عاصفة الحزم: البيئة الخطرة والإستراتيجية الفعالة

لا شك أن ما جرى من سقوط مدو لليمن في براثن الحركة الحوثية التابعة لإيران بعد تحالفها مع الدولة العميقة (صالح ومن والاه)، ذلك السقوط الذي صُنع على عين إيران وكنتيجة طبيعية لسياسة الولايات المتحدة في المنطقة، قد أقلق عدد من القيادات العربية والإسلامية وأقض مضاجعها، وكان رد تلك القيادات أن شنت عاصفة الحزم لضرب الحركة الحوثية وحليفها صالح. استبشر الكثير بهذا الأمر ولكن لم يدرك البعض حجم التحدي وصعوبة النجاح ومآلات الفشل، ولم يتساءل أحد عن ماهية الاستراتيجية الفاعلة لنجاح الحلف.

  • التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -

لا شك أن ما جرى من سقوط مدو لليمن في براثن الحركة الحوثية التابعة لإيران بعد تحالفها مع الدولة العميقة (صالح ومن والاه)، ذلك السقوط الذي صُنع على عين إيران وكنتيجة طبيعية لسياسة الولايات المتحدة في المنطقة، قد أقلق عدد من القيادات العربية والإسلامية وأقض مضاجعها، وكان رد تلك القيادات أن شنت عاصفة الحزم لضرب الحركة الحوثية وحليفها صالح. استبشر الكثير بهذا الأمر ولكن لم يدرك البعض حجم التحدي وصعوبة النجاح ومآلات الفشل، ولم يتساءل أحد عن ماهية الاستراتيجية الفاعلة لنجاح الحلف.

الحقيقة أن البيئة السياسية لعاصفة الحزم بيئة معقدة وخطرة، فالهدف الرئيس، اليمن، يعاني حالة غير مسبوقة من التمزق الداخلي وحالة من التيه تعانيها كل قيادته التي خاضت حوارا وطنيا برعاية غربية تخلت فيه عن كل الثوابت الدينية والوطنية على أمل تجنُّب الدماء والصراع، فإذا بذلك يؤدي إلى تغوّل القوى غير الشرعية وعلى رأسها الحركة الحوثية ليستعر الصراع ويتوسع، ولا ننسى هنا أن أحد أسباب التخلي عن ثوابت البلاد كان الثورة المضادة التي دعمتها القوى الإقليمية والدولية، وبمجرد نشوب عاصفة الحزم كانت كل القوى اليمنية التي انخرطت في الحوار الوطني مسكونة بالخوف من المغامرة واستثمار العاصفة، وإلى حد ما، منعها ارتباطاتها المحلية والدولية من التفاعل السريع والإيجابي مع العاصفة، وعندما أعلن الإصلاح أحد أهم تلك القوى تأييده للعاصفة في بيان خجول، كان الرد حاسما من الحركة الحوثية وحليفها صالح إذ ارتفعت وتيرة الاعتقالات والاقتحامات كما لم يحدث من قبل لاستخدام المعتقلين كدروع بشرية في مواجهة ضربات العاصفة كما نشرت المواقع المولية لحركة الحوثية وحليفها صالح، وهذا ما يزيد من صعوبة نجاح مهمة عاصفة الحزم.

أما البيئة الإقليمية للعاصفة فتتمثل في نظام عربي مُخترق حتى النخاع، فمصر مخترقة بوجود اضطرابات سياسية وأمنية كانت من تبعات ثورة 25 نياير، ولا يمكن بأي حال الاعتماد على النظام الحاكم فيها في ظل علاقته بإيران والنظام السوري، الإمارات بدورها ضالعة في صناعة الأزمات وباتت بوابة مفتوحة على مصراعيها لقوى معادية تتدخل في شؤون المنطقة، وموقفها الداعم للعاصفة يفسره تغلّب تيار داخل أروقة الحكم لم يكن راض عن المواقف السابقة للأمارات وبمجرد ما تغير الموقف السعودي، بعد مجيء الملك سلمان، انتصر ذلك التيار وانساق وراء السياسة الخارجية السعودية، غير أن هذا التغيير خدمه عنصر المفاجئة لعاصفة الحزم وهذا يعني أن الرد قادم من قوى دولية اخترقت الإمارات وصهينة سياستها الخارجية، وهذا يعقد نجاح مهمته.

البيئية الدولية للتحالف، تتمثل في وجود قوى كبرى تضع تحرر القرار السياسي لقوى المنطقة خط أحمر وستعمل من أجل القضاء عليها وستتحالف مع بعضها لإجهاض هذا التحالف وإعادته لبيت الطاعة في النظام الدولي، وهذا يزيد المخاطر أمام عاصفة الحزم ويجعل نجاحها محل نظر.

لكن الأخطر من كل ما سبق أن تراجع عاصفة الحزم ستتسبب في ضياع اليمن والفتك بأهلها من قبل الحركة الحوثية وحليفها صالح، وستعطي الخلايا النائمة والجيوب الشيعية المنتشرة في الخليج دفعة قوية لمواصلة مشروعها الثوري وستنتشي الصهيونية العالمية لاسيما في الإمارات وفي مصر لتفتك بما بقي للأمة من مراكز للمقاومة وعلى رأسها فلسطين، وستسقط سوريا وليبيا وستواجه السودان موجات كبيرة من العنف وتضيع دارفور كما ضاع الجنوب من قبل وستخنع حكومة المغرب كما خنعت تونس وتشارك في التحالف الصهيوني الإيراني للقضاء على ما بقي للإسلام من مظاهر في شمال أفريقيا، سيمتد اللهب إلى الباكستان وكذلك تركيا إذ ستستثمر المعارضة في هذين البلدين ذلك الإخفاق لتأجيج الوضع الداخلي ضد حكومتي نواز وأغلو. هذا ليس تشاؤما هذا تحليلا علميا مبني على حالات مشابهة وسوابق تاريخية.

من جانب آخر، لا شك أن قيام تحالف عاصفة الحزم وعلى النحو الذي ظهر به لم يكن مسألة عادية بكل المقاييس، فالعملاق العربي المملكة العربية السعودية يعتبر هبة لإنقاذ الوضع حيث لا تزال تمتلك كل أسباب القوة التي تؤهلها لقيادة تحالف بهذا الحجم، وتحالفها مع قطر والكويت مؤشرا واضحا على السعي لقطع أسباب التدخل من القوى الإقليمية والدولية لإفساد هذا التحالف وإحباط مهمته، ودخول السودان التي تمتلك أحد أقوى الجيوش في الوطن العربي وتملك خبرة مهولة في أسلوب التعامل مع المنظومة الدولية والإقليمية أمّن للتحالف قوة داعمة لا يستهان بها، والتحالف مع الباكستان الدولة النووية والتي أطلقت تصريحات نارية وأرسلت غواصاتها للمنطقة لدعم هذا التحالف وإسناده خطوة غير مسبوقة من شأنها قمع أي تدخل عسكري إيراني ضد العاصفة، وهذا سيمكن التحالف من المضي في انجاح مهمته، تركيا العملاقة وبسياساتها الذكية أيدت تحالف العاصفة وأمنت لها السيطرة على إيران والروس من أي تصرف متهور باعتبار أن تركيا باتت رئة مهمة يتنفس منها الاقتصاد الروسي والإيراني نتيجة العقوبات المفروضة عليهما من الغرب، وهذا يعطي التحالف هامش واسع لإنجاز مهمته بنجاح في اليمن.

تلك هي عوامل النجاح وعوامل الفشل، لكن تعزيز فرص النجاح يكمن في تبني استراتيجية ذكية لاستثمار عوامل النجاح وإحباط عوامل الفشل، والحقيقة أن رسم الاستراتيجيات ليس أمرا هيّنا وليس تقليعة أو فكرة مبتورة عن بيئتها، ولذا القاعدة العامة التي ينبغي أن تحكم هذا التحالف وسياساته هي استراتيجية قائمة على القاسم المشترك الذي يجمع قيادات وشعوب هذا التحالف، وهو دين الإسلام والتزام منهاجه وتعاليمه في تغذية قيادات الحلف وجماهيره، والحقيقة أن الطرف المقابل يفهم هذا تماما ولذا فهو لا يألوا جهدا من اتخاذ استراتيجية قائمة على فصل قيادات هذا التحالف وجماهيره عن منهج الإسلام وهداه، لأنه يعلم أن نجاح هذا التحالف مرهون بتمسكه بالإسلام، وعلى هذا النحو فإن نجاح العاصفة مرهون بتبني استراتيجية مبنية على خلق حالة من التناغم بين التصورات والمفاهيم الإسلامية وواقع المعركة ومتطلباتها.


د. أحمد عبد الواحد الزنداني