(2) الذكر والتكبير في عشر ذي الحجة

فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ: أَيَّامُ العَشْرِ، وَالأَيَّامُ المَعْدُودَاتُ: أَيَّامُ التَّشْرِيقِ.

  • التصنيفات: الذكر والدعاء - السيرة النبوية - دعوة المسلمين - الحث على الطاعات -

لا شك أن جميع الأعمال الصالحة مطلوبةٌ ومرغّبٌ فيها في الأيام العشر الأولى من ذي الحجة؛ إلا أن الذكر له أهمية خاصة، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ: أَيَّامُ العَشْرِ، وَالأَيَّامُ المَعْدُودَاتُ: أَيَّامُ التَّشْرِيقِ" رواه البخاري في صحيحه، ثم ذكر رواية معلقة: "كان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما يخرجان إلى السُّوقِ في أَيام العشْر يُكَبِّرَانِ، وَيُكَبِّرُ الناس بِتَكْبِيرِهِمَا، وكَبَّر محمد بن علي خَلْفَ النَّافِلَةِ".

 

وقد ورد ذكر الأيام المعلومات في قول الله تعالى في سورة الحج: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ} [الحج من الآية:28]، وفسّرها عبد الله بن عباس رضي الله عنهما بأنها الأيام العشر الأولى من شهر ذي الحجة، وفسَّر الأيام المعدودات الواردة في قول الله تعالى في سورة البقرة: {وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ} [البقرة من الآية:203] بأنها أيام التشريق -الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من شهر ذي الحجة-، وكان العمل الأساسي الذي طلبه الله عز وجل من عباده في هذه الأيام -المعلومات والمعدودات- هو الذِّكْر.

 

وفي تطبيق عملي لهذا التفسير يذكر الإمام البخاري بصيغة معلقة: أن الصحابيين الجليلين عبد الله بن عمر وأبا هريرة رضي الله عنهما كانا يخرجان إلى السوق فيُكَبِّران، وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا، فاختارا التكبير تحديدًا ليَحُثَّا الناس عليه في هذه الأيام الفاضلة، ولم يفعلا ذلك إلا لعلمهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك.

فصار التكبير سُنَّة نبوية مهمَّة في العشر الأولى من ذي الحجة، وإن كان ذِكْر الله بشكل عامٍّ أمرًا مطلوبًا في هذا التوقيت لعموم الآيات التي ذكرناها، وقد وردت رواية صحيحة تُوَسِّع دائرة أنواع الذكر في الأيام العشر؛ فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ» (مسند أحمد؛ برقم: [5997] بإسناد صحيح).

وأما صيغ التكبير فلم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم صيغة معينة فيها، وإنما ثبت عن صحابته رضوان الله عليهم عدة صيغ منها:

الأولى: قول: (اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ كَبيرًا)، وهذه الصيغة ثابتة عن سلمان الفارسي رضي الله عنه، أخرجها البيهقي في السنن الكبرى وصحح الحافظ ابن حجر سندها.

الثانية: قول: (اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، واللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، وللَّهِ الحمدُ)، وهذه الصيغة ثابتة عن ابن مسعود رضي الله عنه، أخرجها ابن أبي شيبة في مصنفه.

الثالثة: قول: (اللَّهُ أَكْبَرُ كَبيرًا، اللَّهُ أَكْبَرُ كَبيرًا، اللَّهُ أَكْبَرُ وأجَلُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، وللَّهِ الحمدُ)، وهذه الصيغة ثابتة عن ابن عباس رضي الله عنهما، أخرجها ابن أبي شيبة في مصنفه.

فلنحرص على إحياء هذه السُّنَّة المباركة، بتطبيقها وحث الناس عليها، حتى ننال أجر الذكر والتكبير، وأجر إحياء سنة من سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم.