آيات الرحمن في مقاومة العدوان

حدث العدوان الصهيوني على أهل فلسطين لا يخرج عن سنة كونية في صراع الحق ضد الباطل، كما أنه لا يخرج عن كيد الظالمين وغطرستهم إن وجدوا في الأمة قابلية وضعفًا. لكن هذا الكيد مُخبر به في القرآن كما أن سبيل مقاومته وصده واضح بيّن في هذا الكتاب العظيم كذلك.. هي إذن آيات عظيمة صوّرت لنا نفسية المعتدين ومميزات المجاهدين كما بينت طريق النصر والتمكين.

  • التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -

بسم الله الرحمن الرحيم

إذا غاب عنَّا التوجيه القرآني أثناء النظر إلى الأحداث وخصوصًا الفاصلة منها، تكاد تزيغ أفهامنا أو في أحسن الأحوال يكون تحليلنا مماثلًا لما يقوله غيرنا لا تكاد تجد فيه روحًا أو ميزة.

وحدث العدوان الصهيوني على أهل فلسطين لا يخرج عن سنة كونية في صراع الحق ضد الباطل، كما أنه لا يخرج عن كيد الظالمين وغطرستهم إن وجدوا في الأمة قابلية وضعفًا. لكن هذا الكيد مُخبر به في القرآن كما أن سبيل مقاومته وصده واضح بيّن في هذا الكتاب العظيم كذلك.. هي إذن آيات عظيمة صوّرت لنا نفسية المعتدين ومميزات المجاهدين كما بينت طريق النصر والتمكين.

الآية الأولى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} [البقرة من الآية:74].

وصفٌ دقيق لنفسية شعب قام على التقتيل والدماء والتهجير والإجلاء. فلا يمكن لمن انتسب إلى بني البشر، أو من في قلبه ذرة من رحمة أن يُقدِم على حرق فتىً فلسطيني قبل الانتشاء بقتله بدمٍ بارد.

لذلك فمنظر الأشلاء المتناثرة للأطفال الرُضَّع والنساء الحوامل والشيوخ لا يُحرِّك في اليهود ساكنًا، كما أن سقف الإجرام الصهيوني ليس له حدود. فالتصوير القرآني يُقرِّب لنا حقيقة تلك القلوب التي ملئت حنقًا ولعنة وورثت الإجرام من جيلٍ إلى جيل.

الآية الثانية: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} [الإسراء من الآية:5].

فكأن تلك الفئة من البشر لا يمكن مجابهتها إلا برجالٍ من طينةٍ خاصة؛ اختارهم الله تعالى ليكونوا في مستوى عظمة الزمان والمكان وقوة التحديات، كونهم اتصفوا بالعبودية لله وحده، فأعزَّهم الله تعالى بالقوة والبأس الشديدين.

إن هذا الوصف القرآني هو وحده الذي يُفسِّر صمود أهل غزة أهل الجهاد في وجه أعتى منظومة عسكرية لها من التجهيز والدعم ما تعجز العقول عن إدراكه، بل وأخطر من ذلك.. منحتها قوى الاستكبار الضوء الأخضر الذي يجنبها أية محاسبة..!

الآية الثالثة: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال من الآية:60].

هذه الآية تفتل في سابقتها وهي من لواحقها، لأن تمام العبودية لله يستلزم الأخذ بالأسباب وإتقانها، مع التوكل على الله تعالى واستمطار التوفيق منه.

إن هذا التلازم بين بذل الوسع وحقيقة التوكل يُقرِّبنا من عظمة هذه المقاومة وبسالتها.

وهو الذي يُجلِّي لنا أسباب هذا الإبداع رغم تكالب العدو والصديق في تشديد الحصار المضروب برًا وبحرًا وجوًا.

فرغم قِلِّة الوسائل ونُدرة الموارد استطاع رجال المقاومة أن يصنعوا كل شيء من لا شيء ليغيظوا الأعداء ويضربوا للأمة المثل في البناء والإعداد المادي والمعنوي.

الآية الرابعة: عندما تتحقق العبودية لله، ويكون من تجليات هذه العبودية التمسك بسنن الله الكونية التي لا تحابي أحدًا، ترجح كِفَّة المؤمنين لصدقهم وإخلاصهم، ويقهر العدو أمام صبرهم وصمودهم، لأن مصدر المدد والعون يكون من الله تعالى: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال من الآية:17].

وبعيدًا عن هذا الفقه القرآني لا يستطيع التحليل المادي أن يُفسِّر اختراق الوسائل البسيطة لمنظومات الدفاع المتطورة المتناهية الدقة.

الآية الخامسة: {قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ . وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} [البقرة:94-95]، حرص اليهود على الحياة النكرة مُتجلٍ في تحصيناتهم والهلع المزمن الذي يُصيبهم، وهرولتهم إلى التهدئة كلما زار الموت أفرادًا منهم.

والقرآن الكريم حين بين حقيقة موقفهم من الموت، جاء بالوصف النقيض لعباد الله الذين يخوضون الحرب في صف الحق: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ . فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [آل عمران:169-170]، لأن قهر إرادة العدو الذي يخاف من الموت لا تكون إلا بحب الموت في سبيل الله، استبشارًا بما عند الله تعالى من عطاء وفضل للشهداء.

الآية السادسة: من الكتاب المنظور الذي سطَّره الله تعالى لكي نتأمَّل فيه ونعتبر، ونحن في اليوم التاسع لهذا العدوان الغاشم، نتذكر قبل سنتين حين شن الكيان الصهيوني حربه على غزة، لكن توفر إذ ذاك معطى مهم، جعل الحرب تتوقف في يومها الثالث.

كان على رأس الدولة المصرية التي رعت التهدئة رئيس منتخب يُعبر عن إرادة شعبه، جهد مرسي لوقف العدوان وإرساء هدنة تحقق مصالح الشعب الفلسطيني.

أما الآن وقد صادر الاستبداد في أرض الكنانة حرية وطن وإرادة شعب غيور على المقاومة وأهلها، نرى كيف يجهد النظام المصري لنجدة إسرائيل وتقويض المقاومة.

كل ذلك حتى لا يبقى في نفس أحد ذرة من شكٍ في أن طريق تحرير فلسطين يبدأ من دحر الاستبداد المتآمِر واستعادة الشعوب لحريتها وكرامتها.

 

 

عز الدين سليماني

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام