اغتنم عرفة وأنت في بلدك

ولمّا كان يوم عرفة، يوم عظيم، وليس لكل أحدٍ أن يقف على ذلك الصعيد المبارك، جعل الله لأهل الأمصار، ومن جلسوا في بلدانهم فرصًا كثيرة لاغتنام هذا اليوم العظيم.

  • التصنيفات: العشر من ذي الحجة -

من رحمة الله عز وجل، وسعة جوده وهو الجواد الكريم أن وسع لعباده طرق كسب الأجر، وتحصيل الثواب، فجعل فرص تحصيله متاحة لجميع عباده.

ولمّا كان يوم عرفة، يوم عظيم، وليس لكل أحدٍ أن يقف على ذلك الصعيد المبارك، جعل الله لأهل الأمصار، ومن جلسوا في بلدانهم فرصًا كثيرة لاغتنام هذا اليوم العظيم بأن شرع لهم عبادات وقربات يتقربون بها إلى ربهم، تُرفع بها درجاتهم، وتُحط بسببها خطيئاتهم، ليعلم العباد عظيم فضل ربهم، وسعة جوده وإحسانه.

فمما شرعه الله للعباد في هذا اليوم:

- عبادة الصيام، ففي حديث أبي قتادة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صوم يوم عرفة يكفر سنتين، ماضية ومستقبلة...» (صحيح الجامع).

تأمل معي هذا الفضل، ساعات قليلة يصومها المسلم تكون سببًا في تكفير ذنوب عامين. فأي فضل أعظم من هذا الفضل؟ وأي ثواب أجل من هذا الثواب؟ أي جود وأي كرم هذا؟ إنه عطاء الكريم سبحانه وتعالى.

وعليك بحفظ سمعك وبصرك ولسانك هذا اليوم حتى يكمل أجرك، ويعظم ثوابك.

ولكن اعلم يا رعاك الله أن التكفير بهذا الصوم إنما هو للصغائر، أما الكبائر فهي تفتقر للتوبة كما قرر هذا المحققون من أهل العلم.

ومما أحبه الكريم سبحانه في مثل هذا اليوم:
- الإكثار من ذكره سبحانه خصوصًا قول (لا إله إلا الله وحده لاشريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير).

فأكثر منه في يومك هذا، وقله (مئة مرة في صباحه) فقد جاء في فضلها بأحاديث صحاح: أن الله يبعث على قائلها حرس يحرسونه من الشيطان الرجيم، وكان في حرز من كل مكروه يومه ذلك كله، وكتب الله له مئة حسنة، ومحا عنه مئة سيئة، وكانت له كعدل عشر رقاب مؤمنات. ولا تنسى زيادة فضلها في مثل هذا اليوم.

أخي الحبيب، أختي الكريمة:
الناصح لنفسه في مثل هذا اليوم يغتنم كل لحظة من لحظاته، من طلوع فجره إلى مغيب شمسه. إنه يوم مقداره ساعات يوشك أن ينتهي فعلى أي حال ستكون فيه؟

صلي فجره واجلس في مصلاك رجلًا كنت أو امرأة، اذكر ربك واتل كتابه، سبّحه وهلّله. إجعل الطاعات تستغرق نهارك كله.

وليكن للصدقة في هذا اليوم نصيب.
طهر قلبك، وراقب جنانك.

يوم عرفة أكثر يوم يُعتق الله فيه عبدًا من النار، في صحيح مسلم رحمه الله من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسوالله صلى الله عليه وسلم: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار، من يوم عرفة..».

قال ابن عبد البر رحمه الله: "والعتق عام لأهل الموقف وأهل الأمصار".

وذلك أن أهل الموقف في موقفهم في طاعات، وأهل الأمصار في بلدانهم في طاعاتٍ أيضًا فالرحمة تشمل الجميع، والخير يحل عليهم كلهم. فاللهم لك الحمد على جميل فضلك، وعظيم إحسانك.

«خير الدعاء دعاء يوم عرفة» بذا صح الحديث عن رسولنا عليه الصلاة والسلام.
فإذا ما أقبلت آخر ساعاته فأوصيك لأني أحب الخير لك أن تخلو بربك، وتنفرد بنفسك، وتعتزل الناس، لا تضيع وقتك في الأسواق، ولا تضيعين وقتك يا أمة الله بإعداد الطعام، وتجهيز السفرة، فيمكن إعداد هذه الأشياء مبكرًا.

تفرغوا لمناجة المليك، والإنطراح بين يدي الكريم، سلوه حواجكم، وأظهروا فقركم، ارفعوا رغباتكم، فساعات الإجابة حلت، ولحظات العطاء وجبت.

فالإجابة في هذا اليوم العظيم قريبةٌ من السائلين، والعطاء يدنو من الطالبين.

اسأل ربك بصدق، وألح عليه في آخر ساعة من هذا اليوم أن تشملك رحمته، وأن تحل عليك بركته، وأن يجعلك في عِداد عباده المعتوقين.

ادعه وأنت موقنٌ في الإجابة، وقد أتيت بأسبابها، وتأدبت بآداب الدعاء (من حضور القلب، والثناء على الله، والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام) وأبشر بالخير، وأمِّل بربك جودًا وعطاءً.

جدد في هذه اللحظات التوبة، واعقد العزم على التخلص من الذنوب.

طهر قلبك من كل خلقٍ مذموم، سامح كل من أخطأ في حقك، واعف عن من ظلمك ليعفو الله عنك فإن الجزاء من جنس العمل.

يا موفق: إن مثل هذه الفضائل تستوجب على العبد أن يستحي من ربه فيما يستقبل من عمره بعد أن منّ الله عليه بهذا الفضل ونحوه.

بالله عليك لو أن رجلًا قصرت في حقه، وتعديت على حدوده، ثم جئته واعتذرت منه وقبل عذرك وسامحك، ألا يستوجب هذا العفو منه أن تستحي منه، ولا تتجرأ على حدوده مرة أخرى؟

فكيف ولله المثل الأعلى آلا نستحي من ربنا سبحانه وتعالى، ونتحرز من الذنوب والمعاصي التي يكرهها الله ولا يريدها من عباده.

ولِما لا نعزم من هذا الموسم على أن نطهر أنفسنا من هذه الأوساخ، وإن وقعنا فيها بادرنا في التوبة والتخلص منها؟

اللهم لا تحرمنا فضل هذا اليوم وبركته، اللهم اجعلنا فيه من عتقائك من النار ووالدينا والمسلمين أجمعين.

تقبل الله منا ومنكم وجمعنا في جناته ومستقر رحمته، آمين آمين آمين.

___________________________________________

كتبه: عادل بن عبدالعزيز المحلاوي