الدين الخالص وذكر الله تعالى

أُمِرْتُ أن أقاتلَ الناسَ حتى يقولوا لا إله إلا اللهُ، فإذا قالوا لا إله إلا اللهُ عَصَمُوا مِنِّى دماءَهم وأموالَهم إلا بحَقِّها وحسابُهُم على اللهِ

  • التصنيفات: العقيدة الإسلامية - التوحيد وأنواعه -

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.

الدين الخالص أساسه التوحيد، ولذلك يبدئ القرآن فيه ويعيد: فهو قطبه الذي عليه يدور، ولكن أكثر الناس لا يعلمون. فهذه قصص الأنبياء في القرآن، ألم تر أن الله تعالى يقول: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف من الآية:59]، ويقول: {وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا ۗ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّـهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف من الآية:65]، ويقول: {وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا ۗ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّـهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف من الآية:73].

وهكذا سائر الأنبياء، كلهم أمروا أن يقولوا لقومهم: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}.

وقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أول ما أمر بتبليغه: عبادة الله وحده، وإخلاص الدين له، وخلع الأنداد.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أُمِرْتُ أن أقاتلَ الناسَ حتى يقولوا لا إله إلا اللهُ، فإذا قالوا لا إله إلا اللهُ عَصَمُوا مِنِّى دماءَهم وأموالَهم إلا بحَقِّها وحسابُهُم على اللهِ» (صحيح مسلم:21).

وقال تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ . بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ} [الزمر:65-66].

ولما بعث معاذًا إلى اليمن قال له:  «إنك ستأتي قومًا أهلَ كتابٍ، فإذا جئتَهم فادْعُهم إلى: أن يشهدوا أن لا إلهَ إلا اللهُ وأن محمدًا رسولُ اللهِ، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبِرْهم أن اللهَ قد فرض عليهم خمسِ صلواتٍ في كلِّ يومٍ وليلةٍ، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبِرْهم أن اللهَ قد فرضَ عليهم صدقةً، تؤخذُ من أغنيائِهم فتردُّ على فقرائِهم» (صحيح البخاري:1496).

فتأمل كيف أمر النبي صلى الله عليه وسلم معاذًا أن يبدأ الدعوة بالتوحيد، وما ذاك إلا لأن أساس الدين هو التوحيد، ومن المحال أن يقوم بناء على غير أساس، ولذلك مكث الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة يدعو الناس إلى التوحيد ثلاث عشرة سنة لم يشرع فيها شيء غير الصلاة؛ وهي كالماء يسقى به الغرس، فالصلاة تثبت التوحيد وتؤكده وتوثقه لأنها توحيد عملي.

ثم تأمل القرآن كله من أول إلى آخره، فلا ترى آيات التهديد والوعيد، والبشارة والنذارة، والترغيب والترهيب؛ والمجادلة والقصص والمواعظ إلا من أجل التوحيد، وآيات الأحكام لا تزيد على بضع وخمسين آية؛ وباقي القرآن كله بصدد التوحيد ومن أجله، على أن آيات الأحكام لا تخلو من التوحيد.

ومثال ذلك: قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ۖ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ۚ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ ۚ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَٰلِكَ ۗ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ۗ وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّا آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ ۗ وَاتَّقُوا اللَّـهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة:233] وهكذا كل آيات الأحكام.

فمن الجهل وعدم الفقه في الدين: أن يلومنا اللائمون على تقرير التوحيد كل ليلة في دروسنا، وكثرة اشتغالنا به في كل أحوالنا، في خطبنا ومقالاتنا وصحفنا، وأنا أتحدى اللائم فليأتنا بآية من كتاب الله تخلو من ذكر الله وتوحيده، ولنفرض أنني كما يقو اللائم أكرر التوحيد وأقرره وأنفي عنه شوائب الشرك، أيلام محب يذكر محبوبه؟ أنا رجل أحب الله، ومن أحب شيئًا أكثر من ذكره.    

إننا في عصر أصبح الشرك فيه توحيدًا والتوحيد شركًا، والسنة بدعة والبدعة سنة، والحق باطلًا والباطل حقًا.

فالتوسل الحق إلى الله تعالى: الإيمان والعمل الصالح، وهو مبين في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أعظم بيان وأحسنه. والتوسل عند أهل هذا العصر: النذر للأولياء ودعاؤهم من دون الله.

وصار هذا التوسل عقيدة دينية من أنكرها على الناس كان أكفر الخلق عندهم، ونبذوه بلقب (الوهابي) واستحق عندهم القتل الشنيع؛ وعدّوا الدعاء إلى الله تنقيصًا للأولياء، وإنكارًا لكرامتهم، وهم لا يعدون دعاءهم والنذر لهم تنقيصًا لله، وهو تنقيص نزه الله نفسه منه في كتبه وعلى لسان رسله، وعده أظلم الظلم وأكبر الكبائر، ولا يغفر لصاحبه مهما عمل من عمل صالح إذا مات عليه ولم يتب منه.

فلماذا لا نكرر في بيان التوحيد ونبدي فيه ونعيد، ولماذا لا نبين قبح الشرك وضلال أهله حتى يتقي، وفي حديث حذيفة رضي الله عنه قال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر، مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله إنما كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: «نعم». الحديث (رواه البخاري: [3606]، ومسلم: [1847]، وغيرهما).

ومع تكريرنا التوحيد تبعا للآيات القرآنية، وعند كل مناسبة، وتحذيرنا من الشرك؛ والإكثار من وصفه وتقبيحه نرى الناس لا يقلعون عنه، ولا ينسونه لأنهم أشربوه في قلوبهم؛ ونشأوا ولم يروا دينا غيره، فاعتقدوه على أنه دين الإسلام، وهو الشرك الأكبر والكفر المعلون؛ ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ولو عرف اللائم معرفتنا لعذرنا، ولكنه مسكين، يظن أن المسألة هينة كما ظن بعض الجهلة الآخرين أنها مسألة خلافية من المسائل الفرعية الاجتهادية التي يعذر فيها المختلفون؛ والأمر أعظم من ذلك -إنما هو إيمان وكفر، وشرك وتوحيد- ولا بد من التفريق بينهما، والله الهادي إلى سواء السبيل. والله تعالى أعلى وأعلم.

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين ومن اتبعه بإحسان إلى يوم الدين.

 

الشيخ عبد الظاهر أبي السمح