مُذبذبين!

غادة النادي

عكفوا عقودًا وقرونًا كاملةً يُؤَلِّفُون المجلدات في كل العلوم، من الفلسفة لعلم النفس والأحياء والتشريح والطب والاجتماع؛ لكي يهدموا تمامًا هذا التشريع الإلهي، ويبنوا مكانَه فهمًا بشريًا خاطئًا مغلوطًا مشوهًا؛ ليجعلَ المرأةَ تغزو صفوفَ وعوالم الرجال، ويتأخر الرجال ليلحقوا بصفوف النساء، بل أسوأ.

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -

{مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَٰلِكَ لَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ وَلَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا} [النساء:١٤٣].
هذا الوصفُ اختص الله به الكافرين والمنافقين، ولا أعلم وصفًا لهم في القرآن، جعلوه قضية حياتهم لكي يعمموه على المسلمين، بل على الجنس البشري كله مثل هذا الوصف.

أن يصبح (التذبذب والضلال) هو الحال والواقع، بل وربما المآل!
والأمثلةُ من واقعنا المعاصر كثيرةٌ جدًا، لكنني سأكتفي هنا بتناول هذا باختصار في المثال الآتي: (حقوق المرأة).
اختصارًا: كانت حركة من أجل ألا يبقى الرجلُ رجلاً، أو المرأةُ امرأةً، أن يبقى الرجل والمرأة في منطقة وسط، لا هم رجال ولا هم نساء، مذبذبين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.

أن تلتبس المفاهيمُ والأدوارُ وحقيقةُ الخلق، التي أرادها وارتضاها وشرعها ربُّ العالمين.
فعكفوا عقودًا وقرونًا كاملةً يُؤَلِّفُون المجلدات في كل العلوم، من الفلسفة لعلم النفس والأحياء والتشريح والطب والاجتماع؛ لكي يهدموا تمامًا هذا التشريع الإلهي، ويبنوا مكانَه فهمًا بشريًا خاطئًا مغلوطًا مشوهًا؛ ليجعلَ المرأةَ تغزو صفوفَ وعوالم الرجال، ويتأخر الرجال ليلحقوا بصفوف النساء، بل أسوأ.

فجاء للدنيا نموذجًا (مذبذبًا) مشوهًا مبتسرًا (ضالاً مضلاً)، يحمل من صفات الجنسين الحسية والمعنوية والإنسانية ما يجعلنا أمام حالة حقيقية من (الصراع) من أجل الكينونة والبقاء والهيمنة، لا من أجل (المودة والرحمة والتكامل، وتمام العبودية لله وإعمار الأرض) وإنشاء أجيال قوية وتربية أبناء صالحين أصحاء نفسيًا وبدنيًا وقلبيًا، بفهم ووعي حقيقي لخارطة الدور الإلهي المرسومة في تناغم وانسجام ورحمة ورقي من ربِّ العالمين.

أما نموذج الرجل والمرأة الذي يُدعو لكي يعتنق الحرية إلهًا من دون الله، فأنا (مخلوق حر).
حرٌّ في اختيار نوعي وهويتي وميولي الجنسية، ووظيفتي ودوري وواجباتي ومسئولياتي وحقوقي.
حرٌّ في اختيار: هل أنا ذكر، أم أنثى؟ هل أنا زوج له قوامة وكلمة، أو أنا زوج متواكل على امرأتي؟
هل أنا زوجة طائعة صالحة فاعلة أخدم بيتي ومجتمعي كما يحب ربنا ويرضى، أم أنا زوجةٌ ناشز تردُّ الكلمةَ بالكلمةِ والأمرَ بالأمرِ، وتضرب عرضَ الحائطِ بزوجِها واستقرارِ بيتِها وتربيةِ أبنائها؟ فلا احترامَ ولا طاعةَ ولا تقديرَ، ولا أسرة إيجابية سعيدة مستقرة.

نموذجٌ ضاربٌ -بجهل واستهتار وكبر- بالصورة التي خلقه الله عليها، وبالدور الذي وكله الله له عرض الحائط، وبعد كل هذه الثورة من أجل (الحرية) ينتهِي به الحالُ (مذبذبًا ضالاً)! لا يعرف هل هو رجل مكتمل الرجولة، وهل هي امرأة مكتملة الأنوثة أم لا!

فيستكمل حياتَه تعيسًا مشتتًا مكتئبًا، وعلاقته بالجنس الآخر في أسوأ حالاتِها، ومؤشراتُ العنفِ الأسريِّ والطلاقُ وضياعُ الأبناءِ والخيانةُ الزوجيةُ لهي أكبر دليل على كل هذا.

وربما ينتهي بهم الحال -كما شاهدت هنا بأمريكا، ولا يخلو من هذا عالمنا العربي، بل العالم كله أيضًا- في السجن، أو في مصحات العلاج والتأهيل النفسي، أو مدمنًا للمخدرات والكحول، أو في أحسن الأحوال إنسانًا فاشلاً محبطًا يائسًا تعيسًا عبئًا على كَلِّ بيته ومجتمعه وأمته.

وهذه نهاية وعقاب رباني حتمي لمن بدَّل وغيَّر وارتضى (التذبذب والضلال) عن الثبات والهداية، وطاعة الأمر الإلهي في القيام بالدور المنوط به من قِبَل رب العالمين الذي قال: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:١٤].

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام