بين المنهج والرموز

محمد بن عبد الله الدويش

تمتاز الدعوة السلفية بين سائر الدعوات بأنها دعوة لا تتمحور حول شخص
من الأشخاص، بل تتمحور حول المنهج المستقى من الكتاب والسنة الصحيحة
وآثار السلف الصالح......

  • التصنيفات: الدعوة إلى الله -

تمتاز الدعوة السلفية بين سائر الدعوات بأنها دعوة لا تتمحور حول شخص من الأشخاص، بل تتمحور حول المنهج المستقى من الكتاب والسنة الصحيحة وآثار السلف الصالح، ولهذا عرَّف الإمام مالك أهل السنة بأنهم: الذين ليس لهم لقب إلا أهل السنة، بخلاف سائر الطوائف فكثير منها تعلو درجة ارتباطها بالشخص لدرجة أن يرتبط اسمها باسمه فتنسب إليه، ويعتقد بعضهم العصمة في شيوخهم وأئمتهم، وأن الراد على الشيخ كالراد على الله، وأن التلميذ يجب أن يكون بين يدي الشيخ كالميت بين يدي من يغسله.

أما أهل السنة فما من بشر إلا ويؤخذ من قوله ويرد إلا محمد صلى الله عليه و سلم، ومع ذلك لهم أئمة منزلتهم ومكانتهم ليست كغيرهم، ولأقوالهم وتقريراتهم قيمة وقدر، ومنهم من هو كما أخبر عنه صلى الله عليه و سلم أنه: «اِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الاُمَّةِ عَلَى رَاْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا» [رواه أبو داود].

وثمة هفوات تصيب بعض الأخيار من أهل السنة تجاه هذا القضية قد تخدش صفاء المنهج، وقد تطول فتؤذن بنوع من التعصب المقيت المشين:
1- فمن ذلك أن يربط الناس بالرجال، وأن يكون الحديث دائماً حول منهجهم أكثر من الحديث حول نصوص الوحيين، وأن تكون المخالفة لرأي أحدهم أشد وأشنع من المخالفة لنصوص الوحي الصريحة.

أحد الأفاضل كان يتحدث عن ضرورة ارتباط الدعاة إلى الله بمنهج فلان من المجددين وأساليبه، فعقب أحد الحضور بأن الأولى ربط الناس بمنهج النبي صلى الله عليه و سلم، فاستدرك آخر على المعقِب - بعد أن وصمه بألقاب لا تليق- بأنه ما من وسيلة استخدمها النبي صلى الله عليه و سلم إلا واستخدمها هذا المصلح المجدد!.

وهب أن ذلك حق؛ أفليس الأصل الاقتداء بالمعصوم صلى الله عليه و سلم؟

2- قد سلك دعاة الضلالة في سبيل الحرب على أهل السنة وصم دعاتهم بالسوء والانحراف ولبسوا فيذلك على العامة، فما أن يسمعوا اسم فلان إلا ويعني لديهم الانحراف، وإزاء هذه الظاهرة كان لابد من منهج أسلم في التعامل معها:
أ- فلا داعي لإقامة معارك مع العامة حول شخص فلان، خاصة حين نعلم أن ذلك سيصطدم معهم باقتناعات راسخة قد يصعب تغييرها، فلم لا نجعل قضيتنا الكبرى معهم هي قضية المنهج، هي قضية نصوص الوحيين؟ وهب أنهم تركوا الضلال والبدعة وماتوا وهم يسيئون الظن بفلان من علماء المسلمين لأنه لُبِّسَ عليهم شأنه وأمره فالخطب حينها أيسر من الموت على الضلالة والبدعة.

ب- ولماذا الإصرار على ربط الدعوة بهؤلاء من خلال التركيز على توزيع كتبهم وترديد أسمائهم، أو تسمية المشاريع والمدارس بها؟ فتقيم الدعوة ابتداء حاجزاً بينها وبين الناس، ألا يمكن لدعاة السلفية أن يكتبوا كتابة جديدة للناس تخاطبهم بنصوص الوحيين التي لا يجروء أحد على رفضها؟

وذلك كله ليس رغبة في تجاوزهم وإنكار فضلهم، إنما لسلوك أفضل سبيل لإنقاذ الناس من الضلال.

3- الإمامة لا تستلزم العصمة عند أهل السنة، فقد يستدل هذا الإمام الجليل بحديث ضعيف، أو يستشهد برواية باطلة، أو يقرر رأياً مرجوحاً في مسألة ما، فهل من حرج في الاستدراك عليه وبيان خطأ اجتهاده؟ وهب أن أحداً اجتهد فبين خطأه في مسألة من المسائل ورأينا أن في ذلك فتح باب للطعن وإساءة الظن أيعالج هذا الخطأ بخطأ آخر فنكابر في السعي لتصحيح حديث أو ترجيح قول ضعيف لمجرد أن فلاناً قال به؟

مرة أخرى: الأئمة والمجددون لهم قيمتهم ومكانتهم، ولا ينبغي الحط منهم وتجرئة صغار الطلبة على انتقادهم، لكن هذا كله لا ينبغي أن ينسينا أنهم بشر ليسوا معصومين، وأن الإمامة الأساس هي للوحيين وأن أهل السنة هم: من كانوا على مثل ما كان عليه محمد صلى الله عليه و سلم وأصحابه، لا من كانوا أتباعاً لفلان من الناس.








المصدر: موقع المربي