قوارب عائمة، بين بين!

منذ 2014-07-22

ليس أشد على الإنسان في حياته من اللحظة التي يكتشف فيها أن عدوه الغادر ربما كان خيرًا له من صديقه، وإن جار العدوُّ وظلَم، وخان وقتل؛ لأن العدو: يَسفِك الدم، ويُزهِق الروح، ويصفِّي الحياة، أما الصديق، فإنه يَسفِك دم الأخوة، ويُزهق روح الصداقة، ويقتل المعاني والمبادئ السامية في الحياة.


نجَونا بمعجزة إلهية! بقدرة قادر، بلغنا الشاطئَ الآخَر، وما كدنا نصل، حتى فُجعنا من جديد!
ليتنا لم نخرج من بلادنا، ورضينا بالاحتراق بنيران عدوِّنا؛ ذلك خير لنا من خِذلان الصديق، في أحرج أوقات الضيق، من لنا غيرُك يا ألله!

سلني أنا، ليس أشد على الإنسان في حياته من اللحظة التي يكتشف فيها أن عدوه الغادر ربما كان خيرًا له من صديقه، وإن جار العدوُّ وظلَم، وخان وقتل؛ لأن العدو: يَسفِك الدم، ويُزهِق الروح، ويصفِّي الحياة، أما الصديق، فإنه يَسفِك دم الأخوة، ويُزهق روح الصداقة، ويقتل المعاني والمبادئ السامية في الحياة.

فجأة، أصبحنا ذات يوم فإذا البحر أمامنا، والعدوُّ من ورائنا، يغيرون علينا كأسراب الجراد، ينتشرون بيننا في كل وادٍ، يحرقون قُرَانا وبيوتَنا، ويَقتلون كل مَن صادفوه أمامهم منا، ولو تباطأنا لحظاتٍ يسيرةً لأدركونا، وأبادونا جميعًا عن بكرة أبينا.

لم نفكر، ولم نتدبر، غامرنا بأنفسنا، وخضنا البحرَ بقوارب صيد صغيرة متهالكة، لا تحتمل في الأصل أكثرَ من عشرة أنفس؛ ولكنها احتملت على متنها عشرات الفارِّين بأرواحهم، ترتسم علائم الرعب والهلع في وجوههم!

كانت بضعة عشر قاربًا متهالكًا لا تبلغ العشرين، كيف احتملتهم؟
كيف خاضت بهم عبابَ البحر المتلاطم ساعاتٍ وساعات؟
كيف رست بهم على الشاطئ الآخر أحياءً لم تُصَب ولم تنكسر؟
الله وحده يعلم.

كانوا يحدثوننا ونحن صغار، بالمجازر الوحشية الدامية، وحملات التطهير العرقي، والقتل، والتشريد، والنفي القسري، التي كان يمارسها البوذيون المتوحشون، حملة بعد حملة كل بضع عشرة سنة ضد المسلمين منذ الاحتلال البورمي لمملكة "أراكان" المستقلة، قبل مائتين من السنين؛ لا لشيء سوى إسلامِهم في قلوبهم، وكلمة التوحيد على ألسنتهم.

ما كنا نتخيل يومًا أننا سوف نراها بأعيننا، ونعيشها بأنفُسنا من جديد في القرن الحادي والعشرين، عصر الحضارة، والتقدم العلمي، وإشاعة حقوق الإنسان، عصر انفجار التقنية، وثورة الاتصالات كما يزعمون؛ ولكنه عصر فجور التقنية وخِسَّة الاتصالات بالنسبة إلينا!

ليس في العالم كلِّه أقليةٌ أكثر تعرضًا للاضطهاد العرقي والديني في بلادها من شعبنا الأراكاني المسلم باعتراف الأمم المتحدة، ولكننا في الوقت نفسه أكثرُ الأقليات: تعرضًا للإهمال، والنسيان، والتكتيم الإعلامي المقصود، بتواطؤ الأمم المتحدة نفسِها، ومن على شاكلتها، بل حتى من كثير من إخواننا المسلمين للأسف.

مَن لنا غيرك يا ألله؟
أي بشرٍ هؤلاء "الموغ"؟
لا يرقبون في مؤمن إلاًّ ولا ذمَّة، لا يفرِّقون بين رجل وطفل وامرأة، لا يرحمون شيخًا فانيًا، ولا جنينًا معصومًا، يَبْقُرون بطن أمِّه وهي حية، يخرجونه ويتلهون به، يتقاذفونه بينهم بأرجُلهم كالكرة!

يحرقون البيوت والمساجد والمدارس، يدنِّسون المصاحف، ويمزِّقون الكتب، أي وحوش هؤلاء؟
ما كان لأحد أن يفوقهم في الوحشية غير يأجوج ومأجوج؛ إلا أن يكونوا هم أنفسهم يأجوج ومأجوج!

من لنا غيرك يا ألله؟
ثلاثة أيام بلياليها وما زلنا عائمين فوق الماء بين البلدين بقواربنا الصغيرة المتهالكة! لا يقبلنا الجارُ المسلم فندخل عليه، ولا يتركنا العدوُّ بأرض الوطن فنرجع إليه، نَفِد ما كان معنا من زاد قليل خرجنا به من ديارنا قبل أن تحترق بنيران العدو.

من لنا غيرك يا ألله؟
بعض الأطفال ماتوا جياعًا، رموهم في البحر على مرأى من أمهاتهم، يَنُحن بحزن، ويصرخن بمرارة، ولا يملكن من الأمر شيئًا، ربما صاروا الآن قوتًا للأسماك الجائعة المفترسة!
أطفال آخرون تهالكوا عطشى، في طريقهم إلى الموت القادم فاغرًا فاه الكبير.

النساء على وشك السقوط إعياءً بلذعات الجوع والعطش، ومرارة الفقْد والثكل.
الرجال وحدهم -رغم الأمطار الشديدة، تنهمر عليهم من فوق رؤوسهم بغزارة- ما زالوا وحدهم يقاومون، لم يفقدوا الأمل، ولكن إلى متى؟

 

إبراهيم حافظ غريب 

  • 0
  • 0
  • 2,041

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً