أنماط - (45) نمط الناشط المُتفرِّغ

منذ 2014-08-06

هناك نمط الأخ الناشط المُتفرِّغ تمامًا للسياسة والذي لا يفعل شيئًا تقريبًا في حياته إلا متابعة الأحداث والتعليق عليها.. طبعًا ليس عن الاهتمام بأمر المسلمين وحمل همّ الأمة أتحدَّث فهذا دين يتدين به المرء؛ لكن أتكلَّم هاهنا عن الانصراف تمامًا لباب واحد من أبواب الدين وعدم الموازنة في ذلك وهذا ما يفعله النمط الذي أعنيه..

وهناك نمط الأخ الناشط المُتفرِّغ تمامًا للسياسة والذي لا يفعل شيئًا تقريبًا في حياته إلا متابعة الأحداث والتعليق عليها..

طبعًا ليس عن الاهتمام بأمر المسلمين وحمل همّ الأمة أتحدَّث فهذا دين يتدين به المرء؛ لكن أتكلَّم هاهنا عن الانصراف تمامًا لباب واحد من أبواب الدين وعدم الموازنة في ذلك وهذا ما يفعله النمط الذي أعنيه..

وإني سائل من كان على هذا النمط..

هل راجعت كل الأخبار؟

هل دققت في كل المواقف السياسية؟

هل قرأت كل التحليلات؟

هل استوعبت كل الردود والمتابعات؟

هل طالعت كل البرامج والصفحات التي تُفرِغ تلك الشحنات خاصةً تلك الساخرة والتي تتعامل بنفس أسلوب خصومك؟

هل شاركت بتعليق ساخر أو غير ساخر؟

هل فعلت كل ذلك بنجاح؟!

قل لي بعدها بربك..

هل ارتحت؟

وكيف حال قلبك مع الله؟!

وهل غيّرت واقعك بهذا؟

هل غيّرت شيئًا في أولئك الذين أنفقت وقتك في التريقة عليهم وعلى غبائهم؟

وكيف حال صنائع المعروف وأعمال البر معك؟

كيف حال وِردك من القرآن؟

كيف حالك مع أذكارك وخشوعك؟

وأين جهدك العملي في الدعوة وإصلاح وتوعية..

كيف حال صلاحك الشخصي؟!

يظن البعض أن الإصلاح في الأرض والنفع المتعدي يغنيهم عن الصلاح الشخصي والتعبُّد القاصر..

وما أشد وهمهم وأبعد ظنهم..

فأي مصلح ذلك الذي ليس لديه رصيد داخلي من الصلاح؟!

وأي مُغَيِّر هذا الذي لا يستطيع أن يُغيّر نفسه أولًا..

وأي برٍ هذا الذي يأمر به الناس وينسى نفسه..!

إن التلازم بين الصلاح والإصلاح أمر مطرد في كتاب الله..

يكفيك أن تتدبر في تلك الآية من سورة الأعراف والتي بدأها الله بذكر الصلاح من تمسك بكتاب الله وإقامة للصلاة ثم ختمها بوعد ألا يضيع أجر المصلحين..

فكان في ذلك إشارة إلى أن أولئك المصلحين لم ينسوا أنفسهم ولم يغفلوا عن طاعة ربهم بل تلازم صلاحهم مع إصلاحهم وارتبط نفعهم القاصر بنفعهم المعتدي فتأمَّل..

{وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} [الأعراف:170]..

وإن من أكثر ما يلفت الانتباه في سورة الأنبياء ذلك المعنى الذي تكرَّر في السورة مِرارًا..

معنى التعبُّد والتقرُّب إلى الله بالعمل الصالح..

معنى الصلاح الشخصي الذي ينصرِف عن الاعتناء به وعن تقديره حق قدره كثير من المتصدرين للعمل العام..

إن كلمة العبادة ومشتقاتها من أكثر الكلمات التي ذُكِرَت في السورة..

وما لفت انتباهى هاهنا أن هذا المعنى الأكثر تكرارًا والذي ورد في السورة التي تتكلّم عن خير من مشى على الأرض وهم الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم حتى سُمِّيت بوصفهم كان معنى العبودية لله ربّ العالمين..

ورغم أن ما قد يتبادر إلى الأذهان حين الحديث عن الأنبياء واستحضار قصصهم معاني التضحية والبذل لدين الله، والبطولات الدعوية والإصلاحية والجهادية التي حفلت بها حيواتهم المباركة إلا أن الله اختار أن يتكلَّم فى سورتهم عن معاني عبوديتهم وصلاحهم بشكلٍ أكثر تركيزًا من الكلام عن معاني الذل والإصلاح التي تكرَّرت في سور أخرى..

وكأنها إشارة لطيفة إلى معنى في غاية الأهمية يغفل عنه كثير من أرباب الهموم الجسيمة والمسئوليات العظيمة..

معنى أهمية العبادة وعظم شأنها في حياة العظماء والمغيرين..

ولو كان من أحد أولى بأن يجد ما يشغله عنها أو يستبدِله بها لكانوا هم أكثر الناس شغلًا وهمًّا..

لكنهم مع همومهم ومسئولياتهم تجاه الأمم التي بعثوا إليها ورغم انشغالهم بجهادهم ودعوتهم؛ إلا أن السورة العظيمة أظهرت بوضوحٍ أنهم مع ذلك كانوا أعبد الخلق وأسرعهم إلى الخيرات وأحرصهم على العمل الصالح..

فلنتأمَّل هذا المعنى بينما نتلو سورة الأنبياء مُتأمِّلين تلك القيمة الجليلة..

قيمة العبادة والصلاح جنبًا إلى جنب مع الإصلاح لا يطغى أيهما على الآخر ولا تُشغِلنا هموم أو مسئوليات مهما بلغت قيمتها وقدرها عن تلك القيمة، مُردِّدين آيات السورة الكريمة: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ . إنَّ فِي هَذَا لَبَلاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِين} [الأنبياء:105-106]..

كما قلتُ آنفًا ليست هذه دعوة لعدم الاهتمام بأمور أُمّتك وواقعها؛ لكنني أدعوك ونفسي لنراجع موازنتنا للأمور..

لنراجع قلوبنا.. ولنجعلها على الأقل ساعةً وساعة.
 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 0
  • 0
  • 1,419
المقال السابق
(44) نمط التطبيعي
المقال التالي
(46) نمط المُقيَّدون بأغلال الحدث

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً