التمكين والتغيير والمداولة

أبو الهيثم محمد درويش

  • التصنيفات: الزهد والرقائق - الواقع المعاصر -

من سنن الله تعالى الكونية التي تحتاج لتأمُّلٍ وتفكُّرٍ وإيمانٍ وتطبيق، سنن ترتبط ببعض وتتداخل وتتشابك ليخلص الذهب وينقى من الشوائب ويتحقق التمكين لمن يستحق ولمن بذل الأسباب وحقق التوكل وأخلص التوحيد.

وهذا (مبحث صغير)* نقلته عن تلك السنن سائلًا الله تعالى أن ينفع به:

سنة التمكين:

وهذه السنة لا تتحق إلا بعد سنة التمحيص، فهذا الإمام الشافعي رحمه الله يُسأل: "أيَّما أفضل للرجل: أن يُمكَّن أو يُبتلى؟ فقال: لا يُمكَّن حتى يُبتلى، فإن الله ابتلى نوحًا وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدًا صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين فلما صبروا مكَّنهم، فلا يظن أحد أنه يخلص من الألم البتة" (الفوائد؛ لابن القيم، ص: [208]).

فهذه السنن مرتبطة ببعضها، فلا تمكين بلا تمحيص، ولا تمحيص بلا ابتلاء؛ إذ متى تحققت أوائلها تحققت أواخراها..

سنة التغيير:

قال الله سبحانه: {إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد من الآية:11]، فلن يغير الله حال أمة أو قوم حتى يُغيِّروا ما أنفسهم، فإذا وجد التغير من قوم غير الله حالهم، فإذا كان التغير إلى الأفضل كانت النتيجة مُشرِّفة، وإن التغير -والعياذ بالله- إلى الأسوأ كانت النتيجة مخزية -نسأل الله العافية والسلامة-..

قال العلامة ابن القيم رحمه الله: "فأخبر الله تعالى إنه لا يُغيِّر نعمته التي أنعم بها على أحد حتى يكون هو الذي يُغيِّر ما بنفسه، فيُغيِّر طاعة الله بمعصيته، وشكره بكفره، وأسباب رضاه بأسباب سخطه، فإذا غيَّر غيَّر عليه جزاءً وفاقًا، وما ربك بظلامٍ للعبيد؛ فإن غيَّر المعصية بالطاعة غيَّر الله عليه العقوبة بالعافية، والذُلّ بالعِزّ" (الجواب الكافي: [49])..

قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ} [الرعد من الآية:11]..

قال القرطبي رحمه الله عند تفسيره لهذه الآية: "أخبر الله تعالى في هذه الآية أنه لا يُغيِّر ما بقومٍ حتى يقع منهم تغيير إما منهم، أو من الناظر لهم، أو ممن هو منهم بسبب؛ كما غير الله بالمنهزمين يوم أحد بسبب تغيير الرماة بأنفسهم إلى غير هذا من أمثلة الشريعة، فليس معنى الآية أنه ليس ينزل بأحد عقوبة إلا بأن يتقدَّم منه ذنب، بل قد تنزل المصائب بذنوب الغير كما قال صلى الله عليه وسلم وقد سئل: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: «نعم إذا كثر الخبث» (الحديث أخرجه البخاري ومسلم، وللمزيد يراجع: الجامع لأحكام القرآن: [9/247])..

سنة المداولة:

وذلك بأن تداول الأيام بين الناس، فالأحوال لا تدوم على أحد لا دول ولا قبائل ولا أفراد، بل تدال من الشدة إلى الرخاء، ومن الرخاء إلى الشدة، ومن النصر إلى الهزيمة، ومن الهزيمة إلى النصر، قال تعالى: {إن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ القَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [آل عمران:140].

هي الأمور كما شاهدتها دول *** من سرَّه زمن ساءته أزمان
وهذه الدار لا تُبقي على أحد *** ولا يدوم على حال لها شان

فهذه بعض سنن الله في الكون لا تُحابي ولا تُجامِل أحدًا بل هي سائرة على وِفق ما أراد الله تعالى، كما قال: {سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} [الفتح:23].

واللهَ نسأل أن يُغيِّر حال المسلمين من الضعف إلى القوة، والذِلَّة إلى العِزَّة، والهزيمة إلى النصر، ومن الفقر إلى الغنى، ومن المرض إلى الصحة.

اللهم وفقنا وجميع المسلمين لطاعتك، وجنِّبنا معصيتك، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* موقع إمام المسجد.
 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام