهرها، ولا على عشرها، ولا على عينها، بل النقول في ذلك منقطعة مختلفة، ليس فيها ما يقطع به، ولا شرع للمسلمين تخصيص الليلة التي يظن أنها ليلة الإسراء بقيام ولا غيره، بخلاف ليلة القدر، فإنه قد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان»، وفي الصحيحين عنه أنه قال: «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه»، وقد أخبر سبحانه أنها خير من ألف شهر، وأنه أنزل فيها القرآن.

وإن أراد أن الليلة المعينة التي أسري فيها بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وحصل له فيها ما لم يحصل له في غيرها من غير أن يشرع تخصيصها بقيام ولا عبادة، فهذا صحيح، وليس إذا أعطى الله نبيه فضيلة في مكان أو زمان يجب أن يكون ذلك الزمان والمكان أفضل من جميع الأمكنة والأزمنة، هذا إذا قدر أنه قام دليل على أن إنعام الله تعالى على نبيه ليلة الإسراء كان أعظم من إنعامه عليه بإنزال القرآن ليلة القدر، وغير ذلك من النعم التي أنعم عليه بها.

والكلام في مثل هذا يحتاج إلى علم بحقائق الأمور ومقادير النعم التي لا تعرف إلا بوحي، ولا يجوز لأحد أن يتكلم فيها بلا علم، ولا يعرف عن أحد من المسلمين أنه جعل لليلة الإسراء فضيلة على غيرها لا سيما على ليلة القدر، ولا كان الصحابة والتابعون لهم بإحسان يقصدون تخصيص ليلة الإسراء بأمر من الأمور، ولا يذكرونها، ولهذا لا يعرف أي ليلة كانت، وإن كان الإسراء من أعظم فضائله صلى الله عليه وآله وسلم، ومع هذا، فلم يشرع تخصيص ذلك الزمان ولا ذلك المكان بعبادة شرعية، بل غار حراء الذي ابتدئ فيه بنزول الوحي، وكان يتحراه قبل النبوة، لم يقصده هو ولا أحد من أصحابه بعد النبوة مدة مقامه بمكة، ولا خص اليوم الذي أنزل فيه الوحي بعبادة ولا غيرها، ولا خص المكان الذي ابتدئ فيه بالوحي، ولا الزمان بشيء، ومن خص الأمكنة والأزمنة من عنده بعبادات لأجل هذا وأمثاله، كان من جنس أهل الكتاب الذين جعلوا زمان أحوال المسيح مواسم وعبادات، كيوم الميلاد، ويوم التعميد، وغير ذلك من أحواله، وقد رأى عمر ابن الخطاب رضي الله عنه جماعة يتبادرون مكانًا يصلون فيه، فقال: ما هذا؟ قالوا: مكان صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: أتريدون أن تتخذوا آثار أنبيائكم مساجد، إنما هلك من كان قبلكم بهذا، فمن أدركته فيه الصلاة فليصل، وإلا فليمض..." ا.هـ.

وقال أيضًا[23]: "وأما إتخاذ موسم غير المواسم الشرعية، كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال إنها ليلة المولد، أو بعض ليالي رجب، أو ثامن عشر ذي الحجة، أو أول جمعة من رجب، أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال عيد الأبرار، فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف، ولم يفعلوها" ا.هـ.

2- نقل الإمام ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى كلام شيخه ابن تيمية نقل إقرار من غير إنكار[24].

3- وقال الشيخ العلامة ابن الحاج المالكي رحمه الله تعالى تحت عنوان (المواسم التي نسبوها إلى الشرع وليست منه)[25]: "ومن البدع التي أحدثوها فيه -أعني في شهر رجب-: ليلة السابع والعشرين منه التي هي ليلة المعراج التي شرف الله تعالى هذه الأمة بما شرع لهم فيها بفضله العميم وإحسانه الجسيم، وكانت عند السلف يعظمونها، إكراما لنبيهم صلى الله عليه وآله وسلم على عادتهم الكريمة من زيادة العبادة فيها، وإطالة القيام في الصلاة، والتضرع، والبكاء، وغير ذلك مما قد علم من عوائدهم الجميلة في تعظيم ما عظمه الله تعالى، لامتثالهم سنة نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم حيث يقول: «تعرضوا لنفحات الله»، وهذه الليلة المباركة من جملة النفحات، وكيف لا، وقد جعلت فيها الصلوات الخمس بخمسين إلى سبعمائة ضعف، والله يضاعف لمن يشاء، وهذا هو الفضل العظيم من غني كريم، فكانوا إذا جاءت يقابلونها بما تقدم ذكره، شكرا منهم لمولاهم على ما منحهم وأولاهم...

فجاء بعض أهل هذا الزمان فقابلوا هذه الليلة الشريفة بنقيض ما كان السلف يقابلونها به، وذلك أنهم أحدثوا فيها من البدع أشياء، فمنها: إتيانهم المسجد الأعظم، واجتماعهم فيه، ومنها: زيادة وقود القناديل فيه... ومنها: ما يفرشونه من البسط، والسجادات وغيرهما، ومنها: أطباق النحاس فيها الكيزان، والأباريق، وغيرهما، كأن بيت الله تعالى بيتهم، والجامع إنما جعل للعبادة لا للفراش، والرقاد، والأكل، والشرب... ومنها: اجتماعهم حلقات، كل حلقة لها كبير، يقتدون به في الذكر، والقراءة، وليت ذلك لو كان ذكرا، أو قراءة، لكنهم يلعبون في دين الله تعالى، فالذاكر منهم في الغالب لا يقول: لا إله إلا الله، بل يقول: لا يلاه يلله، فيجعلون عوض الهمزة ياء وهي ألف قطع جعلوها وصلا، وإذا قالوا: سبحان الله، يمطونها ويرجعونها حتى لا تكاد تفهم، والقارئ يقرأ القرآن، فيزيد فيه ما ليس منه وينقص منه ما هو فيه بحسب تلك النغمات والترجيعات التي تشبه الغناء والهنوك التي اصطلحوا عليها على ما قد علم من أحوالهم الذميمة، ثم فيها من الأمر العظيم أن القارئ يبتدئ بقراءة القرآن، والآخر ينشد الشعر، أو يريد أن ينشده فيسكتون القارئ، أو يهمون بذلك، أو يتركون هذا في شعره، وهذا في قراءته، لأجل تشوق بعضهم لسماع الشعر وتلك النغمات الموضوعة أكثر، فهذه الأحوال من اللعب في الدين أن لو كانت خارج المسجد منعت، فكيف بها في المسجد، سيما في هذه الليلة الشريفة، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ثم إنهم لم يقتصروا على ذلك، بل ضموا إليه اجتماع النساء والرجال في الجامع الأعظم في تلك الليلة الشريفة مختلطين بالليل، وخروج النساء من بيوتهن على ما يعلم من الزينة والكسوة والتحلي..." ا.هـ

4- وقال الشيخ العلامة تقي الدين السبكي رحمه الله تعالى[26]: "وقد تضمن الإسراء أنواعا من الكرامات، والإسراء والمعراج كانا في ليلة واحدة، واختلف في تاريخه مع الإجماع على أنه كان في مكة، والذي كان يختاره شيخنا أبو محمد الدمياطي: أنه قبل الهجرة بسنة: وهو في ربيع الأول، ولا احتفال بما تضمنته التذكرة الحمدونية أنه في رجب، وبإحياء المصريين ليلة السابع والعشرين منه لذلك، فإن ذلك بدعة منضمة إلى جهل" ا.هـ.

5- وقال الشيخ العلامة أبو أمامة بن النقاش رحمه الله تعالى[27]: "أما ليلة الإسراء، فلم يأت في أرجحية العمل فيها حديث صحيح ولا ضعيف، ولذلك لم يعينها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه، ولا عينها أحد من الصحابة بإسناد صحيح، ولا صح إلى الآن، ولا إلى أن تقوم الساعة فيها شيء، ومن قال فيها شيئا، فإنما قال من كيسه لمرجع ظهر له استأنس به، ولهذا تصادمت الأقوال فيها وتباينت، ولم يثبت الأمر فيها على شيء، ولو تعلق بها نفع للأمة، ولو بذرة، لبينه لهم نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم" ا.هـ.

6- وقال الشيخ العلامة ابن النحاس الدمشقي رحمه الله تعالى[28]: "ومنها: ما أحدثوه ليلة السابع والعشرين من رجب، وهي ليلة المعراج الذي شرف الله به هذه الأمة، فابتدعوا في هذه الليلة، وفي ليلة النصف من شعبان -وهي الليلة الشريفة العظيمة-: كثرة وقود القناديل في المسجد الأقصى، وفي غيره من الجوامع والمساجد، واجتماع النساء مع الرجال والصغار اجتماعا يؤدي إلى الفساد، وتنجيس المسجد، وكثرة اللعب فيه واللغط، ودخول النساء إلى الجوامع متزينات متعطرات، ويبتن في المسجد بأولادهن، فربما سبق الصغير الحدث، وربما اضطرت المرأة والصبي إلى قضاء الحاجة، فإن خرجا من المسجد، لم يجدا إلا طرق المسلمين في أبواب المساجد، وإن لم يخرجا، حرصًا على مكانهما، أو حياء من الناس، ربما فعلا ذلك في إناء، أو ثوب، أو في زاوية من زوايا المسجد، كل ذلك حرام، مع أن الداخل في الغلس لصلاة الصبح قل أن يسلم من تلويث ذيله أو نعله بما فعلوه في باب المسجد، ويدخل بنعله وما فيه من النجاسة إلى المسجد وهو لا يشعر، إلى غير ذلك من المفاسد المشاهدة المعلومة، وكل ذلك بدعة عظيمة في الدين، ومحدثات أحدثها إخوان الشياطين، مع ما في ذلك من الإسراف في الوقيد، والتبذير، وإضاعة المال، وبالجملة فإن كان ذلك من مال الوقف، لم يجز للناظر صرف ذلك، ولا التمكين منه، بل لو ذكره الواقف وشرطه، قال أبو عبد الله بن الحاج: لم يعتبر ذلك الشرط شرعا، وإن لم يكن من مال الوقف، بل لو تبرع به متبرع، كان ذلك إضاعة للمال وتبذيرًا،
وقد نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن إضاعة المال، واعتقاد أن ذلك قربة من أعظم البدع وأقبح السيئات، بل لو كان في نفسه قربة، وأدى إلى هذه المفاسد لكان إثما عظيما، فينبغي للعاجز عن إنكار هذه المنكرات، أن لا يحضر الجامع، وأن يصلي في بيته تلك الليلة إن لم يجد مسجدا سالما من هذه البدع، لأن الصلاة في الجامع مندوب إليها، وتكثير سواد أهل البدع منهي عنه، وترك المنهي عنه واجب، وفعل الواجب متعين، هذا إن لم يكن مشهورا بين الناس، فإن كان مشهورا بينهم بعلم أو زهد، وجب عليه أن لا يحضر الجامع، ولا يشاهد هذه المنكرات، لأن في حضوره مع عدم الإنكار إيهاما للعامة بأن هذه الأفعال مباحة أو مندوب إليها، وإذا فقد من المسجد وتأخر عن عادته في الصلاة جماعة، وأنكر ذلك بقلبه لعجزه، لربما يسلم من الإثم، ولا يغتر به غيره، ويستشعر الناس من عدم حضوره أن هذه الأفعال غير مرضية، لأن حضور من يقتدى به في هذه الليلة هو الشبهة العظمى في ظن الجهال والعوام أن ذلك مستحسن شرعا، ولو اتفق العلماء والصلحاء على إنكار ذلك لزال، بل لو عجزوا عن الإنكار، وتركوا الصلاة في الجامع المذكور، لظهر للناس أن ذلك بدعة لا يسوغها الشرع، ولا يرضاها أهل الدين، فربما امتنع الناس عن ذلك أو بعضهم، فحصل لهم الثواب بفعل ما يقدرون عليه من الإنكار بالقلب، والامتناع عن الحضور إن كانوا عاجزين عن التغيير، وإن كانوا قادرين، فيسقط عنهم بعض الإثم، ويخفف عنهم الوزر" ا.هـ.

7- ونقل الشيخ العلامة القسطلاني كلام ابن النقاش رحمهما الله تعالى في (المواهب اللدنية) نقل إقرار من غير إنكار.

8- وقال فضيلة الشيخ محمد الشقيري رحمه الله تعالى تحت عنوان (في بدع شهر رجب)[29]: "وقراءة قصة المعراج، والإحتفال لها في ليلة السابع والعشرين من رجب بدعة، وتخصيص بعض الناس لها بالذكر والعبادة بدعة، والأدعية التي تقال في رجب، وشعبان، ورمضان كلها مخترعة مبتدعة، ولو كان خيرا لسبقونا إليه، والإسراء لم يقم دليل على ليلته، ولا على شهره، ومسألة ذهابه صلى الله عليه وآله وسلم ورجوعه ليلة الإسراء ولم يبرد فراشه، لم تثبت، بل هي أكذوبة من أكاذيب الناس" ا.هـ.

9- وقال فضيلة الشيخ علي محفوظ الأزهري رحمه الله تعالى تحت عنوان: (المواسم التي نسبوها إلى الشرع وليست منه)[30]: "ومنها: ليلة المعراج التي شرف الله تعالى هذه الأمة بما شرع لهم فيها، وقد تفنن أهل هذا الزمان بما يأتونه في هذه الليلة من المنكرات، وأحدثوا فيها من أنواع البدع ضروبا كثيرة: كالاجتماع في المساجد، وإيقاد الشموع والمصابيح فيها وعلى المنارات، مع الإسراف في ذلك، واجتماعهم للذكر والقراءة وتلاوة قصة المعراج، وكان ذلك حسنا لو كان ذكرا وقراءة وتعليم علم، لكنهم يلعبون في دين الله، فالذاكر على ما عرفت، والقارئ على ما سمعت، فيزيد فيه ما ليس منه، وينقص منه ما هو فيه، وما أحسن سير السلف، فإنهم كانوا شديدي المداومة على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، لا يخرجون عن الثابت قيد شعرة، ويعتقدون الخروج عنه ضلالة، لا سيما عصر الصحابة ومن بعدهم من أهل القرون الثلاثة المشهود لهم بالخير رضي الله عنهم أجمعين" ا.هـ.

10- وقال الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله تعالى في رده على دعوة وجهت لرابطة العالم الإسلام لحضور أحد الاحتفالات بذكرى الإسراء والمعراج، بعد أن سئل عن ذلك[31]:
"هذا ليس بمشروع، لدلالة الكتاب، والسنة، والاستصحاب، والعقل:
أما الكتاب: فقد قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة من الآية:3]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء من الآية:59]، والرد إلى الله هو الرد إلى كتابه ،والرد إلى الرسول هو الرجوع إليه في حياته، وإلى سنته بعد موته، قال تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [آل عمران:31]، وقال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور من الآية:63].

وأما السنة: فالأول: ما ثبت في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»، وفي رواية لمسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد».
الثاني: روى الترمذي وصححه، وابن ماجه وابن حبان في صحيحه عن العرباض بن سارية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إياكم والمحدثات، فإن كل محدثة ضلالة».
الثالث: روى الإمام أحمد والبزار عن غضيف أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ما أحدث قوم بدعة إلا رفع مثلها من السنة» رواه الطبراني إلا أنه قال: «ما من أمة ابتدعت بعد نبيها بدعة إلا أضاعت مثلها من السنة».
الرابع: روى ابن ماجه وابن أبي عاصم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: « أبى الله أن يقبل عمل صاحب بدعة حتى يدع بدعته»، ورواه الطبراني إلا أنه قال: «إن الله حجب التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدع بدعته».

وأما الاستصحاب: فهو هنا استصحاب العدم الأصلي.
وتقرير ذلك: أن العبادات توقيفية، فلا يقال: هذه العبادة مشروعة إلا بدليل من الكتاب والسنة والإجماع، ولا يقال: إن هذا جائز من باب المصلحة المرسلة، أو الاستحسان، أو القياس، أو الاجتهاد، لأن باب العقائد والعبادات والمقدرات، كالمواريث، والحدود، لا مجال لتلك فيها.

وأما المعقول: فتقريره أن يقال: لو كان هذا مشروعا، لكان أولى الناس بفعله محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
هذا إذا كان التعظيم من أجل الإسراء والمعراج، وإن كان من أجل الرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإحياء ذكره كما يفعل في مولده صلى الله عليه وآله وسلم، فأولى الناس به أبو بكر رضي الله عنه، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي رضي الله عنهم، ثم من بعدهم الصحابة على قدر منازلهم عند الله، ثم التابعون ومن بعدهم من أئمة الدين، ولم يعرف عن أحد منهم شيء من ذلك، فيسعنا ما وسعهم.
ونسوق لك بعض كلام العلماء في ذلك.

فمن ذلك ما قاله ابن النحاس في كتابه (تنبيه الغافلين): "ومنها- أي البدع المحرمة- ما أحدثوه ليلة السابع والعشرين من رجب، وهي ليلة المعراج الذي شرف الله به هذه الأمة، فابتدعوا في هذه الليلة، وفي ليلة النصف من شعبان -وهي الليلة الشريفة العظيمة- كثرة وقود القناديل في المسجد الأقصى، وفي غيره من الجوامع والمساجد، واجتماع النساء مع الرجال والصغار اجتماعا يؤدي إلى الفساد، وتنجيس المسجد و، كثرة اللعب فيه واللغط، ودخول النساء إلى الجوامع متزينات متعطرات، ويبتن في المسجد بأولادهن فربما سبق الصغير الحدث، ربما اضطرت المرأة والصبي إلى قضاء الحاجة، فإن خرجا من المسجد لم يجدا إلا طريق المسلمين في أبواب المساجد، وإن لم يخرجا حرصا على مكانهما، أو حياء من الناس ربما فعلا ذلك في إناء أو ثوب أو في زاوية من زوايا المسجد، وكل ذلك حرام، مع أن الداخل في الغلس لصلاة الصبح قل أن يسلم من تلويث ذيله أو نعله بما فعلوه في باب المسجد، ويدخل بنعله وما فيه من النجاسة إلى المسجد فينجسه وهو لا يشعر، إلى غير ذلك من المفاسد المشاهدة المعلومة، كل ذلك بدعة عظيمة في الدين ومحدثات أحدثها إخوان الشياطين، مع ما في ذلك من الإسراف في الوقيد والتبذير وإضاعة المال".

وقال أيضا: "واعتقاد أن ذلك قربة من أعظم البدع، وأقبح السيئات، بل لو كان في نفسه قربة وأدى إلى هذه المفاسد، لكان إثما عظيما. فينبغي للعاجز عن إنكار هذه المنكرات أن لا يحضر الجامع، وأن يصلي في بيته تلك الليلة، إن لم يجد مسجدا سالما من هذه البدع، لأن الصلاة في الجامع مندوب إليها، وتكثير سواد أهل البدع منهي عنه، وترك المنهي عنه واجب وفعل الواجب متعين، هذا إن لم يكن مشهورا بين الناس، فإن كان مشهورا بينهم بعلم أو زهد، وجب عليه أن لا يحضر الجامع، ولا يشاهد هذه المنكرات، لأن في حضوره مع عدم الإنكار إيهاما للعامة بأن هذه الأفعال مباحة أو مندوب إليها، وإذا فقد من المسجد وتأخر عن عادته في الصلاة جماعة، وأنكر ذلك بقلبه لعجزه، ربما يسلم من الإثم، ولا يغتر به غيره، ويستشعر الناس من عدم حضوره أن هذه الأفعال غير مرضية، لأن حضور من يقتدى به في هذه الليلة هو الشبهة العظمى، فظن الجهال والعوام أن ذلك مستحسن شرعا، ولو اتفق العلماء والصلحاء على إنكار ذلك لزال، بل لو عجزوا عن الإنكار، وتركوا الصلاة في الجامع المذكور، لظهر للناس أن ذلك بدعة لا يسوغها الشرع، ولا يرضاها أهل الدين، وربما امتنع الناس عن ذلك أو بعضهم، فحصل لهم الثواب بفعل ما يقدرون عليه من الإنكار بالقلب، والامتناع عن الحضور، إن كانوا عاجزين عن التبيين، وإن كانوا قادرين، فيسقط عنهم بعض الإثم، ويخفف عنهم الوزر".

وقال الشيخ علي محفوظ في كتابه (الإبداع في مضار الابتداع) تحت عنوان (المواسم التي نسبوها إلى الشرع وليست منه): "ومنها: ليلة المعراج التي شرف الله تعالى هذه الأمة بما شرع لهم فيها، وقد تفنن أهل هذا الزمان بما يأتونه في هذه الليلة من المنكرات، وأحدثوا فيها من أنواع البدع ضروبا كثيرة: كالاجتماع في المساجد، وإيقاد الشموع والمصابيح فيها وعلى المنارات، مع الإسراف في ذلك، واجتماعهم للذكر، والقراءة، وتلاوة قصة المعراج، وكان ذلك حسنا لو كان ذكرا، وقراءة، وتعلم علم، لكنهم (يلعبون في دين الله، فالذاكر على ما عرفت، والقارئ على ما سمعت، فيزيد فيه ما ليس منه، وينقص منه ما هو فيه، وما أحسن سير السلف، فإنهم كانوا شديدي المداومة على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم) [32] لا يخرجون عن الثابت قيد شعرة، ويعتقدون الخروج عنه ضلالة، لا سيما عصر الصحابة ومن بعدهم من أهل القرون الثلاثة المشهود لهم بالخير" انتهى.

وإن أردتم المزيد من الكلام على الموضوع، فعليكم مراجعة (الاعتصام) للشاطبي، و(البدع والحوادث) للطرطوشي، و(البدع والنهي عنها) لابن وضاح القرطبي، هذا ونسأل الله لنا ولكم ولجميع المسلمين التوفيق والهداية إلى دين الإسلام والثبات عليه" ا.هـ.

وقال أيضًا في رسالته الموجهة إلى معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي[33]: "فقد اطلعت على خطابكم رقم [682] في [4/7/85هـ] بصدد الدعوة الموجهة لكم من قاضي القضاة في المملكة الأردنية الهاشمية، لحضور الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج، وطلبكم الإفادة برأينا تجاه ذلك.

إنني أقول: الاحتفال بذكرى "الإسراء والمعراج" أمر باطل، وشيء مبتدع، وهو تشبه باليهود والنصارى في تعظيم أيام لم يعظمها الشرع، وصاحب المقام الأسمى، رسول الهدى، محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي شرع الشرائع، وهو الذي وضح ما يحل وما يحرم، ثم إن خلفاءه الراشدين وأئمة الهدى من الصحابة والتابعين، لم يعرف عن أحد منهم أنه احتفل بهذه الذكرى.

المقصود أن الاحتفال بذكرى "الإسراء والمعراج" بدعة، فلا يجوز ولا تجوز المشاركة فيه، ولا أوافق على أن تشارك الرابطة فيه، لا بإرسال أحد من موظفيها، ولا بإنابة الشيخ القلقيلي، أو غيره عنها في ذلك" ا.هـ.

واستفتى عن امرأة نذرت بعدما وضعت في شعبان، أن تذبح ذبيحة في اليوم السابع والعشرين من رجب من كل سنة، وذلك منذ ثمان وعشرين سنة، واستمرت موفية بنذرها طول هذه المدة، فأجاب بما نصه[34]:
"هذا النذر لا ينعقد، لاشتماله على معصية، وهي أن شهر رجب شهر معظم عند أهل الجاهلية، وليلة السابع والعشرين منه يعتقد بعض الناس أنها ليلة الإسراء والمعراج، فجعلوها عيدا يجتمعون فيها، ويعملون أمورا بدعية، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الوفاء بالنذر في المكان الذي يفعل فيه أهل الجاهلية أعيادهم، أو يذبح فيه لغير الله، فعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه قال: نذر رجل أن ينحر إبلا ببوانة، فسأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: [هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟] قالوا: لا، قال: [فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟]، قالوا: لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: [أوف بنذرك، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم]، رواه أبو داود وإسناده على شرط البخاري ومسلم" ا.هـ.

11- وقال فضيلة الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود رحمه الله تعالى[35]:
"أما الإحتفال بالنعم، أو بميلاد النبي، أو بالإسراء به، فإنها كلها من البدع التي ما أنزل الله بها من سلطان، فهي من محدثات الأمور التي نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقال: [كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة]، لكون البدعة في اللغة: هي الزيادة في الدين بعد كماله، وفسرت بأنها ما فعل على سبيل القربة مما لم يكن له أصل في الشرع، وهذا الوصف منطبق على الإحتفال بالمولد، أو الإسراء، أو الإحتفال للنعم، وأكثر من يشيدها وينشطها هم العلماء القاصرة أفهامهم والناقصة علومهم مما يجعل العامة يغترون بهم وينعبثون على أثرهم، وبإستمرار فعلهم لها خاصة في هذا اليوم المعين يستقر في نفوسهم فضلها أو فرضها..." ا.هـ.

وقال أيضًا[36]: "ولم نجد في شيء من الكتب المعتمدة القول باستحباب التجمع والاحتفال بمولده، ولا في اليوم الذي أسري به..." ا.هـ.

وقال أيضًا [37]: "أما الاجتماع للاحتفال بمولد الرسول، أو الإسراء والمعراج، أو الإحتفال بالنعم، فإنه من شريعة المخلوقين، [أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما يأذن به الله]، فكيف يقاس شرع الله الحكيم بشريعة المخلوقين الذي قام بتشريعه علماء الضلال فتبعهم العامة عليه، لظنهم أنه دين وحق، وهو باطل في نفس الأمر والواقع، إذ لو كان خيرا لسبقونا إليه، ثم إن أكثر هؤلاء يخدعون العوام، ويغشونهم، ويلبسون عليهم باسم الدين، فيجعلون لهم الباطل حقا، والبدعة سنة، بسبب ما يترتب على هذا الإحتفال من المآكل الشهية..." ا.هـ.

وقال أيضًا[38]: "لهذا لم يثبت عن الخلفاء الراشدين، ولا عن الصحابة والتابعين، ولا عن أئمة المذاهب المتبوعين، مثل الإمام أحمد، والشافعي، ومالك، وأبي حنيفة، وأصحابهم، فلم يثبت عنهم تعظيم مولد الرسول، ولا التجمع في يومه، ولا يوم الإسراء والمعراج، ولو كان خيرًا لسبقونا إليه" ا.هـ.

وقال أيضًا[39]: "ومثله -أي مثل المولد- ما يفعله الناس في رجب باسم الإسراء والمعراج، فكل هذه من البدع التي يقود بعضها إلى بعض، حتى تكون الآخرة شر من الأولى، وتكون في كل عام شر من الذي قبله" ا.هـ.

12- وقال الشيخ العلامة الألباني رحمه الله تعالى[40]:
"وقد ذكر الأقوال المشار إليها السيوطي في الآية الكبرى في شرح قصة الإسراء ص:[34]، والعلامة الآلوسي في تفسيره روح المعاني [4/469] فبلغت خمسة أقوال! وليس فيها قول مسند إلى خبر صحابي يطمئن له البال، ولذلك تناقض فيها أقوال العالم الواحد! فهذا هو النووي رحمه الله تعالى، له في ذلك ثلاثة أقوال حكوها عنه، أحدها مثل قول الحربي الذي في الكتاب، وقد جزم به النووي في الفتاوى له ص:[15]! وفي ذلك ما يشعر اللبيب أن السلف ما كانوا يحتفلون بهذه الليلة، ولا كانوا يتخذونها عيدًا، لا في رجب ولا في غيره، ولو أنهم احتفلوا بها، كما يفعل الخلف اليوم، لتواتر ذلك عنهم، ولتعينت الليلة عند الخلف، ولم يختلفوا هذا الاختلاف العجيب!" ا.هـ.

13- وقال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى[41]:
"الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد: فلا ريب أن الإسراء والمعراج من آيات الله العظيمة الدالة على صدق رسوله محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى عظم منزلته عند الله عز وجل، كما أنها من الدلائل على قدرة الله الباهرة، وعلى علوه سبحانه وتعالى على جميع خلقه، قال الله سبحانه وتعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء:1]، وتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه عرج به إلى السماوات، وفتحت له أبوابها حتى جاوز السماء السابعة، فكلمه ربه سبحانه بما أراد، وفرض عليه الصلوات الخمس، وكان الله سبحانه فرضها أولا خمسين صلاة، فلم يزل نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم يراجعه ويسأله التخفيف، حتى جعلها خمسًا، فهي خمس في الفرض، وخمسون في الأجرة، لأن الحسنة بعشر أمثالها، فلله الحمد والشكر على جميع نعمه..
وهذه الليلة التي حصل فيها الإسراء والمعراج، لم يأت في الأحاديث الصحيحة تعيينها، لا في رجب، ولا غيره، وكل ما ورد في تعيينها، فهو غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند أهل العلم بالحديث، ولله الحكمة البالغة في إنساء الناس لها، ولو ثبت تعيينها، لم يجز للمسلمين أن يخصوها بشيء من العبادات، ولم يجز لهم أن يحتفلوا بها، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه رضي الله عنهم لم يحتفلوا بها، ولم يخصوها بشيء، ولو كان الاحتفال بها أمرًا مشروعًا، لبيَّنه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم للأمة، إما بالقول، وإما بالفعل، ولو وقع شيء من ذلك، لعرف واشتهر، ولنقله الصحابة رضي الله عنهم إلينا، فقد نقلوا عن نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم كل شيء تحتاجه الأمة، ولم يفرطوا في شيء من الدين، بل هم السابقون إلى كل خير..
فلو كان الاحتفال بهذه الليلة مشروعا، لكانوا أسبق الناس إليه، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم هو أنصح الناس للناس، وقد بلغ الرسل غاية البلاغ، وأدى الأمانة، فلو كان تعظيم هذه الليلة والاحتفال بها من دين الله، لم يغفله النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يكتمه، فلما لم يقع شيء من ذلك، علم أن الاحتفال بها وتعظيمها ليسا من الإسلام في شيء، وقد أكمل الله لهذه الأمة دينها، وأتم عليها النعمة، وأنكر على من شرع في الدين ما لم يأذن به الله، قال سبحانه وتعالى في كتابه المبين من سورة المائدة: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة من الآية:3]، وقال عز وجل في سورة الشورى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ ۚ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ۗ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الشورى:21]..
وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الأحاديث الصحيحة: التحذير من البدع، والتصريح بأنها ضلالة، تنبيها للأمة على عظم خطرها، وتنفيرا لهم من اقترافها، ومن ذلك: ما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»، وفي رواية لمسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد»، وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول في خطبته يوم الجمعة: «أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة»، زاد النسائي بسند جيد: [وكل ضلالة في النار]، وفي السنن عن العرباض بن سارية رضي الله عنه أنه قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم موعظة بليغة، وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله، كأنها موعظة مودع، فأوصنا، فقال: أ «وصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد، فإنه من يعش منكم، فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة»، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة..
وقد ثبت عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعن السلف الصالح بعدهم، التحذير من البدع والترهيب منها، وما ذاك إلا لأنها زيادة في الدين، وشرع لم يأذن به الله، وتشبه بأعداء الله من اليهود والنصارى في زيادتهم في دينهم، وابتداعهم فيه ما لم يأذن به الله، ولأن لازمها التنقص للدين الإسلامي، واتهامه بعدم الكمال، ومعلوم ما في هذا من الفساد العظيم، والمنكر الشنيع، والمصادمة لقول الله عز وجل: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة من الآية:3]، والمخالفة الصريحة لأحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام المحذرة من البدع والمنفرة منها، وأرجو أن يكون فيما ذكرناه من الأدلة كفاية ومقنع لطالب الحق في إنكار هذه البدعة -أعني بدعة الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج-، والتحذير منها، وأنها ليست من دين الإسلام في شيء، ولما أوجب الله من النصح للمسلمين، وبيان ما شرع الله لهم من الدين، وتحريم كتمان العلم، رأيت تنبيه إخواني المسلمين على هذه البدعة التي قد فشت في كثير من الأمصار، حتى ظنها بعض الناس من الدين، والله المسؤول أن يصلح أحوال المسلمين جميعًا، ويمنحهم الفقه في الدين، ويوفقنا وإياهم للتمسك بالحق، والثبات عليه، وترك ما خالفه، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه" ا.هـ.

14- وقال فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى[42]:
"أما إظهار الفرح في ليلة السابع والعشرين من رجب، أو ليلة النصف من شعبان، أو في يوم عاشوراء، فإنه لا أصل له، وينهى عنه، ولا يحضر الإنسان إذا دعي إليه، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة»، فأما ليلة السابع والعشرين من رجب، فإن الناس يدعون أنها ليلة المعراج التي عرج بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم فيها إلى الله عز وجل، وهذا لم يثبت من الناحية التاريخية، وكل شيء لم يثبت فهو باطل، والمبني على الباطل باطل، ثم على تقدير ثبوت أن ليلة المعراج ليلة السابع والعشرين من رجب، فإنه لا يجوز لنا أن نحدث فيها شيئا من شعائر الأعياد أو شيئا من العبادات، لأن ذلك لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه، فإذا كان لم يثبت عمن عرج به، ولم يثبت عن أصحابه الذين هم أولى الناس به، وهم أشد الناس حرصا على سنته وشريعته، فكيف يجوز لنا أن نحدث ما لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تعظيمها، ولا في إحيائها" ا.هـ.

وقال أيضًا[43]: "يعتقد كثير من الناس أن المعراج الذي حصل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى السموات كان في رجب في ليلة سبع وعشرين منه، وهذا غلط، ويحتفلون بتلك الليلة، والاحتفال بها بدعة، لأنهم يحتفلون بها يعتقدون ذلك دينا وقربى إلى الله عز وجل، فهو من البدع، ولا يجوز الاحتفال بها، لعدم صحتها من الناحية التاريخية، ولعدم مشروعيتها من الناحية التعبدية، ومن المؤسف جدا أن بعض المسلمين يحتفلون بهذه الليلة، ويعطلون العمل في صباحها، وربما يحضر بعض رؤساء الدول، وهذا من الغلط الذي عاش فيه المسلمون مدة طويلة، والواجب على طلبة العلم بعد أن استبانت السنة والحمد لله أن يبينوا للناس، والناس قريبون، إن كثيرا من هؤلاء لا يحتفلون هذا الاحتفال إلا محبة لله تعالى صلى الله عليه وآله وسلم، وإذا كان هذا هو الحامل لهم على الاحتفال، فإنه بمجرد ما يبين لهم الحق وهم قاصدون للحق سيرجعون إلى الحق" ا.هـ.

15- وقال الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي[44]: "ذكر أحد أئمة الحديث وهو أبو الخطاب عمر بن دحية من أئمة القرن السابع، وله كتاب اسمه (أداء ما وجب في بيان وضع الوضاعين في شهر رجب)، وفي هذا كتب يقول: إن بعض القصاص ذكروا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أسري به في رجب، قال: وهذا هو عين الكذب، أقر هذا الكلام خاتمة الحفاظ الحافظ بن حجر العسقلاني شارح البخاري المعروف، وأنا أعرف أن موضوع ليلة السابع والعشرين من رجب لم يأت فيها حديث صحيح، ولا قول صحيح لأحد الصحابة، إنما هو قول اشتهر، وقال به بعض الأئمة، ونسب إلى الإمام النووي، اختاره الإمام النووي في فتاواه[45]، والإمام النووي رجل كان مقبولًا عند الأمة، فاشتهر قوله هذا، على حين أن هناك مثلًا الإمام أبا إسحاق الحربي نجده يقول إن الإسراء والمعراج ليس في ليلة السابع والعشرين من رجب، بل في ليلة السابع والعشرين من ربيع الأول، وأنا أعلم أنه لم يثبت شيء في هذا، وأن هذا قول اشتهر وأصبح معروفًا عند المسلمين منذ قرون أنهم يذكرون الإسراء والمعراج في هذه الليلة، ونظرًا لأنه لا يترتب على ذلك عمل أو عبادة، فهذه الليلة لا يشرع فيها قيام، ولا يشرع في صبيحتها صيام، ولا يطلب من المسلم أي عمل يتقرب به إلى الله في تلك الليلة، أو في ذلك اليوم، ولذلك المسلمون لم يهتموا بهذا الأمر.
مسألة الاحتفال إذا كان المقصود بالاحتفال تدارس هذا الحدث العظيم، وما كان له من أثر في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأنه جاء بعد عام الحزن، وبعدما أصابه، أراد الله سبحانه وتعالى أن يسري عن رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وأن يكرمه بعد أن أعرض عنه الناس في الأرض، وأعرضت عنه قريش، وأعرضت عنه ثقيف بعد رحلته إلى ثقيف، ولقي منهم ما لقي، بعد هذا أراد الله أن يكرمه، فيصلي بالأنبياء إماما، ويستقبله الملائكة، ويستقبله النبيون في السماوات، ويعرج به إلى السماوات العلا إلى مكان كما قال شوقي:

لا يطار لها على جناح *** ولا يسعى على قدم

فهذا هو المهم أن نعتبر ونستفيد ونأخذ الدروس من هذه القصة، فلذلك مادام لا يترتب على هذا عمل، ولا يترتب على هذا عبادة، لا مانع أن نحتفل أو نحتفي بهذه المناسبة، واحتفل بالشيء في اللغة العربية يعني: اهتم به، وأعطى لها العناية، أي: لم ينسه، ولم ينشغل عنه، فنحن نحتفل، أي: نهتم بهذا الأمر، وخصوصا أن الإسراء والمعراج فيه أمران مهمان: الأمر الأول: هو أنه مرتبط بالمسجد الأقصى منتهى الإسراء، ومبتدأ المعراج، الإسراء انتهى إلى المسجد الأقصى، والمعراج ابتدأ من المسجد الأقصى إلى السماوات العلا، ونحن في حاجة إلى أن نذكر المسلمين في عصرنا هذا، وفي أيامنا هذه بالمسجد الأقصى الأسير في أيدي اليهود، فالناس مشغولون عن هذه القضية المحورية والمركزية، القضية الأولى بالنسبة للمسلمين في عصرنا هذا هي قضية فلسطين، وقضية فلسطين لبها وجوهرها القدس، ولب القدس وجوهره المسجد الأقصى، فنحن ننتهز هذه الفرصة، ونذكر الناس بقضية فلسطين من خلال ذكرى الإسراء والمعراج، والحديث عن المسجد الأقصى" ا.هـ.

نعم تدارس حادثة الإسراء والمعراج واستخلاص الدروس والعبر منها أمر في غاية الأهمية، لكن من غير الترويج لها في شهر رجب، لا سيما في السابع والعشرين منه، لما في ذلك من التضليل والتأييد للكذب بإيهام الناس أن الإسراء كان في رجب، وليس الأمر كذلك.

وأما الإمام النووي رحمه الله تعالى، فله في ليلة الإسراء والمعراج ثلاثة أقوال:
1- أنها في شهر ربيع الآخر[46].
2- أنها في السابع والعشرين من شهر رجب[47].
3- أنها في السابع والعشرين من شهر ربيع الأول[48].

ويبدو لي -والله أعلم- بأن قوله في الفتاوى هو الأصح الذي ترجح لديه أخيرًا، لأمرين:
الأول: أن القول بأنها في شهر ربيع الآخر إنما هو اختيار القاضي عياض، واختصره الإمام النووي، وكذلك الحال بالنسبة للقول بأنها في السابع والعشرين من شهر رجب إنما هو اختيار الإمام الرافعي، ونقله الإمام النووي. 

الثاني: أن الإمام النووي قد قال في خطبة الفتاوى[49]: "وأقتصر على الأصح في معظم ذلك، ولا أذكر الخلاف في المسائل المختلف فيها إلا نادرًا لحاجة" ا.هـ.

ختامًا:

مما لا ريب فيه عند من سلمت فطرته وحسنت طويته أن أمرًا واحدًا من هذه الأمور السابقة كاف لإثبات بدعية هذا الاحتفال وعدم مشروعيته، فكيف بها مجتمعة.

ولقد اعتادت بعض الديار الإسلامية -ومنها مملكة البحرين- على تنظيم احتفال سنوي بذكرى الإسراء والمعراج في ليلة السابع والعشرين من شهر رجب، هذا مع إقرار المسؤولين والمنظمين لدينا بأن هذا الاحتفال لا يعد شكلًا من أشكال الاحتفالات التعبدية، وإنما هو لاغتنام ذكرى هذه الليلة المباركة للتأكيد والتذكير.

ونحن نتفق معهم في أهمية التذكير بهذه الحادثة المباركة، لكن نختلف معهم في الطريقة والأسلوب، فنرى أن تدارسها لا يختص بوقت دون وقت، لأنها تربطنا دومًا بالمسجد الأقصى الأسير في أيدي اليهود، كما تجعلنا وثيقي الصلة بقضية فلسطين المحتلة.

إضافة إلى أن التذكير السنوي بهذه الحادثة في شهر رجب، لا سيما في السابع والعشرين منه يعد جهلًا بالتاريخ، وابتداعًا في الدين.
فأما الجهل بالتاريخ: فلأن حادثة الإسراء والمعراج لم تقع أصلًا في شهر رجب، وما يذكرونه من أن الحادثة كانت في رجب يعتبر عند أهل التحقيق عين الكذب.
وأما الابتداع في الدين: فلأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وصحابته الأخيار، وخير القرون لم يحتفلوا بهذه الذكرى قط، ولو كان خيرًا، لسبقونا إليه.
فالحذر كل الحذر من الترويج لما لا أصل له من الناحية التاريخية، وإحياء موسم بدعي من الناحية الشرعية.

والله نسأل أن يجعلنا ممن يعظمون حرماته، ويلتزمون هدي نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ظاهرًا وباطنًا، وأن يرينا الحق حقًا، ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلًا، ويرزقنا اجتنابه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

---------------------------
[1]- (الباعث على إنكار البدع والحوادث) ص: [77].

[2]- (أداء ما وجب من بيان وضع الوضاعين في رجب) ص: [53-54].

[3]- (الابتهاج في أحاديث المعراج) ص: [9].

[4]- (الباعث على إنكار البدع والحوادث) ص: [116-117].

[5]- (حكم صوم رجب وشعبان) ص: [34].

[6]- (زاد المعاد) [1/57].

[7]- (زاد المعاد) [1/57].

[8]- (السيف المسلول على من سب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم) ص: [492].

[9]- (المواهب اللدنية) [2/431].

[10]- (البداية والنهاية) [4/270].

[11]- (لطائف المعارف) ص: [140].

[12]- (لطائف المعارف) ص: [177].

[13]- (فتح الباري) [7/203].

[14]- (تبيين العجب بما ورد في فضل رجب) ص: [11].

[15]- (المواهب اللدنية) [2/431].

[16]- (السنن والمبتدعات المتعلقة بالأذكار والصلوات) ص: [143].

[17]- تخريج كتاب (أداء ما وجب) ص: [53].

[18]- تخريج كتاب (أداء ما وجب) ص: [54].

[19]- (مجموع فتاوى العلامة عبد العزيز بن باز) [1/183].

[20]- (مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين) [2/297].

[21]- موقعه الرسمي على الشبكة العنكبوتية.

[22]- (زاد المعاد) [1/57-59].

[23]- (مجموع الفتاوى) [25/298]، و(الفتاوى الكبرى) [4/414].

[24]- (زاد المعاد) [1/57-59].

[25]- (المدخل) [1/294-297].

[26]- (السيف المسلول على من سب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم) ص: [492].

[27]- (المواهب اللدنية) [2/431].

[28]- (تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين) ص: [398-400].

[29]- (السنن والمبتدعات المتعلقة بالأذكار والصلوات) ص: [143].

[30]- (الإبداع في مضار الإبتداع) ص: [272].

[31]- (فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ ) [3/97-102].

[32]- ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، واستدركته من كتاب (الإبداع).

[33]- (فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ ) [3/103].

[34]- (فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ ) [3/104].

[35]- (كلمة الحق في الاحتفال بمولد سيد الخلق) ص: [491].

[36]- (كلمة الحق في الاحتفال بمولد سيد الخلق) ص: [496-497].

[37]- (كلمة الحق في الاحتفال بمولد سيد الخلق) ص: [504].

[38]- (كلمة الحق في الاحتفال بمولد سيد الخلق) ص: [535].

[39]- (كلمة الحق في الاحتفال بمولد سيد الخلق) ص: [536].

[40]- تخريج كتاب (أداء ما وجب) ص: [54].

[41]- (مجموع فتاوى العلامة عبد العزيز بن باز) [1/183-185].

[42]- (مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين) [2/296-297].

[43]- (مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين) [22/278].

[44]- موقعه الرسمي على الشبكة العنكبوتية.

[45]- بل الصحيح في روضة الطالبين [10/206] تبعًا للإمام الرافعي.

[46]- (شرح صحيح مسلم) [2/210].

[47]- (روضة الطالبين) [10/206].

[48]- (الفتاوى) ص: [36].

[49]- (الفتاوى) ص: [10].

 

عبد الله الحسيني

  • 6
  • 0
  • 40,709

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً