قطاع التربية والتعليم حرز الأمة، وسر النهضة.

فالمتصفح للفكر التربوي المغربي، يجد مجموعة من المفكرين المغاربة الذين حاولوا أن يكتبوا التاريخ بأقلام من ذهب، أمثال المختار السوسي، عبد الله كنون، ومحمد بن العربي العلوي، ومحمد داود؛ الذي نود أن نستجمع بعض تجليات فكره الإصلاحي، والذي اعتبر الشعلة المضيئة آنذاك.

  • التصنيفات: التربية والأسرة المسلمة - تربية الأبناء في الإسلام -

ظهرت الدعوة إلى الإصلاح التربوي في سياق تاريخي اعتبر الكثير من المصلحين أن العلم هو السبيل الوحيد لمواجهة تحديات المرحلة التي يمثل المستعمر أبرز تجلياتها، مع خوض غمار باقي التحديات الحضارية الأخرى، وهو ما اتضح بشكل بارز في مجموعة من المشاريع الإصلاحية التي تمثل بعضها في تلك المقالات والنصوص التي أصبحت الشغل الشاغل لرواد المغرب من كتاب ومفكرين، وكلها تمجد العلم وترسم آفاقه، حيث اتسمت بقدر ما من الترغيب منه والترهيب والذم من الجهل وأهله.

وقد ارتسمت قائمة هؤلاء المصلحين بمجموعة من الرواد رغم اختلاف مناطقهم إلا أنها كلها كانت تصب في منحى واحد، في مقدمة هؤلاء الغيورين  الأستاذ الفقيه المصلح محمد داود بمقالاته وأفكاره التي نشر الكثير منها  في جريدة (الإصلاح) التي مثلت منبرًا للحرية التي حوربت من طرف الاستعمار، ومما جاء من قوله: "مشكلة التعليم من أعوص المشاكل في هذه المنطقة، وقد وضعت لها حلولًا كثيرة غير ما مرة..."، إلى أن يقول: "...ونحن الذين حملنا أمانة هذه الأمة والحرص على مصالحها يؤلمنا بقاء التعليم في هذه المنطقة على حالته الراهنة، وهذا الألم هو ما دفعنا إلى كتابة التقارير المرة تلو المرة، وبذل جهود متعبة لكي يستقر نظام التعليم على قرار مبين...".

فالمتصفح للفكر التربوي المغربي، يجد مجموعة من المفكرين المغاربة الذين حاولوا أن يكتبوا التاريخ بأقلام من ذهب، أمثال المختار السوسي، عبد الله كنون، ومحمد بن العربي العلوي، ومحمد داود؛ الذي نود أن نستجمع بعض تجليات فكره الإصلاحي، والذي اعتبر الشعلة المضيئة آنذاك؛ فقد ولد هذا الرجل سنة ألف وتسعمائة وواحد (1901)، وحفظ القرآن الكريم في صغره كما هي العادة انذاك مع حفظه لمجموعة من المتون، وتتلمذ على يد كبار العلماء  أمثال البلغيثي، وأبي شعيب الدكالي وغيرهم، كما تقلد مجموعة من المناصب، وأنشأ المدرسة الأهلية وقام بتسييرها سنة ألف وتسعمائة وأربع وعشرون (1924)، كما أصدر مجلته الشهيرة سنة ألف وتسعمائة وثلاثة وثلاثون (1933)، ومن خلال النص الذي سقناه آنفًا يمكن لنا أن نطرح مجموعة من الإشكالات؟

فإلى أي حد ساهم فكر العلامة محمد داود في إصلاح التعليم بالمغرب؟ وما هي أهم القضايا التربوية التي عالجها

انطلاقًا من النص الذي طرحناه لتحليله، والذي عالج قضية التعليم باعتبارها قضية محورية للنهوض بالأمة حضاريًا وثقافيًا وفكريًا، كان المصلح والمجدد محمد داود أحد الأعلام الكبار ساهموا في سبق عجلة الإصلاحات في التربية والتعليم، باعتبار هذا الأخير كان يعيش في وضع مزري، ومتخبط وعشوائي.

والمشاكل لا تحدها حدود من ناحية البرامج التي سيطر عليها المستعمر، ومن ناحية الأطر التي تدرس، وهذا ما يؤكده بقوله: "وأما مسألة التعليم عندنا فهي ذات أهمية عظمى يعرف قدرها كل من لقي نظرة ولو مستعجلة في جل الأماكن التي يعيش فيها أبناؤنا، وفلذات أكبادنا، ومستقبل رجالنا، والعلم الذي يتعلمونه، والقدر الذي يفهمونه فكل ذلك إما دون ما يجب، أو خلاف ما ينبغي"، فكلام الفقيه يبين لنا حسرته على مستقبل أولاد المغاربة من خلال البرامج الموجودة في التعليم، وكذا سطو الاستعمار على هذا المجال باعتباره لبنة كل دولة إذا أرادت الإصلاح والتغيير.

فقد كان له الفضل الواسع في إيقاظ الهمم والدفاع عن راية الوطن، وكانت له حرقة على أبناء وطنه، فلم يقتصر فكر المفكر محمد داود على التنظير فقط، بل قام بتنزيل برنامجه إلى حيز التطبيق من خلال إنشائه المدرسة الأهلية، الذي كان هدفها هو القضاء على الجهل والأمية من جهة، ثم مقاومة الاستعمار في مجال التربية والتعليم الذي كان المستعمر يسير المدارس العمومية من جهة ثانية، فكان تأسيسه لهذه المدرسة خيرًا للشعب المغربي، وكان همه الوحيد هو النهوض بقطاع التعليم، وإنقاذه من سباته العميق، وهذا ما نلمسه من خلال قوله في مجلته (السلام) بقوله: "ولأن مقصودنا خدمة أمتنا العزيزة نرى في كل ناحية مصلحة لها، فهذا لا يمنعنا إلى أن نشير إلى بعض النواحي التي سنخصص لها من اعتناءنا وقتًا وافرًا إن شاء الله، ومن ذلك التربية والتعليم، والتهذيب والأخلاق، والأدب الرفيع ونشر الثقافة..."، فهذا كله يؤكد لنا مدى اعتناء محمد داود بقضايا التربية والتعليم، وإعطائها الوقت الكافي لإصلاحهما؛ فهما السبيل لمن أراد التقدم والتغيير، ومنحى النهوض بالأمة، لأنه إذا تم إصلاح قطاع التربية والتعليم، يسهل آنذاك الاستحواذ على باقي القطاعات.

 

بقلم/ الحسين باروش.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام