الديون شأنها عند الله تعالى عظيم

خالد سعد النجار

ليس هناك أحد لم يتعرض في يوم من الأيام لظروف مادية طارئة ألجأته للاقتراض كي يتجاوز محنته دون أن يعرض نفسه لذل السؤال أو إهانة الكرامة أو الشعور بالمهانة

  • التصنيفات: الحث على الطاعات -

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يُقضى عنه» [1]

ليس هناك أحد لم يتعرض في يوم من الأيام لظروف مادية طارئة ألجأته للاقتراض كي يتجاوز محنته دون أن يعرض نفسه لذل السؤال أو إهانة الكرامة أو الشعور بالمهانة، لذلك حفظ الإسلام للناس حياءهم، وماء وجههم، وأعلى كرامتهم، عندما فتح باب الاستدانة بينهم بالمعروف، ليربط الصلة بين الغني والفقير، ويؤكد أواصر المحبة بين القوي والضعيف، ويساعد على وجود الرفق في حالات العسرة والضيق، ويوفر الرحمة بين العباد في تفريج كربهم وتيسير أمورهم.

وقد يتصور البعض أن الإقراض ليس فيه ثوابًا لأن المال يعود كما ذهب، ولكن الأمر على عكس ذلك، فإن فضل الإقراض كبير وثوابه عظيم، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم يقرض مسلمًا قرضًا مرتين إلا كان كصدقتها مرة» [2]

وعنه أيضا قال صلى الله عليه وسلم: «إن السلف يجري مجرى شطر الصدقة» [3]. وبعض العلماء يفضل القرض على الصدقة؛ لأن الصدقة يأخذها المحتاج وغيره، أما القرض فلا يطلبه إلا من احتاج إليه.

والاستدانة (الخالية من الربا والمحظورات الشرعية) مشروعة من حيث الأصل، لكنها شرعت بضابطين وقيدين:

أولهما: وجود الحاجة الفعلية المشروعة للاستدانة وليس مجرد التوسع والترفه.

ثانيهما: غلبة الظن بالقدرة على الوفاء.

ومخالفة هذين الشرطين تجعل الاستدانة تدخل في حيز المحذور الشرعي الذي يصل إلى التحريم.

ولقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الدَين في أحاديث كثيرة، بل شدد صلى الله عليه وسلم فيه لدرجة أنه كان صلى الله عليه وسلم لا يصلي على من توفي وعليه دَين.

فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: مات رجل فغسلناه وكفناه وحنطناه ووضعناه لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث توضع الجنائز، عند مقام جبريل، ثم آذنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة عليه، فجاء معنا فتخطى خطى ثم قال: «لعل على صاحبكم دينًا؟» قالوا: نعم ديناران، فتخلف وقال: «صلوا على صاحبكم»، فقال له رجل منا يقال له أبو قتادة: يا رسول الله هما علي، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «هما عليك وفي مالك، والميت منها برئ؟» فقال: نعم، فصلى عليه، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لقي أبا قتادة يقول: «ما صنعت الديناران؟» حتى كان آخر ذلك أن قال: قد قضيتهما يا رسول الله، قال: «الآن حين بردت عليه جلده» [4]

وإذا كان الدَّين لا يغفره الله للشهيد الذي قُتل في سبيله فكيف بمن هو دون ذلك، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال صلى الله عليه وسلم: «يغفر الله للشهيد كل ذنب إلا الدين» [5]

وعن أبي قتادة رضي الله عنه أن رجلا قال: يا رسول الله! أرأيت إن قتلت في سبيل الله أتكفر عني خطاياي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم وأنت صابر محتسب، مقبل غير مدبر إلا الدين» [6]

وعن ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من جاء يوم القيامة بريئًا من ثلاث، دخل الجنة: الكِبر، والغلول، والدين» [7]

أما عون الله عز وجل للمدين فمقيد فيما إذا كان الدَّين من أجل غرض مأذون به شرعًا مما أباحه الله عز وجل، لحديث ابن ماجه عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال صلى الله عليه وسلم: «كان الله مع الدائن حتى يقضي دينه، ما لم يكن فيما يكرهه الله» [8]

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: «من أخذ أموال الناس يريد أداءها، أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله» [9]

وقال صلى الله عليه وسلم: «ما من أحد يدان دينًا يعلم الله منه أنه يريد قضاءه إلا أداه الله عنه في الدنيا» [10]، وفي رواية: «من أخذ دينًا وهو يريد أن يؤديه أعانه الله» [11]

وعن صهيب الخير رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيما رجل تداين دينًا وهو مجمع أن لا يوفيه إياه لقي الله سارقًا» [12]

ويجب على المسلم أن يعلم أن أموال الناس ليست مرتعًا مباحًا يرتع فيه كيفما يشاء وحيثما أراد، ولكنها مصونة ومحفوظة ولا يجوز أكلها بالباطل، ومن العجيب من البعض أنه إن استدان دينًا جحده، وإن استقرض قرضًا تظاهر أنه نسيه، فسبحان ربي! كيف يهنأ بالطعام والشراب والمنام، من ذمته مشغولة، وكيف تسمح للإنسان نفسه أن يجحد سلف أخيه، أو يماطله في ذلك، والمقرض فعل ذلك إحسانا وقربه، والله تعالى يقول: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [الرحمن:60].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: «مطل الغني ظلم» [13]

وعن عن الشريد بن سويد رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: «لَيُّ الواجدِ يُحِلُّ عِرضَه وعقوبتَهُ» [14]

وقال صلى الله عليه وسلم: «خيار الناس أحسنهم قضاء» [15]

وعن عبد الله بن أبي ربيعة قال صلى الله عليه وسلم: «إنما جزاء السلف الحمد والوفاء» [16]

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي الدائن بأكثر مما استدان منه، ويضاعف له الوفاء، ويدعو له، كما قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: "كان لي على النبي صلى الله عليه وسلم دين، فقضاني وزادني" [17]

وقال عبد الله بن أبي ربيعة: استقرض مني النبي صلى الله عليه وسلم أربعين ألفًا، فجاءه مال، فدفعه إلي، وقال: «بارك الله تعالى في أهلك ومالك» [18]

ومن الآداب العامة في الديون وجوب إنظار المعسر لقوله تعالى: {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ ۚ وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:280]. أي إمهاله حتى يوسر، ولا يجوز مطالبته بالدين ما دام معسرًا.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: «من يسّر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة» [19]

وعن كعب بن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من أنظر معسرًا أو وضع عنه أظله الله في ظله» [20]

 

الهوامش:

[1] رواه أحمد:2/440، والترمذي:1079، والبغوي في شرح السنة:2148، وقال: حديث حسن، والحاكم:2/27، وصححه على شرطهما، ووافقه الذهبي.

[2] صحيح ابن ماجة للألباني:1987.

[3] صحيح الجامع:1640.

[4] رواه أحمد:3/330 بإسناد حسن.

[5] رواه مسلم:1886.

[6] رواه مسلم:1885.

[7] رواه الحاكم:2/62 وصححه ووافقه الذهبي.

[8] صحيح ابن ماجة/ الألباني برقم 1968.

[9] رواه البخاري:2387.

[10] صحيح النسائي للألباني:4700 عن ميمونة رضي الله عنها.

[11] صحيح الجامع:5981.

[12] صحيح ابن ماجة:1954.

[13] صحيح الجامع:5875.

[14] صحيح الجامع:5487.

[15] متفق عليه.

[16] صحيح النسائي للألباني:4697.

[17] رواه أبو داود:3347.

[18] رواه النسائي:4683.

[19] صحيح ابن ماجة للألباني:1976.

[20] رواه مسلم: 3006.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام