العثمانيـُّـون الجـُـدُد

حامد بن عبد الله العلي

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
عودة الإمبراطورية العثمانية

النظام العالمي الإسلامي

"الإمبراطورية العثمانية إمبراطورية واسعة، وهي ذات أهمية غير متناهية من الناحية التاريخية، الإمبراطورية العثمانية أشبه ما تكون بمارد يقبض بأذرعته الجبارة على ثلاث قارات في وقت واحد.. وحتى في الوقت الحاضر (1835م)، فإنّ الإمبراطورية العثمانية تحكم أقطارا تفوق سعتها ما كانت تحكمه الإمبراطورية البيزنطية في أوج عظمتها" المؤرخ النمساوي فون هامر.

"تفوق قدرة تركيا اليوم (1629) قدرة مجموع دول العالم أجمع" بيني هربين، مفكر فرنسي عاصر الإمبراطورية العثمانية.

"أسس العثمانيون في آسيا وأفريقيا وأوربا واحدة من أوسع الإمبراطوريات التي عرفها العالم" آخر سفير لأمريكا لدى الإمبراطورية العثمانية.

"لم يشهد التاريخ الإسلامي كيانا سياسيا قويا ومستقرا كالإمبراطورية العثمانية، لقد كانت الإمبراطورية العثمانية هي الدولة الأكبر، والأوسع، والأكثر استقرارا، كانت تمتلك أكبر المصادر الإقتصادية في أوروبا، وكان جهازها الإداري في حد ذاته بناء راسخا، يخدم ويرعى مصالح الشعب العثماني، كان الأسطول العثماني يسيطر على كامل البحر الأبيض، وكانت أسطنبول تبهر أنظار السياح الأوربيين كأكبر مركز للحضارة في العالم" المستشرق الفرنسي سوفواقت.

"كانت الإمبراطورية العثمانية دولة عالمية كبرى بحق" المستشرق الألماني بابنجر.

"الإمبراطورية العثمانية هي إحدى أهم ظواهر التاريخ العالمي المذهلة جداً، والخارقة للعادة" المؤرخ الإنجليزي داوني.

"الإمبراطورية العثمانية هي الدولة الوحيدة التي جمعت الشرق الأوسط تحت حكمها أطول حقبة في التاريخ.. إن كافة الأقوام الناطقة بالعربية اجتمعت تحت راية دولة واحدة.. إن أيـَّا من الدول الأوربية الاستعمارية التي أخذت مكان الدولة العثمانية، سواء إنجلترا، أو فرنسا، أو إيطاليا، أو روسيا، لم تتمكن من إدارة هذه الأقطار مدة طويل ، وبطريقة مستقرة كما أدارتها الدولة العثمانية" المؤرخ الإنجليزي توينبي.

كل هذه النقول عن كتاب (تاريخ الدولة العثمانية ليماز أزتونا ـ ص 7ـ 9).

لا جدال في أنه لايمكن فهم علاقة النظام العالمي اليوم، والغرب خاصة، بهذه المنطقة من العالم خاصة، وبالإسلام والمسلمين عامة، دون معرفة تاريخ الإمبراطورية العثمانية، كيف انتظمت الأمة الإسلامية بأسرها في نظام سياسي عالمي قائم على أسس الملة الإسلامية، والشريعة المحمدية، وكيف انتهت.

بل لايمكن فهم كيف وُلدتْ الدول العربيّة الحاليّة، وطبيعة علاقتها بالنظام الغربيّ العالميّ، والدور الذي يريده هذا النظام لها في الحيلولة دون عودة أي إمبراطورية إسلامية عالمية، دون التعرف على تاريخ الإمبراطوريّة العثمانيّة الإسلاميّة العالميّة.

ولامراء في أنـّه ليست ثمـة إمبراطورية قادت نظاما عالميا، قـد تعرضت للظلم بتشويه التاريخ، أكثـر من الإمبراطورية العثمانية الإسلامية، والسبب ظاهر لا يخفى، وهو أن الأمم التي تآمرت لإسقاط هذه الإمبراطورية، لا شيء، سوى لأنها تمثـّل عظمة النظام الحضاري الإسلامي العالمي، هي التي ـ في الغالب ـ كتب مؤخروها ومفكروها تاريخ هذه الإمبراطورية.

ولهذا أدخلت فيه التزييف، والافتراء، بهدف تقويض الأسس الفكرية الحضارية التي تثبت قدرة الإسلام على إدارة العالم الإسلامي كلّه في نظام عالمي حضاري، يحقِّق كل متطلبات النظام السياسي الناجح.

ولهذا سننقل في هذا المقال ومضـات من تاريخ الإمبراطورية العثمانية، من شأنها أن تلقي الضوء على عبقرية المسلمين في تأسيس النظام العالمي، وحيويَّة ثقافتهم الإسلامية القادرة على بناء هذا التأسيس الحضاري.

وسننقل جميع هذه الومضات من فترات مختلفة، تقتصر على العصر الذهبي لهذه الإمبراطورية فحسب، من نفس المصدر الذي نقلها منه نقول المقدمة، إذ كان من أدق المصادر الموضوعية التركية التي أرَّخت لهذه الإمبراطورية الإسلامية العظيمة.

ومضـة: وصف لأحـد أعظـم أباطرة الإمبراطورية الإسلامية:

يقول المؤرخ الإيطالي zoro dolphin عن أعظم حاكم في الإمبراطورية العثمانية فاتح القسطنطينية محمد الفاتح، والذي على يديه انتهت العصور الوسطى وبدأت القرون الحديثــة:

يقول: "السلطان محمد، يندر أن يضحك، ذكاؤه يعمل بصورة مستمرة، كريم جدا، عنيد، وجسور، وجريء في تصميمه، ذكاؤه متّقد، هو كإسكندر الكبير، لا يشبع من الشهرة والرفعة، يتحمل البرد والحر، والجوع والعطش، كلامه قطعي، لايخشى أحداً، بعيد عن اللهو والمجون، يتكلم التركية واليونانية والصربية بصورة جيدة، ويجيد قراءة وفهم اللغات الأخرى، يعكف على المطالعة كل يوم مدة من الزمن، ومن الكتب التاريخية التي يطالعها: التاريخ الروماني، تاريخ البابوات، أباطرة ألمانيا، وملوك فرنسا، ولمبارديا، له علم بجغرافيا إيطاليا بصورة دقيقة، وبكامل فروعها، على علم كذلك بجميع الحكومات الموجودة في أوربا، لا يستغني عن خارطة كبيرة لأوربا، يتبع العلوم العسكرية، والجغرافية، برغبة شديدة، ماهر في تكييف نفسه على عادات وتقاليد الأقطار المختلفة الموجودة في دولته" نقلا عن كتاب (تاريخ الدولة العثمانية يماز أوتونا 1/144).

ويقول عنه مــؤرّخ بريطاني: "فاتح، ليس متخصص لغات من الدرجة الأولى، ومؤرخا وفيلسوفا فحسب، بل هو إلى جانب ذلك إداري عظيم، خيّال، وخبير في استعمال الأسلحة بشكل خارق للعادة" (the harem. N.m.panzer لندن 1936م، ص 237).

ومضـة: بداية عصر النهضة مع فتح الإمبراطورية الإسلامية العثمانية لقسطنطينية

ويقول مؤخر ثالث: "يبدأ عصر النهضة العلمية، مع فتح البيزنط في عام 1453م، على يد الفاتح، فاتح أحـد أكبـر حماة الإصلاح والنهضة العلمية الحديثة، إن عصر النهضة العلمية مدين بالكثير، لتسامح فاتح وخلفيه الأثنين، يسر فاتح إنتشار اللغة اليونانية القديمة في أوربا، دعا كل من بايزيد وياوز، في 1506م، و1519، أنجيلو، وليوناردو دافينشي إلى أستنابول بصورة رسمية، بينما لم يسمح لهما البابا بذلك" (la renaissanee.p.Fayre ، 7، 46، 102، 104، 114).

ومضـة: أول من اخترع الصواريخ

وكانت الإمبراطورية الإسلامية العثمانية أول من اخترع الصواريخ، يقول مؤلف كتاب تاريخ الدولة العثمانية في أحداث عام 1478م: "استعمل فاتح في حصار أشكودرا، بالونات وصواريخ حريق، و11 مدفعا ضخماً جداً، وصواريخ طيّارة تنفجر في المكان الذي تمسه" (المصدر السابق ص 168).

ومضــة: كان يطلق عليه إمبراطور روما الشرقية

يقول مؤلف الكتاب السابق: "إنَّ الأنواط التي سكَّتها هذه الدول ـ عدة دويلات إيطالية في الفترة إبان وبعد عام 1453م ـ باسم فاتح والتي تحمل صورته، موجودة في حوزتنا حاليا، وتستطيع أن تقرأ على هذه الأنواط باللاتينية".

ومضــة: فرح الكنائس بموت محمد الفاتح

مات النسـر الكبــير:
يقول مؤلف الكتاب السابق: "علمت البندقية خبر موت فاتح في 19 آيار، بعد 16 يوما من موته، كانت الرسالة التي جلبها حامل البريد السياسي لسفارة البندقية في استانبول تحتوي على الجملة التاريخية: "مات النسر الكبير"، دقَّت أجراس كافة الكنائس الأوروبية، وجرت مراسم الشكر لمدة 3 أيام مع لياليها بأمر البابا" (المصدر السابق ص 177).

ومضــة: ظهور المشكلة الصفوية، وتمزيقها العالم الإسلامي، وكسر الإمبراطورية العثمانية لها

يقول مؤلف الكتاب السابق عن الشاه إسماعيل الصفوي الذي شيَّع إيران: "أمر بقتل والدته التي ثبتت وأصرت على المذهب السني، وحول إيران السنية بالدم والنار إلى إيران الشيعية، حظر اعتناق المذهب السنّي، وقتل من قبض عليه من الرجال السنيّين.. وهكذا قسم الشاه إسماعيل العالم الإسلامي السني والتركي إلى فريقين.

كان قد دخل بين تركيا وتركستان، كان دخوله إيران واستيطانه فيها باقتدار، وقوة، أقوى بكثير من مجيء الفاطميين ـ في حينهم ـ إلى المغـرب واستيطانهم في مصر، وبينما استؤصل المذهب الشيعي من مصر، بضربة واحدة من صلاح الدين الأيوبي، ما تزال إيران حاليّا شيعيّة، حقق الشاه إسماعيل هذه النتيجة باستيلاءه على إيران التي يشكل أكثريتها سنيّون، من حوزة أتراك آقويونلو السنيّين.. أرسل الشاه إسماعيل عملاءه وعيونه ـ الذين يُسمى واحدهم خليفة ـ إلى الأناضول لإدخال التركمان الذين لم يسكنوا المدينة، ويصبحوا أتراكا، إلى المذهب الشيعي.

من ناحية أخرى، كان يسعى إلى إضعاف وكسر شوكة الدولة العثمانية في الأناضـول عن طريق الفوضى والإرهاب، وعلى الرغم من أنَّ مصر كانت حائزة على الخليفة، والمدن الإسلامية المقدّسة، والأمانات الإسلامية المقدّسة، والمؤسّسات الكبرى، كالجامع الأزهـر، فإنهّـا كانت بالنسبة للشاه مسألة ثانوية، ذلك أنه كان يدرك أنه عندما تتضعضع العثمانية فسوف تضمحـل المماليك.

والعكس ليس صحيحاً، وكان يعلم أنَّ الدولة المملوكية في حالة انحطاط، وفي فترة تدنِّ، أو هي على أقل تقدير، فقدت حيويتها، أما العثمانية، فإنها تعيش فترة حيويتها، مستهدفة إقامة الدولة العالمية.

أرسل الشاه سفراء إلى البندقية ليخبرها بأنه عازم على القضاء على العثمانية، وأنه على الدول الأوربية إن كانت تريد الحصول على بعض المكاسب أن تتحرك من روملي، كان يعلم أن البندقية هي مركز الدبلوماسية الأوربية".

ثم قال عن معركة جالدران ـ 1514م ـ التاريخية التي هزم فيها الجيش العثماني الإسلامي جيش الشاه الصفوي:
"لم تكن الدولة قد تهددت حتى ذلك اليوم بخطر خارجي كبير على هذه الدرجة، عدا تيمور.. لكن تيمور كان سنيا ـ حنيفا، أما الشاه، فإنه بالإضافة إلى أسره للأقطار، كان يريد أسر النفوس والضمائر، وكان يستعمل لتحقيق ذلك الإرهاب، والدم، والنار، والسيف، كان من الممكن أن يسفـر انهزام الجيش العثماني عن فرض الصفويين التشيع على الأناضـول الوسطى، وإلحاقها بإيران" (215ـ 218).

ثم قال في وصف المعركة: "أمر البادشاه فتح الجناحين على شكل هلال، وأخذت فرقة المدفعية موضعها، وأخذت كتائب التركمان الشجاعة، تتساقط بسرعة بنار المدفعية العثمانية، وبينما كان يتطلع إلى صحراء جالدران المليئة بعشرات الألوف من جنود الصفويين أغلق فيالقه في الجناحين الأيمن، والأيسـر، وساق فرقة الاحتياطية إلى الأمام، وأمر بالهجوم على مركز الجناح الأيمن الصفوي الذي يضمَّ الشاه، جرحت يد الشاه ورجله، وأخذ يستعد للهرب، خاب ذكر الرجل الذي أفنى 12 من الدول خلال 15 عاما.. انتقل سرادق الشاه، وعرشه، وخزينته التي تضم أكبر الماسات العالمية، وزوجته تاجلي خانم، لحوزة العثمانية ..

قرر الشاه عدم إمكان الدفاع عن مدينة العرش تبريز بعد مروره عليها، وهرب إلى المناطق الداخلية من إيران، كان عدد سكان تبريز في ذلك التاريخ يتجاوز المليون نسمة، ولم يكن في أوروبا ـ بما فيه استنبول ـ أي مدينة بهذا الحجم، تليت الخطبة بالشعائر السنية، وباسم السلطان سليم 1514م ـ". (المصدر السابق 215ـ 218).

ومضــة: نجاح مشروع السلطان سليم العثماني في تكوين (اتحاد إسلام) أي الاتحاد الإسلامي العام

بعد معركة جالدران بسنتين، انتصر الجيش العثماني على الجيش المملوكي الذي كان بحوزته الخلافة العباسية، وتحت سلطته الميزات المعنوية العليا للمسلمين، مكة، والمدينة، والقدس.

وكان الإنتصار الكبير في مرج دابق، أعطى الإمبراطورية العثمانية قفزة تاريخية مكنتها من التربع على عرش أكبر دولة عالمية ذلك الوقت.

ومضــة: خادم الحرمين الشريفين

عندما دخل السلطان سليم حلب، أطلق الخطيب الذي تلا الخطبة على السلطان سليم وصف (حاكم الحرمين الشريفين)، فتدخل البادشاه وبدَّل كلمة (حاكم) بخادم، ثم تلقـب الخلفاء الذين انحدروا من بني عثمان، بصورة رسمية حتى 1924م، بلقب خادم الحرمين الشريفين (المصدر السابق ص 225).

"خرَّ السلطان سليم الذي لم يتمكَّن من السيطرة على دموع عينيه، على الأرض ساجداً سجدة الشكـر، ووضع رأسه على أرض المسجد المرمري بعد رفعه للسجادة من الموضع الذي يجلس فيه، فرحاً لنيله خلافة الرسول صلى الله عليه وسلم الشرعية، خلع خلعته التي لا تقدر بثمن وألبسها الخطيب، ثم أمر بنقل الأمانات المقدسة الموجودة في القاهرة، ومكة، إلى ساري طوبقابو في استانبول، وشيد جناح خرقة شريف (البردة الشريفة)، لحفظها، واكتملت صفة خلافة السلطان سليم بإنتقال القدس، والمدينة المنورة، ومكة المكرمة إلى الإدارة العثمانية".

ومضــة: حجم الإمبراطورية العثمانية عند وفاة السلطان سليم

قال في المصدر السابق: "قام خلال 8 سنوات بأعمال لايستوعبها العقل، وجعل الإمبراطورية العثمانية دولة عالمية حقيقية كبرى (1517)، وحافظت الدولة العثمانية على فتوحاته مدة 4 قرون، ترك دولة مخيفة لأعدائها، تمتد بين فاس وحضرموت، سودان، وروسيا، كان هدفه، يحقق في إيران ما حققه صلاح الدين الأيوبي في مصر من حيث القضاء على الحكم الشيعي، الذي لم يكن قد أكمل بعد سنته ألـ 20، والسعي لإقامة الإتحاد الإسلامي، والوصول إلى طوران، تركستان، والهنـد" (ص 237).

ومضــة: فتح رودس عام 1522م، وقصة فرسان مالطة

تولى السلطان سليمان القانوني الذي حقَّق عالمية الإمبراطورية الإسلامية العثمانية بحق، تولى الخلافة الإسلامية ـ كان الإمبراطور سليم قد أعلن أنه وارث الخلافة من الخليفة العباسي بعد سقوط المماليك ـ بعد والده، لفتح بلغراد، ففتحها.

ثم توجه برفقته شيخ الإسلام علي أفندي ـ أي المفتي العام ـ إلى جزيرة رودس، قال المؤلف في المصدر السابق: "كانت رودس بلوى كبرى بالنسبة للمسلمين، كانت طريقة saint-jean العسكرية التي تسيطر على رودس، والجزر الاثني عشر وبودروم، قد تأسست خلال الحملات الصليبية في عكـّا للجهاد ضد المسلمين، كانت هذه الطريقة لا تزال تقوم بمهمتها بواسطة أسطولها، تضرب السفن التي تسير في شرق البحر الأبيض المتوسط بين الأناضول، ومصر، وسورية"..

ثم بعدما وصف حصار المسلمين للجزيرة قال: "عجز الفرسان ـ أي فرسان مالطا سمُـُّوا بذلك لأنَّهـم انتقلوا بعد ذلك لمالطا ـ بسبب إمكان الرمي داخل القلعة بواسطة مدافع الهاون، والقذائف التركية، كان الجاسوس الموجود داخل القلعة، يخبر بالأماكن الحسّاسة في القلعة بواسطة الضوء، لم يقبض على الجاسوس إلاَّ بعد أسابيع حيث مزَّقه الفرسان، لقيت الجاسوسات التركيات الـ 3 الموجودات في القلعة، نفس العاقبة، أثناء إضرامهنّ النار، ورغـم تقطيع أعضاء هؤلاء إرباً إرباً، لم يبحن بأسماء الجواسيس الآخرين الموجودين في القلعة".

ثم قال بعدما ذكر سماح الخليفة سليمان للفرسان بالخروج من القلعة سالمين: "أخذ الفرسان أسلحتهم، ووافق السلطان سليمان على زيارة الأستاذ الأعظم الذي كان فرنسيا، حيث مَثـُل بين يديّ السلطان مرة أخرى بعد 6 أيام، وشكره على السماح للفرسان بالخروج بسماحة إنسانيّة لا تصدق، خلال هذه الأيام كان البابا أندريانوس الثاني يجري مراسم أعياد الميلاد في كنيسة سان بيترو في روما، فتدحرجت حجارة سقطت من حافة سقف الكنيسة نحو قدميه، فتشاءم الباب، وقال (سقطت رودس).. وهكذا اقتلعت وأزيلت من شرق البحر الأبيض المتوسط دولة كاثوليكية، من بقايا الحملات الصليبية التي يرجع تاريخها إلى 213سنة، وهي آخر دولة صليبية قضى عليها المسلمون، وفي 1530م، أعطى الملك شارل كوينت إلى الفرسان جزيرة مالطة، وفي هذه المرة قاموا من هذه الجزيرة بإيذاء المسلمين الموجودين في أواسط البحر الأبيض" (ص 264).

ومضــة: قصة لجوء فرنسا لخليفة المسلمين ضـد شارل ـ كونت

كان شارل كوينت يقيم في أسبانيا وهولندا، ويدير ألمانيا بواسطة أخيه فرديناند فون، وكانت عاصمة ألمانيا هي فيينا، وكانت لديه دولة قوية تهدد الخلافة الإسلامية العثمانية.

قال في المصدر السابق: "صمَّم السلطان على تشتيت هذه الدولة، وتقسيمها إلى دول كما كانت في السابق، ويلاحظ أن في ذلك الوقت كانت أسبانيا هي الدولة الوحيدة التي تمتلك أقدر جيش وأسطول، كما كانت قد أصبحت ذات مستعمرات كبيرة في أمريكا.. بقي ملك فرنسا، وملك إنكلترا، مستقلين بين الحكـّام الأوربيين، وكان شارل ـ كوينت، قد أدخـل البقية بشكلٍ أو بآخر في قبضته، عزم ملك فرنسا على منازلة شارل ـ كوينت ـ مهما كلّف الأمر، لكنّه هـُزم في الحرب الميدانية، وأُسـر، وسيق إلى مدريد، وسجن في أحد القصور.

أرسلت أمه إلى السلطان سليمان القانوني، ورجته تخليص ابنها من السجن، وعندما اطلع السلطان في 6/12/1525م، على كتاب نائبة ملكية فرنسا ووالدة ملك فرنسا، أصبحت بيده حجـَّة مهمّة تجاه شارل ـ كوينت، كما أصبح معه حليف طبيعي في الغـرب، وأصبح بإمكانه التحرُّك باسم ملك فرنسا بصورة شرعية، ورسمية، حيث إنَّ فرنسا قد طلبت منه ذلك بصورة رسمية.. كان شارل كوينت بالنسبة للأوربيين، إمبراطوراً على روما الغربية، أما السلطان سليمان، فإنـَّه إمبراطور روما الشرقية، وكان السلطان سليمان يرى أنّه هو إمبراطور روما الموحدة، وأنّ شارل ـ كوينت غاصب.. أمـّا بالنسبة لفرنسا، فقد كان لجوؤها لإمبراطور أوربا الشرعي، السلطان سليمان، أمـراً مشروعا بالنسبة للقانون الدولي في ذلك العهد، إذ كان في ذلك العصـر، مرجعان اثنان بالنسبة للملوك النصارى الذين يصيبهم الحيف: الإمبراطور، والبابا، وكانت قوة البابا العسكرية محدودة، إذ لم يكن يسيطر إلا على إيطاليا الوسطى فقط.

كان شارل ـ كونت قد سجن فرانسوا في قصـر من مخلَّفـات العرب في مدريد، وأجبره هناك على توقيع معاهدة مدريد، ذات الشروط الصعبة وأخلى سبيله، ذهب فرانسوا ـ ملك فرنسا ـ الذي وقع هذه المعاهدة السيئة للحصول على حريته إلى باريس ناجيا بنفسه، ولم يكن ينوي أبـداً تنفيذ شروط هذه المعاهدة، وأَخــذ في تطوير العلاقات التي بدأت والدته بتأسيسها مع السلطان سليمان..

أضطر شارل ـ كوينت، خلال سلطنته الطويلة، إلى مواجهة أربعة أعداء ألدّاء له: أحدهم سليمان القانوني، الثاني بربروس خير الدين باشا ـ تركه السلطان سليمان يتولى أمر البحر المتوسط ـ، الثالث فرانسوا، ورابعهم مارتن لوثر" (ص 268).

ومضــة: ظهور مارتن لوثر نعمة للخلافة الإسلامية، ودعم السلطان سليمان للوثر

يكمل صاحب المؤلف السابق: "لقد كان ظهور لوثر في هذه السنوات بالضبط، نعمة بالنسبة للعثمانيين، تمزَّقت الوحدة الكاثوليكية، عمل شارل كوينت الكاثوليكي المتعصب على القضاء على مارتن لوثر المتعنّت، لكن مذهب لوثر انتشر بسرعة فائقة، وأصبحت أقطار كثيرة تدين بالبروتستانتية، وانفصلت عن نفوذ البابا، عمل القانوني ما بوسعه لمساندة لوثر، وتقويته" (ص 269).

ومضــة: أعجب حرب في تاريخ الخلافة الإسلامية العثمانية حـرب المجـر، عام 1526م

قادها الخليفة بنفسه، وأصيب بسهم:
في المؤلف السابق: "كان قوام الجيش الإمبراطوري العثماني 100000و300 مدفع، أما الجيش المجري فقد كان يبلغ عدده نحو 200000 ويتكون من أقوام مختلفة، ومن بين هذا العدد 38000، من الوحدات المساعدة التي جاءت من ألمانيا.. جعلت الأمطار المستمرة منذ شهور من السهل، مستقنعات متناثرة، وكان الرذاذ ما يزال يتساقط، وقد كانت بالفعل ناحية من السهـل، مستنقعاً كبيراً، دخل البادشاه بعد صلاة الصبح بين صفوف الجيش، وألقى خطبة بليغة.. ويقول جلال زاده: إن السباهيين ـ الخيالة ـ لم يستطيعوا السيطرة على دموعهم.. هجم المجريون الذين سئموا الانتظار في وقت العصر.

أمر البادشاه فرق روملي بالإنشطار إلى قسمين، وجر العدوِّ إلى الداخـل بعد مقاومة قليلة، كان 35 فارسا مجريا قد أقسموا على قتل البادشاه ـ قائد الجيش الإسلامي ـ 3 منهم استطاعوا الإقتراب من البادشاه، وقتل الآخرون، أصيب القانوني برمية سهم لكنَّ السهم لم ينفذ من الدرع، وقَتَل الفرسان الثلاثة بسيفه.

يعتبر هذا الحادث من الملاحم الوطنية في التاريخ المجري، تـم تدمير الخيالة المجرية المدرعة التي تعرضت لقصف 300 مدفع دفعة واحدة، قام بالي وخسروا بمناورات مستمرة تستهدف سوْق العدو نحو المستنقعات، استمرت الحرب ساعة ونصف فقط، وفي نهاية هذه المدة، أصبح الجيش المجري الذي عاش 637سنة، في ذمة التاريخ..

دخل السلطان سليمان مدينة عرش المجر 11/9/1526م، كان قد احتفل بعيد الفطـر في 11 تموز في بلغراد، استقبل السلطان تهاني عيد الأضحى في سراي الملك 17 أيلول مكث 13 يوما في المدينة..

عاد السلطان سليمان إلى استانبول 13/11/1526م، كفاتح للمجر، تبدل الميزان تماما في أوربا الوسطى، وصلت الحدود التركية إلى النمسا وجيكوسلوفاكيا، ودخلت العثمانية دول أوربا الوسطى" (ص 272).

ومضـــة: المعاهدة التي وضعت الخلافة الإسلامية العثمانية على قمة النظام العالمي

بعد عدة حملات عثمانية على أوروبّا، وتحقيق انتصارات متعاقبة، كان العثمانيون يريدون التوجه للشرق لمواجهة الصفويين في إيران، فعقدت معاهدة استانبول 19 حزيران 1547م، مع شارل ـ كوينت، وصادق عليها السلطان سليمان".

في المؤلف السابق: "تتلخص أهم شروط معاهدة أستانبول بما يلي:

الاعتراف بالفتوحات التركية.. يعاد الشخص من رعايا العثمانية الهارب إلى ألمانيا، في الحال إذا طلبت العثمانية ذلك، سواء كان مسيحيّا، أو مسلما، ولا يعاد اللاّجئون على تركيا من الرعايا الألمان إنْ كانوا مسلمين.. لا تستعمل صفة الإمبراطور في أوروبا في المكاتبات الديبلوماسية مع تركية، إلاَّ بالنسبة (لبادشاه العالم) ـ أي ملك العالم ـ السلطان سليمان" (ص 284).

ومضـــة: اقتـــراح بغزو أمريكـــــا

"اقترح على إبراهيم باشا ضرورة إرسال أسطول إلى أمريكا التي تُسمـّـى (العالم الجديد) والحصول على مستعمرة فيها، لكن الباشا أفاد بأنَّ لديهم أعمالا مهمة وكثيرة في البحر الأبيض، حيث إنـَّه يجـب كفِّ يد الأسبان عن المغرب بصورة مطلقة، وإلاَّ فسوف تفعل أسبانيا في المغـرب ما فعلته مع الشعب في الأندلس، وفي العالم الجديد، وسوف تسعى إلى كثلكة شمال إفريقيا بكامله من الأطلسي إلى مصــر" (المصدر السابق ص 290).

ومضــة: حملــة فرنســـا

في هذه الومضـة يتبيّن كيف طلبت فرنسا إرسال جيش من الإمبراطورية الإسلامية لحمايتها من نفوذ شارل ـ كوينت، ولتنميتها عسكريا، وإقتصاديا.

في المؤلف السابق: "كانت مملكة فرنسا (1533م ـ 1544) بتعدادها البالغ 15 مليونـاً، أكبر التجمعات الأوربية كثافة في النفوس، كان فرانسوا الأول عازما على عدم الدخول تحت نفوذ شارل ـ كوينت، تمكـَّن من ذلك بمساندة العثمانية، وفي 18 شباط 1536م، وقع الوزير الأعظم داماد إبراهيم باشا على معاهدة الإمتيازات التي تحصل فرنسا بموجبها على بعض الإمتيازات، وهي مساعدة لتنمية فرنسا عسكريا واقتصاديا، وهكذا منح الديوان الإمبراطوري فرنسا بعض الإمتيازات التجارية التي من شأنها تقويتها ببعض الميزات التي لم يعترف بها لغيرها من الدول" (ص 300).

"وهكذا تحقق طلب فرانسوا الأول بشأن إرسال جيش وأسطول إلى فرنسا، وقد كان يصـر على ذلك منذ سنوات عديدة مع طلباته الأخرى، كالطلبات المالية والتجارية وفتح جبهات متعددة" (ص 301).

ومضــة: عزم القائد العسكري العثماني بربروس دخول روما وإجراء عرض فيها، وتوسل السفير الفرنسي له ألاَّ يفعل ذلك

"كان بربروس يروم الدخول إلى روما، وإجراء عرض فيها، لكن السفير الفرنسي الموجود في الأسطول، خـرَّ على قدمي القائد البحري ورجاه ألاَّ يفعل، إذ إن ذلك لا يساعد فرنسا، وإنما يحمل البابا على الحكم بالحرمان على مليكه" (ص 310).

ومضـة: حملة القائد العسكري العثماني والوزير الأعظم سليمان باشا على الهند، ضد البرتغاليين

"كان على أسطول باشا 7000 إنكشاري، و13000جندي بحري عدا الجدافة، وكان سليمان باشا واليا على مصر منذ 12 سنة، اجتاز البحر الأحمر بتأنّ، ودون عجلة، وأصلح كلَّ ما يمسّ سلطة الدولة في البحر الأحمر.. شنق أمير عدن عامر الثالث على صاري سفينته الأميرالية، اتهمه بتقديم التسهيلات للبرتغاليين وعدم إطاعة الخليفة" (ص 327).

"كانت لسليمان باشا مهمتان: إنهاء مظالم البرتغاليين التي استهدفت إخراج مسلمي الهند، والتي كانت شبيهة بمظالم الأسبان التي ارتكبوها تجاه العرب في الأندلس والمغرب، وكان هذا ديْنـا في رقبة الدولة العثمانية بحكم كونها دولة الخلافة، وبحكم كونها أقدر دولة عسكرية، وكونها الدولة الإسلامية الوحيدة التي تمتلك أسطولا، أما المهمة الثانية لسليمان شابا، فهي إعادة فتح طرق تجارة الهند أمام البحارة المسلمين، وطرق المرور للعثمانية، ولمصر كقطر عثماني" (ص 328).

"أرسل المدافع والبنادق إلى مسلمي أريترة والصومال ضد البرتغاليين وحليفتهم مملكة الحبشة".

ومضة: قهر مملكة الحبشة النصرانية المتحالفة مع البرتغاليين

"تمكـَّن أزدمير بك ـ قائد عثماني ـ على مرّ الزمن من أخذ كامل أرتيرية، القسم الأكبر من الصومال، واستقطع قسما من الحبشة الأصلية وربطها بولاية مصر".

ثم تبين بعد ذلك أن هدف العثمانية كان إبعاد الحبشة عن البحار بصورة مطلقة، وقطعها عن البرتغاليين.

"تسلم ملك الحبشة الجديد كلاديوس 1540ـ 1559م، المدافع والبنادق المرسلة من لشبونه وهي أول مرة يمتلك فيها سلاح.. أرسل والي اليمن 10 مدافع و900 جندي عثماني حملة بنادق، تمكن أحمد غران ـ قائد عثماني ـ بهذه القوات من كسر الجيش المسيحي الحبشي الذي يحوي 450 جنديا برتغاليا بصورة شديدة في معركة ألفا الميدانية، أرسل رأس الجنرال البرتغالي إلى مصطفى باشا في زبيد" (ص 332).

ومضة: فتح العثمانيين لبغداد، وتخليصها من هيمنة الصفويين، وزعميهم ابن الشاه إسماعيل الصفوي الذي مات كمداً من هزيمته أمام السلطان سليم العثماني في جالدران.

"عندما اتضَّح أنَّ الجيش الإمبراطوري سائر إلى بغداد، أدرك والي بغداد الصفوي تعـذّر مقاومة المدينة أمام العثمانية، فأخلى المدينة، دخل السلطان سليمان مدينة الخلفاء بغداد 28 /11/1534م.. ذهب البادشاه في الحال إلى مرقد الإمام الأعظم أبي حنيفة وزاره وأمر بإعمار الأعظمية.. ظل البادشاه في بغداد 4 أشهر ويوم واحد وغادرها 1/4/1535م، فتح كامل العراق الأوسط، تمت الموافقة على تابعية الأمير رشيد في البصـرة، جاء إلى بغداد وقبل يد الخليفة" (ص 342).

"تأسست ولاية البصرة 1538م، وارتبطت بها مناطق جنوب العراق، الكويت، الحساء، قطيف، نجد، قطر، بحرين، عمان، جبل شـمَّر، إما رأسا، أو بقبول شيوخ العرب الحماية العثمانية، وهكذا تحقق انتشار عثمانــي واسع على خليج البصرة".

ومضـة: قيام الصفويين بنشر المذهب الشيعي للإنحياز للشاه في البلاد السنية، واقتناع الخليفة العثماني بضرورة شن حملة على الصفويين في إيران

"كان السبب الأصلي للحملة هو استمرارهم في إرسال عملاء الشاه، خلسة إلى الأناضول وجنوب القفقاس، لبث المذهب الشيعي، ونشر الدعاية للإنحياز إلى الشاه، تأكدت ضرورة القيام بحملة جديدة، عند بدء الصفويين في تطبيق ذلك بشكل دمويّ في شيروان (أذربيجان) أما في الأناضول، فإنَّ عملية تبديل العقيدة كانت تجري بدعاية دقيقة وسرية، أراد الصفويون بعد شيروان، تبديل مذهب شعب داغستان السني الشافعي في شرق قفقاسيا الشمالية، وإدخالهم إلى المذهب الشيعي بحد السيف، لجأ أمير داغستان، إلى العثمانية وطلب المعونة، قرر الديوان أن إيران سوف لا تتوقف لتعويض خسائرها عن سياسة التسلط على جميع الدول السنية الصغيرة" (ص 344).

"كان الشاه في تبريز، أجلى المدينة وأنسحب إلى قزوين بعد أن علم بمجىء البادشاه إلى خوي، كان عازما بشكل أكيد على عدم المجابهة في حرب ميدانية، احتل العثمانيون تبريز" (ص 346).

ومضة: حقيقة المقولة الأوربية الشائعة: (لولا الشاه الصفوي لوصلت العثمانية إلى الراين)

ذكـر المؤلف أنَّ إيران الصفوية طلبت اتفاقية صلح مع الخلافة الإسلامية، فعقدت اتفاقية آماسيا 1555م، واستمر الصلح 23 سنة، وكانت الصفوية قد أشغلت الخلافة العثمانية عن اجتياح أوروبا، وكانت تقف في صف أعداء العثمانيين الأوربيين ـ لا سيما ألمانيا وأسبانيا ـ ضد الخلافة الإسلامية.

"إنَّ مقولة "لولا الشاه، لوصلت العثمانية إلى الراين"، الشائعة الدائرة في أوروبا صحيحة، وإنَّ كانت المقولة المقابلة "لولا أوروبا وخاصة أسبانيا وألمانيا، لوصلت العثمانية إلى تركستان"، لم تتردد في إيران على الرغم من كونها حقيقة" (ص 348).

ومضة: الحكَّام كانوا يطلبون المساعدة التكنلوجية من استانبول

"لم يكن الحكام المسلمون فقط هم الذين يطلبون المساعدة من استنابول، وإنما بدأ الحكام الهندوس بذلك، فمثـلا: كان اثنان من راجات سيلان، والبنغال قد أرسلا رسالتين إلى استانبول، يذكران فيها أنه في حالة مساعدتهما عسكريا وتكنلوجيا، فإنهما سيعترفان بالبادشاه متبوعا لهما، ويقران الدين الإسلامي، أرسل السلطان سليمان مساعدات تكنلوجية إلى خاقانات، وخانات تركستان، كذلك أرسل مدافع، وبنادق، وعسكريين فنيين" (ص 365).

ومضة: وأي كلب هو ذلك الكافر حتى نخافه؟

هذه العبارة قالها قائد القوات البحرية العثمانية في معركة من المعارك مع الأسطول الصليبي 1571م، قال عن قائد الأسطول الصليبي: "وأيُّ كلب هو ذلك الكافر حتى نخافه؟، إنني لا أخشى على منصبي، ولا على رأسي.. ألا توجد غيرة على الإسلام"، وقد استشهد في هذه المعركة مع ابنه (ص 374).

ومضة: فتح موسكــو 24/5/1571م

"سار خان قرم دولت كيراي في ربيع 1571م، بجيش مكون من 120000 خيال أكثرهم من قرم، وقسم منه جنود عثمانيون، إلى روسيا، استصحاب معه سرية مدفعية عثمانية، جرت هذه الحملة للتعويض عن هزيمة استرخان، وتحذيرا للروس من محاولتهم التوسع أكثر، تشتت الجيش الروسي بعد أن خسر 8000 شخص، ولم يتمكن من الدفاع عن موسكو دخل الأتراك موسكو، عاد الخان إلى قرم مع 150000 أسير، وعلى إثر انتصاره، حصل على لقب (تخت ـ آلان) أي كاسب العرش" (ص 376).

ومضة: مساعدة الإمبراطورية العثمانية للمجاهدين الأندلسيين ضد أسبانيا

"استمر أولوج علي باشا بالاهتمام بقية المهاجرين الأندلسيين عند تعيينه واليا الجزائر اعتبارا من 28 حزيران 1568م.. أرسل سفنه إلـ 40 إلى ميناء المرية، في إسبانيا، وتمكن من توصيل قدر كبير من الأسلحة النارية إلى الثوار في جبال الأندلس، أركب آلاف المهاجرين من الذين أمكنهم الإقتراب من الساحل... تمكّن عدّة مئات من البحرية الأتراك من النزول إلى الأراضي الإسبانية مع أسلحتهم النارية، ومن بينها المدافع، والوصول إلى الثوار الأندلسيين، والإنضمام إليهم.. وفي 1569م، جرى إنزال على الأندلس على نطاق واسع، عدة مئات من جنود البحرية، دخلوا أعماق الأندلس ومعهم 4000 بندقية، ومهمات أخرى، وأنضموا إلى الثوار" (ص 378).

ومضة: ادخال إنكلترا تحت الحماية العثمانية

"1580م، كتبت الملكة إليزابيث في رسالتها إلى مراد الثالث، مساعدته ضد الكاثوليك الذين سمتهم (عبدة الأصنام) وذكرت أن عبادة التصاوير في المذهب البروتستانتي ممنوعة كما في الدين الإسلامي، كتب السلطان في خطابه الذي حرره في 1580 للملكة، وأنتم كذلك عليكم الطاعة، والانقياد لبابي العالي ووعدها بالمساعدة المالية والعسكرية، حررت الملكة كتبا عديدة ومنفصلة ـ تطلب فيها المساعدة ـ إلى الوزراء الأعظم، كسنان باشا، وسياوش باشا، وناظر البحرية قيليج على باشا، والأستاذ السلطاني (شيخ الإسلام) سعد الدين أفندي،.. كانت أليزابيت في 1587م، ترجو إرسال 60ـ 70سفينة حربية تركية على الأقـل تجاه الأسطول الأسباني" (ص 394).

ومضة: اهتمام العثمانيــة بآبار النفــط

"عام 1581م، كان أزدمير اوغلو قد نقل قاعدته إلى باكو، واهتم بتحسين إنتاج نفط باكو" (ص 407).

ومضة: انتصار عظيم على الصفويين، أدى إلى وقبولهم احترام المذهب السني وعدم سب شخصيات السنة العظـام

"وقعت معاهدة استنبول 21 آذار 1590م، وانتهت حرب من أقسى حروب التاريخ العثماني التي استمرت منذ 12 عاما ـ وكان قد ذكر صاحب الكتاب أن الشاه الصفوي قبل في هذه المعاهدة أنه من جملة الحكام الذي يجرون سلطاتهم تحت سيادة السلطان ـ حرب المعاهدة الشيخ سعد الين أفندي وانضمت إلى الدولة العثمانية الأراضي التي فتح أكثرها اوزدمير أوغلو عثمان باشا، والبالغة 59000كم مربع، وامتدت حدود الدولة بشكل قطعي حتى غربي سواحل بحر الخزر، بإلإضافة إلى قبول إيران إحترام حرية المذاهب السنيّة، فإنها وافقت على عدم سب شخصيات السنة العظام" (ص 421).

ومضة: شفقة على المسلمين

"أرسل الديوان 1610م، الحاج إبراهيم أغا إلى لندين سفيرا فوق العادة، ولقد كان الغرض الحقيقي من ذهابه إلى أوربــا هو جمع الأندلسيين الذين لم يتمكنوا من الوصول إلى شمال إفريقيا، ولجئوا إلى غرب أوربا، والذين كان أكثرهم في عداد العبيد، جمع العائلات التي تمكن من العثور عليها، ونقلها إلى الأراضي العثمانية" (ص 454).

وبعــد:
فهذه ومضات متفرقة، تم اختيارها بدقة، لكي تؤدي كل واحدة منها رسالة، وخلاصتها أنَّ تركيا التي تشهد اليوم عودة إسلامية مباركة وهائلة، تحمل جميع مقومات النهضة بالأمة الإسلامية، وقد دللـت على ذلك بتاريخها الإسلامي المجيد.

وما وقوف الأتراك الباهر مع قضية الإسلام في فلسطين، إلاَّ دليل على أن الانتماء الإسلامي يبقـى هو الأبرز في كثير من الشعب التركي البطل، وقد آن الأوان لترتبط الحالة الإسلامية العامة في البلاد العربية، بالنهضة الإسلامية الباهرة في تركيا، وأن تتواصل هذه الجهود، لتصحيح الخطأ التاريخي الذي وقعت فيه الأمة عندما فرطت بنظام الخلافة، سائرة وراء مخططات الاستعمار الأوربي الذي وضعها في أطـر، ونظم سياسيّة، واقتصاديّة، وعسكريّة، وثقافيـّة، تُبقيـها في حلقة التبعية، والإلحاق للغـرب بمشروعـه الإمبريالي الذي لا ولن يتخلى عنه.


والله الموفق وهو حسبنا ونعم الوكيل، نعم المولى، ونعـم النصير.



المصدر: موقع الشيخ حامد العلي