النقاب وإجلاء اليهود عن العقول والبلاد

عبد المنعم الشحات

... فجعل الله غيظهم وحقدهم على الإسلام عامة، وعلى عفاف المسلمات
ومنه نقابهن سببًا مباشرًا في إجلائهم عن المدينة..

  • التصنيفات: قضايا المرأة المسلمة -

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فـ"التاريخ يعيد نفسه"! مقولة لمعناها المقصود كثير من الشواهد، وبالأحرى أن نقول ما قال الله -تعالى-: {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا} [الفتح:23]، ومن شواهدها "حرب النقاب" التي يقودها اليهود على كل فضيلة في العالم عمومًا، وفي العالم الإسلامي خصوصًا، ولكن الجديد أنهم أقنعوا بعض المسلمين، بل بعض المنتسبين للعلم فيهم بطرق شتى أن الهجوم على النقاب يصب في مصلحة الإسلام، أو مصلحة المهاجم؛ فخرج المهاجمون المسلمون بين بائع لدينه، وبين متأول له، في ذات الوقت الذي تحركت فيه كتائب المجتمع الدولي، واليهود هم من يمسك بخيوط المؤامرة في نهاية المطاف.

هذه اليد اليهودية هي نفس اليد التي امتدت إلى نقاب مسلمة؛ لتنزعه في مدينة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في العام الثاني للهجرة فلما فشلت؛ دفعها الحقد والعجلة إلى التحايل لكشف سوأتها، فيهب مسلم غيور دفاعًا عن عرض أخته فيقتلونه غدرًا، فيتحرك جيش رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مجليًا تلك القبيلة اليهودية عن المدينة، ثم تنزل عليهم العقوبة الإلهية فيفنون عن بكرة أبيهم!

كانت هذه هي حاصل قصة غزوة: "بني قينقاع" أول حرب بين المسلمين وبين اليهود كما رواها "ابن إسحاق" و"ابن هشام".

ذكر ابن هشام عن طريق عبدالله بن جعفر قال:

"كان من أمر بني قينقاع أن امرأة من العرب قدِمت بجلب لها فباعته بسوق بني قينقاع، وجلست إلى صائغ بها، فجعلوا يراودونها على كشف وجهها فأبت؛ فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها، فلما قامت انكشفت سوأتها، فضحكوا بها فصاحت. فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله، وكان يهوديًا، وشدت يهود على المسلم فقتلوه، فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود؛ فغضب المسلمون فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع".

وأكمل ابن إسحاق سياق الحادث قال:

"فحاصرهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى نزلوا على حكمه، فقام عبد الله بن أبيَّ ابن سلول حين أمكنه الله منهم، فقال: يا محمد، أحسن في مواليّ وكانوا حلفاء الخزرج. قال: فأبطأ عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. فقال: يا محمد أحسن في مواليّ. قال: فأعرض عنه.

فأدخل يده في جيب درع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أرسلني. وغضب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى رأوا لوجهه ظللاً.

ثم قال: "ويحك! أرسلني. قال: لا والله لا أرسلك حتى تحسن في مواليّ. أربع مائة حاسر. وثلاث مائة دارع، قد منعوني من الأحمر والأسود. تحصدهم في غداة واحدة. إني والله امرؤ أخشى الدوائر. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «هم لك».

وكان عبد الله بن أبي لا يزال صاحب شأن في قومه. فقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شفاعته في بني قينقاع على أن يجلوا عن المدينة، وأن يأخذوا معهم أموالهم عدا السلاح.

وإليك بعض الوقفات مع هذه القصة:

الأولى: هذه القصة مما يقال فيها: "إن شهرتها تغني عن إسنادها"؛ حتى إن كل كتب السيرة القديمة والمعاصرة تقريبًا قد اتفقت على أن سببها قصة "المرأة المنتقبة"، بما في ذلك كتابات لمن حاربوا النقاب فيما بعد؛ فقد أوردها الشيخ الغزالي -عفا الله عنه- في "فقه السيرة"، وأوردها الدكتور "سيد طنطاوي" شيخ الأزهر في كتابه: "بنو إسرائيل في الكتاب والسنة"، ولم يستنكر أيًا منهما حين كتب ما كتب وجود امرأة منتقبة في مدينة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في السنة الثانية من الهجرة، وأنها تصر على نقابها حتى وهي تخاطب الباعة.

الثانية: إذا تقرر من هذه الواقعة وجود النقاب في "العصر النبوي" فليس أمام الزاعمين بعدم وجود النقاب في الإسلام إلا أحد احتمالين:

الأول: أن النقاب كان عادة قبل الإسلام أثبتها الإسلام واستحسنها.

الثاني: أن نقاب المسلمات في ذلك الوقت كان بأمر من النبي -صلى الله عليه وسلم-.

ورغم أن الاحتمال الأول يضعفه قوله -تعالى-: {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [الأحزاب:33]، وأن الاحتمال الثاني يقويه حرص اليهود على مراودة المسلمة على خلعه؛ إلا أنه على فرض أقلهما فهو كافٍ في إثبات أن النقاب سنة شرعية شأنه في ذلك شأن الزواج الذي كان أنواعًا في الجاهلية، وأبقى الشرع منها أشرفها، وحرم سائرها.

هذا إذا حصرنا كلامنا في هذه الواقعة، وأما الأدلة الأخرى على مشروعية ستر الوجه فكثيرة لا تـُحصى، وأما درجة هذه المشروعية: إذا كانت الوجوب، أو الاستحباب فهذه قضية غير مؤثرة في الرد على من ينهى عن النقاب؛ لأن الواجب والمستحب كلاهما مطلوبان شرعًا أحدهما على سبيل الإلزام، والآخر على سبيل الاستحباب، ومن ثمَّ فلا يجوز النهي عن المستحب؛ فضلاً عن النهى عن شيء دائر بين الوجوب والاستحباب، فضلاً عن إعلان الحرب عليه!

الثالث: وجود النقاب في هذا الوقت المبكر من عمر التشريع الإسلامي -"من المعلوم أن التشريعات التفصيلية بدأت في السنة الثانية من الهجرة"- يدل على أهميته القصوى في دين الله -عز وجل-.

الرابع: تأمل في مقدار سعة ثوب المسلمة إلى الحد الذي مكَّن اليهودي من أن يربط أسفله بأعلاه دون أن تدري.

الخامس: لما عجز اليهود عن كشف وجه المسلمة عمدوا إلى كشف سوأتها، وكان هذا منهم تعجل لخطوة كان من المفترض أن تأتي عاجلاً أو آجلاً، ولكن لما استعصت عليه الخطوة الأولى "الوجه"؛ انفجر بركان غضبهم فتعجلوا بكشف السوأة، وأما في زماننا فعندما قام "قاسم أمين" بدعوته إلى كشف وجه المرأة، ونجح في نهاية المطاف بعد حرب ضروس مع الدعاة والمصلحين لم يطل الزمان كثيرًا حتى خرجت علينا "سيزا نبراوي" مرتدية لباس البحر!

وهكذا... فمطالب اليهود أولها كشف الوجه، وقد لا يكون آخرها كشف السوأة، ومن طالع مطالب "مؤتمرات السكان" أيقن من ذلك.

السادس: في القصة ثلاثة فِرق: النبي -صلى الله عليه وسلم- وتلك الصحابية وهذا الصحابي الذي قتل دون عرضها وسائر جيش المسلمين فريق، واليهود فريق ثان، وعبد الله بن أبي فريق ثالث، وما زالت القصة تتكرر، وعلى كل عاقل أن يتخذ لنفسه موقعًا، ويختر له سلفـًا.

السابع: أوردت "دائرة المعارف اليهودية" قصة هذه الغزوة، وأبدوا وجهة نظرهم فيها بقولهم في "المجلد 22" الصفحة "1013" الفقرة الأخيرة أنّ:

"سبب إجلاء اليهود من المدينة ومحاربتهم بقسوة كان شجارًا بين مسلمين ويهود بسوق المدينة، وهو ذاته سبب محاربة اليهود بقسوة".

فالأمر من وجهة نظر اليهود مجرد شجار حدث في سوق المدينة، ولم يكن يستحق أن يفعل بهم ما فـُعِل، وإذا كانت هذه هي نظرة اليهود لاعتداء أسلافهم على عرض المسلمات؛ فإن نظرتهم اليوم للأمور قد تغيرت بحيث يرون أن أي مقاومة أو رفض تعد تطرفـًا وإرهابًا، وخروجًا على المألوف، ووافقهم على هذا بعض من هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، ولكن الحمد الله أن معنى العرض عند المسلمين رغم ما أصابه من تشوه ما زال له شأن.

الثامن: كان عدوان اليهود على نقاب امرأة مسلمة سببًا مباشرًا لإجلائهم عن المدينة، ورغم أنهم كانوا قد أظهروا أنواعًا من نقض العهد بعد انتصار المسلمين في بدر، منها: تحريض قريش لسرعة العودة إلى أخذ الثأر.

ومنها: قولهم للنبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا يغرنك أنك قابلت أغمارًا من القوم، وإنك لو لاقيتنا لعلمت أننا نحن الناس»، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- صابر على أذاهم خشية أن يقال: إن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- غدر، وبدأ بنقض العهد.

فجعل الله غيظهم وحقدهم على الإسلام عامة، وعلى عفاف المسلمات ومنه نقابهن سببًا مباشرًا في إجلائهم عن المدينة، وبإذن الله يكون عدوانهم على عفاف المسلمات في الحاضر سببًا لجلاء دعوات العلمانية والتغريب عن عقول أبنائنا، وبعدها سوف نتمكن بسهولة من إجلاء اليهود عن ديارنا.

وإن كان اليهود وأعوانهم قد أرادوا التغطية على انتهاكهم لحرمة المسجد الأقصى بإشعال معركة النقاب، واستجاب لهم بعض من يخشى من أن يعتبره المجتمع الدولي متطرفـًا أو متزمتـًا، أو مشجعًا لذلك أو مقرًا عليه؛ فإن الغضبة التي عمت الأمة حتى في الأوساط التي لا تلتزم بالنقاب، ولا بالحجاب مبشِّرة بأنهم جنوا على أنفسهم كما جنى أسلافهم على أنفسهم!

ولكننا ننتظر أن تتحول تلك الغضبة إلى التزام بالحجاب من كل متبرجة بحيث يعم الحجاب الشرعي كل المسلمات، وأقله عند علمائنا أن يكون ساترًا لجميع البدن عدا الوجه والكفين، وأما الوجه والكفين فمن رأت وجوبهما أو أُفتيت بذلك من عالم ثقة فلابد لها من النقاب، ومن لم ترَ إلا الاستحباب؛ فلتؤازر أخواتها المنقبات، ولتشد من عضدهن، وحبذا لو طلبت الأفضل وقررت التقدم إلى خط الدفاع "النقاب"، الذي بيَّنا أن الأعداء متى فرغوا منهم -لا بلغهم الله منهم- اندفعوا إلى غيره بغير روية.

فاللهم اجعل هذا الهجوم وبالاً عليهم، وطردًا لهم من عقولنا، وبلادنا.
اللهم آمين.

 

المصدر: موقع صوت السلف