الإرهاب في أتون الحرب الإنتخابية
قيادات أمنية نافذة، وعسكرية، حولت ولاءها من الباجي قايد السبسي، إلى كمال مرجان، لأن الباجي ورغم أنه يؤكد انتماءه للعائلة الدستورية، إلا أنه لا ينتمي للساحل، أو بالأحرى للوبي الساحلي، الذي حكم تونس منذ {الإستقلال} فقد كان هناك 18 وزيرا من " المنستير" من بين 19 وزيرا في إحدى الحكومات في عهد بورقيبة. وظلت هذه العقلية سائدة في عهد بن علي.
تستعد الأحزاب السياسية، لتقديم قائماتها الإنتخابية، في أجواء من التنافس السياسي الشديد يزيده الوضع الأمني والإقتصادي قتامة. إذ أن الإتهامات المتبادلة بين الأطراف السياسية وهي من الخطورة بمكان لا تزال قائمة. فكل طرف يحمل الطرف الآخر المسؤولية عن الأوضاع السياسية والإقتصادية والأمنية ، ولا تعوزه الإستشهادات الكيدية. ويحتدم الصراع الإنتخابي بين الأحزاب السياسية ولا سيما تلك التي كانت ضمن التجمع الدستوري الديمقراطي، أو جذره التاريخي" الحزب الإشتراكي الدستوري" ويدعى المنتمون إليه بالدساترة، تحاشيا من البعض منهم للارتباط بالتجمع، في حين لا يرى بعضهم الآخر كرئيس الوزراء الأسبق حامد القروي،أي غضاضة في الافتخار بعمله مع بن علي.
التباين سيد الموقف: ساد اعتقاد لوقت قريب أن الدساترة بصدد جمع صفوفهم ودخولهم الانتخابات بقائمات موحدة، لكن هذا الاعتقاد كذبته مؤخرا القائمات غير النهائية للأحزاب المعروفة بانبثاقها عن التجمع، وريث الحزب الدستوري، ولا سيما داخل التجمعات الكبرى للتجمعيين أو الدساترة { لا مشاحة في الإصطلاح } وهي حزب نداء تونس، وحزب المبادرة، والحركة الدستورية.
أسباب عدم الإتفاق معروفة للقاصي والداني، وهي الزعامة، فكل من الباجي قايد السبسي، وحامد القروي، وكمال مرجان، يعتقد كل طرف منهم أنه الأجدر بزعامة الدساترة ، ويدعو بقية الأطراف إلى الإلتحاق به.. هذه العقلية منعت اتحاد التجمعيين، أو الدساترة، وعمقت الخلافات التي جعلت بعضهم يشكك في انتماء الآخر للعائلة{ الدستورية } مذكرين بالخصوص غضب بورقيبة من الباجي قايد السبسي، بعد تأييده لأحمد المستيري في الخلاف التاريخي الذي طرأ على الحزب الاشتراكي الدستوري، في سبعينات القرن الماضي عندما أعلن عن رئاسة بورقيبة مدى الحياة. أما حامد القروي، فإن ابنه من قيادات حركة النهضة، وكان قد تبرأ منه أمام بن علي " سيد الرئيس مش ولدي ".
أما كما مرجان ورغم أنه زود بن علي بجواز سفر دبلوماسي بعد خروجه من تونس، إلا أنه لا يتمتع بتاريخ دستوري مع بورقيبة، وهذا ما يلمزه به الآخرون . لكنه نجح في ما فشلوا فيه أو تجميع عدد من الأحزاب تحت مظلة حزب المبادرة الذي يرأسه ، ومن هذه الأحزاب، حزب حركة التونسي، وحزب الخيار الثالث، وحزب تونس الغد، وحزب الحرية من أجل العدالة والتنمية، وهي أحزاب صغيرة يطلق عليها في تونس ، أحزاب مجهرية.
نجاح المبادرة جعل البعض ينظر إليها كمنقذ، لكن الأطراف المنافسة تحاول التقليل من قدرتها على التجميع، من خلال الحديث عن رغبتها في التحالف مع المبادرة، وحرص الأخيرة على دخول الانتخابات بمفردها، في طعن واضح يفيد بعكس الانطباع الظاهري حيال ما أنجزه حزب المبادرة،من تحالفات مع الأحزاب الدستورية الصغيرة، ويهدف للنيل منه .
وهناك وسائل إعلام مقربة جدا من الثالوث التجمعي الدستوري تحاول التغطية على الخلافات العميقة بذكر تصريحات على أساس لها من الصحة حول رغبة الجميع في التحالف وتنسب لقيادات حزبية ما لم تتفوه به في حرص يؤكد عن وجود تفكير بالتمني لإظهار ما يخالف الحقيقة، في حين تكذب ذلك الوقائع في كل اتجاه .
قيادات أمنية نافذة، وعسكرية، حولت ولاءها من الباجي قايد السبسي، إلى كمال مرجان، لأن الباجي ورغم أنه يؤكد انتماءه للعائلة الدستورية، إلا أنه لا ينتمي للساحل، أو بالأحرى للوبي الساحلي، الذي حكم تونس منذ {الإستقلال} فقد كان هناك 18 وزيرا من " المنستير" من بين 19 وزيرا في إحدى الحكومات في عهد بورقيبة. وظلت هذه العقلية سائدة في عهد بن علي.
لقد كان الهاشمي الحامدي صاحب قناة المستقلة، وزعيم " تيار المحبة " { العريضة الشعبية / سابقا } فرس رهان، التجمعيين، في انتخابات 23 أكتوبر 2011 بعد الثورة، لكن النتائج التي حققها ورغم وصفها بالمفاجأة، لم تحقق رغبة من وقفوا وراءه من أمنيين ودساترة.
كما لم يحقق، الحزب الاشتراكي الديمقراطي، أهداف من راهنوا عليه في تلك الإنتخابات سواء في الداخل والخارج، رغم التمويل الضخم الذي حصل عليه.
وقد راهن التجمعيون على الباجي قايد السبسي فيما بعد الانتخابات وإلى وقت قريب، لكن التجمعيين وبعد تخطي قانون العزل السياسي، ونجاتهم من الاستثناء عملوا على تولي أمرهم بأنفسهم دون وكلاء ، وهذا ما يشكف حجم الانقسام داخل الساحة التجمعية الدستورية بعد تجاوز قانون العزل السياسي، وعودة الدساترة للحديث عن أنفسهم بدون أن يدخلوا جبة أحد أو يتواروا خلف لافتات أخرى. ولم يسلموا من الاصطفاف وراء الزعامات المختلفة فضلا عن عقد تحالفات تكتيكية أو استراتيجية مع أطراف أخرى.
وذلك يعود لتركيبتهم وتاريخهم الذي لم يعرف الشراكات، بل لم يعرف آليات للحسم في المسائل المختلف حولها ، سوى العودة لرأس الحزب، ليقرروا نيابة عن الجميع . وهذا سر التآكل داخل الأحزاب التجمعية ولا سيما نداء تونس الذي تربى زعيمه في كنف سيد واحد مطاع هو رأس السطلة . وما ينطبق على النداء ينطبق على بقية إفرازات حل حزب التجمع، بل يتعداه للكثير من الأحزاب الأخرى من مختلف الطيف السياسي.
لعبة الإرهاب: يمثل الإرهاب رافعة رئيسية للكثير من الأطراف الساعية لتأجيل الإنتخابات، أو تلك التي تريد تحقيق أهدافها من خلال الاستثمار فيه. ورغم أن مجابهة الإرهاب تحتاج لوحدة وطنية، جعله البعض مطية لتحقيق المزيد من التمزق، والدفع بحالة الاحتقان إلى أقصاها. الأمر الذي يطرح السؤال المفصلي، ما علاقة هذه الأطراف التي تسلط مراوحها على شرارات الإرهاب بالارهاب .
بل إن أطرافا تتحدث عن عمليات إرهابية في الأفق ثم تقع تلك العمليات بالفعل . وهناك أطراف تصلها معلومات دقيقة عن عمليات إرهابية ثم تغض عنها الطرف، للتخلص من جهات أخرى تريد إزاحتها من السلطة، أو مواقع القيادة ، وقد نجحت في ذلك في أكثر من مناسبة ، كإستقالة الجنرال الحامدي من رئاسة هيئة أركان جيوش البر.
الغريب أن اعتقالات عشوائية تقع لمواطنين على خلفية الانتماء الإرهابي، ويتم عرضهم على شاشات التلفزيون كإرهابيين ، ثم يطلق سراحهم كأبرياء.
اغلاق محطات إذاعية، على أساس دعمها للارهاب، ثم يتبين أن تلك الاجراءات لم تبن على معلومات بقدر ما هي شكوك تفتقد للأدلة الدامغة .
مداهمة منازل مواطنين على خلفية الإرهاب، ثم يتم التأكد من براءتهم من التهم المنسوبة إليهم . مع وجود معتقلين لم يقدموا للمحاكمات.
منع مواطنين من الاحتجاج أمام المجلس الوطني التأسيسي، دون معرفة الجهة التي أعطت تلك الأوامر ، وعندما يتم اللجوء للسلط المعنية تنفي إعطاءها أي أوامر بالمنع أو تغيير المكان المخصص للاحتجاجات.
بعض وسائل الإعلام، أصبحت متخصصة في ما يمكن تسميته ب" الخيال الإرهابي" ونسج القصص التي تتحدث عن الفساد الاخلاقي للمتهمين بالارهاب بما في ذلك شرب الخمر، وتعاطي المخدرات، ومعاشرة النساء، وقصص عن إمرأة في الستينات تقدم خدمات جنسية للارهابيين، وما شابه ذلك .
لكن ذلك لا يعد شيئا أمام الاتهامات المتبادلة بين الأحزاب السياسية، في الشارع وفي المقاهي وفي أماكن التجمعات بأنها من تقف وراء الإرهاب. وهو ما يزيد الطين بلة والأوضاع تأزما . فهناك شكوك بأن من في الحكم يريد البقاء فيه ، وهناك شكوك أخرى بأن المعارضة لا تريد الانتخابات لأنها ستخسرها لذلك تقف وراء الجرائم الإرهابية في البلاد . وهكذا يبرر الإرهاب في البلاد ، وهو ما يعني أن الإرهاب في ظل هذه التجاذبات سيعمر طويلا في تونس، وهو يغني" زعم التوانسة أنهم سيقضون على الإرهاب ، أبشر بطول سلامة يا إرهاب ".
عبد الباقي خليفة
- التصنيف:
- المصدر: