(23) خُلُق التواضُع

جمال الباشا

لكن عندما تقفُ عند تعريفِ الإمام ابنِ المبارك تجدُه يذهَبُ بك بعيدًا في الاتجاه المعاكس فيبدأ التعريفَ بقوله: "التواضعُ هو أن ترفعَ نفسَك....."! أمرٌ يثيرُ العجَبَ حقًا.. كيف يرفعُ العبدُ نفسَه ويكونُ متواضعًا؟! وأي نوعٍ من التواضع هذا؟! سوفَ أكملُ لك العبارةَ لتكتملَ عندك الصورةُ ويزولُ العجَب.

  • التصنيفات: تزكية النفس - أعمال القلوب -

عامَّةُ علماء السلوكِ عندما يتكلمون عن خُلُق التواضُع يُعرّفونه بتعريفاتٍ تكادُ تتَّفقُ على معنى "أن يضَعَ المرءُ نفسه..."، ثُمَّ تختلفُ عباراتُهم بعد ذلك لتفيدَ في النهاية معاني متقاربة.

لكن عندما تقفُ عند تعريفِ الإمام ابنِ المبارك تجدُه يذهَبُ بك بعيدًا في الاتجاه المعاكس فيبدأ التعريفَ بقوله: "التواضعُ هو أن ترفعَ نفسَك....."! أمرٌ يثيرُ العجَبَ حقًا.. كيف يرفعُ العبدُ نفسَه ويكونُ متواضعًا؟! وأي نوعٍ من التواضع هذا؟! سوفَ أكملُ لك العبارةَ لتكتملَ عندك الصورةُ ويزولُ العجَب.

قال: "التواضع: هو أن ترفعَ نفسَك عند من هو فوقَكَ في أمور الدنيا حتى تُشعرَه أنه ليس له عليك فضلٌ في دنياه. وأن تضعَ نفسَك عند من هو دونك في أمور الدنيا حتى تُشعرَه أنه ليس لك عليه فضلٌ في دنياك".

إنَّه يريدُ أن يُنبّه معاشرَ الصالحين إلى الفرقِ الخفيّ بين التواضع الحقيقيّ والتواضع الزائف، فالتواضعُ الحقيقيُّ لمن دونك في الدنيا ضابطُه أن يكون قصدُك إشعارَه أن لا فضل لك عليه، وهو صعبٌ عل النفس.

وأما مع من هو فوقك في المنصب والجاه والمكانة وغير ذلك من أمور الدنيا فالأمر مختلف تمامًا، فليس التواضع له هو كسرُ النفس وذلتها لأن الأمر هنا ملتبس، فلعلك توافقُ هوى النفس في تملُّقِه ولين الجانب له طمَعًا فيما في يده، باسم التواضع وحسن الخلق، فيقعُ المرءُ في شراك حيل النفس من غير أن يشعُر.

وليس الجفاءُ والغلظةُ هي الخلقَ المطلوبَ هنا مع هذا الصنف، بل إظهارُ عِزَّة النفس واستغنائها عما في يده بالقدر الذي يشعُرُ معه أنه ليس أحسنَ منك حالاً في أمور دنياه، وهذا ضابطُ التفريق بين الكِبر والتعفُّف بإظهار الاستغناء عن الخلق.

إذًا لنتواضع مع الأكابر بالطريقةِ "المباركية". 

المصدر: صفحة الشيخ على الفيسبوك.