الشباب والصيف
اعتدنا أن نقرأ في الصحف قبل حلول الصيف موضوعات معينة تتعلق بقضاء الوقت، والأنشطة التي تمارس في الإجازات.. وهذا التوقيت الذي يسبق الإجازات أمر طبيعي.. لكن غير الطبيعي أن تبقى مثل هذه المشكلة بدون حل على مدار هذه السنوات الطويلة، وكأن حل القضية أصبح مستحيلاً، وكأنها تجاوزت مرحلة الحلول..!
اعتدنا أن نقرأ في الصحف قبل حلول الصيف موضوعات معينة تتعلق بقضاء الوقت، والأنشطة التي تمارس في الإجازات ونحو هذه الجوانب المتعلقة بهذه القضية، وهذا التوقيت الذي يسبق الإجازات أمر طبيعي بحكم أن الموضوعات الصحفية في غالبها تتناول قضايا الساعة، وتعالج المشكلات الطافية على السطح، لكن غير الطبيعي أن تبقى مثل هذه المشكلة بدون حل على مدار هذه السنوات الطويلة، وكأن حل القضية أصبح مستحيلاً، وكأنها تجاوزت مرحلة الحلول فيقبل الصيف وتسخن المشكلة وتثار وينتهي الصيف، ويبدأ الشباب في أعمالهم، وتبرد المشكلة حتى يأتي الصيف ليسخنها بحرارته، وتبدأ الأحاديث من جديد.. وهكذا.
فهل من حل حقيقي لهذه المشكلة؟
إن تصور المشكلة على حقيقة جزء أساسي في حلها -وهذه بديهية- لكن تصوراتنا للصيف حتى الآن تجعله فراغ طويل لا عمل فيه، ويحتاج الشباب إلى أنواع من الأنشطة المسلية للقضاء على ذلك الفراغ، هذا هو التصور الذي يقدم لنا عن الإجازة الصيفية.
ولهذا التصور دوره في المعالجة.
فهل الإجازة فراغ طويل؟ وهل نريد القضاء على ذلك الفراغ؟
إن وقت الإجازة يشكل نسبة من أعمارنا، وهي ليست رخيصة عندنا لنقضي عليها.
إن تحديد المشكلة ينبغي أن يوضع في تصور آخر، يجعلنا نحس أن هذه الإجازة جزء من أعمارنا الحقيقية، وأن القضاء على هذا الفراغ الطويل ينبغي أن يوجه ويستغل فيما يفيدنا.
نعم إن فترة الصيف تختلف عن المواسم الأخرى من السنة، من حيث الرغبة في العمل والإنتاج بحكم تأثير المناخ على نشاط الإنسان، لكن ينبغي أن لا يصل الأمر إلى شطب هذا الجزء من أعمارنا ليصبح صفرًا في حساب الزمن.
إن الإحساس بأهمية هذا الوقت تدفعنا بدون شك لاستغلاله فيما يفيد، وفي حدود الطاقة الإنتاجية التي تتناسب مع الصيف نفسه، أن الشباب أنفسهم خير من يقدر قيمة الوقت إذا عرفوا الحاجة إلى استغلاله، خاصة وأن الكثير من المهارات الأساسية الضرورية تنقص معظم شبابنا، وهم يشعرون بذلك النقص في الحياة العملية التي تتطلب منهم تلك المهارات مثل:
- مهارات القراءة السريعة.
- مهارات الكتابة السريعة.
- مهارات الوصول إلى المعلومات من المراجع.
- مهارات فهرسة المعلومات.
- مهارات النسخ على الآلة الكاتبة.
- مهارات تصنيف المكتبات.
- مهارات ترتيب الأفكار وإعداد التقارير المختصرة.
- مهارات تنظيم الرحلات.
- مهارات الاستفادة من الرحلات.
- مهارات العلاقات العامة.
- مهارات المقابلات الشخصية.
- مهارات إعداد اللقاءات.
- مهارات تشغيل الحاسب الآلي.
- مهارات استخدام البرامج الجاهزة للحاسب الآلي.
فهذه المهارات الأساسية والهامة في الحياة العملية نحزن عند ما نشاهد شبابنا في الجامعات، وفي المدارس الثانوية لا يتقنونها، كما نلاحظ تفوق من يتقن بعض المهارات التي يستلزمها عمله أو بحثه أو دراسته، فتجد الطالب الذي يكلف ببحث مبسط يمضي عدد من الساعات والأيام، وهو لا يحسن الوصول إلى مصادرها، وإذا وصل إلى تلك المعلومات بمساعدة غيره من أمناء المكتبات أو بعض رواد المكتبة، نجده يمضي الساعات الطوال في ترتيبها وإعداد تقريرها.
ونجد بعض الشباب في رحلاتهم الخاصة أو الرحلات التي تنظم في الجامعات أو المدارس لا يحسن تنظيم وقت رحلتهم، وتتحول الرحلة إلى نزهة وتناول طعام! وما ذاك إلا بسبب عدم المقدرة على تنظيم الرحلات وهي مهارات سهلة وميسرة، لو أن الطالب درب عليها لإمكانية الحصول على فوائد كثيرة من رحلته تفوق النزهة والطعام.
إن معالجتنا لمشكلة الفراغ في الصيف ينبغي أن تنطلق من مسلمتان أساسيتان: أن هذا الوقت هام بالنسبة للشباب، وأن الشباب في حاجة إلى اكتساب مهارات أساسية في هذا الوقت بالذات، لأن الأوقات الأخرى مليئة بمسؤوليات أخرى.
إن الانطلاق من هذه المسلمتان سيلزمنا بتغيير تصوراتنا، وتصورات شبابنا حول الصيف والفراغ، وذلك لن يكون أمرًا سهلاً يعالج من خلال مقالة أو مقالات تكتب في الصحف، ولكنه يحتاج إلى جهود منظمة تبدأ من تحديد التصور الواضح للمشكلة وتصويرها للشباب، لمعايشتها من خلال الوسائل الإعلامية المختلفة، ليتفاعل معها ويستوعبها ويعطي تصوراته عنها، والمساهمة في إعطاء تصورات لحلولها من خلال هذا التصور، ومن ثم وضع الإجراءات العملية لعلاج المشكلة، وذلك بإعادة تنظيم برامج الأنشطة الصيفية القائمة.
إن من أبرز الانتقادات التي توجه إلى برامج الأنشطة في الصيف عدم وضوح أهدافها، ما عدا قضاء الفراغ وهو ليس هدف في حد ذاته، أو ليس الهدف النهائي على الأقل، ومن الصور الواضحة لعدم تحديد الأهداف، إن بداية التسجيل في المراكز الصيفية تبدأ قوية وبأعداد هائلة، وبعد أيام يبدأ تسرب الشباب وغيابهم، فلماذا هذا التسرب؟
إن السبب المنطقي لهذا التسرب هو عدم مواكبة طموحات الشباب بتجديد البرامج المقدمة.
فهي تكرار للأنشطة التي بدأت منذ أول يوم في المراكز، بل تكرار لأنشطة العام الماضي، وهذا التكرار في حد ذاته كفيل بإيجاد الملل ومن ثم الانصراف عن تلك الأنشطة، والعودة إلى الفراغ والضياع.
ماذا لو اتجهت الأنشطة إلى إشباع حاجات الشباب الفعلية، وتحقيق المهارات التي يعاني الشباب من نقصها في دراستهم وأعمالهم؟ ماذا لو اتجهت البرامج إلى إعداد دورات قصيرة من أسبوع إلى ثلاثة أسابيع، يتم خلالها تقديم برامج مكثفة تركز فقط على تلك المهارة ويكون العدد محدودًا، ويعطى الطالب شهادة تفيده باجتياز هذه الدورة وتتاح الفرصة له في عدد من الدورات خلال الصيف، ليحقق من خلالها ملأ الوقت وإتقان مهارات مفيدة هو في أمس الحاجة إليها؟
قد يظن البعض أن مثل هذه الدورات تتعارض مع الإجازة، التي اعتاد الشباب على اللهو وعد الجد فيها، وهذا في واقع الأمر نتيجة للتعود على هذا الأسلوب الذي استمر طويلاً وإذا ما خطط لإزالة هذا التصور وبدأ التطبيق وشعر الشباب بفائدته والفروق الواضحة بينهم أثناء العام الدراسي، نتيجة للتفاوت في المهارات المكتسبة، فإن النظرة إلى الإجازة والبطالة سوف تتحول إلى شيء من الجدية النامية مع مرور الوقت.
إن مراكز خدمة المجتمع في جامعاتنا مؤهلة للقيام بهذا الدور، وكذلك المراكز الصيفية المنتشرة في أرجاء الوطن، بشرط أن تتبدل المنطلقات والأهداف التي اعتاد منظمو الأنشطة أن ينطلقوا منها ويهدفون إلى تحقيقها، إن إزالة فكرة أن الإجازة كسل وخمول ينبغي أن تزال ويحل محلها أن الشباب في حاجة إلى استغلال الصيف، لتنمية مهاراتهم في أمور يحتاجون إليها وتملأ فراغهم في نفس الوقت.
فهل ذلك ممكن؟
إنه ليس من المستحيل.
- التصنيف:
- المصدر: