تركيا، توضيح ونصيحة بخصوص محاولة الانقلاب العسكري على أردوغان

أحمد سمير

وجدت البعض يقوم بإعادة نشر للمنشور الذي كنت قد كتبته عن تقرير راند (صعود الإسلام السياسي في تركيا) تعليقاً على ما حدث بالأمس، والتقرير نافع جداً أن يتم الإطلاع عليه، ولكن في الحقيقة وجدت من قلة الأمانة وانعدام المسؤولية ألاَ أكتب هذا التوضيح حتى لا يتم وضع المنشور المذكور في غير موضعه، في واقع على المحك ارتبط به مصائر الآلاف من المستضعفين هناك.

  • التصنيفات: الواقع المعاصر -

وجدت البعض يقوم بإعادة نشر للمنشور الذي كنت قد كتبته عن تقرير راند (صعود الإسلام السياسي في تركيا) تعليقاً على ما حدث بالأمس، والتقرير نافع جداً أن يتم الإطلاع عليه، ولكن في الحقيقة وجدت من قلة الأمانة وانعدام المسؤولية ألاَ أكتب هذا التوضيح حتى لا يتم وضع المنشور المذكور في غير موضعه، في واقع على المحك ارتبط به مصائر الآلاف من المستضعفين هناك.

أقول بسم الله:

1- الثابت الوحيد في علاقات أمريكا الخارجية هو تحقيق مصلحتها.

2- وحتى المصلحة الأمريكية مصطلح يتسع لتفسيرات مختلفة بحسب الإدارة التي تقبع في البيت الأبيض.

3- لا شك أن هناك خطوطاً عريضةً -وأحيانًا دقيقة- ليست محل خلافٍ بين الأمريكان، ولن تتأثر بتغير الإدارات الأمريكية، ولكنها غالبًا ما تكون خطوطاً استراتيجيةً ذات أبعادٍ طويلة المدى، ولا تتعلق -غالبًا- بالوقائع والأحداث التفصيلية التي نعايشها في واقعنا.

4- إذا وضعت ذلك أمام عينيك؛ تبين لك أن سياسات أمريكا الخارجية ليست ثابتة أبداً وإنما تتغير وفقاً لمصلحتها، وحتى تقدير المصلحة -كما بينا- قد يتغير نسبياً بتغير الإدارات الحاكمة في البيت الأبيض.

5- تجمدك في نظرتك للسياسات الأمريكية سيقودك إلى أخطاءٍ تحليليةٍ جسيمة، فما تتبناه أمريكا في مرحلة لا يلزم أن تظل تتبناه إلى الأبد! قد تختلف السياسات باختلاف الإدارة الحاكمة، وقد تختلف لاختلاف الواقع وتجدد الأحداث، وقد تختلف لأنها كانت سياساتٌ مرحليةٌ أصلاً وليست دائمة.

6- العوامل الثلاثة لتغيير السياسات موجودةٌ في الواقع التركي اليوم، باستثناء تغير الإدارة الأمريكية، وهذا متوقع أن يحدث بشكلٍ فجٍ إذا فاز ترامب.

7- لهذا كله ما توصلت إليه منذ فترةٍ كبيرةٍ أن تركيا على مشارف تغير كبير، ليس شرطًا أن تتغير الوجوه ولكن حتماً ستتغير السياسات، ومازلت على نفس الاعتقاد حتى الآن، وما حدث بالأمس ليس إلا إيذاناً بهذا التغير، ومن تكلمت معه بشكل خاص من إخواننا الجالسين هناك يعرف كم حذرت من بقائهم هناك.

8- أخشى ألا يكون أمام هذا التغير كثير من الوقت، فقد لا ينتهي هذا العام إلا وقد حدثت تغيرات بارزة.

9- قد تكون أمريكا ضالعة فيما حدث أمس بالتخطيط، أو بالتأييد، أو بغض الطرف حتى تتبين حقيقة الأمر، كل ذلك لا ينفي ضلوعها فيما حدث، ولا أشك بتاتاً في تورطها بشكل ما.

10- التطورات في تركيا ليست منفصلة عن التطورات في سوريا والعراق.

11- الاتفاق الأمريكي الروسي  بشأن سوريا يستلزم تغيرات على مستوى ضخم في السياسة التركية، وفي شكل الإقليم كله هناك.

12- هناك عقبة تركية عنوانها الأكراد وقد رفضت أمريكا الطرح التركي حول إنشاء منطقة آمنة، عازلة في الشمال السوري.

13- الحل الذي تصيغه أمريكا وروسيا يضر جداً بتركيا في الفترة القادمة، والمطلوب اليوم من الحكومة التركية -بعد كل ما قدمته في الملف السوري- هو التضحية بدون مقابل لتحقيق هذا الحل!

14- هذه التضحية لن يكون ضحيتها سوى الرصيد الشعبي لحزب العدالة والتنمية، في ملفٍ أثار حفيظة كل خصومه ضده، وهذا ما يفهمه أردوغان جيداً، وهذا ما تعرف أمريكا أن أردوغان لن يقبله، ولكن أمريكا قررت وشعارها (قُضي الأمر) بعدما حققت من تركيا ما كانت تريده.

بناء على ما سبق نصيحتي للعرب الذين أخرجوا من بيوتهم إلى تركيا بادر بالتحرك اليوم قبل غد، لا تعط الأمان -رغم فشل الانقلاب حالياً- تركيا ليست ملاذاً آمناً في الفترات القادمة، (مطار اسطنبول) فجأة سيكون كـ(مطار كراتشي) إبان اشتعال الحرب الأمريكية في أفغانستان، ستكتشف بدون سابق إنذار أنك تتعامل مع ال CIA هناك، كونك عربياً في تركيا قد تصبح تهمةً كافيةً للتشريد بك، والخروج الآمن لا يكون إلى (غرب أوروبا) أو (أمريكا) فكلها من مناطق الصراع، وكونك عربياً قادماً من تركيا إلى هناك أيضاً محل تهمةٍ .. هذا ليس تحليلاً وسرداً للتوقعات، هذه نصيحتي لله، ولا أدعي كشفاً للمستقبل والله وحده من يعلم الغيب، وإن كنت أرى المعطيات كلها -مما ذكرت ومما لم يتسع المقام لذكره- تقود لذلك.

حفظ الله المستضعفين من إخواننا في مشارق الأرض ومغاربها، ولا أفجعنا فيهم أبداً.

 

أحمد سمير
17 يوليو 2016

المصدر: صفحة الكاتب على الفيس بوك