إبليس، عدو التوبة

أحمد كمال قاسم

قال تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} [الإسراء:61] صدق الله العظيم.

  • التصنيفات: الزهد والرقائق - تزكية النفس -

لقد عصى إبليس أمر ربه للسجود لآدم مستكبرًا مع أنه كان من العباد الذين ارتقت مكانتهم لمصاف الملائكة..

قال تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} [الإسراء:61] صدق الله العظيم.

ثم يأس إبليس من رحمة ربه ولم يتب استكبارًا واستعلاءًا، بل وافترى على الله كذبًا أنه هو الذي أغواه، ثم حسد آدم على نعمة الطاعة لربه فقرر أن يثنيه وذريته عن صراط الله المستقيم..

قال تعالى: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} [الأعراف:16] صدق الله العظيم.

وما الصراط المستقيم الذي توعد إبليس بالتضليل عنه إلا التوبة من الذنب، فكل ابن آدم خطاء، والتوبة هي إقامة للاعوجاج الذي أصاب طريق الإنسان إلى ربه وإعادة هذا الطريق موازيًا للصراط المستقيم المؤدي إلى النجاة..

ولقد تمادى إبليس في حماقته وظنه بأن الله أغواه بقضية السجود لآدم فقرر أن يغويه وذريته، كما أُغوي بظنه، وحسدًا لآدم على فطرته القويمة التي تؤهله لطاعة الله، قال تعالى حاكيًا ما قاله إبليس حينئذ: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ . إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [ص:82-83] صدق الله العظيم.

وهذا الغواية لا تتمثل فقط في الوسوسة لآدم بالمعصية بل تمثل أمرًا أكبر وأخطر من المعصية؛ وهو القنوط من رحمة الله وترك التوبة وذلك حرصًا من إبليس الخبيث أن يُوقع آدم وذريته في نفس ما وقع فيه من حماقة اليأس من رحمة الرحمن الرحيم..

إن إبليس يعلم تمامًا أن الله تعالى يغفر الذنوب جميعًا إذا تاب العبد له..

قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53].

وقال أيضًا: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء:110] صدق الله العظيم.

وعلم إبليس بتوبة الله على عبده مهما بلغت ذنوبه إذا تاب وأن الله يغضب على عبده إن لم يتب، بدليل قوله تعالى: {مَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ} [الحجر من الآية:56].

وقوله: {إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف من الآية:87] صدق الله العظيم.

أقول إن علمه بخطورة القنوط وعدم التوبة يجعله يعادي التوبة بكل ما أُوتي من قوة وكيد، وذلك لأن عدم التوبة هو الهلاك الحقيقي وليس الذنب نفسه حتى لو كان أكبر الكبائر..

الخلاصة:

لا يفزعنك أبدًا حجم جرمك ومعصيتك وتذكر أن هذه المعصية تُمحى تمامًا، فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له، بل يتحول إثمها إلى حسنة عند التوبة! بدليل قوله تعالى: {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [الفرقان:70] صدق الله العظيم.

والله أعلم.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام