الحقيقة المرّة (نحن لا ننهزم ننتصر أو نموت)

هل يستطيع الشعب الذي تطحنه آلة القتل، وتعبث به مضخّات الخداع والتخدير أن يحطّم قواعد اللعبة، ويخرج عن مسرح التمثيل، ويقذف بمخطّطات الجريمة في وجوه أصحابها، ويقرّر مصيره بإذن الله بدمائه وتضحاياته، إنّه لقادر على ذلك بإذن الله، وما ذلك على الله بعزيز: {وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَ قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَرِ‌يبًا}.

  • التصنيفات: الواقع المعاصر - أحداث عالمية وقضايا سياسية -


الحقيقة المرّة التي غابت عن أكثر الناس منذ انطلاق هذه الثورة، وأدركها بعضهم بجزئيّة وضبابيّة هي: أنّ العالم الغربيّ كلّه من شرقه إلى غربه، وبشماله وجنوبه هو الذي تآمر على قتل الشعب السوريّ، وهو الذي خطّط لهذه الجريمة ودبّر، ووزّع الأدوار وأمر، وذلك لهدف إستراتيجيّ أكبر، يتمثّل في هذه الجملة: "لا نريد أن يسقط هذا العميل، مهما كلّف الثمن".

وفي سبيل هذا الهدف أمر العميل بن العميل، المجرم الجزّار أن يباشر بقتل الشعب لأدنى مشكلة يفتعلها معه، وأن يستمرّ بالقتل، ويصعّد من أساليبه، ويستخدم كلّ ما لديه من أساليب القتل وأدواته، تحت سمع العالم وبصره، ويقف العالم متفرّجاً عليه، وكأنّه أمام مشهد تمثيليّ، ومحرّضاً له بتصريحات تلو تصريحات، ويعطيه مهلة للقتل بعد مهلة... ويوزّع بين لاعبيه الأدوار، ويدخل الممثّلين ممثّلاً بعد ممثّل، إلى خشبة المسرح السوريّ، بطول جغرافيّته وعرضها، كيلا يملّ الزبائن المشاهدون، من تكرار فصول المسرحيّة وتشابهها.

وذرًّا للرماد في عيون هذا الشعب المنكوب، ومن معه من أحرار الضمائر والعقول، فلا بد من تخدير المشاعر الثائرة بوعود التصريحات، الحامية والباردة، والمراوغة والوقحة، ولا بد من مدّ الحبال للإمساك بأيدي الغرقى، أو إلقاء الحبال إليهم، ولكن دون انتشالهم وإنقاذهم، ولا بد من تعليقهم بالوعود بعد الوعود، وإلقاء التهم عليهم تهمة بعد تهمة، ليتراجعوا عن كثير من مطالبهم، ويخفضوا من سقف طموحاتهم، فالخطر منهم مؤكّد معلوم، والمصلحة من عدوّهم العميل مؤكّدة ظاهرة.

ويغيّر كثير من المساكين ممّن يسمّون معارضة ملابسهم، ويعدّلون من هيئاتهم، ويجعجعون فوق الطاولة، ويغازلون من تحتها... ويملك الممثّلون المتآمرون الكبار متّكآت كثيرة يراوغون بها هذا الشعب المنكوب، والمعارضة البئيسة... يلعبون بهم كما يلعب اللاعبون بتلك الكرة المسكينة، التي لا حول لها ولا قوّة، ويمضي العميل يفسد في الأرض، ويسفك الدماء، ويمضي العالم في مراوغته وخداعه، يلقي علينا اللوم، ويبيعنا الكلام.

فهل نيأس بعد كلّ هذا أو نستسلم؟ وهل نندم على ما قدّمنا، وما حلّ بنا؟ إنّ الجواب طويل على هذه الأسئلة التي تجول في عقول كثير من الناس من قريبين، يعيشون المأساة بكلّ أبعادها، أو محبّين مشفقين، يخشون هزيمة الثورة، وانتصار المجرم الجزّار.

ويمكن اختصار الجواب بإجمال، في كلمات قليلة، تحمل حقائق ضخمة عظيمة، يمكن إجماله بكلمة عظيمة، رفعها الثوّار شعاراً لهم في كلّ مظاهرة، وهتفت بها حناجرهم، واسترخصوا في سبيلها دماءهم وأرواحهم، إنّها كلمة: "الله أكبر"، التي زلزلت ولا تزال تزلزل قلوب الطغاة وأزلامهم، كما تدمّر عروشهم وبنيانهم.

ومن وراء هذه الكلمة حجج الإيمان، وبراهين الزمان والمكان، ووقائع التاريخ القريب والبعيد، لمن كان له قلب، أو ألقى السمع وهو شهيد، وإنّ من أعظم حجج الإيمان قول الحقّ سبحانه: {وَيَمْكُرُ‌ونَ وَيَمْكُرُ‌ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ‌ الْمَاكِرِ‌ينَ} [الأنفال:30]، وقوله جلّ من قائل: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُ‌سُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ ?َزِيزٌ} [المجادلة:21]، وقوله جلّ وعلا: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِ‌هِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ‌ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف:21].

هذه هي الحقيقة المرّة التي تعيشها سورية.. والأمرّ منها والأنكى أن لا يدركها كثير من الثائرين والمعارضين، ولا يحسنون التعامل معها، أو يكابرون في الاعتراف بها.. والأمرّ من ذلك أن لا ترتقي النفوس المؤمنة بها إلى المستوى المعنويّ والمادّيّ، الذي يؤهّلها لتعجيل النصر من الله تعالى لها: {وَمَا النَّصْرُ‌ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:10].

فهل يستطيع الشعب الذي تطحنه آلة القتل، وتعبث به مضخّات الخداع والتخدير أن يحطّم قواعد اللعبة، ويخرج عن مسرح التمثيل، ويقذف بمخطّطات الجريمة في وجوه أصحابها، ويقرّر مصيره بإذن الله بدمائه وتضحاياته، إنّه لقادر على ذلك بإذن الله، وما ذلك على الله بعزيز: {وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَ قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَرِ‌يبًا} [الإسراء:51].
 

عبد المجيد البيانوني