أطفال الحجارة صاروا رجال صواريخ

وما طبع هذه الانتفاضة الشعبية هو بروز المقاومة الفلسطينية العسكرية على أرض الميدان، وتعدد وتنوع هجماتها ضد العدو الصهيوني، وتمكنها من اختراع أول صاروخ فلسطيني في غزة

  • التصنيفات: قضايا إسلامية -

في نوفمبر 1987م اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وشملت هذه الانتفاضة احتجاجاً جماعياً للأطفال الفلسطينيين في عدد من المدن والقرى، أطلق عليه اسم: (أطفال الحجارة)، وقد كان يقف هؤلاء الأطفال وهم عزّل إلا من حجارة تستطيع أكفهم الصغيرة حملها وضمها ليواجهوا بها دبابات العدو الصهيوني وبنادقه وآلياته الحربية المتطورة.

طبعاً موازين القوى لم تكن متكافئة، بل لا يحق لنا إجراء مقارنة بينها أصلاً، فقد قتل عدد كبير من الأطفال وفقئت أعين عدد منهم جراء الطلقات المطاطية التي كان يطلقها العدو الصهيوني ويوجهها بعناية إلى الوجه ومناطق حساسة من أجسام هؤلاء الأطفال الذين لم يجدوا أمامهم ما يدفعون به العدو ويردون به الصائل الصهيوني، إزاء تخاذل وتآمر عربي ودُولي، سوى حجارة طينية أو إسمنتية ملقاة هنا وهناك. انتهت الانتفاضة الأولى سنة 1991م، فدفن الفلسطينيون ما يزيد عن 1300 شهيد بإذن الله تعالى، وداووا جرحاهم، وعادوا إلى مواقعهم الأولى من جديد.

 

صناعة أول صاروخ للمقاومة
ولم تمر سبع سنوات حتى اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الثانية (انتفاضة الأقصى) في 28 من سبتمبر 2000م؛ وذلك عقب اقتحام السفاح رئيس الوزراء الصهيوني الهالك (أرييل شارون)، باحة المسجد الأقصى برفقة حراسه، الأمر الذي دفع جموع المصلين إلى التجمهر ومحاولة التصدي له، فاندلعت شرارة الانتفاضة الفلسطينية الثانية.

استشهد خلال هذه الانتفاضة ما يزيد عن (4412)، شهيداً معظمهم من الأطفال والنساء وجرح ما يقارب  (48.322)، وعرف قطاع غزة والضفة الغربية حينها هجمة صهيونية كبيرة، وعمليات اجتياح متكررة.

وما طبع هذه الانتفاضة الشعبية هو بروز المقاومة الفلسطينية العسكرية على أرض الميدان، وتعدد وتنوع هجماتها ضد العدو الصهيوني، وتمكنها من اختراع أول صاروخ فلسطيني في غزة من نوع قسام وتلته بعد ذلك صواريخ أخرى من صنع الفصائل الفلسطينية المجاهدة، مثل (قدس 4، وصمود، وأقصى 103، وناصر.. وغيرها)، ما كلف الاحتلال الصهيوني حينها 1069 قتيلاً (334 في صفوف العسكريين و735 من المستوطنين) و4500 جريح.
الصواريخ تحقق أهدافها وتدحر العدو.

توقفت الانتفاضة الثانية سنة 2005، وبعد ثلاث سنوات 2008 انطلقت عملية (الرصاص المصبوب)، وهو عدوان صهيوني همجي آخر على قطاع غزة راح ضحيته (1417)، فلسطينياً على الأقل (من بينهم 926 مدنياً و412 طفلاً و111 امرأة) وأصيب ما يزيد عن (4336) شخصاً.

وكان هدف الاحتلال حينها هو كسر المقاومة والقضاء على الصواريخ القصيرة المدى التي كانت تصيب جنوب المناطق المحتلة، لكن الاحتلال الصهيوني فشل مجدداً في تحقيق أهدافه، وخرجت المقاومة الفلسطينية من هذه المعركة وهي أشد قوة من ذي قبل؛ فاستطاعت رغم الحصار الكبير المضروب عليها براً وبحراً وجواً، أن تطور منظومة صواريخها وعدتها الحربية.

ووفق تقرير مصور للجزيرة فقد تضاعف مدى صواريخ المقاومة من 75 كلم كحد أقصى إلى 150 كلم، وفي مواجهة عمود السحاب عام 2012 فاجأت المقاومة الكيان الصهيوني بصاروخ (أم-75)، الذي استهدف مدينة (القدس)، وهو ما وضع نصف الكيان الصهيوني تحت التهديد.

 

الصواريخ تغير الوضع على أرض المعركة
والآن بعد بدء الكيان الإرهابي عدوانه على غزة في السابع من شهر يوليوز المنصرم (07/07/2014)، كشفت المقاومة عن تطور كبير في منظومتها الصاروخية تمثل في استهداف مدينة (حيفا)، التي تبعد 140 كلم عن غزة، كما استخدمت الصاروخ الجديد (آر-160)، ومداه أكثر من 150 كلم، وبرأس حربي يزن 175 كلغ، وصاروخ آخر هو (جى-80)، أعلنت المقاومة أنها تُخبيء من خلاله مفاجآت للاحتلال، لكنها لم تكشف عن مداه، غير أنها استخدمته لاستهداف تل أبيب والخضيرة الواقعة على بعد 100 كلم عن قطاع غزة.

وهناك أيضاً صواريخ أطلقتها سرايا القدس التابعة لحركة الجهاد الإسلامي، منها (براق-70)، الذي يقدر الخبراء مداه بأكثر من 70 كلم، وبقوة تفجيرية تصل إلى 90 كلغ استهدفت به السرايا مطار بن غوريون، وتل أبيب، والقدس، وقاعدة هلافيم بقرب الخليل.

فصواريخ المقاومة وفقاً لما هو مفروض على أرض المعركة ليست عبثية! ولا صواريخ عشوائية! كما ظل يكرر الإعلام العلماني الموالي للصهاينة على طول الخط، وقد أكد النائب إسماعيل الأشقر (رئيس لجنة الداخلية والأمن في المجلس التشريعي الفلسطيني)، أن: "المقاومة الفلسطينية تمكنت من إحداث تغيير استراتيجي في الصراع وتوازن في الرعب والردع مع الاحتلال.. وأنها أحدثت تغيرات استراتيجية في المنطقة بأسرها والقضية الفلسطينية برمتها".

 

شيطنة الإخوان والتآمر ضد المقاومة
هذا التغيير الاستراتيجي الذي عجزت عن تحقيقه الجيوش النظامية كسرَ أسطورة (الجيش الذي لا يقهر)! وأخرجَ بعض الأفاعي من جحورها، وكشف حقيقة المقامرين بالقضية الفلسطينية؛ وأن (بلفور)، ليس وحده من أعطى ما لا يملك إلى من لا يستحق! فهناك أنظمة عربية تفعل أكثر من ذلك وتتحالف مع الكيان الإرهابي وتدافع عنه وتضمن له أسباب البقاء، ومقابل ذلك كله لا تستحي من أن ترفع صوتها بأنها تدافع عن القضية الفلسطينية، وتعمل على تحرير شعب فلسطين من الاحتلال!!

إن أصحاب الإنجاز الكبير على أرض غزة من فصائل المقاومة يتم خندقتهم من طرف الأنظمة الاستخباراتية الخليجية والعربية ضمن جماعة الإخوان المسلمين، وهي الجماعة التي أطلقت الأنظمة المذكورة خلال المرحلة الأخيرة حملة شيطنة واسعة ضدها انتهت بتصنيف جماعة الإخوان المسلمين ضمن الجماعات (الإرهابية)، كما وقع في العربية السعودية مثلاً وقبلها في مصر.

وقد كشفت صحيفة (نيويورك تايمز)، الأمريكية من خلال تقرير لها أن: "قادة الدول العربية باتوا يرون أن حركة حماس أسوأ من إسرائيل، وهو ما جعلهم صامتين حيال ما تمارسه إسرائيل من اعتداءات في حق أبناء قطاع غزة".

ونقلت الصحيفة عن (ديفيد أرون ميلر)، المفاوض السابق والباحث في معهد ويلسون في واشنطن قوله أن: "مقت وخوف الدول العربية من الأسلام السياسي تفوق على حساسيتهم تجاه بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي".
وأضاف: "لم أر موقفاً مثل هذا، يقبل فيه هذا العدد الكبير من الدول العربية ضمناً موت وتدمير غزة وضرب حماس".

وفي مقال لـ(ديفيد هيرست)، كبير محرري الشرق الأوسط في الـ(هافنجتون بوست huffington post)، الأمريكية كشف أن أحد أسباب موقف السعودية الرسمي تجاه حماس والإخوان أنها تعرف تماماً أن هذا الموقف مخالف لموقف الشعب السعودي.

ففي استطلاع للرأي أجراه (مركز ركين)، في السعودية وجد أن 95٪ من الشعب السعودي يؤيد حماس، و82٪ منهم يؤيدون إطلاق الصواريخ على إسرائيل ما يعني أن الموقف الشعبي السعودي مناقض تماما للاختيارات السياسية للأسرة الحاكمة والمسيطرة على كل قطاعات الدولة.

كما أكد اللواء عبد الحميد خيرت (نائب رئيس جهاز أمن الدولة السابق)، والخبير الأمني بأكاديمية الشرطة المصرية وجود تحالف بين مصر وإسرائيل ودول عربية لمواجهة ما أسماه الإرهاب!
وقال: "إن مصالح السعودية والإمارات والأردن ومصر تتفق مع مصالح إسرائيل".

وهذا أمر عادي ومنطقي على اعتبار أنها الدول التي دعمت الانقلاب في مصر، وساندت السيسي إلى أن وصل إلى الرئاسة، وفرض الحصار على حماس في قطاع غزة، وقادت بكل شراسة الحملة ضد من يهدد عروشها من جماعات (الإسلام السياسي)، لأن الإسلام الذي تريد له هذه الدول الانتشار هو الذي لا يخوض في السياسة ولا يزاحمهم على الكراسي، إنه إسلام لا تداخل فيه بين السياسي والديني.

ومادامت حركات المقاومة في غزة ترتبط عضوياً أو فكرياً بهذه الجماعة أو ببعض رموزها البارزين، فإنها تشكل خطراً على المنطقة، وتعمل على زرع الفتنة والتمكين لمؤامرة إسلامية إقليمية!!

وحينها لا تهم إطلاقاً الأرواح التي تزهق والدماء التي تُسفك، ما دام الهدف هو القضاء على العدو المشترك بين هذه الدول وإسرائيل فتقاطع المصالح مدَّ جسور التعاون بين (أكبر دولة وهابية مصدرة للتطرف) وفق التعبير الأمريكي والصهيوني، وبين (أعظم دولة ديمقراطية في المنطقة إسرائيل) كما يروج في الصحافة العلمانية والمنتديات الأممية.

 

غزة كاشفة
لقد باتت غزة اليوم كاشفة..
كاشفة عن المقامرين الفاسدين من السياسيين والحكام..
وكاشفة عمن يتاجر بهموم الأمة ودماء الأبرياء والضعفاء..
وكاشفة عن عمائم ودعاة زور من الذين ركنوا إلى الذين ظلموا فبرَّروا جرائمهم وإبادتهم، وساووا بين المسلمين والكافرين، فأسلموا إخوانهم..
وكاشفة أن الشعوب حية، لم ولن تتناسى قضاياها الكبرى..
وكاشفة أن الحديد لا يفلـُّه إلا الحديد، وأن فزاعة (الجيش الذي لا يقهر)، سقطت وأن جيش العقيدة والإيمان رغم ضعف النصير وقلة العدة والعتاد هو الذي لا يقهر..
وكاشفة أن أطفال الحجارة قد كبروا وصاروا اليوم رجال صواريخ.. كسروا القاعدة، وأحدثوا تغيرات استراتيجية في المنطقة بأسرها والقضية الفلسطينية برمتها.

نبيل غزال

المصدر: موقع أخبارنا