من أسرار القرآن {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى}

زغلول النجار

حين طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم حول الكعبة المشرفة ليلًا وحيدًا، ثم عاد إلى بيته، وأوى إلى فراشه، وعند منتصف الليل جاءه جبريل عليه السلام ليوقظه من نومه مخبرًا إياه بأن الله تعالى يدعوه إلى السماء، وعلى الفور تحرك الركب الكريم بالبراق من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى حيث استقبلتهما ثلة من الملائكة.

  • التصنيفات: القرآن وعلومه - الإعجاز العلمي -

من أسرار القرآن:

{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} [الإسراء:1].

هذه الآية الكريمة جاءت في مطلع سورة الإسراء‏، وهي سورة مكية‏، وآياتها‏ (111)‏ بعد البسملة‏، وقد سميت بهذا الاسم لاستهلالها بالحديث عن معجزة الإسراء برسول الله‏ ‏ صلى الله عليه وسلم‏‏ من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى‏.‏ هذه الرحلة تلتها معجزة أخرى هي معجزة المعراج‏.‏

 

ففي ليلة (27) رجب من السنة السابقة على الهجرة -أي في حدود سنة (620 م)- حين طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم حول الكعبة المشرفة ليلًا وحيدًا، ثم عاد إلى بيته، وأوى إلى فراشه، وعند منتصف الليل جاءه جبريل عليه السلام ليوقظه من نومه مخبرًا إياه بأن الله تعالى يدعوه إلى السماء، وعلى الفور تحرك الركب الكريم بالبراق من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى حيث استقبلتهما ثلة من الملائكة.


وقد جاءت سورة الإسراء مؤكدة هذه الرحلة الكريمة في مطلعها، وجاءت سورة النجم مؤكدة ما تبع ذلك من العروج إلى سدرة المنتهى، حيث جنة المأوى، ثم راح رسول الله يصعد حتى سجد بين يدي ربه، وتلقي منه الأمر بالصلاة، ثم عاد إلى بيت المقدس حيث صلى إمامًا بأنبياء الله ورسله وعاد إلى مكة المكرمة ليجد فراشه لا يزال دافئًا، وهذا يعني أن الله تعالى قد طوى له المكان وأوقف له الزمن، وعندما جاء الصباح حدَّث رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل مكة بأخبار رحلته، فكان منهم من صدقها، ومنهم من لم يصدقها، وكان أول المصدقين بها أبو بكر بن أبي قحافة، ومن هنا سمي باسم الصديق، وطفق مشركو مكة يتناقلون الخبر في سخرية واستعجاب حتى تحدى بعضهم رسول الله أن يصف لهم بيت المقدس، عندئذ جلّى الله تعالى لرسوله الكريم صورة بيت المقدس فطفق يصفه وصفًا تفصيليًا لهم.


وفي صبيحة ليلة الإسراء والمعراج جاء جبريل عليه السلام ليخبر رسول الله بكيفية الصلاة المفروضة وأوقاتها،  وكان صلى الله عليه وسلم يصلي قبل ذلك ركعتين صباحًا ومثليهما مساءً كما كان يفعل إبراهيم عليه السلام.


بعض الدروس المستفادة من معجزة الإسراء والمعراج:

1- الإيمان بأن الله تعالى على كل شيء قدير وذلك لأن المعجزة تجاوزت حدود كل من المكان والزمان، وكل قدرات الإنسان.

2- التسليم بحقيقة كل من الملائكة، والوحي، والنبوة والرسالة، وباصطفاء الله تعالى لأنبيائه ورسله، وبضرورة الإيمان بهم جميعًا.

3- اليقين بوحدة رسالة السماء، وبالأخوة بين الأنبياء، وبين الناس جميعًا وببعثة خاتم الأنبياء والمرسلين، الذي ليس من بعده نبي ولا رسول.

 

4- التسليم بأن المعجزات هي خوارق للسنن، وبالتالي فإن العقل البشري لا يستطيع تفسيرها، ونحن نسلم بصحتها لوجود ذكر لها في كتاب الله وفي سنة رسوله.

5- الإيمان بأن الله تعالى فضّل بعض الأماكن والأزمنة على بعض، كما فضّل بعض النبيين والرسل على بعض، وبعض الناس العاديين على بعض.

6- التأكيد على ثقة المؤمن بمعية الله تعالى وبأنه إذا انقطعت حبال الناس، فإن حبل الله المتين لا ينقطع أبدًا ما دام العبد مؤمنًا بربه، متوكلًا عليه حق التوكل.

 

7- الإيمان بحتمية مجيء اليسر بعد العسر، وبضرورة الثبات على الحق حتى يأتي الله بالفرج.

8- اليقين بأن الابتلاء من سنن الحياة، وأنه من وسائل التربية، والتطهير، والتزكية، ورفع الدرجات.

9- الإيمان بأنه كما أن إلهنا واحد فلا بد أن تكون هدايته للبشرية واحدة، وأن يكون دينه واحدًا، هو الإسلام العظيم الذي علمه لأبينا آدم عليه السلام لحظة خلقه، ثم أنزله على سلسلة طويلة من الأنبياء والمرسلين، ثم أكمله وحفظه في القرآن الكريم وفي سنة خاتم النبيين، ويؤكد ذلك إمامة رسول الله لجميع الأنبياء والمرسلين الذين بعثوا من قبله في الصلاة ببيت المقدس.

 

10- التأكيد على أن الإسراء والمعراج برسول الله كان بالجسد والروح معًا، وفي حالة من اليقظة الكاملة انطلاقًا من قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ...}، وذلك لأن العبودية لا تكتمل إلا بتلبس الروح بالجسد حتى يصبحا نفسًا.

 

11- التسليم بأن معجزة الإسراء والمعراج جاءت تكريمًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد المعاناة الطويلة التي عاناها من كفار ومشركي قريش، وبعد تخلي أغلب أهله عنه، وتآمرهم عليه، ومطاردتهم له، كي يكون في ذلك درس لكل مؤمن برسالته.


12- التأكيد على قيمة عبادة الصلاة، لأنها هي العبادة الوحيدة التي فرضت من الله تعالى مباشرة إلى خاتم أنبيائه ورسله، بينما حملت بقية العبادات المشروعة بواسطة جبريل عليه السلام.


هذه هي بعض الدروس المستفادة من معجزة الإسراء، وسوف نكمل الحديث عن رحلة المعراج في مقال قادم إن شاء الله رب العالمين.