من المحن تأتي المنح

خالد الشافعي

إن أعداء الصحوة الأغبياء لا يعرفون أن جذوة الإسلام كانت تحت الرماد
ولم تنطفىء يوماً ومع أقل حركة تشتعل فى قلوب المسلمين من جديد لتقضى
على حصاد الباطل ولو كان عمره مائة عام أو أكثر ..

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -


كتبت من قبل قائلاً كلما نزلت بالمسلمين نازلة: "وهل أعظم من أن يصبح الإسلام غريباً في مصر وأن تسلم المسلمات إلى الكنيسة؟" وكلما أصاب أذني أو عيني شيئاً من قمامة أعداء الله ورسوله، أبيت ليلتي مغموماً محزوناً أكاد أموت من القهر ثم سألت شيخي يوماً ما الحل؟ وحكيت له مرارتي وقهري فأعطاني يومها بشرى أعيش بها إلى اليوم ونبهني إلى معنى عجيب صار هو سلواي كلما حلت بنا نائبة من نوائبهم، قال لي: أعداء الإسلام من الكفار والمنافقين أغبياء.


قلت له: زدني.
قال لي: إن الحقد والغل أعماهم أن يروا ما هو واضح لكل ذي عينين.
قلت له: وما هو؟

قال: أن الإسلام كالكرة المطاط كلما ضربتها أكثر ارتفعت أكثر، هم يضربون بكل قوة والصحوة في زيادة والجماهير تعود بالألوف.

إن أعداء الصحوة الأغبياء لا يعرفون أن جذوة الإسلام كانت تحت الرماد ولم تنطفئ يوماً ومع أقل حركة تشتعل في قلوب المسلمين من جديد لتقضي على حصاد الباطل ولو كان عمره مائة عام أو أكثر، إنهم لا يدركوا أن المحن ترد المسلمين إلى ربهم وأن الإسلام يزدهر في أجواء التحدي.


قال لي: إذا أراد الله نشر فضيلة طُويت أتاح له لسان حسود. الإسلام لا يتألق إلا في أجواء التحدي، والمسلمون لا يعودون إلى دينهم إلا إذا أحسوا أنه في خطر، ومن المحن تأتي المنح، ولا تنظر إلى سوء الحال بل انظر إلى حسن المآل. أم موسى تلقيه في اليم فيربيه فرعون ويكون ما يكون، ويوسف يُلقى في البئر فيرفع على عرش مصر، وغلام الأخدود يُقتل فيدخل الناس في دين الله ويقع ما كان يحذر الملك.


حين تركت شيخي شعرت بسعادة غامرة وفرحة تكاد ترفعني من على الأرض وتذكرت قول بعض المجاهدين من سلفنا الصالح: كنا نحاصر الحصن حتى يستعصي علينا ونهم بالانسحاب فإذا بأهل الحصن يسبون النبي فنستبشر مع كراهتنا لذلك لأننا نعلم أن الله ينتقم لنبيه فيسقط الحصن.


محنة كاميليا وإن كانت مرة ومريرة وتفتت الكبد لكنها ستنقلب منحة إن شاء الله. يكفي أن عوام الناس صدقونا الآن، وعرفوا من العدو من الصديق. يكفي أن عوام الناس بدأوا في فهم الواقع المر، يكفي أن عوام الناس تحركت مشاعرهم وغيرتهم على هذا الدين.


إخواني في الله ينبغي أن نشعر بالغم لكن دون أن ينقلب ذلك يأساً أو قنوطاً، ينبغي أن نشعر بالمرار لكن دون أن نجلس نبكي في أماكننا، فالله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون، اقرأوا سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وسيرة الأنبياء مع أقوامهم، النهاية دائماً انتصار الخير واندحار الشر، النهاية دائماً التمكين للصالحين والذل والصغار على الظالمين.


نحن منصورون - بإذن الله - ولكن الله يبتلي ويختبر ويمايز ويمحص ليعلم من ينصره ورسله بالغيب. ارفعوا رؤوسكم وانظروا إلى الخيط الأبيض لا الخيط الأسود، وليكن عندكم يقين راسخ أن نصر الله آت، وأن نصر الله قريب ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.


إخواني في الله ، ثقوا في وعد الله ونصره، واعلموا أن مع العسر يسرا، وإياكم واليأس أو الإحباط، وإياكم أيضاً والتهور أو الطيش أو الاستعجال، دين الله غالب ووعد الله متحقق ولابد، لكن لله سنن كونية ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز.


{ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } [النور:55]، فليراجع كل منا حاله مع ربه وحال أهله وبيته وأولاده فليراجع كل منا عبوديته لله ليرفع عنا ما نحن فيه وليمكن لنا في الأرض كما مكن لآبائنا.


خالد الشافعي
[email protected]
المصدر: خالد الشافعي - خاص بموقع طريق الإسلام