القول على الله بغير علم عديل الشرك

صالح بن فوزان الفوزان

في حدود الله الأمكنة التي جعلها الله أمكنة لعبادته فلا يجوز تقديمها بزيادة أو نقصان وهي شعائر ومشاعر عبادته.

  • التصنيفات: العقيدة الإسلامية -

قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَـزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} (الأعراف:33)، جعل سبحانه القول عليه بغير علم فوق الشرك، وهذا عام في القول عليه بغير علم أي بغير دليل من الكتاب والسنة في أصول الدين وفي فروعه ونص على القول عليه بغير علم في التحليل والتحريم فقال سبحانه: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ . مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النحل:116-117].

فإذا كان الله قد توعد الذين يحللون ويحرمون بغير دليل بالعذاب الأليم وعدم الفلاح فكيف بالذين يقولون عليه بغير علم في العبادات ومكانها وزمانها اللذين حددهما الله لها، والعبادة كما هو معلوم توقيفية في كيفيتها وفي زمانها ومكانها، فمن شرع فيها شيئًا لم يأذن الله به فهو داخل في قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى:21]، فجعل سبحانه من شرع للناس شيئًا من الدين لم يشرعه الله شريكًا له في تشريعه، ومن أطاعه في ذلك فهو مشرك بالله تعالى شرك الطاعة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» (صحيح البخاري)، لأنه صلى الله عليه وسلم قد بين للناس ما شرعه الله وحدده متبعًا بذلك ما حدده الله له وقال سبحانه: {وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق:1]، {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة:229]، {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} [النساء:14].

وفي حدود الله الأمكنة التي جعلها الله أمكنة لعبادته فلا يجوز تقديمها بزيادة أو نقصان وهي شعائر ومشاعر عبادته {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج:32]، ومن شعائر الله الصفا والمروة والسعي بينهما في حج أو عمرة تعبد الله سبحانه قال تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة:158]، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم كيفية السعي ومكانه لأمته وقال: «خذوا عني مناسككم» (صحيح الجامع [7882])، فرقى على الصفا حتى رأى البيت وهلل الله وكبره ودعا ثم نزل ماشيًا متجهًا إلى المروة وسعى في بطن الوادي ثم مشى حتى وصل إلى المروة فصعد عليها وقال ما قاله على الصفا، فعل ذلك سبع مرات يبدأ بالصفا ويختم بالمروة والصفا هو الطرف المرتفع من جبل أبي قبيس، والمروة هي الطرف المرتفع من جبل قيعقعان، وقد توارث المسلمون هذا المكان الذي سعى فيه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يسعون فيه، وأقاموا على جنبيه المباني من بيوت ودكاكين حتى أزيلت تلك المباني في توسعة المسجد الحرام في عهد الملك سعود رحمه الله وأقيم جداران على حدود المسعى شرقًا وغربًا فيهما أبواب وفتحات وشبابيك وأقيم فوق المسعى دور ثان لأجل التوسعة على الساعين وكان ذلك بإشراف لجنة علمية من خيرة العلماء والمؤرخين وأهل الخبرة برئاسة سماحة الشيخ: محمد بن إبراهيم رحمة الله على الجميع واستقر الأمر على هذا من غير منازع.

 

وفي عهد خادم الحرمين: الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله فكر في الزيادة في مساحة المسعى للتوسعة على الحجاج والمعتمرين فاستشار هيئة كبار العلماء فصدر القرار بإكمال ما رآه العلماء في عهد الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله من زيادة الأدوار فوق المسعى ولكن ظهر من يرى أن الزيادة تكون في مساحة المسعى من جهة الشرق لا في أدواره وهم فريقان:

فريق يقول: إن طرف الصفا والمروة لم يستكملا فلهما بقية تحت الأرض فيجب أن تلحق هذه البقية بهما ويوسع المسعى تبعا لهذه البقية، والجواب عن ذلك أن نقول لماذا ترك المسلمون في مختلف العصور هذه البقية وبنو البيوت والدكاكين في هذا المكان، هل يليق بالمسلمين أن يستحلوا المشعر ويختزلوه من المسعى لمصالحهم الخاصة، وأيضًا الصفا والمروة مرتفعان يصعد عليهما بدرج كما ذكر المؤرخون وكما صعد عليهما النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والزيادة المزعومة منخفضة لم يعثر عليها إلا بالحفر والتكلف، وأيضًا من يجزم بأن هذه الزيادة من الصفا والمروة ولم لا تكون من الجبلين الممتدين. والسعي ليس بين الجبلين وإنما هو بين الصفا والمروة.

والفريق الثاني: ممن يرون الزيادة في مساحة المسعى يقولون إن الضرورة تدعو إلى هذه الزيادة لشدة الزحام وخشية الخطر والجواب عن ذلك بأمرين:

الأمر الأول: أن العبادات توقيفية لا مجال للاجتهاد فيها فلا يزاد في مكان العبادة الذي حدده الله لها، ومكان السعي بين الصفا والمروة كما أن مكان الطواف هو بالبيت العتيق.

الأمر الثاني: أن الزحام يزال بزيادة الأدوار كما أفتى بذلك كبار العلماء، لأن الهواء يحكي القرار -هذا ما أردت بيانه نصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم- إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.