التطرف والإرهاب: الحل والعلاج

صفوت الشوادفي

إن التطرف يحتاج إلى مواجهة علمية لا مواجهة عنترية! وأنه بدون تصحيح الأوضاع الخاطئة ومواطن الخلل في واقعنا الذي نعيشه فلن نصل إلى حل صحيح أو علاج نافع..

  • التصنيفات: الواقع المعاصر - قضايا إسلامية معاصرة -


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
تحدثنا عن أهم الأسباب التي أثمرت فكر الإرهاب، ونحن على موعد مع قرائنا لكي نقدم منهجًا عمليًا فيه الدواء والشفاء لما يعانيه بعض شبابنا من غلو وتطرف وانحراف عن منهج الحق والصواب.

ولا بد قبل الشروع في بيان الحل والعلاج أن نقرر حقيقة هامة هي أن التطرف يحتاج إلى مواجهة علمية لا مواجهة عنترية! وأنه بدون تصحيح الأوضاع الخاطئة ومواطن الخلل في واقعنا الذي نعيشه فلن نصل إلى حل صحيح أو علاج نافع..

ونحن لا ندعي العصمة لقولنا أو قول غيرنا؛ لكننا نعتقد أن قولنا صواب يحتمل الخطأ، وقول غيرنا خطأ يحتمل الصواب، وأما المخرج مما نحن فيه، والعلاج لما نعانيه فيتمثل فيما يلي:

1- تحكيم الشريعة والالتفاف حول القيادة:
حيث إن العلاقة الشرعية بين الراعي والرعية تقوم على المحبة، والنصحية والسمع والطاعة في غير معصية، والدعاء لولي الأمر، فإذا ما أعلنت البلاد عن تطبيقها لشريعة الله، وتقديمها على سائر القوانين الأرضية انهار بنيان التطرف والإرهاب بفضل الله، وسقطت الأقنعة عن وجوه المنافقين الذين يريدون بها شرًّا، وفي ظل تحكيم الشريعة نستطيع أن نميز بوضوح من معنا ومن علينا.

2-التقارب بين العلماء والوزراء:
لأن اختفاء العلماء أو اختلافهم علنًا مع الوزراء يحدث مردودًا سلبيًا لدى الرأي العام، ويمكن أن يتحقق هذا التقارب المنشود بوسائل منها: عودة هيئة (كبار العلماء) بصورة عصرية، بحيث يكون فيها الفقيه وعالِم الاقتصاد وخبير الطب، وهكذا.. انتداب مستشار ديني لكل وزير ومحافظ يُرجع إليه في كافة المسائل التي تحتاج إلى معرفة حكم الشريعة.

3-إعادة الثقة المفقودة بين المواطن والحكومة:
وهذا أمر على قدر عظيم من الأهمية، وسيأتي تفصيله ضمن مقترحات آتية.

4- إنشاء قناة تلفزيونية للقرآن الكريم:
تصحح المفاهيم الخاطئة، وتنقل الحوارات الهادفة، والمناظرات الجادة، وتوقف الصراعات القائمة في كثير من البيوت حول حكم التلفزيون في الشريعة الإسلامية، وينتج عنها في أحايين كثيرة طرد الابن المعترض من البيت، وهي ظاهرة اجتماعية خطيرة، ووثيقة الصلة بموضوع التطرف.

5- مواجهة المشكلات الاقتصادية، وما يتبعها من أزمات تضر بآمال الشباب، مثل أزمة الإسكان وأزمة العمل [1].

6- علاج الخلل الإداري في بعض أجهزة الدولة الذي يعوق وصول الخدمات لطالبيها.
7- الوضوح السياسي حتى ينشأ الشباب على بينة من أمر بلاده داخليًا وخارجيًا، وبما لا يضر بمصالح وأمن البلاد، وحتى لا يقع تحت مؤثرات خارجية وأخبار غير صحيحة تذيعها المصادر التي تعمل على عدم الاستقرار في البلاد.

ولا بد أن تأخذ الأحزاب السياسية دورها وتعدل ممارستها، فلا يكون هدفها الاقتتال وإظهار المثالب، واستخدام الكلمات الجارحة الحادة التي تثير ولا تنير، وإنما عليها أن تعاون على الإيضاح وحسن الممارسة، وصدق المصارحة، ولا بد لوسائل الإعلام المتنوعة أن تباشر حوارًا حول التطرف وأبعاده وأسبابه المختلفة وبين كافة القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية، مبصرًا بالمخاطر الحقيقية التي يمثلها التطرف والعنف والإرهاب، بغض النظر عن الثوب الذي يرتديه، وهل هو محلي أو وافد أو موفد، وأن تكف وسائل الإعلام عن إشاعة الفرقة والتنابز بالألقاب والأحقاد، فإن الشباب غض القلب والإهاب، يتأثر بما يقرأ ويسمع من تقاذف بالتهم وطعن في الذمم.

وأن تكف وسائل الإعلام عن تقديم ما يضر بالمجتمع دينينًا وثقافيًا واجتماعيًا وسياسيًا، وأن تكون الكلمة مثمرة لا مدمرة، فلا يحق لوسيلة إعلامية أن تطعن المجتمع في دينه أو تقوم بتجريح المجتمع ونشر الفواحش ما ظهر منها وما بطن وازدراء المتدينين والعلماء، وقلب الحقائق وتزييف التاريخ، ولا بد للأجهزة الثقافية من مواجهة واقعها الذي لا يتفق مع المأمول منها للمجتمع.

8- تطهير المجتمع ممن احترفوا الموبقات والمنكرات والرذائل، فأشاعوا الفساد.
والعمل على إذاعة الفضيلة ورعاية الآداب العامة في المجتمع، وحجب تلك الموضوعات المثيرة للغرائز والاختلاف، وهذا يكون بتخصيص حيز يومي في الصحف تعالج فيه موضوعات تواجه ما يظهر من انحراف في السلوك والأخلاق، ونظرًا لقلة الصحف والمجلات المتخصصة.

9- مواجهة التيارات الخارجية التي تبث العنف وتعمل على إثارة القلاقل بكشف مصادرها ومقاصدها.
10- التمكين للقضاء ليظل حارسًا للعدل، وتنفيذ أحكامه دون تعطيل أو تأويل مع تيسير التقاضي باعتباره خدمة تؤدى من الدولة لا موردًا ماليًّا، مع رفع كفاءة القضاة ومعاونيهم.

11- الكف عن نسبة الأخطاء والحوادث والكوارث إلى المتدينين وعن السخرية بهم وبث الأمان والاطمئنان في قلوب القائمين على الدعوة وإلغاء القوانين التي أقامت القيود على كلمة المسجد، مع تمكين الجمعيات الدينية من مزاولة أنشطتها في الدعوة في تنسيق وتوافق دون تضارب وتناقض.

12- توفير الرعاية للأسرة وتشجيع الأم على التفرغ لتربية أولادها تربية إسلامية.
13- حث الناس على الرجوع في أمور الفتوى في الدين إلى العلماء المتخصصين، والأخذ على يد أولئك الذين يتصدون للفتوى بغير علم في الوقت الذي لا يجرءون فيه على احتراف أي علم آخر خوفًا من العقاب الذي رتبه القانون، والحرص على تكريم العاملين في مجال العمل الإسلامي والاجتماعي الرشيد.

14- لا بد أن نحلل أسباب التطرف بغض النظر عن نوعيته ومظاهره وقنواته، فإنه يلبس أثوابًا عديدة ويلبس لكل حال لبوسها، ومرة أخرى لا نسارع إلى نسبته إلى الدين، فنُبغّض الدين إلى الناس، ونصرفهم بهذا الترهيب عن التدين، مع أنه في ذاته عصمة من الزلل وطاعة لله ونزول على حكمه.

ولا بد أن نواجه التطرف الفكري بالفكر المثمر والحوار البناء الهادف إلى الإيضاح والإفصاح، ولنقف بحزم ضد مروجي الفتن، ولنتثبت من الأنباء والأخبار قبل الاتهام، ذلك قول الله سبحانه في سورة الحجرات: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [ الحجرات: 6].

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] من هنا إلى نهاية الحلول نقلاً عن رسالة التطرف بتصرف، لفضيلة الشيخ/ جاد الحق (شيخ الأزهر السابق) رحمه الله.