رفع الصوت بالذكر بعد الفراغ من الصلاة

إحسان بن محمد العتيبي

وقد قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِ}[البقرة: 186]، وهذا القرب من الداعي هو قرب خاص ليس قرباً عامّاً مِن كلِّ أحدٍ, فهو قريبٌ من داعيه وقريبٌ من عابديه، وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد

  • التصنيفات: الذكر والدعاء -


بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

استدل من قال برفع الصوت بعد الصلاة بحديث ابن عباس، فما هو وما معناه؟؟

1-أما الحديث فهو:
عن ابن جريج قال: أخبرني عمرو أن أبا معبد مولى ابن عباس أخبره أن ابن عباس رضي الله عنهما أخبره أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقال ابن عباس: "كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته". (رواه البخاري [805] ومسلم [583]).

وفي رواية:
عن ابن عباس قال: "كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتكبير". (رواه البخاري [806] ومسلم [583]).

2- أخذ بعض الأئمة بظاهر الحديث، فقالوا: "يستحب رفع الصوت بالذكر بعد الصلاة"، ومنهم ابن حزم، فقال: "ورفع الصوت بالتكبير إثر كل صلاة حسن". (المحلى: [4/260]).

ومنهم الطبري فقال:
"فيه الإبانه عن صحة ما كان يفعله الأمراء من التكبير عقب الصلاة". (بواسطة: (فتح الباري)،[2/325]).

3- وخالف جمهور أهل العلم في هذا، وقول الجمهور هو الصواب، وقد ردوا على أولئك الأئمة الذين قالوا بجواز أو استحباب الجهر بالذكر.

قال ابن حجر في تعقب الطبري:
وتعقبه ابن بطال بأنه لم يقف على ذلك عن أحد من السلف إلا ما حكاه ابن حبيب في (الواضحة)، أنهم كانوا يستحبون التكبير في العساكر عقب الصبح، والعشاء تكبيراً عالياً ثلاثاً قال: "وهو قديم من شأن الناس".

قال ابن بطال:

وفي (العتبية)، عن مالك: أن ذلك محدث. (فتح الباري: [2/325]).
قلت: وفي موضع آخر نقل الأئمة عن الطبري كراهة رفع الصوت في الذكر والدعاء.

فعند حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنا إذا أشرفنا على واد هللنا وكبرنا ارتفعت أصواتنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم «يا أيها الناس اربَعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً إنه معكم إنه سميع قريب تبارك اسمه وتعالى جده»". (رواه البخاري [2830] ومسلم [2704]).

قال الحافظ ابن حجر:
قال الطبري: "فيه كراهية رفع الصوت بالدعاء والذكر" وبه قال عامة السلف من الصحابة والتابعين انتهى. (فتح الباري: [6/135]).

4- وأما الاستحباب فلا يثبت، لأن فعله صلى الله عليه وسلم لم يكن دائماً، بل ثبت أنه لم يكن يجلس صلى الله عليه وسلم إلا قليلاً كما سيأتي.
وعليه: فالظاهر أن هذا كان من أجل التعليم، وهو قول الشافعي رحمه الله، ووافقه عليه كثير من الأئمة.

قال الشافعي:
وأختار للإمام والمأموم أن يذكر الله بعد الانصراف من الصلاة، ويخفيان الذكر إلا أن يكون إماماً يجب أن يُتعلم منه فيجهر حتى يرى أنه قد تُعلم منه، ثم يسر فإن الله عز وجل يقول: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء من الأية:110]، يعنى والله تعالى أعلم: الدعاء، {وَلَا تَجْهَرْ} ترفع، {وَلَا تُخَافِتْ}، حتى لا تُسمع نفسك.

وأحسب ما روى ابن الزبير من تهليل النبي صلى الله عليه وسلم، وما روى ابن عباس من تكبيره كما رويناه.

قال الشافعي:
"وأحسبه إنما جهر قليلاً ليتعلم الناس منه وذلك لأن عامة الروايات التي كتبناها مع هذا وغيرها ليس يذكر فيها بعد التسليم تهليل، ولا تكبير".

وقد يذكر أنه ذكر بعد الصلاة بما وصفت ويذكر انصرافه بلا ذكر.
وذكرت أم سلمة مكثه ولم تذكر جهراً، وأحسبه لم يمكث إلا ليذكر ذكراً غير جهر.
فإن قال قائل: ومثل ماذا؟
قلت: مثل أنه صلى على المنبر، يكون قيامه وركوعه عليه وتقهقر حتى يسجد على الأرض وأكثر عمره لم يصلِّ عليه، ولكنه فيما أرى أحبَّ أن يُعلم مَن لم يكن يراه ممن بَعُد عنه كيف القيام والركوع والرفع يعلمهم أن في ذلك كله سعة.
وأستحب أن يذكر الإمامُ اللهَ شيئاً في مجلسه قدر ما يتقدم مَن انصرف مِن النساء قليلاً كما قالت أم سلمة، ثم يقوم.
وإن قام قبل ذلك أو جلس أطول من ذلك فلا شيء عليه. (الأم: [1/127]).

5- وقد أيد الأئمة قول الشافعي، ومنهم الحافظين (النووي)، و(ابن حجر)، و(الشاطبي)، وغيرهم.
انظر (الفتح)، المواضع السابقة (شرح مسلم) [5/84]).


قال الشاطبي:
إن الدعاء بهيئة الاجتماع دائماً لم يكن مِن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما لم يكن قوله ولا إقراره.

وروى البخاري من حديث أم سلمة أنه صلى الله عليه وسلم كان يمكث إذا سلَّم يسيراً.

قال ابن شهاب: "حتى ينصرف النساء فيما نرى".

وفي مسلم: عن عائشة رضي الله عنها: "كان إذا سلَّم لم يقعد إلا بمقدار ما يقول: "اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام". (الاعتصام: [1/351]).
 
6- قال الشيخ جمال الدين القاسمي:
في بعض المساجد إذا سلَّم الإمام مِن فريضة العصر: يزعق المؤذن بالتأمين ودعاءٍ, بعده وفي بعضها متى سلَّم الإمام منها: أخذ المقتدون في الجهر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة الكمالية، وفي ذلك مخالفة، إذ السنُّة الاشتغال عقب الفريضة بالأوراد المأثورة بعدها سرّاً، كل مصلٍّ, لنفسه.

وكذلك مِن أدب الدعاء خفض الصوت فيه، قال تعالى {{‏‏ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً}[الأعراف من الأية:55]، وهؤلاء أعرضوا عن التضرع والخفية بالعياط والزعقات... (إصلاح المساجد: ص [154]).

قلت: والصلاة الكمالية صلاة مبتدعة، وفيها ألفاظ غير شرعية، مثل "عدد كمال الله".


7- وقال الشيخ علي محفوظ:
من البدع المكروهة ختم الصلاة على الهيئة المعروفة مِن رفع الصوت به، وفي المسجد، والاجتماع له، والمواظبة له، حتى اعتقد العامة أنه مِن تمام الصلاة، وأنه سنُّة لا بدَّ منها، مع أنه مستحب انفراداً سرّاً.
فهذه الهيئة محدثة، لم تُعهد عن رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، ولا عن الصحابة، وقد اتخذها الناس شعاراً للصلوات المفروضة عقب الجماعة ….
وكيف يجوز رفع الصوت به والله تعالى يقول في كتابه الحكيم {‏‏ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف الأية:55]، فالإسرار أقرب إلى الإخلاص وأبعد عن الرياء …(الإبداع في مضار الابتداع ص [283]).

 
8- ومما يستدل به على رد القول بالجهر بالذكر في الصلاة: أن الشرع نهانا عن أن يجهر بعضنا على بعض لئلا يحصل تشويش على المصلي أو القارىء، ولا يخلو مسجد الآن ممن يتأخر عن الصلاة، وفي الجهر بالذكر: تشويش عليهم.

عن أبي حازم التمار عن البياضي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على الناس وهم يصلون وقد علت أصواتهم بالقراءة فقال إن المصلي يناجي ربه فلينظر بما يناجيه به ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن.
(رواه أحمد [18543]، ومالك [178]، وأحمد [5326]، من حديث ابن عمر).

9- وليس في كلام ابن عباس أنهم كلهم كانوا يذكرون الله بصوت واحد، وليس فيه أنه كان يقودهم إمامهم، وهو ما يقوله أهل البدع استدلالاً من أثر ابن عباس، وليس في استطاعتهم إثبات ذلك من الأثر.

10- وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله فوائد عظيمة في إخفاء الذكر، أحببنا أن نختم به جواب السؤال هذا.

قال شيخ الإسلام رحمه الله:
والسنَّةُ في الدعاء كله المخافتة، إلا أن يكون هناك سببٌ يشرع له الجهر قال تعالى: {ادعُوا رَبَّكُم تَضَرٌّعًا وَخُفيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبٌّ المُعتَدِينَ}[الأعراف: 55]، وقال تعالى عن زكريا: {إِذ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا}[مريم: 3].

بل السنَّةُ في الذكر كله ذلك كما قال تعالى: {وَاذكُر رَبَّكَ فِي نَفسِكَ تَضَرٌّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الجَهرِ مِن القَولِ بِالغُدُوِّ وَالآصَالِ}[الأعراف: 205]، وفي الصحيحين أنَّ أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا معه في سفرٍ, فجعلوا يرفعون أصواتهم فقال النَّبيٌّ صلى الله عليه وسلم: «أيٌّها النَّاسُ أربعوا على أنفسكم فإنَّكم لا تدعون أصمَّ ولا غائباً وإنما تدعون سميعاً قريباً إنَّ الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته»(22/468-469).

فوائد إخفاء الدعاء:
قال رحمه الله: إذا عرف هذا: فقوله تعالى: {ادعُوا رَبَّكُم تَضَرٌّعًا وَخُفيَةً} يتناول نوعي الدعاء: لكنَّه ظاهرٌ في دعاء المسألة متضمِّنٌ دعاء العبادة ولهذا أمر بإخفائه وإسراره. قال الحسن: "بين دعوة السر ودعوة العلانية سبعون ضعفاً ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء وما يُسمع لهم صوت أي: ما كانت إلا همساً بينهم وبين ربهم عز وجل وذلك أنَّ الله عز وجل يقول: {ادعُوا رَبَّكُم تَضَرٌّعًا وَخُفيَةً}، وأنه ذكر عبداً صالحاً ورضي بفعله فقال: {إِذ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا}.

وفي إخفاء الدعاء فوائد عديدة:

أحدها: أنَّه أعظم إيماناً لأنَّ صاحبَه يعلم أنَّ الله يسمع الدعاء الخفي.

وثانيها: أنَّه أعظم في الأدب والتعظيم لأنَّ الملوك لا تُرفع الأصوات عندهم ومن رفع صوته لديهم مقتوه ولله المثل الأعلى فإذا كان يسمع الدعاء الخفي فلا يليق بالأدب بين يديه إلا خفض الصوت به.

وثالثها: أنَّه أبلغ في التضرع والخشوع الذي هو روح الدعاء ولبٌّه ومقصوده فإنَّ الخاشعَ الذليلَ إنما يسال مسألةَ مسكينٍ, ذليلٍ,، قد انكسر قلبُه وذلَّت جوارحُه وخشع صوتُه حتى إنَّه ليكاد تبلغ ذلته وسكينته وضراعته إلى أن ينكسر لسانُه فلا يطاوعه بالنطق وقلبه يسأل طالباً مبتهلاً، ولسانه لشدة ذلته ساكتاً وهذه الحال لا تأتي مع رفع الصوت بالدعاء أصلاً.

ورابعها: أنَّه أبلغ في الإخلاص.

وخامسها: أنَّه أبلغ في جمعية القلب على الذلة في الدعاء فإنَّ رفعَ الصوت يفرقه فكلَّما خفض صوته كان أبلغَ في تجريد همَّته وقصده للمدعو سبحانه.

وسادسها وهو من النكت البديعة جداً: أنَّه دالُّ على قربِ صاحبه للقريب لا مسألة نداء البعيد للبعيد ولهذا أثنى الله على عبده زكريا بقوله عز وجل: {إِذ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا}. فلمَّا استحضر القلبُ قربَ الله عز وجل، وأنَّه أقرب إليه من كلِّ قريبٍ, أخفى دعاءه ما أمكنه.

وقد أشار النَّبيٌّ صلى الله عليه وسلم إلى المعنى بقوله في الحديث الصحيح: لما رفع الصحابة أصواتهم بالتكبير وهم معه في السفر فقال: «أربِعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً إنكم تدعون سميعاً قريباً أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته».

وقد قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِ} [البقرة:186]، وهذا القرب من الداعي هو قرب خاص ليس قرباً عامّاً مِن كلِّ أحدٍ, فهو قريبٌ من داعيه وقريبٌ من عابديه، وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد.

وقوله تعالى: {ادعُوا رَبَّكُم تَضَرٌّعًا وَخُفيَةً}، فيه الإرشاد والإعلام بهذا القرب.

وسابعها: أنَّه أدعى \إلى دوامِ الطلب والسؤال فإنَّ اللسان لا يمل والجوارح لا تتعب بخلاف ما إذا رفع صوته فإنَّه قد يمل اللسان وتضعف قواه وهذا نظير من يقرأ ويكرر فإذا رفع صوته فإنه لا يطول له بخلاف من خفض صوته.

وثامنها: أنَّ إخفاءَ الدعاء أبعد له من القواطع والمشوشات فإنَّ الداعي إذا أخفى دعاءَه لم يدرِ به أحدٌ فلا يحصل على هذا تشويشٌ ولا غيرُه وإذا جهر به فرطت له الأرواح البشرية ولا بد ومانَعَته وعارضته ولو لم يكن إلا أن تعلقها به يفرغ عليه همته فيضعف أثر الدعاء ومن له تجربةٌ يعرف هذا فإذا أسرَّ الدعاء أَمِن هذه المفسدة.

وتاسعها: أنَّ أعظم النعمة الإقبال والتعبد ولكلِّ نعمةٍ, حاسدٌ على قدرها دقَّت أو جلَّت ولا نعمةٌ أعظم من هذه النعمة فإنَّ أنفُسَ الحاسدين متعلقةٌ بها وليس للمحسود أسلم من إخفاء نعمته عن الحاسد. وقد قال يعقوب ليوسف عليهما السلام: {لَا تَقصُص رُؤيَاكَ عَلَى إِخوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيدًا}[يوسف: 5].

وكم من صاحبِ قلبٍ, وجمعيَّةٍ, وحالٍ, مع الله تعالى قد تحدث بها وأخبر بها فسلبه إياها الأغيار ولهذا يوصي العارفون والشيوخ بحفظ السرِّ مع الله تعالى ولا يطلع عليه أحدٌ. والقوم أعمٌّ شيئاً كتماناً لأحوالهم مع الله عز وجل وما وهب الله من محبته والأُنس به وجمعية القلب ولا سيما فعله للمهتدي السالك فإذا تمكن أحدهم وقوي وثبت أصول تلك الشجرة الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء في قلبه بحيث لا يخشى عليه من العواصف فإنه إذا أبدى حاله مع الله تعالى ليقتدى به ويؤتم به لم يبال وهذا بابٌ عظيمُ النَّفع إنما يعرفه أهله.

وإذا كان الدعاء المأمور بإخفائه يتضمن دعاء الطلب، والثناء، والمحبة والإقبال، على الله تعالى فهو من عظيمِ الكنوز التي هي أحقٌّ بالإخفاء عن أعين الحاسدين وهذه فائدةٌ شريفةٌ نافعةٌ.

وعاشرها: أنَّ الدعاء هو ذكرٌ للمدعو سبحانه وتعالى متضمن للطلب والثناء عليه بأوصافه وأسمائه فهو ذكرٌ وزيادةٌ كما أنَّ الذكرَ سُمِّيَ دعاءً لتضمنه للطلب كما قال النَّبيٌّ صلى الله عليه وسلم: «أفضل الدعاء الحمد لله»، فسمَّى الحمدَ لله دعاءً وهو ثناءٌ محضٌ، لأنَّ الحمدَ متضمِّنٌ الحبَّ والثناء. والحبٌّ أعلى أنواع الطلب فالحامد طالبٌ للمحبوب فهو أحقٌّ أن يسمَّى داعياً من السائل الطالب، فنفس الحمد والثناء متضمِّن لأعظم الطلب فهو دعاءٌ حقيقةً بل أحقٌّ أن يسمَّى دعاءً من غيره من أنواع الطلب الذي هو دونه.

والمقصود أنَّ كلَّ واحدٍ, من الدعاء والذكر يتضمن الآخر ويدخل فيه وقد قال تعالى: {وَاذكُر رَبَّكَ فِي نَفسِكَ تَضَرٌّعًا وَخِيفَةً} فأمر تعالى نبيَّه صلى الله عليه وسلم أن يذكره في نفسه.

قال مجاهد وابن جريج: "أُمروا أن يذكروه في الصدور بالتضرع والاستكانة دون رفع الصوت والصياح وتأمَّل كيف قال في آية الذكر: {وَاذكُر رَبَّكَ } الآية. وفي آية الدعاء {ادعُوا رَبَّكُم تَضَرٌّعًا وَخُفيَةً}، فذكر التضرع فيهما معا وهو التذلل والتمسكن والإنكسار وهو روح الذكر والدعاء". (مجموع الفتاوى: [15/15-19]).

قلت: عن عائشة: "{وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} [الأسراء من الآية:110]، أنزلت في الدعاء". (رواه البخاري [5968]، ومسلم [447]).

والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

المصدر: مجموعة مواقع مداد