الحلقة (4)

  • التصنيفات: تزكية النفس - الدعوة إلى الله -

52- {فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ} [الكهف من الآية:16]:

أ- إحسان الظن بالله لجزمهم بأن الله ينشر لهم من رحمته.

ب- العِبرة بانتشار الرحمة لا بسِعة المسكن؛ فقد ينشر الله الرحمة في كهف.

ج- فيها سِعة الرحمة لأن {مِنْ} تبعيضية؛ أي: بعضًا من رحمته الواسعة.

53- {يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان من الآية:30]؛ من صور الهجر المُعاصِرة للقرآن الكريم:

(هجر قراءته، وهجر تدبّره، وهجر حفظه، وهجر الاستشفاء به، وهجر البكاء والتباكي في خلوته، وهجر التحاكم إليه، وهجر الاستشهاد به: فيستشهد بما عداه، وهجر الدعوة إليه: فيدعو لنفسه أو حزبه أو مذهبه، وهجر الاستدلال به، وهجر تعليمه وتحفيظه، وهجر تفسيره وشرحه).

54- {وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ} [الأعراف من الآية:89]؛ (الفتاح) من أسماء الله، وله صور:

أن يفتح الله على قلب عبده بالعلم، ويفتح لعبده ما أُغلِق على غيره، ويفتح له باب رزق، ويفتح له باب تدبّر القرآن، ويفتح قلبه بالصبر في الأقدار، ويفتح عليه بالحكمة في القول والفعل والرأي، ويفتح عليه كشف الشبهات، ويفتح له باب الصواب، ويجعله مِفتاحًا للخير، ويفتح له الفراسة، ويفتح له باب الصالحات، ويفتح على عبده خير الخيرين، ويفتح عليه ما حاصره من همٍ وغمٍ، ويفتح لعبده بين مسالك الظلم، ويفتح عليه بأعمال القلوب.

55- {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا} [الكهف:9]؛ أوجه العجب في قصة أصحاب الكهف:

1- إنامتهم السنين الطويلة.

2- تقليبهم يمينًا وشمالًا.

3- اتساع الرحمة في كهفٍ ضيق.

4- حفظ كلبهم من غير تقليب.

5- إزورار الشمس عنهم.

6- تقرضهم عند الغروب بأشعتها.

7- إلقاء الرعب على من اطَّلع عليهم.

8- الربط على قلوبهم بالإيمان مع أنهم فتية.

9- فجوة داخل الكهف.

10- يحسَبهم الرائي أيقاظًا.

11- لو اطَّلع عليهم ولّى هارِبًا فلا يُخبِر.

12- بعثْهم بعد نومهم.

13- انتشار خبرهم بين الأمم.

14- إسلام المدينة بعدهم على قول.

15- تسخير الشمس لحفظهم.

16- تسخير الكلب لحراستهم.

17- تهيئة الكهف لإيوائهم.

18- تعمية مكانهم على الناس.

19- هدايتهم للكهف المناسب للنومة الطويلة.

ومع كل ما سبق يقول القدير سبحانه: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا}[1]؛ يعني: أن هناك ما هو أعجب منها بكثير، تبارك الله القدير على كل شيء، وهو على كل شيءٍ وكيل.

56- {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ} [النور من الآية:23]؛ مدح الله المرأة بغفلتها، ومن صور الغفلة المحمودة:

1- تغفل عن فضول الكلام.

2- تغفل عن كل ما لا يعنيها.

3- تغفل عن إطلاق النظر.

4- تغفل عن تتبُّع الغيبة وأخبارها.

5- تغفل عن تتبُّع ما سُتِرَ عنها.

6- تغفل عن المكر والكيد والخُبث.

7- تغفل عن النفاق وأهله وطُرقه.

8- تغفل عن المنكرات ومواطنها.

9- تغفل عن الملاهي وتنوُّعها.

10- تغفل عن الحسد وصوره.

11- تغفل عن الانشغال بالناس وشؤونهم.

12- تغفل عن غير بيتها وأُسرتِها.

13- تغفل عن تتبُّع التُّهم ورَدِّها ونقاشها.

14- تغفل عن الجدال العقيم.

ولهذا وصف الله المحصنات بأنهن: {الْغَافِلَاتِ} ومن فسَّرها من السلف بأنها: "غافلة عن الفواحش" لأنها أرفع أنواع الغفلة.

57- {إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ} [الكهف من الآية:20]؛ فيها آثار ظهور أهل الكفر على الإسلام: (إما: القتل، أو الردة)، وهذا في جميع الأزمان فسبحان من جعل السنة واحدة ماضية.

58- {يَرْجُمُوكُمْ ذكر فتية الكهف الرجم دون غيره:

أ- لأنه أبشع أنواع القتل.

ب- يجتمع فيه الأذى والتعذيب والقتل.

ج- الرجم يُشارِك فيه عدد كثير.

59- {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ} [العنكبوت من الآية:45]؛ بعد ذكره قصة أصحاب الكهف وتكذيب من كذّب أمر الله نبيه بمعالجة المكذبين فقال: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ} أي: استمِر ولو كذّبوا واتهموا {لَا مُبَدِّلَ} لأجلهم.

60- {أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ} [الكهف من الآية:26]؛ تعجبٌ لتعظيم عِلمه، أي: ما أبصره لكل موجود، وما أسمعه لكل مسموع، وقدَّم البصر لمناسبة حال أهل الكهف إذ هو يبصرهم ويراهم.

61- {وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا} [الكهف من الآية:27]؛ أي: ملجأ وملاذًا ومدخلًا ومفرًا ومهربًا ومآلًا وحاميًا (وكلها أقوال السلف وهي متلازمة متعاضدة)، والملاحظ أن لفظة {مُلْتَحَدًا} يدل لفظها على تكلُّفٍ يُناسِبُ حال من يريد أن يجد له ملجأً من دون الله فسيكون بتكلُّفٍ ومشقة في حاله وطلبه وجهده.

62- {مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ} [الكهف من الآية:26]؛ يا فوز فتية أهل الكهف بتحقيق التوكل: {مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ} فقلوبهم ليس فيها أحدٌ إلا الله، ويا فوزهم باطِّلاعه على قلوبهم.

63- {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر من الآية:53]؛ إن من الذنوب:

- ما يُورِث صاحبه هيبة لله ومخافة ولا ينساه أبدًا حتى بعد موته وحين يُبعث، يقول موسى عليه السلام في موقف الحشر: «...إني قد قتلتُ نفسًا لم أُومرَ بقتلِها...» (رواه البخاري؛ جزءٌ من حديث الشفاعة).

- ومن الذنوب: ما ينقلِب طاعة في بعض المواطن، فمشية الفخر والكِبر يمقتها الله إلا في الجهاد؛ «إنها لمشية يبغضها الله إلا في هذا الموطن» (أخرجه ابن إسحاق في السِّيرة).

- ومن الذنوب: ما يحتقره صاحبه فيخسف الله به؛ «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي قَدْ أَعْجَبَتْهُ جُمَّتُهُ وَبُرْدَاهُ إِذْ خُسِفَ بِهِ الأَرْضُ»[2] أورثه لِباسه كِبرًا تمكّن من قلبه فأمرضه فغضِب عليه ربه.

- ومن الذنوب: ما يتعاظمه الناس ويكبرونه فيغفره الله لصاحبه (امرأةٌ بغيّ سقت كلبًا بخُفِّها فغفر الله لها).

- ومن الذنوب: ما تستحي منه الملائكة وهي تكتبه.

- ومن الذنوب: ما تغضب منه الحيوانات لأنه يمنعها القَطر.

- ومن الذنوب: ما تكاد السماء تخِرُّ منه وتنشق الأرض {أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا} [مريم:91].

64- {أَزْكَى طَعَامًا} [الكهف من الآية:19]؛ قيل: "المذبوح لغير الأوثان"، وقيل: "غير المغصوب"، وقيل: "الأفضل نوعًا والأطيب طعمًا"، وهي أقوال تُصوِّر لنا حال الأطعمة في المجتمع المُشرِك فهي ما بين مذبوح لنُصُب، أو مغصوب ظلمًا، أو رديء النوع قبيح الطعم.. فرحم الله فتية الكهف ما أفقههم وأورعهم حين قالوا: {أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا}.

65- {وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا} [الكهف من الآية:22]؛ هذا في قصة من تاريخهم لم يضبط علماء أهل الكتاب عدد الفتية! فكيف إذا كانت القضية من ديننا وقِيمِنا والمُستفتى مفكروهم.

66- {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} [الكهف من الآية:28]؛ الآية من مفاخر الفقراء حيث يؤمر النبي عليه السلام بأن يُصبِّر نفسه معهم، فهم صُحبةٌ أطهارٌ أبرارٌ أصفياءٌ أنقياءٌ لا كِبر عندهم ولا حسد.

67- {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّصفات الأخيار الذين أمر النبي بالصبر معهم تتلخص بصفتين:

1- كثرة العبادة {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ}.
2- الإخلاص {يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}.

68- {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ}: يُبيِّن أن العِبرة الحقيقية في استمرار العبادة واتصالها ليلًا ونهارًا.

------------------------------------

[1]- [الكهف:9]

[2]- (متفق عليه؛ واللفظ للبخاري).
 

عقيل بن سالم الشمري