الإخاء الروتيني.. أسبابه وعلاجه

مصطفى دياب

.. بل ربما طالت غيبة أخيك عنك، فلا تتواصل معه بالزيارة، أو بالهاتف،
أو بالسؤال عنه، أو إرسال السلام له، أو إرسال هدية له، بل ربما يكون
في ضائقة وأنت لا تتحمس لمساعدته.

  • التصنيفات: محاسن الأخلاق -

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فإن الإخاء الحقيقي بين المسلمين -خاصة العاملين في مجال الدعوة إلى الله- قد يتحوَّل إلى إخاء روتيني كالعلاقة الإدارية بين الموظفين بما فيها من طابع الجفاف في العلاقات، والطبيعة الروتينية التي تربط الموظفين بعضهم ببعض، وتربط كلاً منهم قوانين ولوائح إدارية.

ويظهر ذلك على سلوك الأفراد، فنرى عدم الإحساس بالمحبة الأخوية تجاه أخي الذي يعمل في نفس دعوتي، ولكن في مجال آخر، أو يعمل معي ولكن له دورٌ آخر، وإذا اشتدت الأمور وتأزَّمت فلا تجد سؤال أحد على أحوال أحد، وإذا مرض أخوك ربما لم تعرف، وإذا عرفت تباطأت في زيارته، فقد تزوره وقد لا تزوره، وإذا مات عنده قريب ربما لم تعزِّه، وإذا لقيته في عمل أو في درس أو في طريق ترى الفتور في الترحيب عند اللقاء، فلا روح ولا شوق ولا حب، لا توجد كراهية، ولكن لا يوجد حب، فلماذا؟!

بل ربما طالت غيبة أخيك عنك، فلا تتواصل معه بالزيارة، أو بالهاتف، أو بالسؤال عنه، أو إرسال السلام له، أو إرسال هدية له، بل ربما يكون في ضائقة وأنت لا تتحمس لمساعدته والوقوف بجواره، بل قد تشعر بالفتور وعدم الرغبة في مساعدته.


ولا شك أن هذا الإخاء الروتيني لا يحقِّق الأخوة الإيمانية ولا الحب ولا العمل البنَّاء، ولا يحقق أُلفة القلوب، بل يحقق تنافرها، فلا تتحمل من أخيك رأيًا، ولا مشورة، ولا نصيحة، ولا كلمة، ولا نظرة، ولا فكرة، ولا شك أنها خسارة عظيمة، كيف لا وقد أيَّد الله -عز وجل- رسوله -صلى الله عليه وسلم- بنصره من السماء وبالمؤمنين من الأرض، وألـَّف بين قلوبهم، فاجتمعوا وائتلفوا، وازدادت قوتهم بسبب حبِّهم واجتماعهم، ولم يكن هذا بسعي أحد ولا بقوة أحد غير قوة الله -عز وجل-؟!

فلو أنفق النبي -صلى الله عليه وسلم- ما في الأرض جميعًا من ذهب وفضة وغيرهما لتأليفهم بعد تلك النفرة والفرقة؛ ما ألف بين قلوبهم؛ لأنه لا يقدر على تقليب القلوب إلا الله، فهو -عز وجل- بعزته ألف بين قلوبهم، وجمعها بعد فرقة وشتات؛ قال -تعالى-: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ . وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ۚ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ . يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [سورة الأنفال: ٦٢-٦٤].

فبالإيمان والاتباع يكفينا الله ما أهمَّنا من أمور الدين والدنيا، وتتخلف الكفاية بتخلف شرطيها: الإيمان بالله، والاتباع للرسول -صلى الله عليه وسلم-.


وللإخاء الروتيني أسبابه من واقع حياتنا، فمنها مثلاً لا حصرًا:

ـ قلة البرامج الإيمانية، وقلة وجود القدوات التي تحرِّك الناس نحو الحب والأخوة الإيمانية.

ـ ومنها ضعف التركيز على جانب الأخوة في المناهج الموجودة، مع غلبة الجانب الإداري التنفيذي على الجانب الإيماني.

ـ ومنها الجهل الشرعي بأهمية الأخوة الإيمانية، وواجباتها، وحقوق إخوانك عليك، وعدم القيام بهذه الحقوق.

ـ ومنها قلة اللقاءات الروحانية والإيمانية خارج نطاق العمل والروتين.

ـ ومنها عدم التوافق في الطبيعة البشرية بين بعض الأفراد، واختلاف الهمم في التحرُّك في الدعوة.

ـ ومنها جفاف الطبع، والجهل بطريقة كسب القلوب.


الحلول المقترحة:

ولابد من إيجاد حلول لهذه المشكلة، ومنها:

ـ إيجاد أعمال مشتركة بين أفراد الدعوة؛ لمزيد من التعارف والتقارب والاحتكاك والتفاهم.

ـ التركيز على الجانب الأخوي قبل بداية العمل، فأثناء اللعب لابد من التذكير بالأُخوَّة، ولا يكن همُّك الفوز حتى لو ألحقتَ الضرر بإخوانك، فمن الناس من يرغب في إصابة خصمه، ويتعمد ذلك أثناء اللعب حتى يتمكن من إحراز النصر، فوجب التنبيه على ذلك.

ـ ومنها: تحويل المعاني الأخوية النظرية إلى واقع ملموس عملي بين أفراد العمل والدعوة والمجتمع.

ـ ومنها: ضبط نظام العمل بالجوانب الإيمانية؛ ليحقق معاني الأخوة، وحتى لا تتغلب الإداريات.


ـ اختيار وتحديد شخصيات تقوم بتفعيل مشروع الأُخوة بين الإِخوة؛ لنشر روح المحبة والمودة والتراحم، فتحثهم على التزاور والتناصح، وترسم برامج للتأليف بين القلوب، وتسعى بين الإخوة بالإصلاح والتقريب.

ـ نشر الأساليب التي تؤدي إلى المحبة والمودة والأخوة بين الإخوة، مثل: التهادي، والتزاور، والمواساة، وغيرها.

ـ نوجِّه الخطباء والشارحين في كل مكان لمناقشة موضوع فن التعامل مع الناس، وكيفية كسب قلوب العباد.


ـ سعي الإخوة للتعامل الرباني مع إخوانهم، واتساع الصدر لإخوانهم، وعدم إساءة الظن بهم، والرفق بإخوانهم: «لِينُوا فِي أَيْدِي إِخْوَانِكُمْ» [صححه الألباني]، وكذلك الدعاء لهم، فقد كان للإمام أحمد -رحمه الله- عدد كبير يبلغ المئات من أصحابه يدعو لهم كل يوم، فهل نفعل ذلك قربةً لله -عز وجل-؟! سل نفسك كم أخ لك تدعو له في صلاتك وفي خلواتك؟ وهل حرصت على أن تبيت وليس في صدرك شيء لأحد؟!


وأخيرًا..

«سُدُّوا الخَلَلَ، وَلِينُوا بِأَيْدِي إِخْوَانِكُمْ، وَلا تَذَرُوا فُرُجَاتٍ لِلشَّيْطَانِ» [رواه أبو داود، وصححه الألباني].

وصلِّ اللهم على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

المصدر: موقع صوت السلف